محاولة لتأريخ حزب البعث العربي الاشتراكي - وليد طالـب
مقابلة مع
الأستاذ وليد طالـب
بتاريخ 21 تشرين الأول 1989 ـ دمشق
الموضوع: محاولة لتأريخ حزب البعث العربي الاشتراكي
من خلال التجربة الشخصيَّة
أجرى المقابلة: الدكتور مصطفى دندشلي
* * *
الدكتور مصطفى دندشلي: … أستاذ وليد (طالب)، إنني سعيد لمقابلتي لك وللالتقاء بك وللحديث معك عن حزب البعث العربي الاشتراكي ومحاولة التأريخ لهذا الحزب من خلال ذكرياتك وتجربتك الخاصة، ومن خلال أيضاً الأحداث السياسية التي عاصرتها أو حتى التي عشتها شخصياً، وهذه كلها أمورٌ، كما نعلم جيداً، يجب ذكرها للتاريخ ولخدمة الحركة القومية ولخدمة حزب البعث العربي الاشتراكي في مراحله وتطوِّره التاريخي.
بداية، سؤالي الأول يتعلق، بطبيعة الحال، بكم شخصياً من حيث: سنة الولادة، البلد والمنطقة التي نشأتَ فيها والمراحل الدراسية وأهم المراكز الحزبية والسياسية الرسمية التي تبوَّأتها…
الأستاذ وليد طالـب: … لقد وُلدّت في "كَفَر تقارين" في الأول من آب سنة 1928 الموافق ليلة المولد في الشهر الهجري… درست في مدرستها الابتدائية وأكملت دراستي الثانوية في حلب، في الثانوية التي كانت تسمى "التجهيز الأولى". وبعد تخرجي من مدرسة التجهيز، عُيِّنت لمدة سنة ونصف السنة في بلدتي "كَفَر تقارين" وهي تبعد عن حلب تسعين (90) كلم، على الحدود التركية، قريبة من أنطاكية. ثم انتقلت إلى دار المعلمين العليا وذلك بموجب مسابقة التي نجحت فيها وذهبت إلى دمشق وانتسبت إلى فرع اللغة العربية وآدابها، وكان ذلك في سنة 1950 ـ 1951 دراسية. وبعد أن أنهيت دراستي في الجامعة (دار المعلمين العليا) وتخرَّجت منها، عُيِّنت مدرِّساً ثانوياً في "إدلب"، في ثانويَّتها. ثمَّ نُقلت إلى حلب أو بالأحرى أُبعدت إلى حلب سنة 1959. وبعد ذلك حصل الانفصال وجرت الانتخابات النيابية في القطر العربي السوري. فخضّت المعركة الانتخابية عن منطقة "حارم" ونجحت فيها بتفوّق كاسح. ولكن المجلس النيابي لم يستمر طويلاً، فحُلَّ وكان عبد الكريم النحلاوي هو الذي حلَّه. فعدت ثانية إلى التدريس في حلب. وعندما قامت ثورة الثامن (8) من آذار عام 1963، عُيِّنت في الحكومة الأولى وزيراً للشؤون البلدية والقروية، وعضواً في "المجلس الوطني لقيادة الثورة" عن حزب البعث العربي الاشتراكي. ثم انتقلت واستلمت وزارة شؤون الرئاسة ووزارة دولة ووزارة الخارجية بالوكالة… وزارة دولة: وقد سُميِّت في ذلك الوقت وزارة دولة للربط بين شؤون الحزب والحكومة من جهة وقضايا الشعب والحزب من جهة أخرى. وآخر وزارة تحمَّلت مسؤوليتها كانت "وزارة شؤون مجلس الرئاسة". وكان ذلك حتى العام 1965.
س: … متى كان انتسابكم إلى حزب البعث العربي الاشتراكي، وفي أيِّ سنة؟!…
ج: … كان انتسابي إلى حزب البعث العربي عام 1947، مع مجموعة من الرفاق في حلب حيث أقسمنا اليمين الحزبي هناك أمام: صدقي إسماعيل ووهيب الغانم. وأذكر من الرفاق: مصطفى كمال البْعَث، عثمان كنعان… وبعد سنة ونصف السنة تركت حلب، كما ذكرت سابقاً، وكان انتسابي وأنا في الصف قبل البكالوريا…
س: … هنا سؤال يتبادر إلى الذهن: لماذا اخترتم حزب البعث العربي؟… أَلَمْ يكن هناك أحزاب أخرى، وما هي؟!…
ج: … والله، لقد اخترنا حزب البعث العربي من بين الأحزاب الأخرى، ولهذا الاختيار قصَّة: كان هناك في حلب حزبان بارزان وظاهران على الساحة السياسية، وفي المدرسة وبين صفوف الشعب، هما: الحزب الشيوعي السوري وجماعة الإخوان المسلمين، أقوى الأحزاب وهما الحزبان الظاهران البارزان المكتسحان الشارع في مدينة حلب… وهذه الفترة التي أتحدث عنها، تمتدُّ من العام 1942 حتى العام 1947، وهي الفترة الزمنية التي عايشتها. أما الكتلة الوطنية، فهي لم تكن حزباً بمعنى الكلمة، وإنما تجمُّعاً أو تياراً سياسياً عاماً. ومن ثمَّ تحوّلت إلى الحزب الوطني وبعدها انشق منه حزب الشعب….
وكنا نتصارع مع مؤيدي الإخوان المسلمين ويقيمون علينا الحجَّة. ونتصارع مع الشيوعيين ويقيمون علينا الحجَّة. ونحن لا نريد أن نكون شيوعيين، وكذلك لا نريد أن نكون من جماعة الإخوان المسلمين. ويقولون لنا: ماذا تريدون إذن؟!… نقول لهم: نحن عرب وعروبيون، وإنما نقول ذلك بشكل غامض ومبهم. وفعلاً، فقد كان في أذهاننا أفكار وفي صدورنا عواطف، ولكننا لم نكن لنستطيع التعبير عنها…. حتى أتانا في يوم من الأيام أحد الرفاق بمنشور موزَّع تحت توقيع: حزب البعث العربي: لا أذكر تماماً إذا كان منشوراً أو نشرة داخلية أو بياناً صادراً عن المؤتمر التأسيسي الأول. فقرأناه. فلاقى صدى في نفوسنا، فتقدمنا بطلب انتساب إلى حزب البعث العربي، وهكذا كان…
س: … ألم يكن حزب البعث العربي موجوداً في حلب آنذاك؟
ج: … لا، حتى تلك اللحظة، لم يكن الحزب موجوداً. ولكن بعدما انتسبنا إلى حزب البعث، سمعنا أن هناك في قرية "الباك" الدكتور عبد المنعم شريف، وهو طالب طب في دمشق، سيتخرَّج هذه السنة. وقال لنا وهيب الغانم: في السنة الآتية سيتخرَّج الدكتور عبد الخالق مرعشي وتتصلون به. وكان في مدينة "إدلب" الدكتور أديب أصفري وهو بعثي أيضاً. ومن ثمَّ، تمَّ التعارف فيما بيننا وبدأنا النشاط الحزبي التنظيمي.
س: … متى التقيتم فيها لأول مرة بقيادة الحزب التاريخية؟..
ج: … لقد كان تعرُّفي بالأستاذ ميشال عفلق كما يلي: جئت إلى الشام (دمشق) وانضممنا إلى التنظيم الحزبي، أنا وبعض الرفاق، وأخذنا نشتغل ونعمل ونناضل وقمنا بما يُطلب منا. كنت من جملة ما أقوم به من عمل، حينما جئت إلى دمشق، هو في جريدة الحزب "البعث". وكان رئيس القسم الأدبي الدكتور جودت الركابي. أكتب أحياناً بأسماء صريحة وأحياناً بأسماء مستعارة. كتبت مرة في موضوع: شتائيَ الذي أهواه. قطعة صغيرة من عشرين سطراً تقريباً… وبتوقيعي الصريح هذه المرّة. بعد يومين أو ثلاية أيام، يأتيني الرفيق يوسف خبّار، وقال لي: الأستاذ ميشال (عفلق) يريد أن يراك. ظننته يمزح. وكان منايَ آنذاك أن اجتمع بالأستاذ ميشال (عفلق). ولكنه أكد لي ذلك الموعد. فذهبت للالتقاء بالأستاذ ميشال (عفلق) في الموعد المحدَّد. فقام من أمام الطاولة واستقبلني بحرارة وجلست معه. فكانت هذه القطعة التي كتبتها هي التي عرَّفتني عليه. فقد قرأها وأُعجب بها وقال: هكذا يجب أن يكون الأدب الثوريّ، وأثنى عليّ، وتعرَّفنا على بعضنا. وقويت منذ ذلك الحين العلاقة بيننا والاتصالات الرفاقية جداً جداً. فعلاً، كان مَثَلي الأعلى، طواعية، في ذلك الوقت طبعاً،… وهكذا كان تعرُّفي على الأستاذ ميشال عفلق… وعدا الاجتماعات الرسمية، فيما أذكر، كان يقيم لنا اجتماعات خاصة جانبيَّة، أنا وجورج صدِّقني، ويدرِّسنا أو بالأحرى يوجِّهنا توجيهاً خاصاً معيَّناً غير الاجتماعات الرسمية. يعطينا كتباً لتلخيصها ويوجِّهنا إلى كتابات وإلى دراسات وإلى قراءات. وكان جورج صدِّقني يستفيد من اللقاءات الثقافية أكثر مني، لأنه كان يجيد اللغة الفرنسية. ولكن أتت ظروف الدكتاتورية العسكرية من حسني الزعيم حتى أديب الشيشكلي مروراً بسامي الحناوي، فانقطعت هذه العلاقات مع الأستاذ ميشال عفلق وهذه الاجتماعات (الثقافية والفكرية) وسلَّمنا إلى الدكتور بديع الكسم. وعقدت أيضاً عدة اجتماعات مع وهيب الغانم، ولكن الظروف نفسها والنضال اليومي ضد الدكتاتورية العسكرية، فانقطعت هذه الصلات أيضاً…
أما الأستاذ صلاح الدين البيطار، فكان تعرُّفي عليه عن طريق الصلة التنظيمية، وذلك أن صدقي إسماعيل كان قد قدَّمني إليه، بما أنني كنت قد أقسمت اليمين الحزبي أمامه في حلب وتعارفنا وعشنا عدة ليالي معه. هذه هي الظروف التي تعرَّفتُ فيها على الأستاذ ميشال عفلق والأستاذ صلاح الدين البيطار وقامت بيني وبين الأستاذ عفلق صلة وصلة أقوى مع الأستاذ البيطار لأنها تنظيمية، ذلك أنني كنت أراه يومياً من الساعة السادسة حتى الساعة السابعة صباحاً، هكذا كان موعد الاجتماع والناس ما زالت نائمة، لا أمن ولا مخابرات… والعلاقة التنظيمية كانت علاقة قوية فعلاً: لقد تربيَّت فكرياً على الأستاذ ميشال عفلق، وتنظيمياً وفكرياً على الأستاذ صلاح الدين البيطار….
س: … ما هي الصورة التي يمكن أن تقدِّمها لي عن الأستاذ صلاح الدين البيطار من خلال تجربتك ومعرفتك له ومن خلال الممارسة الحزبية: شخصيته، فكره، نشاطه، ما كان يعجبك فيه وما لم يعجبك؟!…
ج: … والله، فكر الأستاذ صلاح الدين البيطار مكتوب ومنشور، وليس باستطاعتي أن أقول أشياء جديدة عمّا قدّمه كتابة. إنه جدِّيٌّ، جدِّيٌّ تماماً وهو في جدِّيَّته كتلميذ يقدِّم في اليوم التالي امتحاناً لشهادة، وحتى عندما ينكِّت فهو في نكته جدِّيٌّ. كما في فكره جدِّيّ، فهو في نِكَته جدِّيَّتها. دؤوب على العمل، عقله منظِّم، مثقَّف طبعاً ثقافة عصرية، ولا يقطع فكره عمّا يصدر وعمّا تقذف به مطابع أوروبا (أو المكتبات الأوروبية) وذلك من أجل رفده لنشاطه ودأبه، فهو يقرأ ويطلع على الأحداث… هذا هو الأستاذ صلاح الدين البيطار، بالإضافة إلى أنه مناضل، طبعاً، وبخاصة في مرحلة الكفاح والنضال السلبي وفي مرحلة انتشار الحزب وتركيزه…
طبعاً هو سياسيّ. وفي سياسته أيضاً لا نقول إنه انتهازيّ، على الرُّغم من أنه قامت عليه حملة شعواء في الخمسينات (من القرن العشرين)، عندما ترشَّح للانتخابات النيابية. ولكن، كثيرون ترشحوا غيره من حزب البعث العربي الاشتراكي (بعد الدمج). فلماذا أولئك نقول عنهم إنهم عقائديون، ونقول عنه إنه انتهازيّ، عندما ترشَّح للانتخابات النيابية (عام 1954) وكان هذا الترشيح بقرار حزبي؟!…
س: … لماذا، إذن، يُقال عنه إنه انتهازيّ؟!..
ج: … لقد كان يُقال عنه ويُشاع أنه انتهازيّ وشاميّ ومصلحيّ… هذه هي مجمل الاتهامات التي كانت توجَّه إليه من بعض الحزبيين. وعندما أتى إلى السلطة، في الحقيقة، ظهر تفرُّده في الحكم. وهذا، لم نكن نعرف عنه هذه الصفة في السابق وقبل الوصول إلى الحكم. فعلاً كان متفرِّداً في رأيه وفي اتخاذه القرارات السياسية الداخلية بعد 8 آذار 1963. فقد أصبح ينظر إلى الحزب ويفصِّله على مقاسه وكأنه حاكمٌ دائمٌ، ويتصرف كما لو أنه سيبقى في السلطة دائماً، وباتت نظرته إلى الحزب نظرة على أنه يجب أن يكون صلاح الدين البيطار هو الحاكم والحزب يتطوّر ويسير في سلوكه في اتجاه خدمته وهو باقٍ في الحكم. فأخذ حينذاك يعقد التحالفات السياسية (من وراء ظهر القيادة القومية أو بمعنى آخر ربما من وراء ظهر ميشال عفلق)، ذلك أن الصراعات السابقة، قد كانت صراعات فكرية عقائدية ثقافية، فأضحت الآن صراعات سياسية، وسياسية تعتمد على التكتلات والتحالفات والصراعات والتحوُّلات الداخلية. وبكلمة، فقد استهوى الأستاذ صلاح الدين البيطار على الحكم والسلطة وأراد أن يبقى حاكماً…
س: … هنا، في هذا السياق، سؤال يطرح: هل كان محاطاً بحب وتعاطف عام من قِبَل الحزبيين؟!..
ج: … لا، بصراحة متناهية، لم يكن الأستاذ صلاح الدين البيطار محبوباً من قِبَل مجمل الحزبيين، مع أنني أنا شخصياً كنت أحبه.
س: … لماذا؟…
ج: … ربما لهذه الصفات التي ذكرتها آنفاً… جدِّيَّته في العمل السياسي والحزبي قبل الحكم وبخاصة بعد الحكم، فأصبح هناك صراعٌ حادٌّ على السلطة، ومنفعة: فهذه تقرِّب وتُنفِّر. ولكن، دون السلطة لم يكن محبوباً قطعاً (ولم يكن مألوفاً من قِبَل البعثيين بصورة عامة لجدِّيَّته وحزمه وصرامته التي قد تصل إلى حدِّ القساوة البادية على قسمات وجهه).
س: … في تلك الفترة بالذات وفي البدايات الأولى وهي محور حديثنـا، كيف كانت نظرتكم إلى جلال السيـد؟..
ج: … جلال السيد في تلك الفترة قائد من القادة أو القائد الثالث في حزب البعث العربي، يأتي بعد الأستاذ ميشال عفلق والأستاذ صلاح الدين البيطار. ولكنه لم يُنظر إليه كقائد فعلي، إنما القيادة الفعلية كانت للأستاذ عفلق وللأستاذ البيطار في تلك الفترة. إن أغلب المنتسبين إلى حزب البعث العربي مثقفون ومدرِّسون ومعلمون وطلبة جامعيون وثانويون… (ينبغي أن يُنظر إلى المثقفين على أنهم في الغالب هم المتعلمون والذين حصلوا على قسط من العلم في تلك المرحلة الزمنية من تاريخ وتطور سورية). أما الذي كان يملأ نفوسهم وفراغهم الفكري والثقافي والسياسي فهما الأستاذ ميشال عفلق والأستاذ صلاح الدين البيطار، لأنهما كانا مثقَّفين حقيقة وعلى صلة بتطورات العصر الفكرية والثقافية والفلسفية ويجيدان اللغة الفرنسية. فالأستاذ جلال السيد لم يكن من هذا النمط (الفكري والثقافي)، إلاّ أنه كان يُعتبر القائد الثالث وكان له أيضاً مريدون وجناح بين الحزبيين. فهذا يعني أنه لم يكن مهملاً… لا، كان له جناح ومريدون وما زالوا مخلصين لبعضهم البعض الآخر حتى الآن، وحتى هذه اللحظة. إنهم ينظرون إليه كسياسي وانطلاقاً من المعطيات الانتخابية. وفعلاً، في تلك الفترة، فقد جذب جلال السيد اسم حزب البعث العربي إلى جوّ السياسة، ذلك أن الحزب في تلك المرحلة من نشوئه، كان ما زال صغيراً ومكروهاً أو غير معروف والذي يعرفه يكرهه. وقد جاءت فترة زمنية برز فيها جلال السيد في المجلس النيابي…
س: … هنا أودّ أن أستوضح أمراً وهو أنه كان يُتَّهم حزب البعث العربي منذ نشوئه أنه حزب يضمّ الأقليات الطائفية والمذهبية في سورية: فهو حزب أقليات. بمعنى آخر أن أكثر الذين انتسبوا إلى حزب البعث العربي، هم من الأقليات الدينية والمذهبية: علويون، دروز، إسماعليون، مسيحيون، إلخ… فمن خلال تجربتك الشخصية، ما رأيك في هذا الحكم ـ الاتهامي والذي يصدر أحياناً من بعض البعثيين، وبخاصة جلال السيد بالذات؟…
ج: … يا سيدي، هذا الحكم ظالم، وكلمة "ظالم" أيضاً (خفيفة، قليلة)، وفي أثناء الحديث سوف أهتدي إلى الكلمة المناسبة. إن مَن انتسب إلى حزب البعث في تلك الفترة، الأقليات التي ذكرتها، وأنها كانت مضطهدة ومسحوقة، أليس هذا هو التبرير؟ الإقطاع كان منتشراً في كل سورية ويضطهد كل مَن يعمل معه من الفلاحين. فالاضطهاد لم يكن، مثلاً، من الإقطاع الدرزي على شعب الدروز، والإقطاع العلوي على العلويين أو إلى ما هنالك. فعلى سبيل المثال، فقد كان في حوران أيضاً إقطاع، وهو أيضاً يمارس الظلم على الفلاحين. وفي منطقتنا كذلك، منطقة "حارم"، أعتى الإقطاعيين: آل بَرْمدا وآل كيالي وآل كيخيا في المنطقة الانتخابية نفسها. صورة مصغَّرة عن الإقطاع عندنا: أحدهم وهو عبد القادر برمدا أتى بإنسان وثور ووضع عليهما الكدامة وفلح عليهما. فلا داعٍ للشرح أكثر من ذلك. مثال آخر أو واقعة أخرى، فأحدهم وهو بهاء الكيالي عمّ فاخر الكيالي دعا المحافظ والسلطة السياسية والإدارية في حلب إلى قريته، وذبح لهم الذبائح الكثيرة أمام أعين الفلاحين. وبعدما انتهت الحفلة أمر الفلاحين بحفر المزبلة، وطمر الأكل في المزبلة. كل ذلك بهدف إرهاب الفلاحين وتخويفهم. فقيل له: ليأكل الفلاحون من هذا الأكل. فقال لهم: لا يجوز لهم أن يتعوّدوا على هذا النوع من الأكل. يا أخي، هذه المنطقة هل هي علوية أو إسماعيلية أو درزية، إنها منطقة إسلامية سنِّيَّة.
والانتخابات النيابية، كان قد خاضها ضدي رشدي الكيخيا بالذات عام 1962 (في مرحلة الانفصال) وذلك من أجل إسقاطي. ولم أسقط في تلك الانتخابات. طيِّب. هل نحن علويون أو دروز؟!… ومنطقة حوران كذلك!!… منطقتنا كلها منطقة إسلامية وهي محافظة إدلب، يوجد فيها بضعة قرى درزية… ولكن، ربما يكون ما حدث انكماش قليل من الفلاحين في محافظة دير الزور، لأن جلال السيد موجود وهو عشائري. وأيضاً في منطقة حوران انكماش قليل من قِبَل الجماهير، لأن العلاقات هي علاقات عشائرية…
س: … إنني أيضاً ما أقصده هو ما جرى في دمشق: أي الذين انتسبوا إلى حزب البعث العربي في الفترة الزمنية التي كنتم فيها في جامعة دمشق…
ج: … في مدينة دمشق، في ذلك الوقت ومنذ الأربعينات وهي مرحلة التأسيس وحتى الآن، أصغر فرع لحزب البعث العربي الاشتراكي هو فرع دمشق، بمعنى البعثيون الشوام أي الدمشقيون كانوا فعلاً قليلين. بما معناه: فإذا كان البعثيون الشوام المنتسبون إلى حزب البعث العربي قليلين، هل يعني أن الحزب نشأ نشأة طائفية؟… وعادة، وهناك سبب آخر، دمشق وحلب مدينتان كبيرتان والنهضة الصناعية بدأت في هاتين المدينتين وبخاصة في حلب، صناعة النسيج وغيره. فمن الطبيعي بصورة عامة أن تكونا ضد الاتجاه الاشتراكي. وبما أن حزب البعث أعلن منذ البداية أنه حزب اشتراكي، فسوف يكون حتماً اتجاههما (دمشق وحلب) ضده. لنأخذ مدينة حماه على سبيل المثال، والتي هي قلعة الاشتراكية والقاعدة السياسية للأستاذ أكرم الحوراني، في المدينة نفسها القوى المعادية للاشتراكية أقوى من الاشتراكيين، ذلك أن قوة التيار الاشتراكي وشعبية الأستاذ أكرم الحوراني كانت تأتي من الريف، من ريف حماه. وريف حماه والقرى التي تحيط به هل هي علوية أو من الأقليات الطائفية؟!.. طبعاً، لا!!
س: …، هنا، أطرح السؤال بصيغة أخرى: زملاؤك أو رفاقك البعثيون المنتسبون إلى حزب البعث العربي، جميعكم أنتم البعثيون الدمشقيون، بمعنى الذين يدرسون ويسكنون في مدينة دمشق، في تلك الفترة التي تمتد من العام 1947 إلى 1952، هذه المجموعات الطلابية التي انتسبت إلى حزب البعث، هل كان يظهر فيها أو يبرز من خلال انتماءاتها الاجتماعية الأقليات الطائفية أو المذهبية أكثر من المسلمين السُّنَّة؟!…
ج: … يا سيدي، في تلك الفترة، أغلب البعثيين والمنتسبين إلى حزب البعث، هم في الحقيقة من خارج دمشق ومن شتى المحافظات السورية ومن بعض البلاد العربية وبخاصة لبنان والأردن والعراق ومن الخليج العربي والمغرب العربي إلخ… والطلاب البعثيين الدمشقيين كانوا أقلية نسبياً… وقد كان البعثيون الطلاب من أغلب المدن السورية يدرسون أيضاً في دمشق سواءٌ في الجامعة أو المدارس الثانوية وبخاصة التجهيز الأولى.. إنني الآن أستعرض بذهني تقريباً اسماً اسماً: هناك الطلاب من حلب كُثُر نسبياً طبعاً… فلو فرضنا أن حزب البعث كان يضم آنذاك مائة (100) عضو: الدروز من جبل العرب بين 10 ـ 20 (السؤال يتعلق بالجامعة السورية في دمشق)، من محافظة اللاذقية كذلك بين 10 ـ 20 … نحن هنا نذكر المحافظة، ولكن الأغلبية هم من الضِّيع التي تنتسب إدارياً إلى المحافظة… والطلاب البعثيون من كل محافظة لهم حلقتهم الحزبية، ما عدا مدينة الشام، كان حزب البعث ضعيفاً فيها… البعثيون الطلاب الآتون من محافظة حلب يتراوح عددهم بين 10 ـ 20، وكذلك حمص وحماه وهكذا…
س: … لنأت الآن ونتحدث عن عملية دمج الحزب العربي الاشتراكي مع حزب البعث العربي، هل كنتم موافقين على عملية الدمج بين الحزبين أم أنها أثارت في نفوس الحزبيين البعثيين الشباب شيئاً من المعارضة أو الاستياء؟!…. بمعنى آخر كيف كان موقفكم من عملية الدمج، سلباً أم إيجاباً؟!… وما كان رأيكم بالأستاذ أكرم الحوراني؟…
ج: … والله، في تلك الفترة، في الخمسينات (من القرن العشرين)، إنني، وكما قلت لك، أعتبر نفسي من جماعة الأستاذ ميشال عفلق حينذاك. وكان الجوّ العام داخل حزب البعث العربي ضد عملية الدمج، وأنا شخصياً كنت ضد هذا الدمج بين الحزبَيْن. وحضرت اجتماعات كثيرة قبل إجراء عملية دمج الحزبَيْن وكان هذا رأيي. ويظهر أنه في الاجتماعات الأخيرة لبحث هذا الموضوع، قام ضغط كبير وكثير لتحقيق عملية الدمج. وفي جلسة من الجلسات، أراد الأستاذ ميشال عفلق والأستاذ صلاح الدين البيطار اتخاذ القرار النهائي، وكأنهما كانا مغلوبَين على أمرهما، أو بالأحرى خضعا للضغط ولضغط الظروف، وهو ضغط معقول ومقبول ومُبرَّر…
أما الذين كانوا يرفضون عملية الدمج بين الحزبين أو لا يقبلونها، فقد كانت حجَّتهم أن أكرم الحوراني هو رجل سياسي انتهازي، أنا أتحدث عن تلك الفترة، بأنه سياسي انتهازي، بالإضافة إلى أنه "حَمْويّ" بمعنى أن حزبه إنما هو حزب محلِّي، حزب انتخابات، فإذن هو انتهازي. وإذا كان قد عُرف عنه أنه حزب عربي اشتراكي، أو أنه تسمّى كذلك، لمجرد أنَّها عملية صُنعت ليندمج معنا، أي مع حزب البعث العربي. هذا هو الجوّ السائد بين صفوف البعثيين المثقفين الشباب وهذا ما كان يُقدَّم ويتداول به.
والبعثيون الآخرون الذين يدعمون عملية دمج الحزبين يقولون إن سورية لا تتحمَّل حركتين اشتراكيَّتين متشابهتَين في الأهداف والغايات والتوجُّهات السياسية والقومية. فالجماهير الشعبية حينذاك تتوزَّع وتضيع، خصوصاً أن سورية بلد صغير وقضيَّة الجماهير لا تستطيع أن تتحمَّل وتتوزَّع بين هاتين الحركتَين السياسيَّتَين المتقاربتين في الأهداف السياسية والقومية… وفي العمق فقد كانوا يتكلمون فعلاً. والسبب الآخر هو أن لدينا معلومات أن أكرم الحوراني، إذا لم نندمج معه، فإنه سيتعامل ويتعاون مع حكم أديب الشيشكلي. وإذا تعاون مع أديب الشيشكلي، فإنه يستطيع أن يقضي علينا كحزب قائم، لأنه يعرف خفايانا وقياداتنا، ذلك أنه كانت قد جرت اتصالات بين الحزبَيْن وتعرَّفت القيادات والكادرات على بعضهم البعض الآخر.
وأخيراً، فيما يظهر، (وهذه نقطة مرجِّحة وحاسمة) أن الجيش ومن ضمنه بعض الضباط على قلَّتهم، لا يريدون هذا التوزُّع وهذا الانقسام وتشتُّت القوى الحزبيَّة الوطنية والقومية المعارضة. وقد كان هذا ربما أحد (بل أقوى) الضغوط من أجل دمج الحزبَيْن. يضاف إلى ذلك الضغوط الحزبيّة (في ظروف المعركة السياسية ضد الدكتاتورية العسكرية) من الطرفين وضغوط التيارات القومية الشعبية والمعايير السياسية… طبعاً، أنا كنت مع الأستاذ ميشال عفلق ومعسكره ضد الأستاذ أكرم الحوراني. لماذا؟… لأنه انتهازي وحَمْوي…
س: … هنا سؤال يُطرح في هذا السياق أيضاً: هل البعثيون الذين كانوا بمجملهم يعارضون دمج الحزب العربي الاشتراكي لأكرم الحوراني مع حزب البعث العربي، هل هم كُثُر أم كانوا قِلَّة، حتى استطاعت عملية الدمج أن تتمّ؟!…
ج: … التيار بين البعثيين المعارضين للدمج بين الحزبَيْن كان كبيراً وواسعاً. ومَن تبنَّى عملية الدمج من جانب حزب البعث العربي هما عبد البرِّ عيون السود ووهيب الغانم…. خذ مثلاً: جماعة عفلق والبيطار والسيد ضد الدمج وضد أكرم الحوراني (بالذات وشخصياً). ولكن، من ناحية أخرى، مَن هو حزب البعث؟!… ميشال عفلق وجلال السيد وصلاح الدين البيطار…. ومَن كان يقود عملية الدمج: وهيب الغانم وعبد البرِّ عيون السود، يقودانها على صعيد القطر السوري ويتصلون بالقواعد الحزبية في كل المحافظات…. وكانا يتصلان بي وبرفاقي الذين ذكرتهم لك آنفاً: مصلح سالم وصدقي إسماعيل وكانا يدغدغان عواطفنا أيضاً: مثلاً، كانا يقولان: عندما كان "الفرسان الثلاثة"، ميشال وأكرم وصلاح، هنا في سورية، كانوا يعرقلون العمل الحزبي ويؤخرونه. وعندما خرجوا من دمشق هروباً أو تهريباً، ومن ثمَّ من لبنان إلى إيطاليا، كان الحزب يسير سيراً صحيحاً سليماً ويقود المعركة ضد الدكتاتورية وبنجاح مشهود له. فهم السبب، "الفرسان الثلاثة"، (في عرقلة العمل الحزبي والتنظيم الحزبي الداخلي الفاعل والسليم)… وفي غيابهم، كانت قواعد الحزبَين تعمل في خندق واحد سواءٌ في الشارع أو في المظاهرات، ويعتمدون بدقة أساليب النضال التي كانت معروفة في تلك المرحلة. ويقول الغانم وعيون السود: لو كنا غير مندمجين في حزب واحد، لكنا تصارعنا مع أعضاء الحزب العربي الاشتراكي، ولاستفادت من هذا التصادم القوى السياسية الرجعية والدكتاتورية. بعد هذه التجربة والممارسة وبعد هذا النقاش الطويل في أرض المعركة السياسية، فقد تغيَّر رأينا وجرى بيننا تبادل وجهات النظر وحوار ونقاش. أعود وأكرر، فمَن كان يقود ويدعم هذه الأجواء الإيجابية من أجل دمج الحزبين هما: وهيـب الغانم وعبد البرِّعيون السود، وعملنا معهما فترة من الزمن ضد "الفرسان الثلاثة". وكان الإثنان يعملان ضد "الفرسان الثلاثة"، كما يسمِّيانهم، ويريدان لهما القيادة، قيادة حزب البعث العربي، واستلامها… لذلك عندما سألتني عن الصراع الحزبي الداخلي منذ 1963 فصاعدا، فالصراع الحزبي الداخلي له جذور من البداية…
س: … في عهد الشيشكلي وحكمه الدكتاتوري، مَن استلم قيادة العمل الحزبي هنا في دمشق؟!..
ج: … العمل الحزبي في أيام حكم الشيشكلي، كان يقوده الأساتذة الثلاثة، أكرم وميشال وصلاح، أثناء وجودهم هنا مباشرة. وعندما خرجوا إلى بيروت، أيضاً استمروا يقودونه من بيروت نظراً لسهولة الاتصالات…. وكان واسطة الاتصالات إنعام الجندي وحزبيون بعثيون لبنانيون… وهنا لا بد من الإشارة إلى أن التنظيم الحزبي حتى ذلك الحين كان عفوياً، بمعنى أنه لم يكن تنظيماً بمستوى فكرة الحزب (الانقلابية) في ذاك الوقت. فقد كان فيه شيء من العفوية، وفيه شىء من الابداعات الفردية، إذا صح التعبير، ويقودونها (أي المعركة السياسية) مباشرة، عن طريق، كما قلت، إنعام الجندي وشبلي العيسمي.
وفي أثناء حكم الشيشكلي أصدر مرسوماً يدعو الموظفين أن ينتسبوا إلى حركة التحرير العربي، ومَن لا ينتسب إلى الحركة، يُفصل من وظيفته. وقد أدّى الأمر إلى علاء الخاني وشاكر الفحّام وشبلي العيسمي أن لا يقسموا يمين الانتساب وأن لا ينتسبوا إلى حركة التحرير، وفصلوا من وظيفتهم. وهنا أصبح شبلي العيسمي صلة الوصل بيننا في الداخل وبين القيادة الحزبية في لبنان، قبل أن يخرجها كميل شمعون رئيس الجمهورية. وطوال مدة وجودهم في لبنان بقينا نتَّصل بالقيادة الحزبية الثلاثية عن طريق شبلي العيسمي. وكان عبد الحليم قدور مطارداً، وأعطينا تعليمات مؤدّاها: إذا ألقي القبض على أحدكم بعمل ما، أن يقول: إن الذي أعطاني هذا المنشور هو عبد الحليم قدور. وعندما اُعتقل شبلي العيسمي وعندما اُخرج الأساتذة الثلاثة من لبنان وذهبوا إلى روما، أرسلوا أمراً بتعييني استلام القيادة المركزية تحت رقم (305). فكنت أتصل بالأعضاء بتوقيع رقم (305).. وتعاونت في ذلك الوقت مع الرفاق مصلح سالم، إسماعيل العُرفي، منير العبد الله، سليمان الخشّ، نحن الخمسة كنا القيادة الحزبية الداخلية الأساسية. فقمنا باتصالاتنا ونظمنا القطر السوري على صعيد المقاومة، وكان أكثر عملنا في دمشق وفي الجامعة: وأساليب النضال في ذلك الوقت ضد الدكتاتورية: إلقاء المتفجِّرات، توزيع المناشير وتنظيم المظاهرات…. هذا ما كنا نقوم به وبالتواصل مع الآخرين. وبعد ذلك ببضعة أشهر، كُلِّفنا أن ندعو أمناء فروع الحزب في المحافظات إلى اجتماع عام، ويكوِّنوا مجلساً استشارياً أو مجلساً سياسياً، على ما أعتقد، وبذلك توحَّدت قيادة تنظيم الحزب…. يعني، كمساعدة لنا نحن طلاب الجامعة من قِبَل الحزبيين المتمرّسين في العمل والتنظيم السياسي، فلم نكن نقدر لوحدنا على استيعاب كل شىء في العمل التنظيمي المقاوم….
س: … وهكذا استمر العمل الحزبي وتطوَّر ونما وتوسَّع، ولا سيما على أثر الانقلاب ضد حكم الشيشكلي في شباط 1954… وأنت بقيت في دمشق حتى العام 1956 حين تخرجك من الجامعة… وبعد ذلك حصلت الوحدة بين سورية ومصر عام 1958 ـ وهي أحداث معروفة لنا جميعاً ـ هنا سؤالي يأتي حول انطباعك الأول والأساسي: هل استطاع الحزب أن يقيم تنظيماً داخلياً قوياً، في هذه الفترة بالذات، قبل قيام الوحدة مع مصر، أم لا؟!…
ج: … لا، لم يستطع حزب البعث أن يُنشىء تنظيماً حزبياً داخلياً قوياً، إطلاقاً… إن ضعف التنظيم الحزبي هو الذي أدّى به إلى حلّ نفسه عند قيام الوحدة، مع جملة أسباب أخرى طبعاً. لماذا؟.. قبل دمج الحزب العربي الاشتراكي مع حزب البعث العربي، التنظيم الحزبي فعلاً ـ وكما قلت لك ـ إن لم يكن عفوياً، فلم يكن قوياً ولم يكن يسير على منهج علمي حديث، كما هو مفهوم الآن… وإنما كان الحزب عبارة عن تنظيمات عفوية، ووحدة ارتباطات الخليَّة الحزبية في القاعدة أغلبها قائمة على أساس الصداقة، على القرابة العائلية، على الانسجام… طبعاً، كل هذا لا يعني أن هناك تنظيماً بالمعنى الحقيقي للكلمة، ولم يكن تنظيماً حديثاً أو علمياً. تحدث المخالفات ولا يتبعها عقوبات أو محاسبات. وهكذا، فقد تراكم مع الزمن ضعف التنظيم، وتراكمت المحسوبيات، بمعنى الأجنحة الحزبيَّة المتنافسة أو حتى المتصارعة بعضها مع البعض الآخر. ومن ثمَّ، أتى موضوع دمج الحزبين، وحزب البعث ضعيفاً قبل الدمج من الناحية التنظيمية، حتى لا نتَّهم عملية الدمج في سبب ضعف الحزب. والحزب العربي الاشتراكي أيضاً، علاقاته إنما هي علاقات شخصية فردية. فإذا كان لدى حزب البعث شىء من التنظيم الحزبي، فهناك لا شىء من التنظيم على الاطلاق، وإنما علاقات محلية وعائلية وعشائرية. وهنا وقعت المشكلة وتفاقمت في الأساس: القيادة من فوق لا تستطيع أن تضبط نفسها وتنظِّم الحزب، وبخاصة الأستاذ ميشال عفلق والأستاذ أكرم الحوراني… هل ميشال عفلق هو الأول وأكرم الحوراني هو الثاني أو العكس بالعكس: هذه هي المشكلة….
س: … على صعيد القواعد الحزبية، هل حصل فعلاً نوع من الاندماج الحزبي الحقيقي، أم أنه بقي الوضع كما كان عليه في السابق؟!…
ج: … لا والله، فإن صراعات القيادة انعكست على القاعدة الحزبية، صراعات القيادة وبخاصة التنظيمية والسياسية انعكست على القواعد الحزبية. وعندما ذهب الشيشكلي وبدأت الفترة الديمقراطية في الحياة السياسية، فقد تعقَّدت الأمور أكثر فأكثر بسبب وجود انتخابات نيابية وقيام مجلس نيابي وتأليف حكومة وبروز مصالح وتعيين ووظائف واختلطت الأمور بعضها ببعض وظهر هنا ما يسمى بـ "التيار العقائدي" و "التيار السياسي". التيار العقائدي الذي يقوده ميشال عفلق وينظر إلى الحزب كما لو أنه مخاطبة التاريخ وبناء حضارة وحركة المستقبل وإلى ما هنالك. والتيار السياسي الآخر الذي يعمل في الحياة السياسية اليومية، وهو تيار أكرم الحوراني الذي يعمل في المجلس النيابي…. وقام صراع عنيف فعلاً ما بعد حكم أديب الشيشكلي وكاد أن يودي بالحزب. وسُمِّيَت تلك المرحلة حينذاك "معركة النظام الداخلي". وقاد تلك الحملة أو معركة النظام الداخلي، القيادات والكادرات الحزبية من الصف الثاني، إذا صحّ القول، تلك التي تأتي مباشرة بعد قادة الحزب الثلاثة وقالوا: لا نستطيع أن نضبط هذه الأمور إلاّ بوضع نظام داخلي دقيق وواضح ومدروس. وقامت الاتصالات بجميع فروع الحزب في القطر السوري لوضع مشروع نظام داخلي للحزب يقرُّه المؤتمر. وكان الحزب في صدد دراسة موضوع النظام الداخلي، فتأتي الوحدة السورية ـ المصرية. لذلك كانت "الوحدة" إنقاذاً للحزب من التفكّك والانهيار. فلو لم تأت الوحدة، وجرت انتخابات عام 1958، ماذا كان سيحدث في الحزب؟!… فإنه سيحدث أشياء كثيرة من ناحية الخلافات الداخلية: فك دمج الحزبَيْن أم غير فكّ الدمج إلى غير ذلك… ما دام ليس هناك نظام داخلي وما دام هناك شباب قد برز لديهم الطموح السياسي، والانتخابات النيابية آتية وعقد التحالفات، محلية وخارجية وكيفما كان الحال وهكذا…
س: … سبق وقلت لي بأن رغبة الأستاذ ميشال عفلق منذ عام 1953 فكّ الاندماج مع الحزب العربي الاشتراكي وفصل الأستاذ أكرم الحوراني، كيف كان ذلك؟!…
ج: … كان ذلك بعدما خرج الأساتذة الثلاثة من سورية وعاشوا معاً فترة من الزمن في لبنان. ويبدو أن تجربة المنفى في لبنان وقيادة الحزب السياسية، قد اختلفوا فيها. وبعدما أُخرجوا من لبنان إلى إيطاليا، زادت أيضاً حدَّة الخلافات فيما بينهم، حتى وهم مضطهدون ومبعدون ولم يكونوا في الحدود الدنيا منسجمين مع بعضهم البعض، ومع أنهم وقّعوا مع الشيخ مصطفى السباعي رئيس جماعة الإخوان المسلمين في سورية ومع خالد بكداش الأمين العام للحزب الشيوعي السوري، وقّعوا مع وجود التناقضات معهما الاتفاق لإزاحة وإسقاط حكم أديب الشيشكلي، وهم في المنفى ليسوا متَّفقين. وعندما رجعوا إلى سورية، تكلم الأستاذ ميشال عفلق وقال: إن تجربتي مع أكرم الحوراني في هذه الفترة القصيرة في خارج البلد، جعلتني غير منسجم معه: إنه غير انضباطي ولا يمكن أن يكون انضباطياً ولا يؤمن بنظام الحزب وهو عشائري ومحلّي ومصلحي ومتفرِّد في رأيه….
س: … هل كان يصرِّح بذلك في اجتماعات حزبية أم في اجتماعات خاصة بينكم وبينه؟!…
ج: … لقد بلَّغني ذلك كتابة، كان قد أملاها عليَّ إملاءً وطلب مني أن أبلِّغها لفرع الحزب في اللاذقية وفرع حمص. وذهبت وقمت بتبليغ ذلك إلى فرعَي الحزب في اللاذقية وفي حمص. وقد قيل آنئذ إنه كان يهيىء لدعوة مؤتمر الحزب للاجتماع ويحضِّر سلفاً وجانبياً الأكثرية لفصل أكرم الحوراني من حزب البعث. وذُكر ذلك في أحد المؤتمرات القطرية في دمشق وطُلب الشهادة مني في هذا الموضوع، فهربت ولم أشهد…
س: … هل هذه الحجج ضد أكرم الحوراني التي قدَّمها الأستاذ عفلق، هل كانت بالنسبة إليكم أسباباً مقنعة لفصله من الحزب أم أنكم كنتم تتقيدون بها لأنها صادرة من الأستاذ ميشال عفلق؟!…
ج: … كنا نقتنع بها بما أنها صادرة من الأستاذ ميشال عفلق… وكان يعرضها علينا عرضاً مبدئياً حزبياً أخلاقياً….
س: … لماذا، في هذه الحالة، لم تتمّ عملية فصل الأستاذ أكرم الحوراني من الحزب؟
ج: … وهذا سؤال مهم، ذكّرني ودفعني لإكمال الجواب: تصوّر، أرسلني مساءً لتبليغ هذه الرسالة إلى الفروع. وقد بلغتها. وأنا راجع من حمص، أصبحنا على اعتقال جميع السسياسيين في سورية ومنهم ميشال عفلق وأكرم الحوراني وصبري العسلي، إلخ… فعلاً، وهذا ما حدث. تصوَّر: هذا التنظيم وهذا التقدير: ففي اليوم الذي يريد فيه أن يفصل أكرم الحوراني من الحزب، حصلت الاعتقالات لكل الموقِّعين من السياسيين على "ميثاق الجبهة الوطنية للمعارضة". هذه واقعة…. وبعد ذلك، لم يكن ممكناً إطلاقاً تنفيذ هذه الرغبة أو هذا المشروع المخطَّط له من قِبَل ميشال عفلق…
س: … لأنه لم يكن مُستثاغاً أو مقبولاً من قِبَل الرأي العام الحزبي داخل سورية، فيما يبدو، هذا الموقف أو ربما تنفيذ هذا المشروع..
ج: …… حتى من الحزبييّن، العملية كلها لم تستغرق سنة بل أقل من سنة: ميشال عفلق لا يريد الدمج بين الحزبَيْن، ثم أراد الدمج وأقنع معه الآخرين، واقتنعوا معه بالدمج. فحصل الدمج. ولكنه، بعد ذلك، طلب فكّ الدمج وفصل أكرم الحوراني. تناقضات، حتى من المريدين كانوا يتساءلون فيما بينهم: أن هذا الأمر ليس بمعقول. وليكن أحد المريدين هو أنا شخصياً… سنة وأقل من سنة، وفي ظروف نظام حكم دكتاتوري عسكري، وتتفق مع المشايخ ومع الفاسقين(؟) (أي الخصوم) لإزاحة أديب الشيشكلي، وتعمل على فصل أكرم الحوراني من الحزب، واتجاهه وتياره وما يمثل سياسياً أكرم الحوراني!!…
س: … إذن، جاءت الوحدة السورية ـ المصرية فأنقذت الحزب من الانهيار الداخلي
ج: … هذا صحيح، ويمكن أن يقال أيضاً إنه قدَّم نفسه ضحية في سبيل قيام هذه الوحدة، ولكنه فيما بعد، أيَّد الانفصال، إذا لم يكن قام به…
س: … لننتقل الآن إلى وضع الحزب في مرحلة الانفصال: لقد كان الحزب في هذه الفترة الزمنية متمزِّقاً، مشتتاً…. أين كنتم؟!..
ج: … في حلب، لأنه بعد حلّ المجلس النيابي، كما ذكرنا سابقاً، عدت إلى التدريس وكذلك عندما وقع الانفصال كنت في حلب أيضاً…. لقد كان عملي الرسمي في حلب. وكنت في قيادة الحزب، بضعة أيام في حلب وأيام أخرى في دمشق، وذلك في فترة الانفصال وبعد تكوين قيادة الحزب الموقتة على أثر المؤتمر القومي الخامس المنعقد عام 1962، وتنفيذاً لإحدى مقرّرات المؤتمر: إعادة تشكيل الحزب في القطر السوري بعد حلّه، ووضع المعايير والشروط التي يجب أن تتوافر في الرفاق الذين سوف يتولون قيادة إعادة تشكيل الحزب في سورية… وكان اسمها الرسمي: القيادة القطرية الموقّتة التابعة مباشرة للقيادة القومية…
س: … هنا سؤال يطرح: ما هي الصعوبات التي واجهت الحزب في تلك الفترة ، فترة الانفصال، من وجهة نظرك كعضو في القيادة القطرية الموقتة؟..
ج: … هنا يحتاج الأمر إلى العودة إلى ما قبل تشكيل القيادة الموقتة في سورية. لقد نشأت الصعوبات وسببها الأساسي حلّ الحزب عند قيام الوحدة المصرية ـ السورية. فعلاً، عندما حُلَّ الحزب، تشتَّت الأعضاء. وحُلَّ ولم يُحلّ. فقد حُلَّ رسمياً، وحقيقة حُلَّ. ولكنه لم يحلّ، بمعنى، أن الرفاق الذين تضمُّهم نقابات أو دَوْرات أو علاقات رفاقية أو محليات أو ما إلى ذلك، بقوا على صلاتهم بعضهم مع البعض الآخر، وإنما ليست بشكل تنظيمي هيكلي معروف. بقيت مجموعات مجموعات في كل المدن والمحافظات وهذه المجموعات تتصل فيما بينها، ليس اتصالاً منظماً وموقوتاً بزمن ومحدَّداً. وكانت تصدر أحياناً نشرات من القيادة القومية، وتُسرَّب إلى بعض الحزبيين، إلى بعض المجموعات البعثية الموثوقة في سورية، وهذه المجموعات كانت تتصل بعضها ببعض. وعندما وقع الانفصال أو بالأحرى قبيل وقوع الانفصال، كأنما كان معروفاً عند بعض الناس أن انفصالاً سيقع، وكان يقيم اتصالاته وعلاقاته على هذا الأساس. وبكَّرت الاتصالات بين الحزبين السابقين….
س: … مَن هي الجهة الحزبية التي بكَّرت اتصالاتها…؟…
ج: … يعني الذين سُموا فيما بعد "القطريون"، وهم جماعة الأستاذ أكرم الحوراني…. وتوضيحاً لهذه الناحية أقول: في أيام الوحدة، عُقد اجتماع ما سُمّي بـ "مائة ساعة"، لأن مجموعة الاجتماعات استغرقت مائة ساعة…
س: … أو اجتماع "الخمسين" شخصاً… لديّ معلومات تفصيلية عن هذا الاجتماع…
ج: … في البداية، كانوا أقل من ذلك… إذن، في هذه الاجتماعات، كان يُطرح موضوع: إعادة تشكيل الحزب في سورية، وأن يقوم الحزب بإعادة النظر في ما كان يعتقد به (من حيث مفاهيمه: في الوحدة والحرية والاشتراكية)، ولتأييد الانفصال الذي سيقع… هل عندك علم بذلك؟…
س: لا، وإنما لإعادة تنظيم الحزب داخل الجمهورية العربية المتحدة… هذه هي معلوماتي الأكيدة… لأنه تبع ذلك الاتصال بالقيادة القومية…
ج: … لا، إن ما يعرفونه أن الوحدة ستنفصل، ويأتون بالمثل بصيغة طرح السؤال: ماذا سيكون موقفنا إذا وقع انفصال؟!… فبعد المائة ساعة من اللقاءات والنقاشات الفلسفية والنظرية، ما هو موقفنا من الانفصال، إذا وقع الانفصال وقام به غيرنا؟!… أكرم الحوراني، كان يقول في هذه الاجتماعات جملته الشهيرة: إن الرُّكبة إذا قُطعت، لا تركَّب. يعني: انفصال هو انفصال: إنه صريح، جريىء الرجل وصريح. صلاح الدين البيطار: لا، نحن مع الوحدة ونناضل ضمن الوحدة. وأتى الانفصال ولم يبتّ بهذا الموضوع وبقيَ كل على قناعته. لذلك رأينا أن أكرم الحوراني مباشرة أيَّد الانفصال. وصلاح الدين البيطار، لتكن ما تكن ظروفه، لكنه وقَّع أيضاً على "وثيقة الانفصال".
ثمَّ أتى المؤتمر القومي الخامس عام 1962، وقرَّر الاتجاه الوحدوي على أسس ديمقراطية وإعادة تشكيل حزب البعث في سورية. وقد جاء هذا المؤتمر متأخراً عن نشاط الأستاذ أكرم الحوراني الذي كان سبّاقاً في القيام بالاتصالات مع الحزبييِّن البعثييِّن لإعادة تشكيل الحزب. وعندما انتظر الحزبيون (البعثيون القوميون) الآخرون موقف المؤتمر القومي وقراراته ومباشرتنا بالاتصالات، كنا نواجه الصعوبات العديدة وأوَّلها إنما هي نتيجة اجتماعات "المائة ساعة" (أو اجتماعات الخمسين أو العشرين عضواً قيادياً بعثياً…)، هذه الاجتماعات التي لم تتوصل إلى أيِّ حلول مرضية للجميع. وما طُرح هناك، أي في تلك الاجتماعات في أواخر أيام الوحدة، صار يُطرح أثناء الانفصال في صفوف البعثيين وبين مختلف تياراتهم، وأخذنا نتناقش مع الآخرين.
ومن جهة أخرى، فقد كان وجود صلاح الدين البيطار مشكلة في تنظيم الحزب: وكنا نؤكد لهم أن صلاح الدين البيطار ليس منظَّماً في الحزب. وهو فعلاً لم يكن منظَّماً بعد في الحزب، لأنه وقَّع على وثيقة الانفصال ولكونه غير محبوب وغير مرغوب فيه أن يكون في عداد مَن سيعاد تنظيمهم في الحزب. وكان كثير من الحزبيين البعثيين يصرُّون على أنه منظَّم، ونحن نقسم لهم بالأيمان المغلَّظة أنه ليس منظماً. فقد كانوا ضد صلاح الدين البيطار ويعلنون أنه إذا كان مع القيادة القومية، فنحن لا ننتظم حزبياً مع القيادة القومية، ما دام صلاح الدين البيطار في الحزب.
س: … مَن هم الذين كانوا يعارضون عودة صلاح الدين البيطار إلى الحزب؟
ج: … كُثُر، كثيرون كانوا يعارضون عودة صلاح الدين البيطار إلى الحزب. وإذا كنتَ تُصرُّ على أن أقدِّم لك بعض النماذج من المعترضين على عودته إلى الحزب، في دمشق، في الرقّة، في أيِّ اجتماع أعقده، فقد كان يطرح بإلحاح هذا السؤال عليَّ. وتأتي الصعوبة الأخرى أيضاً من قِبَل الناصريين، واتجاه عبد الناصر، ومن إذاعة "صوت العرب" ضد الانفصال والموقعين على وثيقة الانفصال، وبخاصة البعثيين وفي مقدمهم أكرم الحوراني وصلاح الدين البيطار.. وهناك بالإضافة إلى ذلك كلِّه صعوبات ثانوية محلية شخصية. هذه هي الصعوبات التي كنا نلاقيها والتي كانت تواجهنا منذ البداية، منذ وقوع حركة الانفصال…
س: … هنا، في هذا المجال، سؤال يُطرح: بقايا الحزبيين الذين استمروا على ولائهم للقيادة القومية وللأستاذ ميشال عفلق، هل كانوا كُثُر أم قلَّة وكم كان عددهم؟!… ذلك أننا كما نعلم أن الحزب قد تفرَّق وتمزَّق وظهرت في داخله تيارات عديدة، فما مدى نسبة هذا التيار، التيار القومي، "العفلقي" بالنسبة إلى التيارات البعثية الأخرى، ليس فقط في دمشق، وإنما أيضاً في المحافظات وفي القطر السوري عموماً؟!..
ج: … أظن، إن لم تخنّي الذاكرة، أن العدد يصل إلى حوالي ثمانماية (800) عضو حزبي في تنظيم القطر السوري كله، وهم الذين استجابوا للانخراط والانتظام في الحزب في اتجاه القيادة القومية بعد المؤتمر القومي الخامس. ولقد حدثت حركة 8 آذار 1963 وتنظيمات الحزب في القطر السوري تضمّ حوالي ثمانماية (800) عضو… وهؤلاء كانوا منتظمين في حزب البعث في فترة الانفصال بقيادة الأمين العام ميشال عفلق ممثلاً القيادة القومية… وكان هؤلاء رافضين لعودة صلاح الدين البيطار إلى حزب البعث وإلى القيادة القومية.
س: … كيف تفسِّر موقف القيادة القومية وأمينها العام الأستاذ ميشال عفلق من الانفصال وهي ضده، ولا سيما بعد المؤتمر القومي الخامس. ومن ثمَّ نجد كثيرين من الحزبيين البعثيين دخلوا في الانتخابات النيابية التي جرت في فترة الانفصال، وشاركوا فيها: الأستاذ صلاح الدين البيطار في دمشق. وأنتم في منطقة "حارم" وأديب أصفري ومصطفى كمال بْعثْ في "إدلب" ومحمود الحكيم في "دوما" كيف يمكن تفسير هذا الموقف؟!..
ج: … الانتخابات النيابية في تلك الفترة حصلت قبل انعقاد المؤتمر القومي الخامس، أي أنها جرت في شهر كانون أول 1961، والمؤتمر الخامس تمّ انعقاده عام 1962 والأستاذ ميشال عفلق ما زال خارج سورية، في بيروت. لا، لم ندخل هذه الانتخابات لا بقرار الحزب ولا بقرار القيادة القومية، لأن الحزب في سورية حينذاك كان لا يزال منحلاً والمؤتمر القومي الخامس لم ينعقد بعد، وإنما اتخذنا هذه المواقف ومشاركتنا في هذه الانتخابات النيابية انطلاقاً من مسؤوليتنا الشخصية وليس بقرار حزبي الذي لم يكن له بعد وجود رسمي أو شرعي. وقد نجح من مجموعتنا البعثية التي لم تنتظم بعد: أنا (وليد طالب) وأديب أصفري ومحمود الحكيم…
س: كيف تفسِّر نجاحكم في تلك الفترة، فترة الانفصال، هل كان ذلك نتيجة التحالفات الانتخابية التي عقدتموها آنذاك؟!&