السفير- قراءة في الكتاب الفرنسي «حين تستيقظ سوريا»
الجمعة 16 أيلول 2011 / العدد 11988
قراءة في الكتاب الفرنسي «حين تستيقظ سوريا»: ملاحظات من الداخل
ملاحظات من الداخل
ريم منصور الاطرش
يعرض هذا الكتاب لريشار لابيفيير وطلال الأطرش تاريخ سوريا الحديث منذ الثورة العربية الكبرى، 1916- 1918 وتحرير دمشق في العام 1918 ثم الانتداب الفرنسي عليها والثورة السورية الكبرى بقيادة سلطان باشا الأطرش 1925 - 1927، إلى عهد الاستقلال والنكبة في العام 1948 ثم العهود الوطنية والوحدة مع مصر 1958- 1961 وثورة البعث 1963 وصولاً إلى الحركة التصحيحية 1970. كما يعرض مفاصل الصراع العربي الإسرائيلي.
ويركّز الكتاب على عهد الرئيس بشار الأسد منذ العام 2000 إلى العام 2010 مع كل ما مرّ بالمنطقة من حروب مثل غزو العراق ونتائج ذلك على سوريا بالذات، مروراً بالعلاقة التي لا تنفصم بين سوريا والمقاومة اللبنانية والفلسطينية والعراقية، وبين سوريا وإيران، ويخصص فصلاً كاملاً للتطور الاقتصادي والإصلاح الذي اتخذته الحكومة السورية في هذا المجال كما يخصص ملحقاً لمقابلة أجريت مع الرئيس بشار الأسد في 8/7/2008؛ إضافة إلى تطور العلاقة السورية مع فرنسا ومع الولايات المتحدة الأميركية والمدّ والجزر اللذين لحقا بها من جراء الضغوط والسياسات الدولية التي تهدف، فيما تهدف إليه، إلى حماية أمن «إسرائيل» بالدرجة الأولى.
كما يتطرق الكتاب لآثار الزلازل الكبيرة على سوريا والمنطقة وهي الحادي عشر من أيلول 2001 والعشرون من آذار 2003 والرابع عشر من شباط 2005 : أي تدمير برجي نيويورك وغزو العراق واغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري.
لا شك أنّ هذا الكتاب قد قدّم سوريا بشكل أقرب إلى الإيجابية، شارحاً مواقفها وخاصة في موضوع الصراع العربي - الإسرائيلي ودعم حركات المقاومة العربية. كما أنه عرض الموقف الغربي الذي يكيل بمكيالين في السياسات الدولية بهدف حماية «مدللته» «إسرائيل»، فيغضّ الطرف عن انتهاكها لحقوق الإنسان وللقرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، في الوقت الذي يشنّ فيه حروباً تدميرية على العراق مثلاً بحجة خرقه للقرارات الدولية.
إذن، سيتمكن القارئ الفرنسي من سماع نبرة جريئة قد تكون مختلفة عما اعتاد سماعه عبر إعلامه المناصر في معظمه «لإسرائيل».
بالنسبة للقارئ العربي المتابع لما يجري، وأنا واحدة من هؤلاء القراء، فلا جديد يُذْكَر في هذا الكتاب، لكنّ الجهد المبذول فيه واضح للعيان وخاصة في تسلسل العرض وكثرة المراجع الإعلامية والمصادر البشرية.إلاّ أنني وجدتُ خلال قراءتي للكتاب بعض الهنات والأخطاء والنقص، سأحاول عرض أهمها هنا.
بادئ ذي بدء، نجد أن في التمهيد المكتوب بقلم السيد آلان شويه، وهو المدير السابق لإدارة استخبارات الأمن في فرنسا، ثمة مقولة خاطئة : فهو يقول «إن سوريا هي من بين الدول العربية النادرة التي فرضت العلمانية في دستورها». هذا الكلام غير صحيح إطلاقاً، ففي المادة الثالثة من الدستور السوري، تقول الفقرة الأولى: 1) دين رئيس الجمهورية هو الإسلام. وفي الفقرة الثانية: 2) الفقه الإسلامي هو مصدر رئيسي من مصادر التشريع.
إذن، ما قاله السيد شويه في التمهيد يوضح أنه لم يقرأ الدستور السوري إطلاقاً. وثمة سوريون كثر، وأنا منهم، يطالبون الآن بعلمانية حقيقية للدولة يَفرضها الدستور لفصل الدين تماماً عن الحياة العامة وجعله ضمن الحيز الخاص للناس فقط. ثمة ملاحظات أخرى في التمهيد، ولكني أكتفي بهذه الملاحظة الهامة.
أما مقدمة الكتاب، فتحوي على بعض المغالطات أهمها زعم أحد الكاتبين لهذا الكتاب وهو السيد طلال الأطرش أنه من أبناء أحفاد سلطان باشا الأطرش وقد ورد ذلك في المقدمة (صفحة 24) وفي الفصل الأول في الهامش (صفحة 35) وعلى غلاف الكتاب. وبما أني حفيدة سلطان باشا الأطرش بحق، فإنني أنوه بأن السيد طلال الأطرش هو ابن حفيدة علي الأطرش، شقيق سلطان الأطرش ورفيق دربه في الثورة. وعلي الأطرش كان فارساً مقداماً لا يُشَق له غبار؛ وقد قاد خيّالتَه في معركة بوزريق الشهيرة ضد الفرنسيين التي جرت في 3 كانون الثاني 1927، وكان القتال فيها يجري من بيت إلى بيت. وكان حرياً بالسيد طلال الأطرش ذِكر الفارس علي الأطرش، جده لأمه والفخر به، فالراحل يستحق أن يذكر في مثل هذا الكتاب. ولأن الشيء بالشيء يذكر، فإنني أورد هذه الحادثة هنا: لقد أصرّ والدي منصور سلطان الأطرش على المشاركة في جنازة عمه علي في العام 1966 رغم أنه كان سجيناً سياسياً آنذاك، وقد تمّ له ما أراد. وبعد انقضاء أسبوع، عاد والدي إلى سجنه بكامل إرادته، علماً أن الهرب كان متاحاً له، إلا أنه وعد المسؤولين عن سجنه آنذاك بأنه سيعود إلى السجن وعاد؛ فوعد الحر دين عليه: انظر كتاب الجيل المُدان، سيرة ذاتية لمنصور سلطان الأطرش، صفحة 395 ـ الهامش 7 ؛ وقد قمت بتحقيقه ونشره في دار الريس في بيروت في العام 2008. وأنا لا أرى سبباً لهذا الإدعاء، إذ كان من الأجدى قول الحقيقة!! وفي الفصل الأول في الصفحة 35، أراد السيد طلال الأطرش الإيحاء للقراء بأنه فعلاً من أبناء أحفاد سلطان باشا الأطرش، فوصف وثيقة من أرشيف سلطان باشا الأطرش ليؤكد هذا الزعم !! أما أنا فأعتقد أن الصدق في مثل هذه الأمور كان أفضل لدعم مصداقية الكاتبين وبالتالي المعلومات التي تحويها دفتا الكتاب.
وهنا أنوّه بأن الصفحة 39 من الكتاب تقول إن الأمير فيصل قد دخل دمشق في الأول من تشرين الأول في العام 1918. وكان يجب على الكاتبين التنويه بأن تحرير دمشق تمّ على يد سلطان الأطرش ورفاقه، إذ دخلوا دمشق في 30 أيلول 1918 ورفعوا العلم العربي على سرايا الحكومة في وسط دمشق. وبما أن علي الأطرش، شقيق سلطان كان طويل القامة فقد وقف المرحوم صالح طربيه على كتفيه ورفع العَلَم وساعده الشهيد في ما بعد المرحوم حمد البربور. وهو العَلَم ذاته الذي رفع في القريّا، في دار سلطان الأطرش، وقد خاطته نساؤها وطرزت جدتي زوجة سلطان الأطرش، نجمته البيضاء السباعية.
أما الأمير فيصل، ملك سوريا في ما بعد، فقد دخل يوم 2 تشرين الأول 1918. ومنح الأمير فيصل لقب «باشا»، وهو رتبة عسكرية، لسلطان الأطرش لأنه استطاع تحرير دمشق هو ورفاقه قبل دخول الجيش البريطاني إليها.
معركة المزرعة
وفي الفصل الأول ذاته في الصفحة 43، أنوّه بأن معركة المزرعة الشهيرة تمت في 2-3 آب 1925 وكان عدد الجنود الفرنسيين في حملة ميشو آنذاك 13000 جندي وضابط، أما الثوار الذين استطاعوا سحق هؤلاء فكان عددهم 400 فقط. وللقراء أن يستمعوا إلى ما قاله سلطان باشا الأطرش بصوته عن هذه المعركة على موقعه على الإنترنت الذي أنشأته منذ حوالى العام وهو: www.sultanalattrache.org .
أما أوائل الوطنيين السوريين الذين ذهبوا إلى جبل العرب بعد هذه المعركة الرائعة فهم أسعد البكري وتوفيق الحلبي وزكي الدروبي وأحدهم من آل اللحام، وذلك في 17 آب 1925. بينما كان الدكتور عبد الرحمن الشهبندر ما يزال في دمشق وقد بقي هناك حتى 22 آب 1925. (انظر مذكرات الدكتور عبد الرحمن الشهبندر المنشورة في دمشق وزارة الثقافة، 1993، تحقيق محمد كامل الخطيب)؛ وليس كما ورد في كتاب (حين تستيقظ سوريا) بأن الشهبندر والقوتلي هما اللذان جاءا إلى الجبل آنذاك.
كما أن الدكتور عبد الرحمن الشهبندر لم يسجن بين عامي 1927 و1936 كما ورد في الكتاب صفحة 45، بلّ فرّ إلى فلسطين ومن ثم إلى مصر وكان يراسل سلطان باشا الأطرش من هناك إلى منفى سلطان في وادي السرحان 1927ـ 1932 وشرقي الأردن الكرك 1932 ـ 1937.
في الفصل ذاته في الصفحة 47 يقول الكاتبان إن السويداء كانت المحافظة السورية الأولى التي تحررت من الانتداب الفرنسي بمساعدة بريطانيا العظمى في أواخر أيار 1945؛ وهذا خطأ لأن بريطانيا لم تساعد في هذا الموضوع بالذات، فقد قام الأمير حسن الأطرش محافظ السويداء آنذاك بانقلاب أبيض استطاع فيه حجز كل الضباط الفرنسيين الموجودين هناك وتحرير السويداء. فانتقم أوليفيه روجيه من هذا العمل التحرري في 29 أيار 1945 وقام بقصف دمشق والبرلمان والسويداء وحماة أيضاً.
في الفصل الثاني صفحة 55، يقول الكاتبان إن حزب البعث العربي الاشتراكي نال 22 مقعداً في البرلمان خلال انتخابات العام 1954. وهذا غير دقيق، فقد نال الحزب 17 مقعداً فقط وكان أصغر نائب في هذا المجلس، والدي منصور سلطان الأطرش، وكان بالطبع نائباً عن البعث. انظر كتاب الجيل المُدان، سيرة ذاتية لمنصور سلطان الأطرش، ص 230 .
وفي الصفحة ذاتها (55) لم يذكر الكاتبان أمراً هاماً وهو أن سلطان باشا الأطرش فضّل اللجوء إلى الأردن إبان حملة الديكتاتور أديب الشيشكلي على جبل العرب ليتجنب المواجهة المسلّحة بينه وأنصاره وبين أبنائه من الجيش السوري، حقناً للدماء وحفاظاً على الوحدة الوطنية التي كانت هاجسه الأكبر في حياته. أما ابنه منصور (والدي) فقد كان سجيناً سياسياً لأنه كان من مناضلي حزب البعث ضد ديكتاتورية الشيشكلي.
أما في الصفحتين 57 و58، فثمة خطأ في تاريخ الوحدة بين سوريا ومصر وأيضاً في تاريخ الانفصال. فقد تمّ إقرار الوحدة في 2 شباط 1958 والتوقيع على معاهدة الوحدة في 22 شباط 1958، فأصبح هذا التاريخ عيداً رسمياً في سوريا ومصر. والانفصال وقع في 28 أيلول 1961 وليس في 28 شباط كما ورد في هذا الكتاب.
كذلك فإنه في الصفحة 59 ورد خطأ أن معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل تمت في 1978. في الحقيقة، في 1978 تمّ توقيع اتفاقي إطار فقط، أما معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل أو معاهدة كامب ديفيد فتم التوقيع عليها في العام 1979.
وفي الفصل الخامس من الكتاب صفحة 117، ورد خطأ أن إيهود أولمرت كان يتفاوض في كامب ديفيد مع ياسر عرفات سنة 2000؛ والواقع أنه كان إيهود باراك، ونذكر جميعاً الصورة التي ظهر فيها كلّ من الرئيس كلينتون والرئيس ياسر عرفات وإيهود باراك وهم «يتعازمون» على الدخول، وقام باراك بدفع عرفات قبله.
والدي
يخصص الكاتبان الفصل السادس (من الصفحة 131 إلى 156)، للحديث عن الغزو الأنغلو - أميركي للعراق في العام 2003 وأثر هذا الحدث الزلزال على سوريا من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ولكنهما لا يذكران إطلاقاً اللجان السورية لنصرة العراق التي كانت منتشرة في كل أنحاء سوريا والتي نشطت قبل الغزو وفي أثنائه وبعد سقوط بغداد من أجل مساندة العراق ودعمه. وكانت أول تظاهرة عفوية نزلت إلى الشارع تعبيراً عن سخط الشعب السوري على غزو العراق هي التظاهرة التي نظمها والدي منصور سلطان الأطرش، رئيس اللجان السورية لنصرة العراق والتي يتحدث عنها الكاتبان في الصفحة 131، وقد حدثت مساءً وليس صباحاً. وأصرّ بعض الشباب المتحمّس على المسير باتجاه السفارة الأميركية وقد خرجوا عن سيطرة لجان نصرة العراق، إلاّ أن قوى حفظ النظام قابلتهم بالغازات المسيلة للدموع وفرقتهم وكنتُ أنا أيضاً من بين هذه الجموع أقوم بتوزيع بيان لجان نصرة العراق المندّد بالغزو الأنغلو ـ أميركي.
لقد قام والدي آنذاك بالعديد من النشاطات الشعبية في الشارع السوري، رغم ثقل السنين، كما أنه لم يهدأ له بال إلاّ بتأمين المآوي المناسبة للاجئين العراقيين في سوريا ومن ضمنها الأديرة والكنائس.
وقبل الغزو، في أواخر العام 2002، قام أيضاً بترؤس مؤتمر نصرة العراق. هذا دون الحديث عما كان يفعله في أثناء الغزو: انظر كتاب في سبيل العراق بقلم منصور سلطان الأطرش وتحقيق د. ريم منصور الأطرش، بيروت، دار الفرات، 2010 . والغريب ألاّ يذكر هذا النشاط الحيوي ضمن هذا الفصل، بالرغم من أنّ عدة وسائل إعلام أجنبية وعربية كانت على اطلاع على هذا النشاط من خلال مقابلاتها مع رئيس لجان نصرة العراق منصور سلطان الأطرش.
أما في الصفحة 151 في الهامش من الفصل ذاته، فقد عرّف الكاتبان الأستاذ عماد مصطفى على أنه سفير سوريا في الأمم المتحدة؛ وهو لم يكن إطلاقاً كذلك، إنه سفير سوريا في الولايات المتحدة وليس في الأمم المتحدة. انظر الرابط [http://imad_moustapha.blogs.com/about.html]
وأحب أن أنوّه بأن سوريا لا تفرض تأشيرة دخول لأراضيها على جميع العرب. وقد كتب الكاتبان في الصفحة 152 بأن «سوريا تسهّل حصول العرب على التأشيرة». وهذا خطأ لأن كل عربي يدخل سوريا من دون تأشيرة. وبعد استقبال حوالى مليوني عراقي بعد غزو العراق، بدأت سوريا تفرض بعض الشروط على العراقيين فقط لفترة محدودة، انتهت الآن على ما أعتقد وقد استقبل السوريون إخوتهم العراقيين بأعدادهم الكبيرة التي وصلت إلى المليونين من دون أي «بروباغندا» أو نصب للخيام أو ادّعاء «بحالة إنسانية طارئة» كما فعلت إحدى البلدان في هذه الأيام خلال لجوء بضعة آلاف إليها!!!
جريدة السفير