نشوء حزب البعث العربي وتطوره - د. مدحـت البيطــار(3)
المقابلـة الثالثـة
مع د. مدحـت البيطــار
أحد مؤسسي حركة البعث العربي
حول تجربته الاجتماعية والسياسية والقومية
نشوء حزب البعث العربي وتطوره
الزمان والمكان: 24 نيسان 1983 ـ دمشق
أجرى المقابلة: الأستاذ جورج صدِّقني
تفريغ التسجيل والتلخيص: د. مصطفى دندشلي…
* * *
…. في هذه المقابلة، يتحدث د. مدحت البيطار عن مشروع سورية والعراق ويقول بأن الأستاذ جلال السيد هو الذي كان متحمساً لهذا المشروع الوحدوي بين سورية والعراق (في العام 1949). ولقد جرت أثناء ذلك إشاعات عديدة وقريبة من اليقين أن كل الأشخاص الذين نادوا بإقامة هذه الوحدة مع العراق، كانوا يقبضون مئات الآلاف من الليرات السورية، سواءٌ من الحزب الوطني أو من حزب الشعب أو من حزب فيصل العسلي (الحزب الاشتراكي التعاوني) أو من الأشخاص المستقلين الذين كانوا ينادون بتحقيق مشروع الوحدة بين البلدين، اتهموا جميعاً بأنهم كانوا يقبضون أجر (أو ثمن) هذه الدعوة. وعندما عُقد مجلس الحزب بعد ذلك بفترة، لم يُبحث موضوع الاتحاد مع العراق، لأنه كان قد مضى فترة طويلة، فترة كافية لأن ينسى الناس هذا الموضوع. إنما كان هناك داخل الحزب حملة على جلال السيد، ذلك أن البيان الحزبي الذي صدر بخصوص هذا المشروع، قد كان بتشجيع منه واتهم بأنه يساير حزب الشعب… ولا أستطيع أن أنكر بأن صلاته ـ صلات جلال السيد ـ قوية مع حزب الشعب ومواقفه في المجلس النيابي، في الجمعية التأسيسية، هوجمت بشدة لأنها كانت قريبة من مواقف حزب الشعب في عدد من النواحي.
وفي الوقت نفسه هوجم أيضاً الأستاذ صلاح الدين البيطار لموقفه في المعركة الانتخابية، بمعنى أنه سخّر الجريدة "البعث" للدعاية لنفسه أكثر مما سخرها للدعاية للمرشحين الآخرين سواء في دمشق أو في المحافظات الأخرى، وبصورة خاصة تجاهله في كثير من الأحيان للأستاذ ميشال عفلق، وهو عميد الحزب. لقد كانت الدعاية موجهة لشخصه أكثر من كل الأشخاص الآخرين بمن فيهم عميد الحزب. (يلاحظ أن هناك تحيُّزاً واضحاً وعدم موضوعية تاريخية لا في طرح الأسئلة ولا في الإجابة عنها، وهذا خطأ كبير في هذه المقابلات…)
وبعد انفضاض مجلس الحزب، ابتعد أو بالأحرى قاطع صلاح الدين البيطار وجلال السيد، قاطعا الحزب لفترة غير قصيرة ولم يعودا إلى الحزب إلاّ بعد سفر الأستاذ ميشال عفلق إلى البرازيل، وكان هذا بعد مناقشة مشروع الاتحاد بين سورية والعراق. بالنسبة إلى مشروع الاتحاد بين سورية والعراق، فقد تمثلت المعارضة (المعارضة الحقيقية والشديدة) بموقف أكرم الحوراني والجيش السورية بوجه عام وأساسي. ثم يأتي الحديث إلى العلاقة بين حزب البعث وأكرم الحوراني والحزب العربي الاشتراكي، فيقول مدحت البيطار: إن الصلة مع أكرم الحوراني هي صلة قديمة من أيام ما كنا نجتمـع في "نادي فيصل الثقافي"، وكذلك كانت الصلة طيبة بين عفلق الذي يُلقي المحاضرات في النادي، فكانت الصلة طيبة جداً بينه وبين أكرم الحوراني والأستاذ رئيف المُلقي، نائب حماه، الاثنان نائبا حماه. وكان يتشوق كل واحد من هذين النائبين لسماع آراء ميشال عفلق وحضور محاضراته، عندما كان يلقى بعض المحاضرات هنا وهناك في دمشق. ولكن فترت هذه العلاقة فيما بعد. يعود مدحت البيطار ويكرر بأنه كان هناك علاقة سابقة وكان هناك ودٌّ ظاهر، عندما يجتمع كل من أكرم الحوراني ورئيف المُلقى مع ميشال عفلق. ولكن، على الرغم من الودّ الظاهر، لم يكن هناك عمل مشترك (حتى ذلك الحين). وإنما بعد أن أسس الأستاذ أكرم الحوراني حزبه الخاص، الحزب العربي الاشتراكي، أخذت الاتصالات تجري لتوحيد الحزبين. ولكنه كانت دوماً تصطدم (هذه المحاولات التوحيدية) وكان جلال السيد لا يرغب في هذه الصلات. وبطبيعة الحال، لم يكن أي تقارب صميمي بين الأستاذ أكرم الحوراني والأستاذ ميشال عفلق، بعد أن أسس الأستاذ أكرم الحوراني حزبه. والأستاذ الحوراني بعد أن أعلن عن تأسيس حزبه في الجمعية التأسيسية، صار عنده اعتداد (أو توجّه) بأنه ليس من حاجة لأن يندمج مع حزب آخر، صار له قوة انتخابية حتى أنه قَدِر أن تنجح قائمته، وإن لم ينجح فيها رئيف المُلقى. وبالفعل. عندما رشح هو (أكرم الحوراني) نفسه وقائمته، نحن في دمشق وجريدتنا "البعث" كنا قد ساعدناه وأقمنا له دعاية انتخابية أيضاً. لكن، بعدما وصل إلى الجمعية التأسيسية وأعلن عن حزبه، صار هناك نوع من التباعد.
وكان يغذّي هذا التباعد جلال السيد الذي كان أقرب إلى حزب الشعب منه إلى أكرم الحوراني وحزبه. وصارت اجتماعات عديدة ولكنها لم تكن جديّة وإنما باتت جدية بعد الانقلاب الذي قام به العقيد أديب الشيشكلي واعتقل نواب حزب الشعب ورشح نفسه لرئاسة الجمهورية وانتخب طبعاً رئيساً… في ذلك الوقت جرت اتصالات أكثر جدية بين حزب البعث العربي وبين الحزب العربي الاشتراكي واتصل بعض الضباط بحزبنا وبأكرم الحوراني وأفهمونا الشيء التالي: إنهم هم ـ أي الضباط ـ عندهم استعداد بهدف تحضير انقلاب للإطاحة برئيس الجمهورية الشيشكلي، وأن يقوموا بانقلاب وينحّوا أديب الشيشكلي، ولكنهم يخشون أنهم إذا أتوا بوضع جديد، أن تستمر الخصومة بين حزب البعث والحزب العربي الاشتراكي. وهم يريدون أن نأتي نخبة (سياسية جديدة) لاستلام الحكم، سواء في المجلس النيابي الذي ستجري انتخابات جديدة له أو في الحكومة نفسها. إنهم يريدون أن يقوم حكم تقدميّ، ليس له خصوم إلاّ الرجعيين، والذين سوف لا ينجحون في الانتخابات وسيكون تأثيرهم على الحكم قليلاً أو شبه معدوم تقريباً. والجيش سيآزر حكومة تكون في مجموعها تقدمية. لذلك هم يطرحون دمج الحزبين: حزب البعث العربي والحزب العربي الاشتراكي. فإذا كان قد اندمج الحزبان تحت أهداف واحدة، فعندئذ سيقومون بانقلاب ضد حكم الشيشكلي وتتشكل حكومة كلها تقدمية من الحزبين. وأنا كنت مبتعداً عن القيادة في تلك الأثناء. ولكن الأستاذ عفلق كان يومياً يأتي ويحضر لزيارتي في الدار ويعلمني عن الخطوات التي توصلوا إليها ويسألني عن رأيي في هذا "الدمج". وكنت أنا معارضاً كل المعارضة. وذكرت للأستاذ عفلق في ما ذكرت له عدم رغبتي وعدم موافقتي على الدمج، لأنه عندما يحصل الدمج نظراً لوضع الأستاذ أكرم الحوراني السياسي، فقلت للأستاذ ميشال عفلق بأن زعيم الحزب سيكون الأستاذ أكرم الحوراني ولن تكون أنت زعيم الحزب، هذا إذا حصل الدمج. ولكن الأستاذ ميشال عفلق كان واقعاً تحت تأثير ضغط بعض الأشخاص الحزبَين أذكر منهم: وهيب الغانم، عبد البرعيون السود كانا يلحَّان عليه بضرورة دمج الحزبَين. ولست أعرف موقف الآخرين تماماً، لأنهم كانوا بعيدين مني وما كنت أسأل عنهم، لأني كنت ضد فكرة الدمج بين الحزبَين. وعندما حصل الدمج ووقعته الجهتان، اعتبروا دستور الحزب هو دستور حزب البعث نفسه بالإضافة فقط كلمة الاشتراكية إلى الاسم، إلخ… إلخ..
إذن، مدحت البيطار كان ضد دمج الحزبَين وقال للأستاذ ميشال عفلق انتظر قليلاً، سوف يدبّ الخلاف بينك وبين أكرم الحوراني. وبالفعل، لم يمض وقت طويل، كما يقول مدحت البيطار، حتى حضر عفلق لبيتي في اليوم الثاني وقال له: ما احتملت القضية أسبوعاً حتى يدبّ الخلاف بيننا، إنما من اليوم الأول قد بدأ الخلاف بيني وبين أكرم الحوراني، ولم أسأله عن سبب هذا الخلاف. وفي الواقع، بعدما حصل دمج الحزبَين كنا ننتظر من الضباط البعثيين في الجيش أن يفوا بوعدهم بتنفيذ حركة انقلاب ضد حكم الشيشكلي. فإذن، كان الحزب لا يمانع أبداً ـ بين هلالين ـ من قيام الضباط بعمليات الانقلاب العسكري واستلام السلطة (عن هذا الطريق). ففي أحد الأيام، جاء عفلق وصلاح الدين البيطار إلى بيت مدحت البيطار وقالا له إنهما سوف يختبئان عنده هذه الليلة، لأن الضباط سينفذون الانقلاب ضد الشيشكلي. وكان الشيشكلي في ذلك الوقت في مصر ويريد أن يحضر إلى دمشق. وهؤلاء الضباط اتصلوا فيمن اتصلوا به من الضباط الآخرين، اتصلوا بالعقيد إبراهيم الحسيني. وإبراهيم الحسيني ماشاهم في رأيهم حتى عرفهم بمجموعهم: مَن هم الأشخاص (الضباط) الذين هم في صدد تدبير الانقلاب ضد أديب الشيشكلي. وبعد أن عرف جميع الأشخاص المشتركين في هذا الانقلاب، قال لهم بأنني أنا لست معكم وسأخبر الشيشكلي بمساعيكم هذه (أي بحركتكم الانقلابية). وكانت الخطة بأنه عند حضور الشيشكلي إلى المطار، كان من المفروض أنه عندما تصل طائرته إلى دمشق، يلقون القبض عليه. وهكذا، فإن المؤامرة الانقلابية قد انكشفت وسيُلقى القبض على كل من اشترك من مدنيين أو عسكريين في هذه المؤامرة. لذلك نحن ـ يقول عفلق وصلاح الدين البيطار: كما يروي ذلك مدحت البيطار ـ جئنا نختفي عندك هذه الليلة. وبالفعل، بقيا عندي وناما في بيتي في تلك الليلة، وأنا كنت في تلك الأثناء في وكالة الغوث…… وهكذا، فقد انكشفت المؤامرة وهرب عفلق والحوراني والبيطار وعبد الحليم قدور وشبلي العيسمي إلى لبنان، إلى بيروت، إذ إنه حصلت بعض الاعتقالات وحصلت ملاحقات وتمكن هؤلاء القادة بأن يغادروا دمشق إلى بيروت.
ثم بعد ذلك، يتحدث مدحت البيطار عن عَرْض قدّمه له ميشال عفلق بأن يكون هو مدحت البيطار عميداً لحزب البعث. فرفض هذا العرض. ثم عَرَض عليه أيضاً بأن يتفرغ للعمل الحزبي، فتردَّد مدحت البيطار كثيراً، ثم قبل على أن يكون راتبه الشهري أربعماية (400) ليرة سورية. وفعلاً، داوم في مقر الحزب، ولكنه، كما يقول، لم يقبض سوى الراتب للشهر الأول، إذ إن للحزب لم تكن له موارد على الإطلاق، وإنما موارده تأتي من اشتراكات الأعضاء. لهذا، لم يقبض سوى راتب واحد فقط، والسبب أنه في تلك الأثناء صلاح الدين البيطار وجلال السيد قاطعا الحزب، ويبدو أن ميشال عفلق أراد أن يكون بجانبه مدحت البيطار في غياب صلاح الدين البيطار وجلال السيد. لذلك فقد اضطر مدحت البيطار أن يترك التفرغ للعمل الحزبي وعدم الدوام في مركز الحزب وعاد إلى عمله. وهو يضيف بأنه قد فوجئ بعد شهرين بأن الأستاذ ميشال عفلق سافر إلى البرازيل دون أن يمهد لهذا السفر تمهيداً نطلع عليـه. وكان سفره مفاجأة. وعندما سافر إلى البرازيل، عاد صلاح الدين البيطار وجلال السيد وأخذا يداومان في مكتب الحزب. وتعاونت أنا وصلاح الدين البيطار بعد فترة وجيزة واستغلنا في أثنائها في حملة تأميم "شركة الريجي". وحزب الشعب الذي كان مسيطراً على الحكم في ذلك الوقت، أراد أن يسحب البساط من تحتنا. فهو أمّم "شركة الريجي" حتى لا يكون تأميمها بواسطتنا. لكن الحزب هو الذي أثار القضية في أول الأمر وأراد أن يعمل منها مبعث نشاط له. فحزب الشعب رأساً أن قام هو بهذه العملية فأمّم "شركة الريجي" وأنا عدت إلى عملي في العمل الطبيّ، ذلك لأن الحزب لم يستطع قطعاً أن يوفّر لي الراتب الشهري الذي يجعلني استغني عن مدخولي الطبي.
ثم يتحدث مدحت البيطار عن أكرم الحوراني وعن انعقاد مؤتمر الفلاحين في حلب، في عقر دار رشدي الكيخيا رئيس حزب الشعب آنذاك وزعيمه. ونتيجة لهذا المؤتمر، كانت ضربة موجهة إلى حزب الشعب، كذلك في عقر داره تحديداً، أن تحتشد جماهير الفلاحين وحشود العمال ومن كل المحافظات السورية وتجتمع في هذا المؤتمر الجماهيري الفلاحي في حلب. هذا المؤتمر في الواقع أعطى أكرم الحوراني شعبية كبيرة جداً وأخذ الانتساب إلى حزبه في دمشق نفسها وأغلب الناس كانوا يعتبرون بأن هذا الحزب مدعوم من الشيشكلي أو أن الشيشكلي هو أحد أعضائه. ولكن هذا الشيء لم يستمر كثيراً، إذ وقعت الواقعة بين أكرم الحوراني وأديب الشيشكلي.
ثم يأتي مدحت البيطار إلى الحديث عن ظروف انتخابات عام 1954، فيقول: بعدما طلبوا (قادة الحزب) من مدحت البيطار أن يترشح واعتذر، ترشح صلاح الدين البيطار ورياض المالكي وعبد الرحمن المارديني عن دمشق، الأستاذ ميشال عفلق، بعد سقوطه في انتخابات عام 1949، كان متأثراً جداً من هذا السقوط، لأنه كان يمنيِّ النفس بأنه سينجح ولكنه لم ينجح، وعزا ذلك إلى الأستاذ صلاح الدين البيطار الذي لم ينشر له الدعاية الكافية في جريدة الحزب "البعث"، وكان يحضر عفلق لعندي، لعيادتي في دمشق حيث كنت قد نقلت عيادتي إلى دمشق في تلك الأثناء، فيحضر إلى عيادتي وكان يحمل على الأستاذ صلاح الدين البيطار حملات غير سهلة (حملات انتقادية شديدة اللجهة). وهنا يروي لي رواية…… فقلت للأستاذ عفلق: يا أستاذ ميشال أنا أريد أن أسألك هذا السؤال: هل الماهتما غاندي عضو في المؤتمر الهندي؟… فقال عفلق: لا!… ليس عضواً في المؤتمر الهندي… فقلت له: هل يستطيع المؤتمر الهندي بكامل أعضائه أن يخالف الماهتما غاندي في أيّ رأي من آرائه؟… فأجابني عفلق بالنفي، بأن غاندي على الرغم من كونه ليس عضواً في المؤتمر الهندي، إلاّ أن المؤتمر الهندي لا يستطيع مخالفة غاندي. فقلت له: ما المانع بأنك أنت تكون الأب الروحي للحزب دون أن ترشح نفسك لأي منصب لا للنيابة ولا للوزارة. فاستحسن الأستاذ عفلق هذا الرأي، وهكذا منذ تلك الانتخابات النيابية، لم يعد يرشح نفسه لا للانتخابات ولا يقبل بأيّ منصب من المناصب لا وزارية ولا بأي شيء آخر. لذلك لم أستغرب هذه المرة، عندما أخبروني عن المرشحين الثلاثة: لماذا لم يكن الأستاذ ميشال عفلق مرشحاً بينهم؟!.. لم أسأل أنا عن ذلك. وإنما سئلت: هل أنت موافق على ترشيح هؤلاء الثلاثة؟… فقلت لهم: ما عندي أي مانع أبداً…
هنا، يأتي الحديث إلى التطرق إلى قضية إدارية: وهي أنه كان "لواء دمشق" دائرة انتخابية واحدة ومدينة دمشق دائرة انتخابية منفصلة عنها (أي عن لواء دمشق)، وكانت الحكومة الحالية قد أخذت هذا القرار، بمعنى أنها فصلت دائرة دمشق الانتخابية عما نسميه "لواء دمشق"، أي الغوطة. يعني فصل الغوطة عن دمشق: فأصبحت الغوطة دائرة انتخابية ودمشق دائرة انتخابية أخرى. وهنا اعترض صلاح الدين البيطار على هذا الفصل الإداري، كما يقول مدحت البيطار. الفرنسيون في فترة الانتداب كانوا قد جعلوا الغوطة مع مدينة دمشق دائرة انتخابية واحدة، وذلك حتى يضغطوا على الفلاحين من أجل إنجاح مرشحينهم للنيابة. أما الآن فإن الوضع قد اختلف، وأصبحت الدائرتان الانتخابيتـان منفصلتيـن عن بعضهما البعض الآخر وما هناك من مهرب في أن تبقى كل دائرة انتخابية منفصلة عن الدائرة الثانية. ونحن، كما يقول مدحت البيطار، لدينا أصوات في الغوطة، فسنخسر هذه الأصوات. فقلت له: رشحوا أحداً منكم لأن يكون مرشحاً في الغوطة، وبالأخص الأستاذ رياض المالكي. والده كان له صلة في الغوطة وهو يقدر أن يؤثر ويساعد… فقالوا لي بأن الأستاذ رياض المالكي يرفض بأن يترشح في دائرة أخرى غير دمشق وكذلك عبد الرحمن المارديني. وعرضوا عليّ أن أكون أنا مرشحاً في دائرة الغوطة. فرفضت. وألحّوا أكثر من مرة، فقلت لهم: أنا أساساً لا أعرف أحداً في الغوطة وليس لي أي صلة بالغوطة ولا أعرف أحداً… فقالوا: لنا أشخاص متفرغون للعمل الحزبي في تلك المنطقة. فقلت: أنا ليس لدي أي استعداد لذلك… فدُعيت في يوم من الأيام إلى مكتب الحزب، وفي اجتماع معهم، وجدت ناخبين من الغوطة، كانوا يزورون كل المرشحين وزاروا الإخوان المسلمين وزاروا "الشعبيين" وزاروا الحزب الوطني وزارونا في مكتب الحزب وكانت ساحة الدار ممتلئة بهؤلاء الناخبين. وخطب فيهم الأستاذ صلاح الدين البيطار وخطب الأستاذ عبد الرحمن المارديني على ما أذكر. ثم فوجئت بأن الأستاذ المارديني أعلن بأن الآن كلمة لمرشح الغوطة د. مدحت البيطار. وتجاه الأمر الواقع اضطررت أن أتكلم في هذا الاجتماع، طبعاً دعاية إلى الحزب. وفي نهاية الاجتماع، عندما انصرف المجتمعون سئلت، فقلت بأن هؤلاء الذين حضروا إلى الحزب ذهبوا كذلك واجتمعوا بكل المرشحين للانتخابات..إلخ…
ترشيح مدحت البيطار عن الغوطة في الانتخابات (لعام 1954) وسقوطه، ولم يدفعوا له مصاريف المعركة. لقد صرفت جميع مصاريف المعركة (تخصيصاً) على معركة دمشق، كما يقول مدحت البيطار. بلغت مصاريف معركة البيطار الانتخابية 9000 ليرة سورية في ذلك الوقت. فطالب مدحت البيطار بصرف هذا المبلغ، فقال له صلاح الدين البيطار بأنه ليس في صندوق الحزب ولا في ماليته شيء. وعندما صار في مالية الحزب بعض الأموال، طالب مرة ثانية مدحت البيطار، ولكن صلاح الدين البيطار اعتذر عن عدم دفع أي شيء وقال له: لقد مضى الزمن على ذلك.
ثم يأتي الحديث عن العلاقة بين أكرم الحوراني وميشال عفلق، وبالتالي بين البعث العربي القديم والحزب العربي الاشتراكي، ومحاولة الأستاذ أكرم الحوراني لفك الدمج ما بين الحزبين (؟؟) في فترة 1954 ـ 1955. فهناك مجموعة تكتلت واجتمعت حول ميشال عفلق ومجموعة أخرى تكتلت حول أكرم الحوراني. هنا، يبتدئ مدحت البيطار بالحديث عن موضوع الدمج (بين الحزبين) وفي هذا يقول بأنه لم يكن هناك قَسَمٌ ولم يُقسِم أعضاء الحزبين بأن يكون كل واحد منهما مخلصاً للوضع الجديد، كما ينبغي أن يكون ذلك. طبعاً، لقد ابتدأت تُطرح مشاكل خارجية (على الساحة السياسية العربية): حلف بغداد والسياسة الغربية في المنطقة هذا من جهة، والمشاكل الداخلية من جهة أخرى. فكان من المفروض أن يدخل الحزب المعركة وهو متماسك. ولكن، بعد الانتخابات، بقي إصرار عفلق على فكرة فك الدمج بين الحزبين. وما كان يقول بفكرة فك الدمج بصورة علنية، وإنما كان يهاجم (في جلساته الخاصة) أكرم الحوراني. لذلك كنا نعقد جلسات يومية تقريباً… كان يهاجمه بأنه انتهازي، بأنه غير مبدئي… وهو لا يهاجم أكرم الحوراني وحده، وإنما كان يهاجم كل أعضاء حزبه من ورائي. كما أن عدم نجاح القائمة في دمشق بكاملها، ولكنه لم ينجح إلاّ صلاح الدين البيطار فقط، وبالتالي سقط المالكي والمارديني… لقد كان أخو رياض المالكي يتبوّأ مكاناً مرموقاً في الجيش، فأخذ يصرّح بأن الأستاذ البيطار لولا دعم الجيش له، لما نجح في الانتخابات. وتفرَّق شمل الحزب بشكل مُذرٍ. وصار يصرِّح رياض المالكي بأنه لولا "أخي العقيد عدنان (المالكي)، لم ينجح صلاح الدين البيطار في الانتخابات. ولا أعلم ـ يوضح مدحت البيطار ـ إذا كان هذا الأمر صحيحاً، أي أن نجاح صلاح الدين البيطار لم يكن إلاّ بدعم الجيش له. ذلك أنه، على كل حال، دخل في قائمة الأستاذ البيطار بعض الأشخاص الآخرين وتبناها خالد العظم (والحزب الشيوعي أيضاً) ونجحت هذه القائمة، إلخ..، إلخ.. وادعى الأستاذ رياض المالكي أن هذه الانتخابات التكميلية التي نجح فيها صلاح الدين البيطار بواسطة الجيش، وجدت من واجبي أن أعمل على تلافـي هذا الانقسام الذي سيقضي على حزب البعث من جهة وعلى الحزب العربي الاشتراكي من جهة أخرى. وكنت أعقد جلسات ليلية مع الأستاذ ميشال عفلق وصلاح الدين البيطار وبعض الأخـوة الحزبييـن من البعثيين ـ سابقاً ـ مثل نور الدين الأتاسي، د. إبراهيم ماخوس وآخرين أيضاً، ولكن دون أن نصل إلى نتيجة.
واستمر هذا الوضع فترة من الزمن أكثر من شهر تقريباً، من غير أن يلين الأستاذ عفلق. وفي النتيجة، أفهمته بأنه هو المسؤول إذا دخلت سورية في "حلف بغداد"، معنى ذلك أنها تكون قد رجعت إلى عهد الاستعمار. عند ذلك، اقتنع الأستاذ عفلق بأن يُصفّى قلبه تجاه الأستاذ أكرم الحوراني. فكان يرفض في السابق الاجتماع معه. وكان الأعضاء الذين يطلعون على هذه المحاولات وما أبذل من جهد، قد أطلقوا علىَّ اسم "برنادوت" (الأمين العام للأمم المتحدة). وعندما استطعت أن أجمع عفلق وأكرم الحوراني، اعتبرت ذلك نصراً عظيماً. وبالفعل، فقد قررنا بعد ذلك أن يستمر الحزب ومن الضرورة أن ينبثق عن هذا الدمج قيادة رسمية وعيَّنا موعداً لاجتماع مجلس الحزب، وقد اشترط عليّ الأستاذ أكرم الحوراني قائلاً: أنا لا أحضر اجتماعات مجلس الحزب، إلاّ إذا كان هناك تعهّد بأن لا أحد يهاجمني، لأنه كان بعض الأشخاص من حزب البعث العربي سابقاً حاملين مثل الأستاذ عفلق جملة عدائية على أكرم الحوراني. فتعهدّت له وطلبت من الأستاذ ميشال عفلق بمنع أيّ أحد، وبصورة خاصة نور الدين الأتاسي وإبراهيم ماخوس اللذين كانا متحمسَين أكثر من غيرهما لمهاجمة الأستاذ الحوراني. فطلبت إليهم جميعاً أن يمتنعوا عن مهاجمة أكرم الحوراني في مجلس الحزب. وصار الاتفاق على أن أكون أنا رئيساً لهذا المجلس الذي سيعقد في عام 1955.
أما موقف الحوراني من عفلق، فيقول مدحت البيطار: إنني ما سمعت عن الأستاذ أكرم الحوراني أيَّ كلمة فيها إساءة للأستاذ ميشال عفلق، إلاّ أنه كان يتهمه بأنه: نظريّ، وليس هو بعمليّ، إنما آراؤه كلها نظرية… أما أن يهاجمه في عقيدته، في إخلاصه للوطن، في هذا أو ذاك، هذا لم يحصل إطلاقاً. لقد عقد مجلس الحزب في عام 1955 برئاسة مدحت البيطار لانتخاب القيادة الجديدة ولوضع النظام الداخلي الجديد للحزب. بالفعل، في الجلسة الأولى هاجم نور الدين الأتاسي وإبراهيم ماخوس أكرم الحوراني واتهماه بأنه ميكيافللي انتهازي… لقد كان هناك اتفاق، طبعاً، بأن لا يحصل أي هجوم أو انتقاد لأكرم الحوراني. ولكن د. نور الدين الأتاسي وإبراهيم ماخوس لم يتقيدا بهذا الاتفاق وقاما بالانتقاد، مما اضطررت إلى إسكاتهما، وعندما أصررت على إسكاتهما انسحبا من المؤتمر وبقيا منسجمَين (مع موقفهما) حتى تاريخ حركة 8 آذار 1963، بمعنى أنهما انسحبا من الحزب دون أن يقدما انسحاباً (استقالة) ولا أي شيء آخر. ولكن ما عادا يحضران اجتماعات حزبية بالمرة حتى عام 1963، عندما قام انقلاب 8 آذار، واشترك إبراهيم ماخوس في أول وزارة شكلت في ذلك التاريخ.
على أثر اجتماع مجلس الحزب اُنتخبت قيادة جديدة: الأمين العام ـ أو كما يصرّ مدحت البيطار عميد الحزب ـ ميشال عفلق، والأمين العام القطري صلاح الدين البيطار أما أكرم الحوراني، فهو لا يدري أي منصب حُدِّد له… طبعاً القيادة القومية: ميشال عفلق، صلاح الدين البيطار، أكرم الحوراني. أما القيادة القطرية فالأمانة العامة، قيادتها هي للأستاذ صلاح الدين البيطار، والتي سيقوم مدحت البيطار بمهامها بصورة فعلية وأعمال الأمانة العامة بدلاً عن صلاح الدين البيطار، لأنه كان آنذاك نائباً في البرلمان. فلذلك عملياً الأمانة العامة كانت من نصيب مدحت البيطار، هذا ما يقوله…
ثم يذكر مدحت البيطار أنه في أواخر 1956 وأوائل 1957، هناك شخص حزبي بعثي، كنبته أرناؤوط، موظف في دائرة التحرّي، جاءه وقال له: إن المصريين (أي السفارة المصرية) طلبوا منه بأن "يشتغل" معهم. فطرحت هذا الموضوع على الأستاذ صلاح الدين البيطار، لأن هذا قد استشارني وهو يريد جواباً، فقال له الأستاذ صلاح الدين البيطار: هذا عبد الحميد السراج، قبض قبل أيام قليلة نصف مليون ليرة سورية من عبد الناصر. والميزانية في "المكتب الثاني" ـ باعتبار عبد الحميد السراج هو رئيس هذا "المكتب الثاني" (أي المخابرات) ـ هذه الميزانية لا تعطي المجال لعبد الحميد السراج بأن يشتغل بتوسع… يعني ميزانية المكتب الثاني لا تسمح له أن يعمل وينشط بشكل واسع، فلذلك أعطاه (أو قدَّم) له عبد الناصر وأرسل له نصف مليون ليرة سورية. "وشو المانع، طالما ها النُّصّ مليون ليرة عم يوظف فيها أشخاص، فخلّي ها الشخص هذا بالجملة…". لكن هذا الشخص، ما هو عبد الحميد السراج، أو ما عبد الحميد السراج الذي سوف يجد له عملاً أو يدخله في عمله، وإنما مَن سيدخله في عمله هو جهاز للمخابرات تابع للمصريين. ثم يروي مدحت البيطار بتفصيل واسع عن علاقة أحد الفلسطينيين به، ثم زيارة إثنين من الفلسطينيين بعد مدة لبيته وعرضا عليه تزويد الحزب بالمال والسلاح. السلاح هنا في دمشق والمال في الأردن، لأن حزب البعث يخوض معركة انتخابية حامية ضد الشيوعيين وضد (التيارات الإسلامية: حزب التحرير الإسلامي، والإخوان المسلمين)، النظام الملكي. فالحزب بحاجة إلى المال وإلى السلاح. وعندما سألهما مدحت البيطار من أين لكما المال والسلاح ومن أين يأتيان؟!… فقالا له: من عند عبد الناصر. فأجاب طبعاً مدحت البيطار قائلاً بأنه هو لا يستطيع أن يبتّ بهذا الموضوع، الأخوان أعضاء القيادة هم الذين لهم صلاحية القرار إذا كان هناك من ضرورة أن نأخذ سلاحاً أم لا… وبالفعل اتصلت بالقيادة وفي الجلسة عرضت عليهم هذا الموضوع، فأجاب الأستاذ أكرم الحوراني قائلاً: عملت طيِّب بأنك أنت رفضت الفلوس وكذلك بالنسبة إلى السلاح. وهنا سأل: لماذا جماعة عبد الناصر يدورون هذه الدورة وبهذه الطريقة؟!… ليش لم يأتوا رأساً ويجابهونا كقيادة، ويعرضوا علينا هذه الأمور؟!… وحينئذ نقرِّر نحن القيادة إذا كنا سنتعاون معهم في هذا السبيل أم لا نتعاون معهم؟… أما أن يدوروا ويلفّوا بهذا الشكل المعوَّج، فلا، لسنا بحاجة ولا نأخذ لا المال ولا السلاح… وبالفعل، انتهى هذا الموضوع عند هذا الحد… فلآن كنت قد اكتشفت بأن هناك جهازاً آخر أيضاً يشتغل وهو مشكل من فئة من الفلسطينيين، وقد يكون هناك تنظيم آخر غيرهم. هذا وعرفنا فيما بعد بأن عبد الحميد السراج كان يقبض الأموال من هذا الشخص الذي جاء إليّ وراجعت الحزب في أمره. وكان قد راجعني أيضاً الأرناؤوط. والأرناؤوط هذا الذي اتصل بي سابقاً انتسب لجهاز المخابرات التابع للمصريين، وهنا جهاز آخر نابع للفلسطينيين. والسفارة المصرية برئاسة السفير محمود رياض أيضاً كان لها جهاز مخابرات خاص قائم بذاته. وكان ذلك في فترة 1956 ـ 1957.
ثم يؤكد مدحت البيطار أن هناك أجهزة مخابرات عديدة كانت تشتغل كلها باتجاه واحد، ونحن كنا لا نعطي أيَّ أهمية ولا عمَّا نستقصيه عن هذه الأجهزة التي يبثّها جمال عبد الناصر في سوريا، على اعتبار أننا نحن مقتنعون بأن سياستنا الخارجية متفقة مع سياسته ومع كل نشاط يقوم به عبد الناصر في سوريا عن طريق هذه الأجهزة المختلفة. وكان يوجد أيضاً جهاز آخر للمخابرات، كُشف عنه بعد فك الوحدة، في فترة الانفصال، الملحق الثقافي في السفارة المصرية ـ نسيت اسمه (زعلول!!)… فنحن كنا متفقين طالما أن سياستنا الخارجية متوافقة مع السياسة الخارجية المصرية الناصرية، فما المانع إذن أن يقوم عبد الناصر بنشاطات (حتى مخابراتية) تؤدي إلى الغاية نفسها. والشيء الذي كان مطروحاً على الساحة (السياسية) في تلك الأثناء، هو موضوع حلف بغداد ومقاومة حلف بغداد ومقاومة الأحلاف (الغربية) بصورة عامة. إلاّ أنه تبيَّن بعد ذلك أن هذه الأجهزة المختلفة، بما فيها جهاز "المكتب الثاني" لعبد الحميد السراج، كانت تسعى وتشتغل لتحقيق الوحدة مع مصر من خلف ظهرنا وبأسلوب يختلف عن أسلوبنا. والسؤال يُطرح: هل الأجهزة المخابرتية المصرية اكتفت فقط بالتعامل مع عبد الحميد السراج "والمكتب الثاني" أم كسبوا وضمّوا إلى صفهم ضباطاً آخرين في صفوف الجيش السوري؟!… على أيّ حال، يقول مدحت البيطار، إننا سكتنا عن هذه الأجهزة ولم نعِرْها أيّ اهتمام ولم نتحرى عنها وذلك لكون سياستنا الخارجية متفقة مع أهداف مصر الناصرية وسياستها الخارجية. ونحن طبعاً نهيِّىء في صحفنا وفي صحيفتنا "البعث" الأفكار لقضية اتحاد بين سورية ومصر. ونحن كنا نعتقد بأننا وحدنا كنا نشتغل في هذا السبيل وأن الأجهزة الثانية كانت تشتغل فقط لأجل توحيد السياسة الخارجية. ولم نفتكر قط بأن هناك أي ترابط مع موضوع الاتحاد أو الوحدة الذي حصل فيما بعد. لما حصلت الوحدة بين سوريا ومصر، نحن كنا في القيادة وعُرضت علينا قضية الاشتراك في الوزارة.
ثم يتطرق مدحت البيطار إلى ناحية مهمة جداً، فيقول عن لسان صلاح الدين البيطار بأنه ذهب لمقابلة عبد الناصر في مصر من أجل اتحاد البلدين بين سورية ومصر. وكان ردّ عبد الناصر بأنه كيف يمكن أن يجري اتحاداً وهناك ضباط كل اثنين أو ثلاثة من الضباط مع بعض الدّبابات يمكنهم أن يقوموا بحركة انقلاب. فلا يمكن أن يقوم أي اتحاد. فإذا أردنا أن نقيم اتحاداً بيننا وبينكم ومن ثمَّ يتعرض أي تعريض إلى طيش ونزق لفك هذا الاتحاد، فأرى أن بحث هذا الموضوع هو سابق لأوانه، طالما أن الجيش عندكم فيه اتجاهات مختلفة وكل مجموعة من الضباط، عندما يحلو لهم بأن يقوموا بانقلاب، الوسائل عندهم ميسَّرة. فيجيب صلاح الدين البيطار: لقد عرضت هذا الموضوع على ضباط الجيش في سورية. وأجابوني بأنه طالما أن هناك قيادة مشتركة بيننا وبين مصر، فبإمكان الرئيس عبد الناصر، اعتباراً من الآن، كل الضباط الذين يرى أن لديهم إمكانية للقيام بانقلاب، أن يوزِّعهم في مصر، قبل الاتحاد، على اعتبار أن هناك قيادة مشتركة ويقدر أن يوزع كل هؤلاء الضباط الذين يخشى منهم ويخشى أن يقوموا بانقلاب في سورية وأن يوزعهم في مصر حتى يطمئن من هذه الناحية. فأجاب الضباط: بدلاً من أن توجهوا هذا الكلام إليّ (صلاح الدين البيطار) يمكنكم أن توجهوه إلى الرئيس عبد الناصر (مباشرة). وبالفعل، على هذا الأثر، ذهب قسم من الضباط إلى مصر وبرفقة الأستاذ البيطار واجتمعوا هناك، ثم استدعوا عبد الحميد السراج الذي لم يذهب معهم في المرة الأولى. ثم ذكر لي الأستاذ صلاح الدين البيطار ما حصل معه والذي أدّى إلى إعلان الوحدة، وليس الاتحاد، قال: طلبت من الفريق عفيف البزري الذي كان رئيس الأركان، أن يحدد موعداً مع الرئيس عبد الناصر لبحث موضوع الاتحاد. فضحك الفريق البزري ضحكة استهزاء ـ هكذا وصفها لي الأستاذ صلاح الدين البيطار ـ ضحك ضحكة استهزاء وقال: ما شاء الله!! أنت حزب بعث عربي وتريد أن تبحث مع الرئيس عبد الناصر موضوع اتحاد؟!… قال البيطار: أنا استغربت، إذن، شو جايين نحن نبحث مع عبد الناصر، طالما نحن جايين إلى مصر لهذه الغاية. قال البزري: نحن جئنا إلى هنا كي نبحث موضوع الوحدة الاندماجية مع مصر وليس موضوع اتحاد!!… فأجاب الأستاذ البيطار: بأن الرئيس جمال عبد الناصر ليس قابلاً به، فكيف سوف يقبل عندما تُعرض عليه الوحدة أو يقبل بها، بمعنى آخر فهو لم يقبل بفكرة الاتحاد، فهل يمكن أن يقبل بالوحدة. قال البزري: لا! نحن نضغط ونبحث معه موضوع الوحدة ولازم نقيم وحدة. قال الأستاذ البيطار: طيِّب تفضلوا وخذوا موعداً مع الرئيس عبد الناصر واعرضوا عليه موضوع الوحدة…. فأجابهم عبد الناصر: بأن الوحدة تحتاج إلى تهيئة تمتد إلى سنوات حتى نقوم بتحقيق الوحدة. الوحدة ليست قضية سهلة. قال البزري: ضغطوا عليه وقالوا له: ألم ترى يا سيادة الرئيس أن هناك مؤامرات شيوعية في البلد وهناك مؤامرات تركية وهناك مؤامرات مختلفة، وهل يهون عليك بأن ترى سورية تتعرض لهذه المؤامرات؟!.. نحن، جئنا نطلب إليك! بما أنك أنت: إنقظ سورية في موضوع الوحدة!! فأجابهم عبد الناصر، وبكل بساطة وبكل سرعة: طالما الموضوع بهذا الشكل، فنحن مستعدون لأن نجازف، على بركة الله: لنحقق الوحدة ونقبل بموضوع الوحدة… هذا ما قصَّه عليّ الأستاذ صلاح الدين البيطار. وبالطبع، الموضوع معروف فيما بعد كيف ذهب أعضاء الوزارة، إلخ..، إلخ… هذا ما رواه لي وعرفته شخصياً من الأستاذ صلاح الدين البيطار آنذاك، وذكرت أيضاً الخلفيات الثانية للأجهزة المختلفة التي كانت تعمل في سورية بنشاط دون أن يقاومها أحد ودون أن يسألها أحد ماذا تصنع وماذا تعمل، بعد أن تحقّقت الوحدة بفترة قصيرة، إلخ.
ثم يتحدث مدحت البيطار عن مقابلة بين الأستاذ ميشال عفلق والسفير المصري محمود رياض: بأننا نحن ليس على هذا الأساس حققنا الوحدة بيننا وبينكم. الآن صار هناك شبه استعمار مصري لسورية، وهذا يخالف الشيء الذي كنا نحن نشتغل له. فقال السفير محمود رياض: مَن أنتم؟!… فقلنا: نحن حزب البعث الذين قمنا بتحقيق الوحدة. قال للأستاذ عفلق: لا، الوحدة، لستم أنتم الذين حققتموها، نحن حققنا الوحدة بفلوسنا… لقد نقلوا لي هذا الكلام بأن هذا الشيء الذي ذكره محمود رياض للأستاذ ميشال عفلق. حينئذ ربطت أنا بين الأجهزة المختلفة التي كنت قد أشرت إليها سابقاً، والتي كانت سورية لا تعارض أيّ نشاط من نشاطها، ربطت بين نشاط هذه الأجهزة وبين الوحدة التي تحققت (وبالشكل الذي تحققت به) والتي كنا نظن بأننا نحن الوحدوين الذين عملنا من أجلها منذ أكثر من سنتين من تحقيقها، سواء بإدخال مشروع الوحدة في البيان الوزاري وإعلانها وسواء بما كنا نبثّ من مقالات في جريدة "البعث". ويذكر مدحت البيطار بأنه في مرحلة الانفصال عندما أخذ الأستاذ أكرم الحوراني يهاجم عبد الناصر، كتب له رسالة يقول له فيها: أستاذ أكرم (الحوراني) إذا كانت كل هذه الأشياء التي تذكرها في مهاجمتك لعبد الناصر صحيحة، لكن بالنسبة إلى الوضع (السياسي العام) وأنت كزعيم سوري عربي، ملاحقتك لهذه الأمور التي تدلّ على حقد شخصي أكثر مما تدل على فضح الأمور السياسية، ليس الآن هو موعد البحث فيها، ولا تبحث هذه على صفحات الجرائد، وأنصح بأن تتوقف عن الكتابة في هذا الموضوع. ثم يروي مدحت البيطار بأنه عندما لم يتوقف أكرم الحوراني عن مهاجمة عبد الناصر، حضر شخصياً إلى دمشق وجلس جلسة طويلة مع أكرم الحوراني. وقد أسرّ له أكرم الحوراني بأنه في عام 1954، بعد سقوط الشيشكلي، جاءه الزعيم شوكت شقير وعرض على أكرم الحوراني فكرة تعاون، بل وأكثر من تعاون، اتحاد بيننا، أي سورية، وبين مصر. هنا خطر لي بأن عبد الحميد السراج قبض في فترة معينة، قبض نصف مليون ليرة سورية من عبد الناصر، وكان يهيء لموضوع توسيع جهازه "المكتب الثاني" وتطعيمه بعناصر غير تابعة لجهاز الدولة، تابعة له فقط شخصياً. فإذن، كان عبد الحميد السراج يعمل كذلك (لحساب المخابرات المصرية). وواضح بالتالي من كلام أكثر الحوراني بأن شوكت شقير كان سابقه (أي سابق السراج) وكان دون أن يظهر للملأ أنه يشتغل أيضاً مع عبد الناصر، ويُهيِّىء الجو ودون أن يفاتحونا بهذا الشيء مطلقاً، بموضوع الوحدة أو الاتحاد، معنى ذلك وجود عبد الحميد السراج شيء واضح، شوكت شقير الآن أصبح واضحاً. وسأذكر ما فعل شوكت شقير فيما بعد.
ويبدو أنه تبيّن لاحقاً لأكرم الحوراني بأن المصريين وأجهزة المخابرات المصرية كانوا يهيئون للوحدة وكانوا يتصلون بضباط الجيش مباشرة والجيش الذي كان باستطاعته أن يقوم بانقلابات، يتصلون به لتحقيق الوحدة، والوحدة كما يريدها عبد الناصر. ثم يتحدث مدحت البيطار عن انتخاب شكري القوتلي وكيف لعبت السعودية ومصر آنذاك عن طريق شوكت شقير لإقناع النواب لترجيح كفة شكري القوتلي ضد خالد العظم. ويلاحظ أن نواب العشائر والنواب المستقلين كيف غيَّروا موقفهم من تأييد خالد العظم إلى تأييدهم لشكري القوتلي وذلك بتأثير من قيادة الأركان ـ كان شوكت شقير رئيس الأركان آنذاك ـ وهؤلاء يتأثرون جداً برئاسة الأركان وبما توحي به رئاسة الأركان. فإذن، كان هناك اتصال بين شوكت شقير ومصر فيما يبدو. فيكون عندئذ الزعيـم شوكت شقيـر رئيس الأركان ورئيـس المكتـب الثاني عبد الحميد السراج، هما على اتصال وصلة وصل مباشرة مع مصر، ليستطيعوا أن يؤثروا على الضباط الآخرين في الجيش السوري ويسيرونهم كما يرغبون (عن طريق الإغراء). وكما تبين فيما بعد أن الفريق عفيف البزري ـ كما ذكر الأستاذ صلاح الدين البيطار ـ حضر إلى مصر لا لتحقيق الاتحاد بين البلدين سورية ومصر، وإنما لتحقيق الوحدة (ولكن الواقع غير ذلك: أنظر محضر الاجتماع مع عبد الناصر، كتبه مصطفى حمدون!!). هذا هو موقف الزعيم شقير.
أما بالنسبة إلى حلّ الحزب في سورية مع قيام الوحدة، فيقول مدحت البيطار بأنه لم تكـن هناك معارضة إطلاقاً من قِبَل القيادة القومية، لا عفلق ولا البيطار ولا الحوراني ولا أنا ـ أي مدحت البيطار ـ ولا عبد الله الريماوي. بل أكثر من ذلك، كان الريماوي أكثرنا سروراً بالموافقة على حلِّ الحزب، لأنه باعتباره غير سوري كان يفتكر أو يتصور بأنه سيكون الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي خارج سورية وبأنه سيواصل هذا النشاط، بينما الأستاذ ميشال عفلق كان يعتقد بأنه هو نفسه الذي سيكون باعتباره الأمين العام القومي. طبعاً، في رأي مدحت البيطار، بأنه لم يحصل هناك أي صلة أو أي اتصال بين الحزب وبين عبد الناصر للسماح للحزب بالاستمرار أو لإقناعه بعدم التمسك بهذا الشرط، أي شرط حلّ الأحزاب، لم يحصل أي اتصال… كأن هناك قبول. وكان فكر عفلق بأنه سيتابع نشاطه باعتباره الأمين العام القومي، سيستطيع أن يتصل بالرئيس عبد الناصر لمناقشة السياسة العامة كشخص فوق القيادات المحلية التابعة الجمهورية العربية المتحدة، بمعنى ـ كما يقول مدحت البيطار ـ فكرة المهاتما غاندي تحتل في ذهنه موقعاً كبيراً وهي لا تزال موجودة بكل تأكيد. طبعاً، الذين عارضوا حلّ الحزب، فيما بيدو، هم من خارج دمشق. ثم يذكر مدحت البيطار بأنه بعد الوحدة، رفض جميع العروض التي عُرضت عليه: وظيفة إدارية أو غيره، أو تفرغ للحزب، إلخ… ولم يكن هناك من حزب بعد أن حلَّ الحزب نفسه، ولم يكن أمامه سوى السفر إلى الخارج، ولا سيما أن الحزبيين كانوا يجتمعون عنده في العيادة، وهذه الاجتماعات المتكررة كانت تشكل إزعاجاً أو ريبة للأجهزة الأمنية الموجودة في سورية. فأراد أن يتلافى هذا الشيء وأن يغادر البلاد إلى الخارج. ويضيف قائلاً بأنه ابتدأت الانتقادات أنا وإخواني، وإذا ابتدأنا نوجِّه الانتقادات إلى نظام حكم الوحدة، فهذا يعني بأننا نكون لا نتماشى مع ما يجب أن تكون عليه، طالما نحن قبلنا بحلِّ الأحزاب وبأن نترك القيادة لمن يكون على رأس الحكم. فوجدت الأنسب بأن أبتعد عن الجو نهائياً، ولو أني ما زلت على تمسكي بأهداف الحزب، ولكن طالما مُنع النشاط ووافقنا على منع النشاط، فوجدت الابتعاد عن هذا الجو أفضل بالنسبة إلي.
ثم يتحدث مدحت البيطار عن علاقة الحزب بالجيش، فيقول: إن وجود تنظيم عسكري تابع للحزب داخل الجيش وما هي علاقة كل من مأمون البيطار ـ كضباط في الجيش ـ فتحي الأتاسي، عدنان المالكي، أمين الحافظ، بشير صادق وهم عسكريون، أسماء كثيرة كانت تتردد في الأيام الأولى للبعث، بأنهم كانوا بعثيين. وهناك أقوال أخرى تقول بأنهم غير بعثيين. فيوضح مدحت البيطار أشياء كثيرة منها أولاً: الحزب في بداياته الأولى كان يعارض أي انتساب ضابط عسكري إلى صفوف الحزب. فكان يمانع في هذه الصلة. وكذلك عدنان المالكي لم ينتسب لا لحزب البعث ولا للحزب العربي الاشتراكي. الأساس أنه لا تنظيم عسكري لحزب البعث العربي. وفي ما يتعلق بالعلاقة بين حزب البعث وعبد الناصر وقيام الوحدة، يقول مدحت البيطار: إن الخطاب الذي ألقاه الأستاذ ميشال عفلق في الاجتماع الذي اعتبر بأنه اجتماع مجلس الحزب وأقرَّ فيه حلّ الحزب من أجل تحقيق الوحدة، وبالطبع، لم يكن ذلك مجلس حزب. لكن الأشخاص الذين حضروا قالوا إن من جملة الأشياء التي ذكرها الأستاذ عفلق بأن قيادة الحزب ستكون شريكة في هذه الوحدة، وستكون شريكة مع مجلس الثورة. لكن ما لمسته من أول يوم حصلت فيه الوحدة، بعد أن قبلنا بحلِّ الأحزاب وقدَّمنا الكتاب بقبولنا بحلّ الأحزاب وسلمنا بكل ما كان في عهدتنا من الأثاث والمكاتب سلمناها كلها، ولكني شعرت من الوهلة الأولى، وبعد أن تشكلت أول وزارة وكان فيها عبد الحميد السراج وزير الداخلية ـ ووزير الداخلية في الإقليم الشمالي، سورية، معناه، هو رئيس الوزارة، لأن بيده كل شيء ـ فشعرت من تشكيل هذه الوزارة وكأنَّ المقصود هو محاربة الحزب، على الرغم من أنه قبل الحلّ هو محاربة أشخاصه البارزين فيه. هذا ما شعرت به. وصارحت الأستاذ أكرم الحوراني بهذا الخصوص. وسألني إذا كان لي أي مطالب أو غيرها، فقلت بأن ليس لي أي مطلب بصفة شخصية.
قبل قيام الوحدة، يعود ويقول مدحت البيطار، كان ميشال عفلق قد سافر إلى القاهرة وربما يكون قد اجتمع مع عبد الناصر وجرى بينهما حديث عن تقوية الحزب وعن ضرورة أن لا يكون في سورية إلاّ الحكم التقدمي، بمعنى أنه يجب أن نخلص من الشخصيات الرجعية وذلك يستدعي أن يكون الحزب، حزب البعث، قوياً. وعرض عليه في تلك الأثناء فكرة مدّ الحزب بالمال. وعاد عفلق إلى دمشق وهو مشبع بهذه الفكرة. وعرض علينا في إحدى الجلسات، إحدى اجتماعات القيادة القومية، هذه الفكرة. طبعاً، ونحن كانت تشلنا في أعمالنا (الحزبية) الناحية المالية، ذلك أن مردود اشتراكات الأعضاء كان قليلاً وغير كافٍ. فقال عفلق: ما المانع بأن نستدين نحن من مصر مبلغاً يساعدنا أولاً على إصدار الجريدة بشكل دائم، ثم مساعدة الحزب، وهذا المبلغ الذي سنأخذه من مصر، يكون عبارة عن قرض يعاد لهم. وبعد أن تستطيع الجريدة الصدور بشكل مستديم، نستطيع أن نشتري مطبعة توفر لنا كثيراً من الأموال. حينئذ مع اشتراكات الأعضاء الحزبيين، وبصورة خاصة أنه صار عندنا نواب نستطيع (أن نغذّي صندوقنا المالي)، إلخ… للوهلة الأولى، الأستاذ أكرم الحوراني عارض، ولكن بعد أن استطاع الأستاذ عفلق أن يُقنع الحضور، وافق المجتمعون على ذلك ولم يكن حاضراً في هذا الاجتماع إلاّ أعضاء القيادة السوريين فقط: يعني عبد الله الريماني والأستاذ النعواس ما كانا حاضرين في هذا الاجتماع. وتقرر بصورة مبدئية أن نطلب من محمود رياض، باعتباره سفير مصر أن يقرض الحزب مائة وخمسين ألف ليرة سورية. وبعد يومين أو أكثر اتصل الأستاذ ميشال عفلق بي وقال لي بأن أذهب إلى منزل السفير محمود رياض وأن آخذ معي محفظة صغيرة لأستلم هذا المبلغ من السفير رياض. وبالفعل، ذهبت إلى منزل محمود رياض واستلمت منه المبلغ. وبالطبع، لم أقدِّم له كتاباً باستلامي هذا المبلغ. وسلمت المبلغ بموجب إيصال إلى السيد عادل السعدي، بناء على طلب من الأستاذ عفلق. ولست أدري إذا كان عادل السعدي هو أمين الصندوق أم لا، ولكن الأستاذ ميشال عفلق طلب مني أن أسلم هذا المبلغ إلى عادل السعدي. ويبدو أنه كان أمين صندوق الحزب. وبالطبع، نحن اتفقنا على أن لا نذيع أمر هذا القرض وإننا سنعيده. وبالفعل، فإننا استطعنا أن نستأجر مقراً للحزب غير المقر السابق، وأن تصدر الجريدة في مواعيدها الرسمية وأن نفرغ بعض الأشخاص للعمل الحزبي ونستطيع أن نعطيهم رواتب ليستغنوا عن الأعمال التي كانوا يقومون بها. وبالفعل، انتظمت أعمال الحزب بشكل ممتاز بعد هذا القرض. وقد أخبرني الأستاذ ميشال عفلق، بعد حصول الوحدة، أو بعد الانفصال، أخبرني وأنا واثق بكلامه كل الثقة بأنه أعاد ما تبقى من أموال وأن الذي صُرف لا يتجاوز الثلاثين أو الخمس وثلاثين ألف ليرة سورية من أجل فقط أجرة المكتب الذي استأجرناه ومصاريف الجريدة. وأن ما زاد عن ذلك، أعيد إلى السفير محمود رياض، بينما محمود رياض كان يعتبر ربما أن هذا من جملة المصاريف التي اشترت مصر بها الوحدة.
ثم يتحدث مدحت البيطار عن عبد الحميد السراج ويقول بأنه ليس من أعضاء الحزب ولم يكن في يوم من الأيام حزبياً. وأذكر ـ كما يقول البيطار ـ بأنه على الرغم من كل شيء وانطلاقاً من مواقفه، كان يُظهر فيها بأنه ضد الحزب، ولكن بشكل غير صريح وغير علني. ولكن أنا كنت أشعر بأنه ليس مع الحزب، وإنما ارتباطه كان مع مصر عبد الناصر بصورة تامة. فتعيين عبد الحميد السراج وزيراً للداخلية للإقليم الشمالي في عهد الوحدة، كان يعني بأنه هو رئيس الوزارة.
* * *
(انتهت مقابلات مدحت البيطار التي استطعت أن أحصل عليها، ولكن لهذه المقابلات تتمة طويلـة جداً وربما أكثر أهمية، لم يُسمح لي بعدها متابعة التسجيل،…)