الأخبار - البعث بـلا قانصوه: ماذا يجري في الحزب؟
27-10-2010
البعث بـلا قانصوه: ماذا يجري في الحزب؟
النائب عاصم قانصوه (أرشيف ــ هيثم الموسوي)نادر فوز
الأزمة الرفاقية مستمرّة في حزب البعث العربي الاشتراكي، وهي تنتظر تدخّل القيادة السورية لفكّ «الاشتباك» بين الأمين القُطري في الحزب، فايز شكر، والنائب عاصم قانصوه. ويقول العالمون بمواقف القيادة السورية، إنّ تدخل دمشق لن يتطرق إلى عمق الأزمة التنظيمية البعثية، وسيكون على شكل المصالحات التي عادة مع تجريها سوريا بين حلفائها في لبنان، دون أن يؤثر ذلك على القرار التنظيمي في الحزب.
يرفض شكر الحديث عن هذه الأزمة، أما قانصوه فيكتفي بالإشارة إلى أنّ المؤتمر التنظيمي الاستثنائي الذي أعاد انتخاب شُكر غير شرعي ولم يُدع إليه الكثير من القياديين البعثيين.
ويؤكد أنّ التواصل «بالأساس مقطوع مع شكر»، مشدداً على أنّ القضية قد وُضعت بين أيدي القيادة السورية، «ونحن بانتظار الحل».
يتلخّص موقف قانصوه بهذه العبارات، مع تأكيده أنه ليس من انشقاق حزبي ولا «حكي عقائدي وسياسي مختلف»، وهو ما يضع الأزمة في خانة الخصومة الشخصية لا على خلفية تطوير التنظيم أو اختلاف القراءات.
وشكر الذي يفضّل حتى اليوم عدم تناول الشؤون البعثية الداخلية في الإعلام، لم يعمّم على الحزبيين أو المقرّبين منه قرار الصمت حيال ما يحصل في الحزب والانقسام حول القيادة الجديدة. حتى إنّه في النقاشات البعثية تتعدّد وجهات النظر بشأن الأخطاء أو التقصير اللذين تقع فيهما القيادة من وقت إلى آخر. وهو الأمر الذي فتح باب النقد الذاتي طوال المرحلة الماضية، وهو نقد يطال قيادة الحزب في عام 2005، يوم كان النائب قانصوه أميناً قطرياً.
وأهم ما ينتقده البعثيون اليوم هو «الصفة الأمنية» التي كانت تفرح بها القيادة في مرحلة 2005 وما قبلها، إذ يتحدثون عن أن قانصوه ومن سبقه في هيئة قيادة الحزب «كانوا يجدون لذة في تصوير البعث أذن الاستخبارات وعين سوريا في بيروت، أو كأنّ تخويف الناس والأطراف الأخرى هو هدف البعث».
وتواجه مرحلة قانصوه اليوم بالكثير من الملاحظات والتشدّد، وأهم ما يثير حفيظة البعثيين غير القانصويين، هو أنّ النائب البقاعي فتح مكاتب الحزب في بيروت أمام لجنة التحقيق الدولية، فحصلت الأخيرة على الملفات الموجودة في هذه المكاتب. ويصفون القيادة في تلك المرحلة بأنها كانت في فترة انهيار وانهزام، مشيرين إلى أنّ قانصوه تخلّى عن كل أوراق الحزب، وهو أمر ينسف كلياً الصورة «التاريخية» لقانصوه في بعلبك وعنجر، وهو يعترض درب الدبابة السورية ويحتجّ على رحيلها.
يصرّ البعثيون المعترضون على قانصوه ومسيرته على أنّ الأخير نسّق خطواته مع رئيس تيار المستقبل سعد الحريري، لافتين إلى أن دخول لجنة التحقيق الدولية إلى مكاتب الحزب جاء نتيجة هذا التنسيق الذي ساعد عليه وسيطٌ بين الرجلين، وهو أحد أقارب قانصوه ويعمل مع الحريري. ويتابع المتحدثون أنه بموجب هذا الاتفاق، فرز الحريري رجلي أمن من قوى الأمن الداخلي لحماية قانصوه الذي بدا أنه يسلّم كل الأمور من دون الصمود في وجه ما كان يجري الإعداد له ضد سوريا والمقاومة.
يضيف هؤلاء البعثيون أنّ قانصوه باع مركز الحزب عند محلة الكولا، أي عند مدخل الطريق الجديدة، وهو المركز نفسه الذي دخلته لجنة التحقيق الدولية ثم حرقه أنصار تيار المستقبل. وبيع المركز في هذا المكان له دلالة كبيرة، إذ بدا الأمر كأن قانصوه والحزب يتخليان عن هذه البقعة الجغرافية وينسحبان منها نتيجة الضعوط والحملات دون مقاومة الانقلاب السياسي.
انكفأ قانصوه، بحسب البعثيين، عن العمل السياسي مع قيام «ثورة الأرز» وخروج الجيش السوري من لبنان، فغادر بيروت وانتقل إلى العيش في البقاع بالقرب من الحدود السورية، معلناً انكفاء العمل البعثي والانسحاب.
ومن رموز القيادة البعثية في تلك المرحلة النائب قاسم هاشم، الذي لم يُدع أيضاً إلى المؤتمر الاستثنائي، وهو يكتفي اليوم بالصمت، رافضاً الحديث عن الأزمة. لكن في البعث الكثير من
أهم ما ينتقده البعثيون اليوم هو «الصفة الأمنية» التي كانت تفرح بها القيادة
الملاحظات على هاشم، وأولاها أنه يفضّل صفة «عضو كتلة التنمية والتحرير» على صفة «عضو في قيادة حزب البعث». فالبعثيون يرصدون إطلالات قاسم منذ سنوات، ويلاحظون أنّ صفته الحزبية لم ترافقه في أي مقابلة متلفزة، «كأنه يخجل من انتمائه الحزبي»، مع إشارة المتحدثين إلى أن هاشم بقي على لائحة التنمية والتحرير حتى بعد فكّ التحالف الانتخابي بين حزب البعث وحركة أمل، وهو ما يعني أن هاشم ينتمي إلى الحركة أكثر مما ينتمي إلى البعث.
ويرى المقرّبون من القيادة البعثية الحالية أنّ احتجاج قانصوه على المؤتمر الاستثنائي واعتراضه على إعادة انتخاب شكر أميناً قطرياً، هما محاولة للعودة إلى الواجهة بعدما هدأت الأمور، كمن يحاول اليوم العودة إلى الحياة السياسية بعد مرور المرحلة الصعبة. يقولون إن شكر تسلّم القيادة في فترة الانهيارات، وتحمّل مسؤولياته كاملة، وقرر المواجهة بدل الانكفاء، واستطاع إنقاذ ما تيسّر من تماسك الحزب ووجوده، في ظلّ الاتهامات التي كانت تطال البعث منذ 2005. ويشيرون إلى أنّ شكر واجه الحملات على الحزب بتوسيع رقعة التواصل مع الحلفاء وتنشيط الظهور الإعلامي والسياسي، فنظّم مهرجانات في البقاع الغربي وعكار، المنطقتين المحسومتين لمصلحة تيار المستقبل.
تعود الصورة ببعض البعثيين إلى أحد فنادق العاصمة قبل أشهر. يومها كان الحزب ينظم احتفالاً لانضمام حزبيين جدد. وقف قانصوه حاملاً ورقة القسم الحزبي المؤلف من نحو 20 كلمة، فأخطأ أكثر من مرة في قراءة القسم، ما ترك ردة فعل قد تكون انفجرت قبل أسابيع. ويمكن العودة إلى ما كتبه الزميل حسين خريس في «الأخبار»، بعنوان «عندما كنت بعثياً»، للتأكد من أنّ الخلل في البعث موجود وقديم ولا يمكن معالجته بمصالحة.
عدد الاربعاء ٢٧ تشرين الأول ٢٠١٠