كلمة المناضل - عددان - في تشرين ، ماذا نتذكر ؟؟
كلمة المناضل العدد 163ـ164 آب ـ أيلول 1983
في تشرين ، ماذا نتذكر ؟؟
الدكتور . فواز الصياغ
رئيس هيئـة التحرير
في خضم الأحداث الكبيرة من تاريخ الشعوب والأمم ـ تبرز المهام الصعبة التي تتناسب وتلك الأحداث ، وفيها تبرز القيادات القادرة على معالجة تلك الأحداث ، وقيادة الجماهير نحو تحقيق أهدافها في تلك المرحلة الصعبة ، وتتجلى عظمة وأهمية تلك القيادات وأفرادها فيما تحققه من انتصارات ، إبان تلك الظروف العصيبة والمعقدة .
وامتنا العربية ، تمر اليوم بمرحلة من تلك المراحل الصعبة ، وتحتاج إلى مثل تلك القيادات ، فالهجمة الإمبريالية الصهيونية المعاصرة ، المتكالبة على غزو الوطن وامتصاص خيراته ، وإخضاع شعبه وتشريده ، لم تكن الأولى التي عانينا منها ، فوطننا شهد مثلها في نهاية القرن الحادي عشر والقرن الثاني عشر الميلادي ، عندما غزت الجيوش الصليبية بلادنا تحت شعار الدين . وفي الحقيقة كانت غزوة أوربية ، استيطانية اقتصادية وسياسية ، بكل ما تعنيه تلك الكلمات .
و إبان تلك الغزوة وحروبها ، مرت على الأمة العربية قيادات متنوعة وعديدة ، حاول بعضها ، القيام بعمل ما !، لمواجهتها ، وتعاون بعضها الآخر مع الغزاة ، وتحالف معهم ، وحارب بعض تلك القيادات ، أشقاءه العرب ، وجيوش أشقائه ، والقليل الأقل منها ، وقف كما يجب أن تكون وقفة القيادة التاريخية في تلك الظروف ، ووقفتها تلك ، هي التي أتاحت للأمة العربية ، الصمود ودحر الغزاة الصليبيين ، والتخلص نهائياً من شرورهم ، لذلك دخلت تلك القيادات التاريخ ، لأنها تمثلت أهداف الجماهير ، وتمسكت بها وعملت على تحقيقها ، فصلاح الدين الأيوبي كما نقول "علم في رأسه نار" أشهر من أن يعرف لأي أمة من الأمم ، وعندما تذكر الشعوب أبطالها ورجالها العظام ، يحتل صلاح الدين مقاماً بارزاً بينهم . و أهمية لا تأتي من انتصاراته فحسب ، وإنما تأتي أيضاً من الظروف الصعبة التي أحاطت بعصره .
فواقع الأمة العربية في تلك الفترة ، لا يختلف كثيراً عن واقعها اليوم ، وربما كان أسوا من نواحي التشتت والتفرق ومحاباة بعضهم للعدو والتحالف معه وتآمر الأخ على أخيه من ناحية ، وتحالف الغرب مع الصليبيين ، وإرسال عدة جيوش أجنبية لغزو أرض الوطن ، من أنحاء أوربا المتعددة من ناحية أخرى . إضافة إلى معارك جانبية كثيرة ، كانت تدور رحاها في أطراف الوطن ، مشرقه ومغربه في تلك الفترة .
و نحن نستعرض ذلك ، يحق لنا أن نعقد المقارنة ، خصوصاً في هذه الأيام التي نسترجع فيها ذكرى حرب تشرين ، وقيادة حرب تشرين ، وما حققته للأمة العربية ولجماهيرها في هذا القطر العربي الصامد .
و قياساً على أحداث التاريخ وتقويم الأجيال المتعاقبة على ظروف الحروب الصليبية ، والرجال الذين وقفوا في وجهها وحققوا لأمتهم النصر في ظروف صعبة ، يحق لنا في تاريخنا المعاصر ، أن نحكم دون تردد بأن حرب تشرين هي الحدث الأهم في هذا العصر بالنسبة لتاريخ امتنا ، وان قائدها الرفيق حافظ الأسد ، هو الرجل الذي استطاع أن يستلهم أهداف الجماهير ، ويتمسك بها ، ويعمل على تحقيقها في ظروف ، لم تمر على الأمة منذ عدة قرون .
إن متابعة الطريق الذي رسم في تشرين 1973 ، هو العمل الأهم اليوم في تاريخنا، لأن ما تستهدفه الإمبريالية والصهيونية اليوم ، من حشد جيوشها وأساطيلها حول وطننا والاعتداء عليه ، هو إجهاض لما تحقق منذ سنوات عشر ، لأن ما تحقق هو انتصار إرادة الأمة العربية على أعدائها ، فإما أن يستمر هذا الانتصار وإما أن تفرض إرادة العدو ، تلك هي المعركة ، ونحن متمسكون بفرض إرادتنا في وطننا .