الاخبار - طنطاوي «كلب مبارك»... والجيش مؤسّسة تجاريّة
الجمعة 15-4-2011
طنطاوي «كلب مبارك»... والجيش مؤسّسة تجاريّة
تختصر برقيّة تعود لعام 2008 وضع الجيش المصري في النظام، وخصومته لدائرة رجال الأعمال المحيطين بجمال مبارك. الجيش يخسر من نفوذه، والمشير محمد حسين طنطاوي غير محبوب من الضباط، إذ إنه ليس سوى «كلب مبارك»
رقم البرقيّة : 08CAIRO2091
التاريخ: 23 أيلول 2008
الموضوع: يرى الأكاديميون أن الجيش يتّجه نحو الانحدار لكنه يحافظ على نفوذ قويّ
1. ملخَّص: في الآونة الأخيرة، وصف لنا المحلّلون المدنيون والأكاديميون الجيش المصري بأنه يعاني انحداراً على المستويين الثقافي والاجتماعي، وأن ضباطه قد ابتعدوا عن الطبقات النخبوية من المجتمع.
ويقولون إن الضباط من الرتب المتوسطة مستاؤون من وزير الدفاع محمد حسين طنطاوي، ويوجهون إليه انتقادات قاسية، إذ يرونه غير مؤهل لمنصبه ويفضل من مرؤوسيه أولئك التابعين له لا الأكفاء منهم. لكن ينظر المحللون إلى الجيش على أنه بمثابة عامل مؤثر وقوي بسبب دوره في الحفاظ على استقرار النظام وإدارته لشبكة كبيرة من المؤسسات التجارية. بما يخص الخلافة، يلقي المحللون الضوء على الارتباك الحاصل بين القوات المسلحة وجمال مبارك، لكنهم يؤيدون، على العموم، واقع دعم الجيش لجمال إذا استقال مبارك وعيّنه رئيساً بدلاً منه، السيناريو الذي نراه بعيد الاحتمال. ويعتقد أحد الأساتذة، أنه منذ عام 2003، حاول النظام تعزيز النخبة الاقتصادية المقربة من جمال على حساب الجيش، في محاولة لإضعاف أي اعتراض عسكري مرتقب لطريق جمال نحو الرئاسة. يرى محللون آخرون أن النظام يحاول السيطرة على الجيش ووضعه تحت عهدته كي يقبل بجمال، وأنه بالرغم من التوتر القائم بين المؤسسات العسكرية وأوساط رجال الأعمال، لا تزال العلاقات بينهم قائمة ومتبادلة. انتهى الملخص
مؤسّسة نحو الانحدار
2. إنّ مجموعة جديدة من المحادثات مع أكاديميين ومحللين مدنيين آخرين، تظهر إدراكهم لقوة المؤسسة العسكرية رغم أن مستواها يتّجه نحو الانحدار. (ملاحظة: إن خبرة الأكاديميين في الشؤون السياسية المصرية، ورغبتهم في التعليق على المسألة الحساسة المتعلقة بدور الجيش الحالي، تجعلان منهم محاورين قيّمين بالنسبة إلينا.) انتهت الملاحظة). أخبرنا أستاذ للعلوم السياسية في الجامعة الاميركية في القاهرة، تربطه صلة قرابة بالضباط، أن الجيش وصل الى ذروة نفوذه أواخر الثمانينيات قبل إطاحة وزير الدفاع الأسبق أبو غزالة ـــــ الذي توفي في الفترة الأخيرة ـــــ وسُرِّح بسبب زيادة شعبيته السياسية. وأكد أنه منذ عام 1989، تضاءل نفوذ وزارة الدفاع في المجتمع المصري تدريجاً، وانحدر المستوى الاجتماعي الوجيه لأفراده النخبويّين، تماشياً مع تلاشي احترام المجتمع للجيش.
أشار أحد المحللين السياسيين ـــــ العسكريين، عميد متقاعد، في مركز الأهرام ـــــ المموَّل من الحكومة المصرية، إلى أن رواتب العسكريين قد تدنّت إلى أقل بكثير مما هو مُتاح في القطاع الخاص، وأن مهنة في المؤسسات العسكرية ليست بالخيار المحبَّب لدى الشباب الطموح، الذي يتطلع بالمقابل إلى توظيفه لدى نخبة رجال الأعمال الجدُد.
3. يرى أستاذ بارز في العلوم السياسية في جامعة القاهرة أنه قبل حرب 1967، كان الضباط العسكريون «مدلّلين»، ومثّلوا نخبة اجتماعية. وأضاف أنه بُعَيد الأداء العسكري الضعيف في حرب 1967، بدأ الضباط بالسقوط من المراتب العليا للمجتمع، وازدادت وتيرة سقوطهم بعد إطاحة أبو غزالة عام 1989. وأشار أستاذ بارز في العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في القاهرة، إلى أنه منذ عهد أبو غزالة، لم يسمح النظام لأي من الشخصيّات البارزة ببلوغ المراتب العليا. وقال ممازحاً إن (وزير الدفاع) طنطاوي «يبدو كالبيروقراطيين».
ورأى أستاذ بالجامعة الأميركية في القاهرة، أن ضباط الرتب المتوسطة مستاؤون عموماً، وقال إنه بامكان أي أحد أن يسمع ضباط الرتب المتوسطة في نوادي وزارة الدفاع في القاهرة، يتحدثون علناً عن ازدرائهم لطنطاوي. يصف هؤلاء الضباط طنطاوي بأنه «كلب مبارك»، ويتذمّرون من أن «وزيرالدفاع غيرالمؤهل»، الذي بلغ منصبه عن طريق ولائه الشديد لمبارك، يتسبب في تسوية الجيش بالأرض. وذكر أن ثقافة الولاء الأعمى تنتشر في وزارة الدفاع، إذ إن المعيار الوحيد للحصول على ترقية هو الولاء، وأن وزارة الدفاع لا تتردّد في طرد الضباط الذين تراهم «ذوي أهلية مفرطة» والذين قد يمثّلون تهديداً للنظام.
4. محلل سياسي ـــــ عسكري ذو خلفية أكاديمية، يعمل في مركز الأهرام الممول من الحكومة المصرية، يعتقد بأن المعارضة المتزايدة للحكومة إزاء الحوار مع الأكاديميين، هي دليل على انحدار مستواها الاجتماعي والثقافي. وأضاف أنه منذ 6 سنوات فقط، عيّنت وزارة الدفاع ممثلاً عسكرياً لمركز الأهرام ليشارك في النقاشات الأكاديمية، ومن بعدها، اعتقلت وزارة الدفاع هذا الممثل لأن آراءه أضحت مستقلّة جداً، ولم ترسل بدلاً منه إلى المركز. وزعم أن طنطاوي قد غدا متعصباً جداً تجاه الحرية الفكرية ورفض عام 2006 السماح لمركز الأهرام بأن يتابع مشروعاً بحثياً مع الجمعية الملكية الهولندية العسكرية، حول الإصلاح العسكري في مصر وهولندا. من وجهة نظره، أوضح طنطاوي أن موضوع الجيش «خارج حدود» البحث الأكاديمي، وأن وزارة الدفاع لن تسمح بالفكر المستقل في صفوف رتبها العسكرية.
5. رغم ملاحظة المحللين أن عدداً قليلاً من نخبة النظام ورجال الأعمال، يمارسون نفوذاً سياسياً واقتصادياً متزايداً في البلاد، فهم يدركون قوة نفوذ الجيش على الاقتصاد المصري. وقال أستاذ بارز في العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في القاهرة، إن النظام يعطي رجال الأعمال الستة في البرلمان التفويض المطلق للقيام بالأعمال التجارية، لكن وزير الدفاع يمكنه أن يعلق العمل بأي عقد بسبب «مخاوف أمنية». قالت لنا المصادر إن الشركات التي تملكها المؤسسات العسكرية، والتي غالباً ما يديرها جنرالات متقاعدون، هي شركات فاعلة في المجالات المرتبطة بالمياه، وزيت الزيتون، والاسمنت، والبناء، والفنادق والبنزين. وأشار الأستاذ البارز في جامعة القاهرة إلى أن الشركات العسكرية هي من أنشأت شبكة الطرق الحديثة المؤدية إلى منتجعات عين سكنة البحر الأحمر، التي تبعد 90 دقيقة عن القاهرة، وفرع جامعة القاهرة الجديد. وذكر أيضاً الأعداد الهائلة للأراضي التي يمتلكها الجيش في دلتا النيل وساحل البحر الأحمر، مفترضاً أن هذه الممتلكات هي بمثابة «فائدة إضافية» مقابل ضمان حماية الجيش لاستقرار النظام وأمنه. (تعليق: نرى دور الجيش في الاقتصاد قوة تعوق إصلاح السوق بحريّة من خلال السماح للتدخل الحكومي بنحو متزايد في الأسواق. انتهى التعليق).
6. وافق معظم المحللين على أن الجيش ينظر إلى مساعي الحكومة المصرية للخصخصة كأنها تهديد لوضعه الاقتصادي، وبناءً عليه يعارض الإصلاحات الاقتصادية. تكهّن كبير الاساتذة في جامعة القاهرة، أن الخصخصة فرضت على الشركات التي يملكها الجيش أن تحسن نوعية عملها، خصوصاً في مجال الفنادق، كي تتنافس مع الشركات الخاصة وتجذب الاستثمارات الأجنبية المهمة. توقع أحد المحللين السياسيين العسكرين في مركز الأهرام، أن السلطة المتزايدة للنخبة الاقتصادية على حساب الجيش هي بمثابة ضرورة اقتصادية لا مفر منها، تدفع الحكومة الى الحفاظ على سياساتها الاقتصادية الإصلاحية بهدف جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة. وقال إن الاستثمار الأجنبي المباشر عنصر أساسي في مخططات الحكومة للمحافظة على النمو الاقتصادي والاستقرار السياسي.
نفوذ في الإدارة والمجتمع المدني
7. أشار الأستاذ البارز في جامعة القاهرة إلى «جهد منسَّق» من «رأس النظام» لاختراق البيروقراطية المدنية من خلال ضباط جيش متقاعدين رفيعي المستوى. وألقى الأستاذ الجامعي الضوء على ضباط متقاعدين يشغلون مناصب مدنية في غاية الأهمية، من محافظين ورؤساء موظفين، وذوي مهمات أخرى كبيرة في وزارات الاتصالات والنقل والتعليم. وروى عدد آخر من مصادرنا قصصاً عن تجاربهم مع ضباط عسكريين يشغلون مهمات في منظمات المجتمع المدني وجمعيات خيرية. ولاحظ الأستاذ البارز في الجامعة الأميركية في القاهرة أن حملة لتعليم القراءة في الحي الذي يسكنه استخدمت ضابطاً عسكرياً متقاعداً لإدارة عملها. لقد أخبرنا أن الجمعية الخيرية المحلية استخدمت في الفترة الأخيرة عميداً متقاعداً مديراً للجمعية، إيماناً منها بأن كفاءة الجنرالات وخبرتهم بالتعامل مع الإداريين ودائرة معارفهم مع نظرائهم في الوزارات هي عناصر قد تخدم الجمعية.
الجيش والخلافة
8. وافقت مصادرنا على أن قوة ابن الرئيس، جمال مبارك، مستقاة من أوساط مجموعة رجال الأعمال، لا من أوساط الجيش. وقال الأستاذ البارز للعلوم السياسية في جامعة القاهرة إن ضباطاً أخبروه في الفترة الأخيرة بأن الجيش لا يدعم وصول جمال مبارك إلى الرئاسة، وأنه إذا توفي الرئيس خلال فترة رئاسته، فسيستولي الجيش على الحكم لعدم السماح لجمال مبارك بخلافة والده. بجميع الأحوال، يوافق المحللون على فكرة أن الجيش قد يسمح لجمال بتسلّم السلطة من خلال انتخابات إذا أعطى الرئيس مباركته لهذا المسار، وإذا سلّم ابنه مقاليد السلطة. كذلك رأى أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية في القاهرة أنّه بعدما أصبح جمال ناشطاً في الحزب الوطني الديموقراطي منذ عام 2002، عزّز النظام وضع الإصلاحيين في حكومة عام 2004 لإطلاق جهود الخصخصة التي دعمت رجال الأعمال الأثرياء المقربين من جمال مبارك. وبتقديره، فإنّ هدف النظام هو خلق قاعدة قوة من رجال الأعمال لجمال مبارك داخل الحزب الحاكم لتعويض النقص الذي يعانيه في أوساط الجيش (...).
9. تعليق: لا يزال الجيش قوة اقتصادية وسياسية. وتدخّلاته في الفترة الأخيرة، من خلال استخدامه الإمكانات الكبيرة التي تتمتع بها وزارة الدفاع المصرية. يساعد الجيش على تأمين استقرار النظام، ويدير شبكة واسعة من الأعمال، حتى أنه أصبح بمثابة «شبه مؤسسة تجارية» قائمة بذاتها. وفيما هناك توتر اقتصادي وسياسي بين نخب رجال الأعمال والجيش، تبدو الصورة الشاملة للعلاقة بينهما متعاونة أكثر مما هي علاقة خصومة. (...) والنظام، المدرك للدور الحساس الذي يمكن وزارة الدفاع أن تؤديه في معركة خلافة الرئاسة، قد يحاول استمالة رضى الجيش من خلال سياسة الزبائنية بهدف الموافقة على طريق جمال إلى الرئاسة. نحن نوافق على التحليل الذي يفيد بأن ضباطاً رفيعي المستوى في الجيش قد يدعمون جمال إذا تنحّى الرئيس مبارك، حتى أنهم قد ينصّبونه في الرئاسة، بما أنه يصعب توقُّع معارضة هؤلاء الضباط الذين يعتمدون على الرئيس وعلى وزير الدفاع في ما يتعلق بوظائفهم ودخلهم المالي الإضافي. وفي سيناريو أكثر فوضوية لخلافة الرئاسة، يصبح توقُّع رد فعل الجيش أصعب؛ فبينما لا يشارك ضباط الرتب المتوسطة بالضرورة ولاء الضباط الأرفع منهم للنظام، فإنّ العوائق والجدران القائمة بين الضباط داخل الجيش، تجعل من غير المرجَّح توقع أن يتمكن ضباط الصف الثاني هؤلاء من تنصيب زعيم جديد بنحو مستقلّ.
سكوبي
العدد ١٣٨٩ الجمعة ١٥ نيسان ٢٠١١
مقالات عن العالم العربي
عربيات