محاولة لإلقاء نظرة على مرحلة من تاريخ حزب البعث العربي الاشتراكي- المحامي خالد لطفـي
مقابلة مع
المحامي خالد لطفـي
التاريـخ: مساء يوم الأربعاء الواقع فيه 17 آذار 2010
الموضوع: محاولة لإلقاء نظرة على مرحلة من تاريخ حزب البعث
العربي الاشتراكي في لبنان من خلال التجربة الشخصية
أجرى المقابلة والتحرير: الدكتور مصطفى دندشلي
* * *
الدكتور مصطفى دندشلي: … أولاً وقبل أيِّ شىء آخر، لا بدّ من القول بصراحة متناهية إن هذه المقابلة هي أسوأ مقابلة كنت قد أجريتها مع إنسان آخر، طوال المدة التي أجريت فيها المقابـلات سواءٌ حول حزب البعث العربـي الاشتراكي أو أيِّ موضوع آخر. والسبب في ذلك لا يعود قطعاً لأن موقف المحاور أمامي وأفكاره ينطلقان من موقع يميني متطرِّف ـ وأنا كنت قد التقيت في السابق وأجريت مقابلات عديدة مع هذا النوع من المواقف اليمينيةـ وإنما، وهذا بالنسبة إليَّ شىء أساس، للفكر التَّعصُّبي الذي يتبناه خالد لطفي، هذا إذا لم أقل العنصري الحاقد الذي يتجاوز أيَّ منطق عقلي. فضلاً عن الأفكار المشوَّشة المبعثرة المتباعدة غير المتربطة بعضها مع بعض، والانتقال من نقطة إلى أخرى، ومن ثم العودة إلى نقطة ثالثة ورابعة دون أن يكون أيُّ رابط أو ترابط بينها، بحيث يضيع فحوى الموضوع وما هو المعنى المقصود والفكرة التي يريد أن يوصلها.
والغريب كل الغرابة والذي أدهشني أيَّما اندهاش هو أنه محامٍ، أي حقوقي، قانوني. والقانوني، كما نعلم، إنما يتمتَّع بفكر منطقي، منظَّم، مترابط الأسباب والنتائج إلى غير ما هنالك مما هو معروف. لذلك أقول ومن خلال هاتَيْن الساعتَيْن اللَّتين قضيتهما معه، إنها كانت جلسة في غاية السوء لم أخرج منها بالنتيجة التي كنت أتوخاها أو آمل أن أصل إليها أو أحصل على المعلومات التي كنت أودُّ الحصول عليها، بحيث انتهت المقابلة بقوله: إن سياسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في المنطقة العربية هي أكثر خطورة من سياسة الدولة العبرية التوراتية اليهودية العنصرية التي احتلت فلسطين وتعبث حالياً فساداً واضطهاداً وإجراماً وانتهاكاً للمقدسات الإنسانية ومحواً للآثار الدينية الإسلامية والمسيحية على حد سواء.
ومع كل ذلك، سأحاول وسأبذل الجهد الضروري والكافي لكي أستخلص من هذه الجلسة بعض الأفكار وأُلخِّصها بعد إعادة صياغتها اختصاراً، حتى، على الأقل، أخرج منها بنتيجة ما(*). وأنا كنت محضَّراً في ذهني أن أطرح على خالد لطفي بعض رؤوس الموضوعات عن حزب البعث العربي الاشتراكي وذلك من خلال تجربته الشخصية يأتي في مقدمتها: المرحلة الزمنية التي عاصرها بعد انتسابه إلى حزب البعث، إلى الفترة التي ترك فيها الحزب.
ولكن قبل الدخول في الحديث في تفصيلات الموضوع، قدَّم لي بطاقة شخصية: فهو من مواليد صيدا عام 1943 والدراسة في مدرسة الفنون الإنجيلية (الأميركان) صيدا، والبكالوريا القسم الثاني (فلسفة) في بيروت في مدرسة "الآيْ سي". وبعدها أمضى سنة واحدة في كلية الهندسة في الجامعة الأميركية في بيروت، قبل أن ينتقل إلى الجامعة اللبنانية لمتابعة دراسة الحقوق. وفي العام 1967، مارس مهنة المحاماة في صيدا وما زال حتى الآن. (وقد تنقل خلال هذه الفترة كمستشار قانوني بداية لدى شركة محمد الزعتري وأخوانه وانتهاءً مع محمد زيدان، إلى أن استقل في مهنته وإن بقيَ، فيما يبدو كمستشار قانوني لدى بعض المؤسسات المصرفية (مثلاً: بنك لبنان والمهجر في صيدا والجنوب) أو المؤسسات التجارية مؤسسة محمد زيدان، إلخ)…
لقد ابتدأت علاقته بحزب البعث باكراً وهو صغير السن بحكم المحيط الذي كان يعيش بين ظهرانيه، وهو محيط بعثي سواءٌ من حيث الجو العائلي أو الأصحاب والرفاق في تلك المرحلة: عام 1957… وبخاصة تأثير قريبه العائلي المباشر، ابن خالته، نبيه حشيشو، وهو طالب بعثي في كلية المقاصد، ومن البعثيين الأوائل في صيدا…. ويذكر الحادثة التي لفتت انتباهه، عندما وزَّع نبيه حشيشو مع حسن عبد الجواد بياناً ضد زيارة جلال بايار الرئيس التركي إلى لبنان وهو المقرب من السياسة الأميركية في المنطقة آنذاك.
كما كان لنا، نحن، جوّنا البعثي الناشىء وعلاقتنا مع خاله حسيب البزري، تأثيراً عليه وعلى كثيرين غيره، لما كان لنا أيضاً من صداقة قوية مع والده الأستاذ شفيق لطفي وإخوته البنات نبيهة ومها… يعني، بكلام آخر، إن جو البعث السائد في تلك الفترة والطاغي في أوساط الشباب والطلاب أثَّر تأثيراً كبيراً في نفوس وأفكار واتجاهات الأجيال الناشئة، ومنها كمثال خالد لطفي ولربما غيره كثيرون ومن بيئات اجتماعية مختلفة…
وهذا يعني أيضاً أن الجو الحزبي البعثي الذي نشره الطلاب البعثيون المقاصديون في الكلية وخارجها، كان له تأثير واسع وكبير سواءٌ بحكم الصداقات أو العلاقات العائلية أو الجيرة والسكن في الأحياء ذاتها… من هنا يمكننا أن نقول بأن حزب البعث كان قد انتشر في مدينة صيدا انطلاقاً من كلية المقاصد وعن طريق طلابها، بسرعة فائقة في سنوات لا تتعدى الثلاث إلى الخمس حتى أصبح حزب البعث قوة سياسية مؤثرة نسبياً في المدينة مما فتح أمامه الباب واسعاً ليلعب دوراً بارزاً ورائداً في انتخابات عام 1957 النيابية وإنجاح معروف سعد حينذاك من الدورة الأولى.
وأخذ يحضر خالد لطفي وهو ابن ثلاث عشرة سنة مع بعض الأصدقاء والأقرباء ومنهم نهاد حشيشو حلقات الأنصار في أواخر عام 1956. ويذكر أن مسؤول حلقته الحزبية رضوان فاضل. وبعد حضوره عدد قليل من حلقات الأنصار، أُبلغ أنه قد اُتُّخذ قرارٌ من القيادة القطرية بالموافقة على استثنائه من شرط السن للانتساب إلى حزب البعث وكان عمره أربع عشرة سنة أو أكثر بقليل. وكان عضواً في حلقة طلابية لا يذكر أسماء أكثر أعضائها وهم أكبر منه سناً، منهم جميل البساط وعفيف أبو زينب، وذلك عام 1957.
وهنا يذكر خالد لطفي أن قراراً قد صدر من القيادة القطرية بحق: عفيف أبو زينب، حسيب عبد الجواد، خليل عطية، مصطفى ضافر، أحمد عجرم، ينص على عقوبة مسلكية بتجميد نشاطهم الحزبي لمدة ما يقرب من شهر ونصف الشهر أو شهرين. ثم بعد ذلك أعلن عن إلغاء هذه العقوبة الحزبية بحقهم بعد مضي هذه الفترة. وكان ذلك سنة 1957 ـ 1958 (وهو في صف البريفيه). ولكن فيما بعد، فقد تبيَّن أن هؤلاء الخمسة، الأعضاء البعثيين، كانوا قد ذهبوا إلى سوريا ليتدرَّبوا على استعمال السلاح والأعمال العسكرية والمقاومة المسلحة. وهم الذين تسلَّموا حزبياً أثناء أحداث أيار 1958 المواقع العسكرية في مختلف المناطق في مدينة صيدا. إن القرار بتجميدهم الحزبي إنما اتخذ لتبرير انقطاعهم عن العمل الحزبي، وابتعادهم عن النشاط الحزبي من أجل القيام بعملية التدريب طوال مدة غيابهم. وهكذا، تسلم عفيف أبو زينب خلال فترة الأحداث "الأمن الداخلي" في المدينة.
ويذكر خالد لطفي أنه عند نجاح معروف سعد في الانتخابات لعام 1957، كان عضواً في حزب البعث. كما أنه لم يكن هناك أعضاء حزبيون بعثيون عديدون في مدرسة الأميركان أثناء دراسته فيها. والسبب الرئيسي في ذلك أنه لم يكن في هذه المدرسة الجوّ الصيداوي الفعلي أو البارز. والجوّ الفلسطيني في غالبيته غير بعثي. الطلاب الفلسطينيون في أكثريتهم قوميون عرب، وقليل جداً ينتمون إلى البعث. ومن الصيداويين هو، خالد لطفي وباسل عطا الله متقدِّماً عليه في الصفوف العليا. وبعد أن تخرج عطا الله من مدرسة الأميركان، أصبح خالد لطفي الطالب الصيداوي البعثي الوحيد فيها، ومن الفلسطينيين: حاتم كعوش (في الصف الأعلى مباشرة). والتيارات السياسية السائدة في المدرسة آنذاك: القوميون العرب (بين الطلاب الفلسطينيين). وخالد لطفي هو البعثي الوحيد، فيما يبدو وكما يقول، في تلك المرحلة. وهناك بين الأساتذة، بعض الشيوعيين أو ذوي الميول الماركسية…
وهنا يروي خالد لطفي بعض الأشياء عن الأحداث التي حصلت في صيدا أثناء "ثورة" 1958 مفادها: أن عفيف أبو زينب تسلَّم قيادة الأمن الداخلي في المدينة ومعه: عبدو الصوري وبشيـر البزري وغيرهما من قبضيات المدينة. والبعثيون الشباب ومنهم غازي البساط وخليل عطية وغيرهما كانوا يقومون بتهريب السلاح من سوريا إلى صيدا. ومَن كان "المرسال" إلى دمشق ويأتي أيضاً بالأموال والسلاح هو أنيس الأنيس الديراني، وكان دائم الذهاب والإياب بشكل مستمر دون أن يعلم به أحد. الوحيدون الذين كانوا يعلمون بذلك معروف سعد والبعثيون. وكانت العملية تتمُّ بمشقة بالغة الصعوبة: بين الجبال والوديان ومعظم المرحلة سيراً على الأقدام. والمختارة في الشوف، كانت نقطة الالتقاء وصلة الوصل… وكان للبعثيين مخزن خاص للأسلحة تحت حراستهم وبخاصة كمال كعوش أخو جلال الذي كان قائد المجموعة الفدائية. ومن هذه المجموعة حسن الطايش وهو خبير متفجِّرات، وهو الذي قام بعمليات التفجير في صيدا: سكة الحديد وغيرها…
وعلى أثر خلاف ما بين البعثيين والشيوعيين حول توزيع السلاح على عناصر الحراسة واستبعاد العناصر الشيوعية، أُلقيت المسؤولية على عفيف أبو زينب، فأقصيَ عفيف عن الأمن الداخلي وحلّ محله حسيب عبد الجواد، والتحق عفيف بمجموعة الفدائيين. (وهنا يروي خالد لطفي حادثة وقعت مع عفيف أبو زينب وقتلة عدداً من عناصر الدرك، على أثر استشهاد أحد رفاقه من بعلبك، فأصيب بعدها بأزمة نفسية لازمته حتى وفاته..). ومنذ هذه الحادثة الأليمة وقع خلاف حاد وعميق بل وحقد عنيف بينه وبين بعض الشباب البعثيين وعلى رأسهم حسيب عبد الجواد… وفي كل يوم يحدث إشكال بينهم، ولا أحد كان بإمكانه أن يهدِّئ عفيف أبو زينب إلا قلة من الشباب الذين هم على علاقة جيدة معه. وكان قد حدث في أحد الأمسيات في مطعـم العربـي خـلاف شخصـي كاد أن يصل إلى استعمال السلاح بينه وبين حسيب عبد الجواد، وكل واحد منهما يجلس على طاولة مقابل طاولة الآخر، وكان ذلك يحدث من وقت لآخر في أواخر الأحداث لعام 1958، وحتى بعد انتخابات رئاسة الجمهورية التي حدثت في تشارين من العام نفسه..
في تلك الفترة ابتدأ التنظيم الطلابي للحزب تتوضَّح معالمه وتتبلور بالنسبة إلى خالد لطفي في مدينة صيدا. يعني، بكلام آخر، هناك سؤال كان دائماً يطرح في هذا النطاق: بعد أحداث 1958 والدور الذي لعبه البعثيون في هذه الأحداث، هل كان لحسيب عبد الجواد هذا الدور الذي يتحدث عنه، أم فيه كثير من التضخيم والمبالغة؟!.. والحقيقة ـ يقول خالد لطفي ـ أنه لعب دوراً بارزاً في هذه الأحداث، ولكن وفي الوقت نفسه أخذت الانتقادات تتوجَّه إلى سلوك وتصرف حسيب على أنه فرديّ ولا يعطي أهمية أو وزناً لأيِّ كان، مما أدّى فيما بعد إلى تجميده الحزبي فعلياً: صدر قرار من القيادة القطرية بتجميده حزبياً سنة بكاملها ومُنع سنـة أخرى مماثلة من أن يكون في أيِّ موقع قيادي في الحزب. (وكنت قد علمت بتجميد نشاط حسيب عبد الجواد في صيف عام 1959، عندما جئت مـن باريس لقضاء عطلة فصل الصيـف).
الواقـع، كما يروي خالد لطفي، أنه على أثر الأحداث لعام 1958 وحيث إن الانتخابـات الحزبيـة تجري داخـل الحزب عملياً بالتوافق مع وخلال العام الدراسي، ففي سنة 1958 ـ 1959 هي السنة التي صدر القرار بتجميد نشاط حسيب عبد الجواد حزبياً وسنة 1959 ـ 1960، هي السنة التي مُنع من أن يحتل فيها أي موقع قيادي في الحزب. والسبب الأساسي أنه كان يتفرَّد في سلوكه وتصرفاته الحزبية ولا يتقيد بالانضباط الحزبي ولا بالقرارات الصادرة عن القيادة القطرية أو القيادات المسؤولة في الحزب ولا حتى بالتسلسل الحزبي من حيث العلاقات الحزبية. وكان يتصرف كما يحلو له وكما يُقال "على ذَوْقه" دون أيِّ ضابط حزبي أو خلافه… هذه هي التهمة أو الاتهام الأساسي الذي وُجِّه إليه من كل الأجواء الحزبية دون استثناء في صيدا.
وفي العام 1959، كان هناك ثلاث فِرَق حزبية في مدينة صيدا: فرقة الطلاب، وفرقة العمال، وفرقة نسائية. وكان يوجد بالتالي قيادة الشُّعبة. وفي 1959 ـ 1960 انتخب خالد لطفي في قيادة فرقة الطلاب. وهو ومعه حبيب بديع انتخبا لقيادة شعبة صيدا، وتسلم مسؤولية الفرقة النسائية ومسؤولية إحدى حلقات الأنصار. وتضم قيادة الشعبة: إسماعيل النقيب، وخضر الصباغ وخالد البرد وخالد لطفي وحبيب بديع. وخالد البرد هو أمين سر الشعبة. وفي مؤتمر الفرق والشُّعبة، انتخب لعضوية قيادة فرع الجنوب: كمال منصور (ومعه خالد البرد الذي كان دائماً وجهاً حزبياً قيادياً في صيدا والجنوب، وآخرون معه…)… وحلقات الأنصار لحزب البعث في صيدا تضمُّ أعداداً كبيرة وكبيرة جداً ـ بل عدداً خيالياً، كما كان يُقال ـ وذلك في العام 1959 ـ 1960. فقد كان حزب البعث في هذه المرحلة بالذات أقوى ما يمكن أن يكون عليه أيُّ حزب في أيِّ مكان آخر. الأعضاء الحزبيون يتجاوز عددهم المائة في صيدا والأنصار الذي يتابعون الحلقات الحزبية يتجاوزون الألف والثلاثماية. وفي العام 1960، جرت الانتخابات النيابية وأيد الحزب (على مضض) معروف سعد، ولكن كانت في الوقت نفسه بدايات عدم الثقة بين البعثيين ومعروف سعد بسبب الخلاف الحاصل بين حزب البعث على الصعيد القومي انطلاقاً من سوريـا واستقالـة الوزراء البعثييـن من حكومة الجمهورية العربية المتحدة وبين الرئيس عبد الناصر.
وهنا يُطرح سؤال بالغ الأهمية وهو: ما مدى تأثير صعود نجم عبد الناصر القومي العربي في المنطقـة وبخاصـة بعد تأميم قناة السويس والاعتداء الثلاثي على مصر عام 1956 وظهور عبد الناصر على أثر ذلك كقائد قومي عربي، ما مدى تأثير ذلك في نموّ حزب البعث العربي الاشتراكي وانتشاره في صيدا والمنطقة المحيطة، بحيث إن أنصار وأصدقاء الحزب باتوا يعدّون بالمئات، شباباً وفتيات ومن مختلف الفئات والشرائح الاجتماعية: حرفيين وعمال وطلاب؟!… الحرفيون والعمال أكثر من الطلاب، كما كان يؤكد البعض…. إن الجواب عن هذا التساؤل هو أن المدّ القومي العربي هو الذي دفع عبد الناصر ورفعه عالياً إلى أن يكون زعيماً قومياً دون منازع. ومن خلال المدّ القومي العام (وتفاعل عبد الناصر معه وتأثير عبد الناصر فيه ودفعه أكثر فأكثر إلى الأمام)، انتعشت الأحزاب القومية العربية، ومن جملتها وفي مقدمتها حزب البعث العربي الاشتراكي وكذلك ومع البعث انتعشت حركة القوميين العرب ونشطت واتسع مجال تأثيرها وبخاصة بين الأوساط الفلسطينية.
ولكن حزب البعث بطبيعته يتصف بالمرونة أكثر بكثير من غيره. وهنا ينتقل خالد لطفي إلى إعطاء مَثل على ذلك لما حصل معه فيما بعد وهو طالب في الجامعة الأميركية في بيروت في كلية الهندسة. وكان في قيادة فرقة البعث في الجامعة. فكانت أمينة سر الفرقة ليلى بقصماطي وانتخبت في القيادة القطرية. وأصبح خالد لطفي في مكانها في أمانة سر الفرقة في الجامعة الأميركية. واتصل به يوماً رغيد الصلح وأخبره أنه وأصدقاءه من القوميين العرب: معن بشور وعمَّار شبارو، وهم يريدون أن يعرفوا شيئاً عن حزب البعث، والذين فيما بعد قد انتسبوا بالفعل إلى الحزب، وذلك على أثر الانشقاق الذي حصل في لبنان بعد المؤتمر القومي الخامس عام 1962. والسبب في تركهم حركة القوميين العرب ـ كما يقولون ـ للشدَّة في الانضباط والصَّرامة في السلوك والتصرفات: مثلاً عدم المزح والجِدِّيَّة الدائمة وعدم إمكانية المناقشة بحرية وديمقراطية، فهناك كثير من الصّرامة والتزمُّت حتى داخل الخلايا الحزبية…
هذا، وبالعودة إلى صيدا، ففي عام 1960، كان الامتداد الأقوى والأوسع. أُنشىء نادٍ شبه علني لحزب البعث في المدينة دون أن يكون له اسم محدَّد، وموقعه في شارع رياض الصلح، في مدخل بناية الحاج أحمد البزري وبناية الجمّال الحالية… وفي الوقت نفسه، أصبح أيضاً لجمعية الأدب والثقافة طابع بعثي وهيئتها الإدارية وأعضاؤها من البعثيين شباباً وفتيات.. (وهنا يروي خالد لطفي كيفية استيلاء حزب البعث على جمعيـة الأدب والثقافـة كما عايشها، واستـلام الصندوق المالي من الشيخ عثمان حبلي وهو المؤسس الأول للجمعية وذلك عن طريق رشيد وهبي وهو غير حزبي بداية بانتخابه رئيساً للجمعية ومعه أميناً للمال أحد الحزبيين، وبعد هذه العملية أو "الخطَّة" وضع البعثيون، بحسب رواية خالد لطفي، يدهم على جمعية الأدب والثقافة ومقدّراتها والتي كان مقرها في شارع رياض الصلح في بناية الصباغ. وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أن هذه الرواية تختلف في بعض التفصيلات الجزئية عن الرواية التي رواها لي أحد مؤسسي الجمعية وهو سليم الزعتري الذي أصبح هو رئيساً لها…).
ومهما يكن من شىء، ففي هذا المجال، هناك سؤال يطرح وهو ذو جانبَيْن: وضع الحزب التنظيمي في صيدا، ومن ثمَّ الانتقال إلى الحديث عن الحزب في بيروت. ففي صيدا، هل كان انعقاد الحلقات الحزبية يجري بانتظام دائم وبحسب النظام الداخلي للحزب، وهل كانت تجري المناقشات داخل الحلقات وبين الأعضاء أو حتى الأنصار بصورة ديمقراطية حقاً؟!… يبدو أن الجواب عن هذه التساؤلات وغيرها ربما، هو بالإيجاب: اجتماع الحلقات كانت تتمّ بانتظام دائم ومستمر، كما أن المناقشات الداخلية ضمن الحلقات الحزبية ـ بين الأعضاء أو الأنصار ـ كانت تجري بكل ديمقراطية وحرية دون أيِّ عائق كان.
وهنا يشير خالد لطفي إلى أنه، كما يقول: "من أحلى وأظرف الأعضاء البعثيين هو إسماعيل النقيـب من حيث تقيُّـده بقرارات القيـادة العليا: يسير مع حسيب عبد الجواد إذا كان حسيب في القيادة، ويسير مع خالد البرد إذا كان خالد هو الذي في القيادة. بمعنى أنه كان حريصاً على حزب البعث وأميناً عليه وصادقاً، كحرصه على حياته ومصداقيته. وهو أمين الصندوق، فكان أميناً عليه بالفعل لا يتهاون مع أيِّ عضو من حيث مصاريف الضرورية أو النقليات أو خلافه ولا يفرِّط ولا بقرش واحد…"
بتعبير آخر، هناك انضباطية إلى أقصى، الحدود وأخلاقية حزبية صارمة والتقيُّد بهاتَيْن الصفتَيْن ومراقبتهما بصورة دائمة، والتأكيد على خلقية العضو البعثي ومسلكيته سواءٌ في النشرات الحزبية أو في الحلقات الأعضاء والأنصار. كما كانت تتمَّ جباية الاشتراكات الأسبوعية (أو الشهرية) بحسب نسبة دخل العضو الحزبي ويؤخذ في الاعتبار كونه طالباً أو حِرَفياً أو عاملاً أو موظفاً، وبشكل عام مقبول، مع بعض حالات الاستثناء…
وفي هذا السياق، لا بدّ من التوقُّف قليلاً وطرح السؤال حول ما كان يجري داخل حزب البعـث في صيـدا ويشـاع ما يمكن أن نسميـه بـ "العنعنات" والتكتلات الشِّلَليَّة ـ وهذا لم يكن فيما يبدو معروفاً في بقية المناطق الجنوبية حيث نشأ وتوسَّع نشاط الحزب ـ ما هو سبب ذلك وبخاصة تلك الخلافات التي كانت تأخذ أحياناً طابعاً شخصياً عنيفاً، أدت في النتيجة إلى تجميد بعض الأعضاء ومنعهم من ممارسة العمل الحزبي لفترات معيَّنة. وإذا كانت موجودة في أيِّ مكان آخر وُجد فيه حزب البعث، ولكن ما هو سبب هذه الخلافات والتكتلات الشِّلَليَّة الحزبية في مدينة صيدا، بما أن حديثنا يُقتصر على حزب البعث في صيدا؟!… يقول خالد لطفي: بصراحة، إن سبب هذه الصراعات الداخلية والتكتلات الشِّلَليَّة أولاً وأخيراً أن حسيب عبد الجواد هو شخص دكتاتوري. وحسيب، كانت الشلة التي حولته، تسير معه وتتبعه كما هو يريد مائة بالمائة ويتقوى بهم ويتقبل منهم ما لا يمكن أن يقبله أيُّ واحد كان ويُبرِّر لهم. كان دكتاتورياً كثيراً جداً وكانت شخصيته شخصية تسلطية عنيفة جداً تجاه خصومها. وكان معه وملازمه في السرّاء والضرّاء خليل عطيـة. وهما، كما يقال، " توأمان"، مع أن كل واحد منهما له نمط معيَّن مختلف عن الآخر. ولكن، لنضع خليل عطية على جنب، لأنه من طبيعة أخرى بعلاقاته مع الآخرين، ولا يسعى أبداً أن يُغضب أحداً أو "يَزْعل" منه. في حين أنه كان حول حسيب عبد الجواد أشخاص ينفِّذون له ما يريده دون مناقشة كالعميان. (فاروق الزين لم يكن حزبياً بعثياً في حياته، ولا مرة لا قبل ولا بعد…).
وبالفعل فقد كان ثمة صراعٌ بين تيارَيْن أو جوَّيْن داخل حزب البعث في صيدا ـ والحقيقة داخل حزب البعث العربي الاشتراكي ككل وفي أيِّ مكان، هناك جَوّان: الجوَ الأول وبأكثريته الساحقة مرتبط بميشال عفلق. والجوّ الثاني، مع كونه يكنّ احتراماً كبيراً لميشال عفلق، إلاّ أنه لا يعتبره كزعيم. وهذا الجوّ كان "ثورياً"(!!) أكثر من الجوِّ الأول ومتقدماً أكثر من الآخر في المواقف السياسية. أما الجو الأول، فهو من الطراز البرجوازي وهذا في الواقع هو السبب الذي أدّى إلى انشقاق الحزب في لبنان (هذا الرأي وبهذا التقسيم القطعي، ثوري وغير ثوري، فيه كثير من السطحية وتبسيط للأمور الحزبية التي هي أشدّ تعقيداً مما يتصوره خالد لطفي أو غير خالد لطفي!!..).
أما في صيدا، عندما وقع الانشقاق، فقد كان عبد الفتاح العبداوي وخالد البرد ـ يضيف خالد لطفي ـ ومَن هم من حولهما، ـ باسل عطا الله لم يكن في صيدا، وإنما في تنظيم الحزب في بيروت ـ مع القيادة القومية. وكان حسيب عبد الجواد وشلَّتُه وهم الأكثرية في تنظيم صيدا، ضد تيار القيادة القومية الذي ساد في المؤتمر القومي الخامس ولكنهم بالتضامن مع أعضاء القيادة القطرية في لبنان، قد شاركوا بحضورهم فيه ورفضوا نتائجه وقراراته جملة وتفصيلاً. في تلك الفترة، لم يكن قد وُجِّهت الدعوة إلى عقد المؤتمر القطري في لبنان. وأنا عن طريق المصادفة، حضرت هذا المؤتمر القطري، وكنت أنا وهشام البساط من وُجهة النَّظر التي كانت تقول: إن عملية الإصلاح يجب أن تتمَّ من داخل الحزب لا من خارجه أو الانشقاق عنه.
وكنا على توافق في هذا الموقف مع خالد البرد وعبد الفتاح العبداوي، دون أن يكون بيننا أيَّ التقاء أو تفاهم على هذا الموقف معهما. وحسيب عبد الجواد، بالنسبة إلىّ وإلى هشام البساط، في حالة ارتباك من هذه الناحية، فهو يصرخ و"ينبح" في وجه خالد البرد وعبد الفتاح العبداوي، فهمـا لا يجـرؤان علـى مواجهتـه لطبيعتهما الهادئـة. أما أنا، فيصرخ أو "يُبحِّت" معي، فأصرخ في وجهه و"أُبحِّت".
ولكن يقول قد خالـد لطفـي تغيَّر موقفـه بعد أن التقى في "مطعم فيصل" في بيروت بخالد يشرطي ومن ثمَّ بمحسـن أو ميزر ـ الأول أصبـح من الأغنيـاء الكبـار عن طريق الهندسة وأبو ميزر أصلاً من الطبقة البرجوازية الكبيرة ـ فأيد هو وهشام البساط قرار القيادة القطرية المنبثقة عن المؤتمر القطري في لبنان بانفصالها عن القيادة القومية. (أنظر البيان الصادر عن "حزب البعث العربي الاشتراكي، القيادة القطرية في لبنان، أيلول 1962…).
إن هذا الانشقاق الحاصل ـ يضيف مؤكداً خالـد لطفـي ـ يُقال عنه إنه طبقي، (أي، بمعنى آخـر، يسـاري أو حتى ماركسـي). وهذا غير صحيح. يعنـي خالد البرد برجوازي أو عبد الفتاح العبداوي!!… ولكن إذا كان هناك من تعليق في هذا السيـاق، حول هذا الموضوع، فهذا يحتاج إلى مجال آخر سوف نأتي للحديث عنه، من حيث الأسباب والدوافـع السياسية والأيديولوجية التي أدّت إلى هذا الانشقاق سواءٌ في لبنان أو في أقطار أخرى غير لبنان. فهذا الموضوع إنما يستدعي تحليلاً وتفسيراً طويلاً للدوافع الحقيقية: هل هي شخصية أم سياسية أم فكرية؟!…
لذلك أنتقل الآن مع خالد لطفي إلى الحديث عن حزب البعث العربي الاشتراكي في بيروت. بداية في مدرسة "الآي سي"، قسم الفلسفة، وحزبياً في فرقة الحزب التابعة للجامعة الأميركية في بيروت. وفي مؤتمر الفرقة وبحضور مندوب عن شعبة بيروت عبد الكريم الخليل، يطرح باسل عطا الله لقيادة الفرقة ترشيح خالد لطفي، وبما أنه جديد لم يُقبل…. الأعضاء الحضور هم: نقولا الفرزلي، جهاد كرم، جورج الور، عصام نعمان، ليلى بقصماطي، باسل عطا الله، وخالد لطفي ومعهم بعض الطلبة العراقيين. (هنا ينتقل فجأة ويتحدث عن المظاهـرة الطلابيـة داخل الجامعة الأميركية والتي ضمَّت بعثيين وقوميين عرب، وهي مظاهرة غيـر ناجحة من حيث العـدد تأييداً للجزائر عام 1961. فيطرد من الجامعة 15 طالباً: ثمانية طلاب من البعثيين وخمسة من القوميين العـرب ومعهم محمد المشنوق وهو مستقل. ومن البعثيين باسل عطا الله وفؤاد نخلة (وهو مناضل أصبـح الآن من الأثرياء). وبعد الدعوة إلى إضراب وتظاهرة لطلاب لبنان في الجامعة الأميركية، ومجيىء صائب سلام رئيس الحكومة آنذاك واعتراضه على قرار طرد الطلاب، فألغي هذا القرار على الأثر…).
وفي عام 1961 ـ 1962، التيارات السياسية في الجامعة هي بصورة عامة: بعثيون، قوميون عرب، والمسيحيون ضمن "الرابطة اللبنانية". وفي هذه السنة، أُنشىء جهاز حزب البعث الفلسطيني، كجهاز حزبي يضم فقط البعثيين الفلسطينيين… لهذا وُجد في الجامعة الأميركية فرقة بعثية فلسطينية وفرقة أخرى لبنانيـة، ومن ضمنها البعثيين العـرب. وفي بداية العام الدراسي، عُقد مؤتمر الفرقة في الجامعة. وعند انتخاب قيادة الفرقة، ترشح خمسة أعضاء ليلى بقصماطي، رجا الصيداوي (أصبح الآن بليونير) عصام نعمان، جورج الور، جهاد كرم، خالد لطفي، وسقط عصام نعمان. وبانتقال ليلى إلى القيادة القطرية، انتخب خالد لطفي أمين الفرقة. وقد لعب البعثيون في الجامعة دوراً بارزاً في نشاطات الهيئات والجمعيات الطلابية داخل الجامعة. وكان أمين سر الفرقة الفلسطينية. عبد الوهاب كيالي وخالد لطفي أمين سر الفرقة البعثية اللبنانية. وجرت محاولة للتنسيق بين الفريقين، ولكنها لم تنجح…
وفي تلك الأثناء، حصل الانفصال بين سوريا ومصر في أيلول 1961، وانعكس ذلك على وضع الحزب في الجامعة وأصيب ببلبلة كبيرة، وأخذ الصراع ينتقل إلى داخل حزب البعث العربي فـي لبنـان، هذا الصراع أو الاختلاف في المواقف تجاه هذا الحدث بين ميشال عفلق وأكرم الحوراني.. وظهر في سوريا أربعة تنظيمات أو بالأحرى تكتلات حزبية: القيادة القومية بقيادة ميشال عفلق، وتيار أكرم الحوراني والتيار الناصري داخل البعث، وجماعة ما سميت بالقيادة القطرية في سوريا، وهي تضم القيادة العمالية في الحزب: خالد الحكيم والنابلسي وغيرهما. والقيادة القطريـة في سوريـا هي التي كانـت على صلة وتواصل مع القيادة القطرية في لبنان: عبد الوهاب الشميطلي ورفاقه. (بيان تويهض تستقيل من الحزب على أثر زواجها).
في المؤتمر القطري في لبنان، وحضور جبران مجدلاني وخالد لطفي، والذي عُقد بعد المؤتمر القومي الخامس (أيار 1962)، عُقدت اجتماعات عدَّة لبحث مقرَّرات المؤتمر القومي الخامس. وحضر المؤتمر القطري علي جابر وخالد يشرطي ممثلا القيادة القومية. والخلافات في وجهات النظر كانت حادة وعنيفة وشديدة من جهة ومن الجهة الأخرى. وكان صلب الموضوع ومحور النقاش، بحسب خالد لطفي، ما حصل في المؤتمر القومي الخامس الذي كان بزعامة ميشال عفلق. جاء ميشال عفلق حاملاً موقفاً معيَّناً ومدافعاً عنه ويطلب من الجميع تبنيه والسير فيه. فظهر جوّ آخر غير راضٍ عن ذلك. وما أعطى الثقل الكبير في هذا المؤتمر لميشال عفلق هو مشاركة بكثافة ممثلين عن حزب البعث في العراق.
تعليق: … ما هو موقف ميشال عفلق في المؤتمر القومي الخامس؟!.. إنما هو الموقف من الانفصال والموقف من عبد الناصر والموقف من الوَحدة وإعادة الوَحدة على أسس صحيحة وديمقراطية… وهناك وثائق القيادة القطرية اللبنانية منشورة وموقفها معروف في هذه القضية… وما يجب توضيحه هو معرفة مَن هم الذين كانوا ضد تيار ميشال عفلق داخل الحزب وما هي مواقفهم السابقة واللاحقة وتكوينهم القومي والفكري والأيديولوجي وبالتالي السياسي؟!… وما هي أيضاً التأثيرات السياسية التي خضعوا لها وتأثروا، بشكل أو بآخر، إلى هذا الحد أو ذاك بها؟!… أسئلة بالغة الأهمية لم يُجب عنها إلى الآن…
هل ما حدث هو فعلاً صراع بين يسار ويمين؟!.. وهل الذين انشقوا عن حزب البعث هم من الطبقة العمالية الكادحة والتيار الآخر يضم البرجوازيين والرأسماليين؟!… هذه النقاط الأساسية حاول خالد لطفي أن لا يجيب عنها وأن يتجاوزها بقوله: إن المعارضة كانت ضد موقف ميشال عفلق، دون أن يوضح مضمون ومحتوى موقف ميشال عفلق!!
هذا يعني أن التيار البعثي في لبنان الذي اتخذ موقفاً ضد السياسة القومية للقيادة القومية بقيادة ميشال عفلـق، يتكوّن فـي الأساس من أمين سر قيـادة قطـر لبنان فؤاد ذبيان وعضوية عبد الوهاب الشميطلي (وهو "مفكر" هذا التيار البعثي الأساسي في لبنان وهو الأكثر تحركاً في هذا الاتجاه، لذلك نُسِب إليه. أما غسان شرارة، فكان عضواً سابقاً في القيادة القومية ولم يفز في العضوية القيادية في انتخابات المؤتمر القومي الخامس). ويضم المؤتمر القطري اللبناني في أيلول 1962 أربعة وثلاثين عضواً. سبعـة أعضاء منهم يؤيدون موقـف القيادة القومية وأمينها العام ميشال عفلق، وسبعة وعشرون عضواً ضد موقفها. والسبعة أعضاء هم من جوّ عبد المجيد الرافعي في طرابلس ومعه خالد العلي. وكان محمد شلبي وهو من طرابلس يؤيد التيار المعارض ومعه حسين الضناوي ولكنه لم يكن حاضراً.
وكانت المناقشات أثناء الجلسة في غاية الجِدِّيَّة. غير أنه فيما يبدو لم يكن وارداً أيُّ شىء أو واضحاً أو محضَّراً سلفاً. بل كانت الفوضى في طرح الآراء هي السائدة في تلك الأجواء الصاخبة، وذلك إلى درجة الإزعاج. بل كانت الأمور تجري ككرة الثلج تزداد حجماً مع تدحرجها، كذلك أخذت الأمور تتضخَّم مع سير المناقشات، والهجوم المتتالي على القيادة القومية. في هذه الأثناء يقوم علي جابر وبيده ورقة صغيرة طلب الكلام وقرأ: "إن الموقف المعترض على القيادة القومية هو موقف لبعض الماركسيين داخل الحزب والمعادين للفكرة القومية". وجلس.. فارتفعت حِدَّة المناقشات، واحد يقف والآخر يجلس وهكذا…
وفي الجلسة الثانية، يقترح بعض الحضور تسمية لَجنة موقَّتة لقيادة الحزب في لبنان. على أثر ذلك، ينسحب من الاجتماع سبعة أعضاء ويبقى سبعة وعشرون عضواً، ينتخبون خمسة أعضاء يكوّنون لَجنة موقَّتـة وهم: عبـد الوهاب الشميطلي، فـؤاد ذبيان، حسيب عبد الجواد، محمد شلبي وخالد لطفي. وبعد مجييء الأعضاء اللبنانيين من سوريا بعد انتهاء المؤتمر القومي الخامس، يضاف إلى هؤلاء الخمسة: غسان شرارة وغالب ياغي وطلال شرارة الذي لم يكن في القيادة القومية، وعندما يأتي من فرنسا ألبير منصور، فيجتمع بصفة شخصية مع أعضاء اللَّجنة الموقَّتة. واستمر هذا الانشقاق ما يقرب من سنة ويعمل بكثير من التعثر والتخبط وعدم الرؤية الواضحة تحت اسم: حزب البعث العربي الاشتراكي: القيادة القطرية في لبنان، إلى أن زال أثرهم من الوجود. (وهنا، استطاعت القيادة القومية بتكليف الدكتور علي جابر أن تعيد تنظيم صفوفها من جديد وتجمع فلول وشتات أعضائها في فترة زمنية استمرت قرابة السنتين وبخاصة بعد وصول حزب البعث إلى السلطة في العراق ومن ثمّ في سوريا عام 1963..).
إلى هنا، وأمام هذا الحدث الحزبي التاريخي الذي تجسّد في هذا الانشقاق للحزب في لبنان، لا بدّ من أن يُطرح سؤال يخطر ببال أيِّ مراقب محلِّل للواقع السياسي آنذاك ومع البعد الزَّمني، وما يقارب السبع والأربعين سنة، كيف يمكن تحليل هذا الحدث ـ الانشقاق لحزب البعث، ومع الهدوء الفكري، وبالاعتماد على الوثائق المتوافرة وعلى المراجعة التاريخية لمن شاركوا في هذه التجربة السياسية: هل العامل الشخصي لعب دوراً في هذا الانشقاق؟ هل هو الموقف من القيادة القومية وأمينها العام ميشال عفلق لعب دوراً مؤثِّراً؟!.. هل العامل الأيديولوجي هو العامل الأساسي في هذا الانشقاق؟!… أسئلة كثيرة تُطرح في هذا المجال، وأعتقد أنه لم يُجبْ عنها بعملية وبموضوعية حتى الآن، سواءٌ من الذين شاركوا في هذا الانشقاق أو من خارجه. (ولكن، من الملاحظ أن المشاركين فيه، كان دائماً يبدو عليهم رأساً الاستخاف بهذا الحدث ـ الانشقاق التاريخي لحزب البعث أو الخفَّة المتناهية في اتخاذ القرارات أو السطحية أو الانفعالية أو ـ وهذا ما يجب دراسته فيما بعد ـ التأثيرات الخارجية الفاعلة بوعي أو من غير وعي في مواقفهم وبخاصة، تأثيرات الأحزاب الشيوعية في المنطقة العربية، وبالذات الحزب الشيوعي اللبناني، والعلاقات الشخصية التي عُقدت مع الكدرات وقيادات البعث في لبنان طوال السنتيْن السابقتَيْن على عملية الانشقاق.. فهناك عوامل عديدة متداخلة كانت لها تأثيراتٌ مباشرةٌ أو غير مباشرة في تفاقم عملية الانشقاق هذه في الظروف السياسية التي تمَّت فيها وفي الشكل أو الطابع الذي اتخذته آنذاك…)…
ومما يزيد في الأمر وضوحاً، أنه بعد هذا الانشقاق البعثي في لبنان تحت اسم حزب البعث العربي الاشتراكي: القيادة القطرية، غدا هذا التيار البعثي تياراً ماركسياً (ولو أنه كان ماركسياً لفظياً وفي الشكل الخارجي، أما في المضمون فقد فَقَد طابعه القومي العربي الوَحدوي، ولم يتحوَّل، لا فكراً ولا منهجاً، أعضاؤه بين ليلة وضحاها، إلى ماركسيين حقيقيين. فأصبح هذا التكتل في واقع الحال لا هذا ولا ذاك). وبالفعل، ابتدأت العلاقة تتوثَّق أكثر فأكثر بين البعثيين اللبنانيين السابقين وبين الحزب الشيوعي النظامي وبعض الشيوعيين، وخصوصاً أولئك الذين انشقوا عن الحزب الشيوعي وتحديداً نخلة مطران وعون وغيرهما…
وفي كـلِّ الأحـوال، كيف يمكن تفسير ذلـك، ولا سيمـا وكما هو معلوم للجميع، أن عبد الوهاب الشميطلي بالذات ـ وهنا تأتي ناحية مُلفتة للنظر وتُطرح تساؤلات عدة ـ كان يُعتبر "التلميذ المدلَّل" لميشال عفلـق ـ كما كان يُقال ـ وكذلك غسـان شرارة، كان يُعتبر هو أيضاً تلميذاً لميشال عفلق الذي هو رفعـه رأساً ومباشـرة إلى عضوية القيادة القومية، مما أدّى إلى كثير من الانتقـادات والاحتجاجات حول هـذا الموضـوع داخل الحزب: والسبب في ذلك أن غسان شرارة كان ما زال صغير السن ورُفع من طالب جامعي، ورئيس اتحاد الطلاب العرب في القاهرة، إلى عضو في القيادة القومية وأخذ يجتمع مع أكرم الحوراني وصلاح الدين البيطار ومنيف الرزاز وغيرهـم من البعثييـن التاريخييـن المخضرمين. ماذا يمكن أن يُقدِّم من تجربة أو أن يفيد وجوده معهم فـي قيـادة الحزب؟! فهـذه كانت إحدى المآخذ التي كانت تؤخذ على ميشال عفلق… (مثلاً مسعود الشابي…) السؤال إذن هو التالي: هؤلاء البعثيون وغيرهم وغيرهم أيضاً الذين كانوا في السابق من تلاميذ ميشال عفلق المدلَّلين والذين كان هو نفسه يراهن عليهم ـ إذا جاز التعبير ـ كي يستلموا بعده قيادة البعث، هؤلاء هم بالذات انقلبوا عليه أول مَن انقلب وخاصمه العداء!!…
إن أحد التفسيرات ـ مثلاً وجهة نظر خالد لطفي ـ هو أنه عندما حصلت الوَحدة بين سوريا ومصر عام 1958 واتُّخذ القرار بحلّ حزب البعث في سوريا، كان هناك جماعة من البعثيين وبخاصة في القاهرة، ضد حلِّ الحزب نفسه وفي مقدمهم علي مختار، في حين أن غسان شرارة وهو من ضمن جوَّ الأمين العام ميشال عفلق وإطاره، كان موافقاً على حلِّ الحزب نفسه. فمن عام 1958 إلى عام 1961، كان قد حصل بين ميشال عفلق وبعض المجموعات البعثية المؤيدة له، أشياء كثيرة من التباعـد التدريجـي وصلت في نهاية المطاف إلى درجة الخصومة…
ولكن، وبالعودة إلى أسباب انشقاق حزب البعث في لبنان، فما هي العوامل الحقيقية والأساسية التي أدّت إلى حدوثه؟! لقد ذكرنا سابقاً أن سبعة وعشرين عضواً في المؤتمر القطري اللبناني (أيلول 1961) كان لهم انتقادات على موقف القيادة القومية وأمينها العام بالذات ميشال عفلق والحزب عموماً، بالنسبة إلى عبد الناصر وإعادة الوَحدة معه وإن كانت بشروط ديمقراطية….
في الحقيقة وواقع الأمر، وفي نهاية التحليل، فإن هذه العملية ـ عملية انشقاق الحزب في لبنان ـ إنما هي تُفهم بالنظـر إلى مجموعـة من البعثيين، والتي هي تتحرك بدوافع أخرى: منها دوافع محلية، ومنها عداءات شخصية، ومنها طموحات ذاتية، ومنها دوافع كراهية لأجواء مؤيدة للقيادة القومية. بمعنى آخر، هناك أيضاً جانب ينبغي الإشارة إليه وهو أن الجو المحيط بميشال عفلق من القيادات البعثية، لم يكن جواً أليفاً ومحبوباً من غالبية الكادرات الثانية أو الوسطى فما دون، من قِبَل حزب البعث في بيروت، إلى درجة وصل الوضع ـ كما كان يُقال ويشير إليه خالد لطفي ـ إلى حد أن هنـاك ذهنيـة داخـل الحزب كانت ترى فيه: من جهة "فئـة برجوازيـة في القيـادة" ومن جهة أخرى "فئـة أخرى من المناضلين" مثلاً: علي جابر وعبد المجيد الرافعي وجبران مجدلاني وهو أكثرهم كرهاً وخصومة ومحاربة وغيرهم أيضاً، يعتبرون من قيادات البعث البرجوازية ومرفوضة ومحاربة من "كادرات البعث الثورية". وكما كان يُقال حينذاك: علي جابر وعبد المجيد الرافعي طيِّبان كطيبة الآباء. (bons papas). (عبد المجيد الرافعي على الصعيد الشخصي ـ يؤكد خالد لطفي ـ كان محبوباً، حتى من خصومه، لطيبته ولطفه. وهو لا يتمتِّع بفكر عميق أو بنضج سياسي كبير).
يبقى السؤال مطروحاً: ما هي الدوافع أو العوامل التي دفعت القيادة القطرية لحزب البعث في لبنان أن تتجَّه الاتجاه الماركسي؟!… وإن القول إن هذا التوجّه نحو الماركسية إنما هو توجّه قديم داخل حزب البعث، غير صحيح البتَّة، بل العكس، ذلك أن التوجُّه العام والسائد هو بالأحرى التوجُّه القومي الاشتراكي العربي، وهذا ما هو واضح كل الوضوح في منشورات وبيانات حزب البعث العربي الاشتراكي في بيروت. أما القول بأن مؤسسي حزب البعث في القاهرة كانوا طلاباً ذوي اتجاه عام ماركسي، قد يكون هذا القول فيه شىء من الصحة وفي مقدمهم علي مختار وصالح زكي وأحد الأطباء الأردنيين وفيما بعد جلال أمين (وهذا الأخير لم يكن يوماً ماركسياً، بل عفلقياً ومعادياً للماركسية، إذا صحّ التعبير). ففي أعوام 1956 ـ 1957، من الواضح تماماً أن الماركسيين بمختلف تياراتهم وانتماءاتهم هم الفئة المتنوّرة في مصر وفي القاهرة تحديداً، والمعارضة أو الناقدة بشكل أو بآخر لنظام حكم عبد الناصر ولها وجود فاعل ومؤثر على صعيد الأدب والفكر والفلسفة والمسرح والموسيقى. والسفارة السوفياتية، كانت منبراً مفتوحاً للجميع للحفلات الموسيقية أو الأدبية أو الفكرية إلى غير ما هنالك. يمكننا أن نفهم القول ونقبله إذا قيل لنا إن البعثيين المصريين كانوا قد تأثروا بعمق بالفكر التحليلي أو المنهجي الماركسي السائد والمسيطر ولربما الوحيد في الساحة المصرية الثقافية مقابل الفكر التقليدي الليبرالي المحافظ.
أما في بيروت، فلم يكن للفكر الماركسي كفكر ماركسي حقيقي متداخل في نسيج الحياة الثقافية اللبنانية، كما كان الحال في تلك اللحظة في القاهرة… فإن كان هناك من تأثير في هذا المجال، فإنما هو تأثير سياسي، بمعنى واقعي ومواقف عملية لا أكثر (أو حتى لفظي شعاراتي..). فحزب البعث في كل مكان، وفي لبنان بالذات، كان فكر ميشال عفلق هو الذي له تأثير كبير فيه على صعيد الفكر القومي الوحدوي الإنساني والمفهوم الاشتراكي العربي والصراع ضد الفكر الماركسي والخصومة معه، فإن كل ذلك كان بادياً منذ البداية. هذا يعني، بكلام آخر، أن أسباب الانشقاق الذي حصل داخل حزب البعث في لبنان، إنما تعود بالدرجة الأولى إلى أسباب سياسية شخصية، وانفعالات وردات فعل عاطفية لا واعية، هذا إذا لم نقل بكثير من الخفَّة والسطحيَّة اللاّمسؤولة…
هذا، وقد جرى تأكيد البعض أن انشقاق حزب البعث العربي الاشتراكي في بيروت، إنما هو فقط لما كان يُسمى "مجموعة عبد الوهاب الشميطلي" و"مجموعة حسيب عبد الجواد" في صيدا. أما في باقي المناطق اللبنانية: طرابلس، بعلبك، صور، النبطية، فقد بقيَ ولاؤها للقيادة القومية ولأمينها العام ميشال عفلق. وقد كانت وجهة النَّظر أن الانتقادات والملاحظات والإعلان عن المواقف الناقدة للحزب، يجب أن تجري، بحسب النظام الداخلي، من داخل الحزب، لا من الخارج. لذا، هؤلاء البعثيون المنشقون عن حزب البعث في لبنان، لم تمض شهور خمسة على هذا الانشقاق، حتى قام حزب البعث في العراق بالانقلاب في بغداد واستلامه السلطة، وبعده بشهر واحد وصل حزب البعث عَبْر اللَّجنة العسكرية إلى الحكم في سوريا. فتغيَّرت موازين القوى، وكثيرون هم البعثيون اللبنانيون المنشقون هلَّلوا وأعلنوا فرحتهم لوصول "حزبهم" إلى الحكم في بلدَيْن عربيَّيْن: العراق وسوريا، وما لبثوا أن عادوا تدريجاً إلى حظيرة القيادة القومية وأمينها العام ميشال عفلق.
وهنا يصل خالد لطفي إلى أن يشير إلى القول: إنه داخل حزب البعث العربي الاشتراكي وفي جوِّه العام في لبنان، وفي العاصمة بيروت بالذات، أشياء كثيرة كانت قد ساعدت على وجود أناس انتهازيين، وصوليين. والمشكلة أنه كان يُدافع عن هذه الحالات ويوجد لها تبريرات، ومن ثمَّ يُقبلون داخل الحزب…. ويؤكد خالد لطفي أن مشاكله مع حسيب عبد الجواد كثيرة جداً ومعروفة لدى جميع الحزبييـن. وكانـت دائماً العلاقـة معه كعلاقـة" ناقر ونقير" ـ كما يُقال في العامية. أما عبد السلام شعيب، فقد لعب دوراً حزبياً في صيدا والجنوب، ولكن فيما يبدو في فترة زمنية وجيزة، بعدما وصل إلى أن يكون عضواً في فـرع قيـادة الحزب في الجنوب. (ومعه أيضاً أحمد الكلش، في الفترة ذاتهـا).
وهناك سؤال يُطرح ـ بعد ما جرى الحديث على مستوى الوقائع السياسية والتنظيمية ـ على صعيد المستوى الثقافي والفكري للحزبيين البعثيين، قيادات وقواعد: ما هو المستوى الفكري والثقافي وكيف يمكن تحديد الوعي السياسي، القومي، والوطني، والوَحدوي العام والمفهوم الاشتراكي البعثي؟!… وكيف كان مستوى القراءة والمتابعة الثقافية والفكرية لدى البعثيين وما هي الكتب الحزبية أو غير الحزبية التي كانت تُقرأ أو المفكرون العرب أو غير العرب الذين كانوا يثيرون اهتمام الحزبيين؟
لقد جاء الجواب عن هذه التساؤلات وغيرها في هذا المنحى، مخيِّباً إلى أبعد الحدود في سلبيته، إذ قال خالد لطفي ما نصّه حرفياً: "والله، إن الأجواء التي أحتك بها والأغلبية التي أعرفها، لم يكونهوا من الذين يقرأون كثيراً. والذين كانوا في جوّ حزب البعث وقرأوا كثيراً، صار أغلبهم شيوعيين…. أما من حيث قراءة ميشال عفلق وما كتبه في الفكر القومي والوَحدوي والاشتراكي، فيقول خالد لطفي بأنه لم يقرأه قط لا في البداية ولا فيما بعد. وهو من بداية الطريق ـ كما يقول ـ لم يكن يهتم بكتابات ميشال عفلق، ولم "يَقْبضه كثيراً ـ فلماذا إذن انتمى إلى حزب البعث العربي، وهو حـزب قومـي عربـي وَحدوي، مفكره الأساسـي إذا لم نقل الوحيد، في هذا الاتجاه، هو ميشال عفلـق؟…. (من الغريـب أن يقول إنـه وهو صغير السن، عندما انتسب إلى حزب البعث، لم يقرأ كتابات ميشال عفلق الأساسية التي كان يقرأها ويتأثر بها كل شاب بعثي حديث السن وهي كتابات ـ على سبيل المثال ـ كانت تثير وجدان وعاطفة كل شاب وطني قومي عربي.. ويقول إنه في حلقات الأنصار الحزبية، لا يأتي على ذكر اسم ميشال عفلق، بل يتحدث عن "الفكر الاشتراكي" ويتطرق إلى "المدارس الفكرية الاشتراكية" (!!!)، في حين أنه في تلك المرحلة، بعد الحرب العالمية الثانيـة وحتى الخمسينيات من القرن الماضي، هناك كمفكرين قوميين عرب: ساطع الحُصْري، ميشال عفلق، قسطنطين زريق وغيرهم من الرعيل والروّاد القوميين الأوائل.
وهنا يشير خالد لطفي إلى رواية كان قد سمعها ـ صحيحة أو غير صحيحة ـ مفادها أن ميشال عفلق قال في إحدى محاضراته أو لقاءاته الطلابية في القاهرة، وجواباً عن سؤال طُرح عليه حول رأيه في الوَحدة الإسلامية: قال ـ خوفاً ـ : "إن الوَحدة العربية هي خطوة على طريق الوَحدة الإسلامية". هذه رواية لم تروَ عن ميشال عفلق في السابق أو لم يكتبها قط ولم تُعرف عنه بهذا النص الحَرفي. ربما يكون له رأي خاص في ما يتعلق بعلاقة العروبة بالإسلام وعلاقة الإسلام بالعروبة. وهذا موضوع آخر ومسألة أخرى، ولميشال عفلق كتابات كثيرة في هذا الخصوص. أما القول بأن الوَحدة العربية هي الخطوة الأولى على طريق الوَحدة الإسلامية، فلم يُعرف عنه أنه قال ذلك أو كتبه….
ويضيف: هناك مشكلة كبرى في بلادنا: إن الوضع الطائفي والمذهبي السائد عندنا والمسيطر، في هذا الجو العام، هل يستطيع مسيحي، وهل يمكنه أن يكون قائداً عاماً في الوطن العربي: فهذا لن يستقيم أبداً ولن يتمَّ بحال؟!… لا ي