كلمة المناضل - عدد - ماذا وراء الغزوة الصهيونية الأخيرة ...؟
كلمة المناضل العدد 313 آذار ـ نيسان 2002
ماذا وراء الغزوة الصهيونية الأخيرة ...؟
الدكتور فواز الصياغ
رئيس هيئة التحرير
في حملة غير مسبوقة منذ عشرات السنين على الأراضي الفلسطينية قامت قوات الغزو الصهيوني بمهاجمة المدن والبلدات الفلسطينية الواقعة في مناطق السلطة الفلسطينية فيما سمتها حملة " السور الواقي " هدفها تدمير البنية التحتية وتقتيل المواطنين وإرهابهم وإرغامهم على ترك مناطقهم وإعادة الاحتلال العسكري المباشر وفرض السلطة والإدارة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية التي انسحبت منها في وقت سابق حسب اتفاقات أوسلو وما تبعتها . إن هذه الحملة تذكرنا بالأيام الأولى للحرب العربية الإسرائيلية في عام 1948 إثر إعلان قيام الكيان الصهيوني حين قامت عصابات الصهاينة ومنظماتها الإرهابية بتدمير المدن والقرى الفلسطينية وتهجير مواطنيها كي تحل محلهم مهاجريها وتوسع مستوطناتها لضرورة قيام الكيان الصهيوني .
لقد كان واضحاً منذ زمن طويل أن العقيدة الصهيونية التي تحاول امتلاك الأراضي العربية لا يمكن دحرها وإيقاف عدوانها بالمهادنة أو الاستسلام لأهدافها ، أو توقيع اتفاقات معها يتم خلالها التنازل عن الحقوق الأساسية للعرب في فلسطين ، ولا يمكن كذلك الانفراد بمقاومة عدو يتمتع بقدرة عسكرية وترسانة نووية ودعم أميركي وامبريالي ليس له حدود ، لأن هذا الانفراد سيقود حتماً إلى تنازلات تبدأ بخطوة تتلوها خطوات ، وكلما قدم الجانب العربي أو الفلسطيني تنازلاًَ لإرضاء " إسرائيل " ارتفعت وتيرة وسقف المطالب الصهيونية بالمزيد من الأراضي والتنازلات ومزيد من إذلال الموقعين على تلك التنازلات والاتفاقات حتى يصل الأمر إلى نقض كافة الاتفاقات التي تم توقيعها معه ، على تواضع ما أنجزته هذه الاتفاقات خلال السنوات العشر الماضية ـ .
لقد حذر حزب البعث العربي الاشتراكي منذ عشرات السنين من هذه السياسة ، التي لم تجلب للقائمين عليها سوى الإدانة ومزيد من التراجع وإعطاء المبررات للعدو كي يزيد من غطرسته وعنجهيته .
وهذه السياسة التي بدأت في كامب ديفيد وانتهت بتوقيع اتفاقية أوسلو وما تبعها من سلسلة التنازلات عن الحقوق القومية وعن الأراضي العربية قد خلقت في الواقع العربي جروحاً عميقة لم تستطع الجماهير تحملها مما أدى إلى رفضها ومقاومتها ، وتعميق الانقسام العربي واختلاف المواقف تجاهها ودفع بعض القوى المعارضة إلى القيام بعمليات مقاومة للعدو في محاولات لكسر غطرسته ومقاومة مخططاته .
لقد تنامت قوة اليمين الإسرائيلي كثيراً بعد التنازلات العربية والفلسطينية التي قدمت في السنوات الأخيرة واستطاع هذا اليمين أن يصل إلى الحكم بزخم قوي ودفع بحزب العمل والقوى التي كانت تسمى " بالمعتدلة " بعيداً إلى الخلف لدرجة أنه بالكاد نسمع الآن في الكيان الصهيوني عن حركات أو مواقف معارضة كثيراً لسياسة الإرهابي شارون على الرغم من معرفتهم ومعرفة العالم بأسره لتاريخه الإجرامي الطويل بحق العرب عموماً والفلسطينيين خصوصاً . ولم تتوقف سياسة اليمين المتطرف في " إسرائيل " على مهاجمة الفلسطينيين واللبنانيين بل طالت كذلك فلسطينيو الأراضي المحتلة عام 1948 عندما بدرت منهم حركة لتأييد أخوانهم في الضفة والقطاع ، وقد وصلت إجراءات القمع الصهيوني إلى إسقاط عضوية المناضل عزمي بشارة من الكنيست الإسرائيلي وتقديمه للمحاكمة ، بسبب مواقفه القومية وتعريته للعنصرية الصهيونية وسياستها التي تمارسها حكومة العدو تجاه عرب الأرض المحتلة .
لقد أوضحت قيادة الحزب وحكومة الجمهورية العربية السورية أن السياسة التي يتوجب على العرب انتهاجهاً في وجه المخططات الإسرائيلية يجب أن تسير على خط ثابت وواضح وتهدف إلى إرغام العدو على التراجع عن سياسته العنصرية الاستيطانية وإجباره على إعادة الأرض والحقوق لأصحابها الشرعيين وعلى العرب أن يتمسكوا بالثوابت القومية في الأرض والسيادة وعلى تطبيق القرارات الدولية واحترام الحقوق الثابتة للشعب العربي الفلسطيني والالتزام بتنفيذها ، وحتى يتم ذلك لابد من الوقوف بصلابة في وجه العدو ومقاطعته سياسياً واقتصادياً والثبات في وجه سياسته العسكرية العدوانية وردها ، وعلى العرب كذلك الالتزام بقرارات القمم العربية وتنفيذها خصوصاً قرارات مؤتمر القمة العربية الأخيرة التي عقدت في بيروت لجهة الالتزام بوقف كافة الاتصالات مع العدو ، وتطبيق قرارات المقاطعة العربية ، وتفعيل العمل العربي المشترك تجاه الدول التي تساند " إسرائيل " سياسياً وعسكرياً .
لأنه بدون تلك السياسة ستظل " إسرائيل " ومن يدعمها يستضعفون الموقف العربي ولا يتأثر بأي تصريحات لا تتبعها أفعال جادة تعيد للعرب أرضهم وحقوقهم .