الأخبار - ارتباك النظام السوري ينعكس سلباً على الإعلام اللبناني المرتبط بهذا النظام..
الإثنين 9 أيار 2011
ارتباك النظام السوري ينعكس سلباً على الإعلام اللبناني المرتبط بهذا النظام..
المصدر: خاص المركز اللبناني للأبحاث والإستشارات...
بقلم مدير المركز... حسان القطب
عندما انطلقت الثورة أو الانتفاضة السورية في بلاد الخلافة الأموية (دمشق)، كانت الشعارات الأولى التي أطلقها المتظاهرون لا تتجاوز المطالبة بتحقيق المزيد من الحريات، وتطبيق فصل القضاء عن سلطة الحزب والأجهزة الأمنية والسماح بتعدد الأحزاب، والخروج من دائرة سلطة الحزب الواحد، وإجراء انتخابات تشريعية حرة ونزيهة تتيح للمواطن السوري الحق في اختيار مرشحيه وممثليه لمجلس الشعب أو البرلمان بكل حرية وشفافية، فكان الرد باستعمال العنف المفرط من قبل أجهزة النظام وأتباعه وميليشياته وعلى الطريقة الإيرانية، التي شاهدناها خلال قمع انتفاضات طهران وسائر المدن الإيرانية عقب انتخاب احمدي نجاد واتهامات التزوير التي أطلقت بحق فريقه وحكومته.. ومع تطور الحركة الشعبية في سوريا ومع تزايد لجوء النظام الحاكم إلى استعمال أساليب البطش والقوة، ومع تفاقم سقوط المزيد من الشهداء والجرحى في مختلف المدن والقرى السورية، ارتفعت وتيرة المطالب الشعبية لتنادي النظام بكف سلطة الأجهزة الأمنية ورفع حالة الطوارئ، ومع تجاهل النظام الحاكم لكل هذه المطالب المشروعة والمحقة، رغم تجاوبه المتأخر على بعضها ولكن بإطار شكلي وغير جدي، بدأت ترتفع أصوات الجماهير السورية للمطالبة بإسقاط النظام وتغييره، وبدأت الدول الغربية والعربية في التجاوب مع أصوات وصرخات الأمهات والأيتام، ومع نداءات المعتقلين والمضطهدين من أبناء الشعب السوري في زنازين ومعتقلات هذا النظام..ولم يعد بالإمكان تجاهل عمليات القتل الجماعي والظلم الواسع والاضطهاد المبرمج لشعب برمته على أيدي نظام يستند في سلطته لقوة ميليشياته وأجهزته الأمنية وبعض قوته العسكرية.. وبعد أن كانت الدول المجاورة وغير المجاورة توجه للنظام السوري نداءات التجاوب مع المطالب الشعبية، ومع رغبة شعبه في الحرية والتغيير، أصبحت توجه له أصابع الاتهام، وتطلق في وجه صرخات الاستنكار والإدانة، ولم يبق لهذا النظام من مؤيدين في العالم سوى إسرائيل لثقتها في أن هذا النظام لا يرغب جدياً في القتال، ودولة إيران حرصاً منها على خدمة مشروعها في لبنان والمنطقة وبعض القوى اللبنانية المستفيدة من تدخل هذا النظام في الشأن اللبناني باستمرار لتعزيز حضورها السياسي والأمني على الساحة اللبنانية..
لذا من باب رد الجميل وحرصاً على مصالحهم المشتركة، يسعى حلفاء النظام السوري في لبنان، إلى دعم سلطة هذا النظام عبر اتهام بعض القوى اللبنانية بالتحريض على الانقلاب وضرب النظام في سوريا بهدف تقويضه وإسقاطه، أو من خلال التركيز على دور نظام سوريا الإيجابي في دعم حزب الله وحركة أمل وبعض التنظيمات اللبنانية خلال السنوات والعقود الماضية تحت عنوان وشعار دعم المقاومة وتعزيز دور محور دول وقوى الممانعة والمقاومة، بهدف در العطف وتجاهل ممارساته.. ولا يترك هذا الفريق مناسبة إلا وينبري احدهم للإشارة إلى دور النظام السوري في تعزيز هذا المحور وأتباعه للدفاع عنه، واتهام فريق لبناني بالتحريض على سوريا واتهامه بشتى الاتهامات، حتى وصل الأمر بمخيلة البعض منهم إلى اعتبار عمليات البناء غير الشرعي التي انتشرت في لبنان بغطاء سياسي وأمني من قبل هذا الفريق، محاولة لزرع الفوضى من قبل قوى الرابع عشر من آذار/مارس لضرب النظام السوري ونشر الفوضى في ربوع بلاد الشام بلاد الخلافة الأموية.. ويعتبر أيضاً أن عدم تشكيل الحكومة اللبنانية حتى الآن هو محاولة لضرب استقرار نظام سوريا، رغم أن فريقه هو المسؤول عن التكليف والتأليف والتشكيل، اللهم إلا إذا كان يتهم نفسه بمحاولة ضرب استقرار سوريا ونظامها، وفي هذا السياق يقول خطيب ونائب حزب الله نواف الموسوي: (أن «من يثير الفوضى اليوم في لبنان هو معني بإثارة الفوضى في سوريا»، مشدداً على وجوب قيام حكومة تأخذ على عاتقها وقف الفوضى في لبنان»، معتبراً أن «إعاقة تشكيل الحكومة هي إسهام مباشر في العملية المبرمجة لإثارة الفوضى، ولفت الموسوي الانتباه إلى أن «ما يجري في سوريا هو إرهاصات لمعاودة مفاوضات يفرض فيها على سوريا الاستسلام، بعد أن يجري إما إخضاعها أو شل قدرتها، تمهيدا لتفتيت المنطقة وتقسيمها إلى كيانات طائفية ومذهبية وعرقية»). كيف يمكن القول أن المطالبة بالحرية والعدالة والديمقراطية تؤدي لتفتيت الوطن إلى كيانات عرقية ومذهبية، وإذا كان هذا صحيحاً في سوريا، فلماذا لا يكون صحيحاً في البحرين حيث يقود حزب الله حملة شعواء ضد النظام البحريني، متهماً إياه بكل ما يتجاهله في سوريا، وبالتقاعس عن تحقيق تطلعات فريق من الشعب البحريني، في حين يحذر من تحقيق وتطبيق والتجاوب مع طلبات وطموحات معظم الشعب السوري..؟؟
الواقع السوري المتردي وعجز النظام في سوريا عن استيعاب الحالة الجماهيرية المتصاعدة والمتفاقمة والرافضة لسلطته، قد أربكت حلفاء سوريا في لبنان، فأخذوا يطلقون الاتهامات يمنة ً ويسرة.. وتدرج بهم الاتهام بالتدخل في الشأن السوري، من تيار المستقبل العلماني، إلى القوى السلفية الدينية، إلى بعض تجار الأسلحة ومجموعات التهريب المحلية في لبنان وسوريا، وبدا هؤلاء كمن يدور في حلقة مفرغة سعياً للهروب من حقيقة الأزمة، بدلاً من معالجة أسبابها الحقيقة، وانعكس الارتباك والتناقض الذي بدا واضحاً في كلمة نواف الموسوي التي ذكرنا، على وسائل الإعلام اللبنانية المؤيدة لنظام سوريا، حيث ذكر إبراهيم الأمين حليف سوريا في لبنان في مقالته بتاريخ 9/5/2011،: (أن سبعة أسابيع من التحركات الشعبية عكست مرةً جديدة الغياب الواضح لمعارضة منظّمة، وأظهرت قسماً كبيراً من الانتهازيين، من داخل سوريا وخارجها، يقبض بعضهم الأموال من الأميركيين والأوروبيين، ويضم جيش هؤلاء ليبراليين، وإسلاميين، ويساريين ومستقلين، لكن معظم المقيمين منهم في الخارج يطالبون الغرب اليوم بالعمل بكل الطرق لإسقاط النظام في سوريا، وهؤلاء هم أسوأ ما في سوريا. ولا يشبههم سوى بعض الأبواق الذين تطوّعوا لخدمة النظام في سوريا، لكنّهم أساؤوا أكثر ممّا أفادوا، حتى لو حصلوا على الثناء من النظام في دمشق، وإن تدخّل بعض اللبنانيين منهم هو تماماً كأنصار تيار «المستقبل»، الذين تورّطوا في دعم معارضين للنظام). لقد أشار الأمين بوضح إلى دور أنصار تيار المستقبل في دعم المعارضة السورية إل جانب الغرب برمته، وربط الإسلاميين باليساريين إلى جانب الانتهازيين وسائر القوى بطريقة غير موضوعية وغير منطقية.. إلا إذا كانت مساوئ هذا النظام قد بلغت حداً دفع كل هؤلاء للتحالف والتعاون لإسقاطه رغم التباين فيما بينهم.. ولكن المفارقة أنه فيما يذكر الأمين أن المعرضة السورية تستند في دعمها لأنصار تيار المستقبل في لبنان، نشر في نفس الجريدة وفي اليوم عينه مقالاً للكاتب نادر فوز ذكر فيه أن تيار المستقبل يعاني من أزمة مالية وورد فيه: (في كلتا الحالين، سواء أطلَب الحريري المال أم لم يفعل، النتيجة هي نفسها: ثمة أزمة مالية تضرب تيار المستقبل والمؤسسات التابعة له. وخير دليل على ذلك ما يعانيه الموظفون في الوسائل الإعلامية الخاصة بالتيار. والأزمة المالية في إعلام المستقبل تحمل دلالات عديدة، أهمها كيف يمكن الحريري إسقاط السلاح وإدارة معارضة غير اعتيادية وغير نمطية دون ماكينة إعلامية مناسبة لهذا الغرض؟).. فكيف يعقل أن يقوم تنظيم يعاني ن أزمة مالية ويعجز عن سداد رواتب موظفيه الإعلاميين، بدعم ثورة شعبية يقوم بها شعب بكامله يتجاوز عدده 23 مليون نسمة..
سياسة الهروب إلى الأمام لا تنفع ومواصلة عمليات القمع والقتل والتنكيل والاعتقال لن تؤدي إلى استقرار النظام، وسياسة الكذب والتجاهل الإعلامي وتلفيق الاتهامات والتشكيك بالقوى السياسية المعارضة سواء في لبنان أو في سوريا، هي سياسة عقيمة، لن تزيد المنتفضين إلا ثقة بعدالة قضيتهم وبعدم مصداقية الفريق الحاكم في سوريا والمتسلط في لبنان، الذي لا يملك سوى سلاح الاتهام والتحريض وسيلةً للقضاء على الحركة الشعبية ومطالبها المحقة، وسياسة التخوين بديلاً عن الجلوس إلى طاولة التفاوض والعمل على إيجاد مخارج موضوعية لنظام تجاوزه الزمن. وإتباع سياسة التحريض الإعلامي والتهويل السياسي والترهيب الأمني، بنشوب حرب عرقية ومذهبية وتقسيم البلاد وتهجير العباد وسوى ذلك من الترهات الأباطيل هي مؤشر واضح على رغبة هؤلاء في إبقاء عاصمة الشام دمشق تحت سلطة قوى فاسدة وميليشيات مسلحة..
حسان القطب
hasktb@hotmail.com