مفاوضات السـلام: إلى أيـن؟ - الدكتور جورج ديب
التاريخ في 15 نيسان 1993
استضاف المركز الثقافي للبحوث والتوثيق في صيدا، أول أمس، في قاعة محاضراته، أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية الدكتور جورج ديب، في محاضرة تحت عنوان: "مفاوضات السـلام: إلى أيـن؟". أدار الجلسة وألقى كلمة التقديم رئيس المركز الثقافي الدكتور مصطفى دندشلي. وممّا جاء فيها: هناك دعوات تصدر بين الحين والآخر وآخرها ما نشر في جريدة "الأهرام" القاهرية في 27 شباط الماضي، لقيام سوق تجاري شرق أوسطي يضم البلاد العربية وإسرائيل. وهي في الحقيقة فكرة قديمة قوامها أن تمد إسرائيل هذه السوق بالتكنولوجيا الحديثة وتمدها دول الخليج بروؤس الأموال، ومصر وباقي الدول العربية بالأيدي العاملة… وأضاف: لقد تردد كثيراً هذا المخطط في الولايات المتحدة الأميركية من قبل، وذلك لتسهيل عملية المصالحة العربية ـ الإسرائيلية، وإنشاء سوق الشرق الأوسط الاقتصادي لصالح النفوذ الأميركي، واعتماد إسرائيل كوكيل رئيسي لأميركا في المنطقة… هذا هو السيناريو الذي يُعمل له بقوة في الظروف الإقليمية والدولية الراهنة.
ثم تحدث المحاضر الدكتور ديب موضحاً حقيقة عملية السلام في الشرق الأوسط ومشيراً إلى أن هذه العملية هي عبارة عن تحالف دولي أقامته الولايات المتحدة لإنهاء الصراع العربي ـ الإسرائيلي، شبيه بالتحالف الدولي الذي كانت قد أقامته لضرب العراق، عندما غزا الكويت، مع فارق وهو أن التحالف الدولي ضد العراق كانت وسيلته القوة العسكرية. أما التحالف الدولي لعملية السلام فوسيلته دبوماسية القوة… وبكلام أدق، في التحالف الدولي الأول (ضد العراق) استعملت الولايات المتحدة القوة عسكرياً. أما في التحالف الدولي الثاني في عملية مفاوضات السلام، فهي تستعمل القوة سلمياً. والتحالفان يشكلان وجهين مختلفين لعملة واحدة هي استعمال القوة لخدمة مصالح الولايات المتحدة الأميركية.
وتساءل المحاضر عن المعنى والهدف الذي من أجله تحشد أميركا جميع دول العالم الفاعلة وتشركها في المفاوضات المتعددة الطرف التي تدور حول حقوق إقليمية، سيؤدي التفاهم عليها إلى حالة تطبيعية لإسرائيل في المنطقة؟. ألا يعني هذا الحشد من الدول إقامة تحالف دولي يقف في وجه كل فريق معني بعملية السلام، إن هو تقاعس أو تخلف عن اللحاق بهذه العملية. وأجاب المحاضر: إنه بالتأكيد يعني ذلك، وقال: لقد حددت إدارة الرئيس بوش مصلحة الولايات المتحدة في المنطقة بأن تستمر المفاوضات بين العرب وإسرائيل… إلاّ أن مقاربة إدارة كلينتون للمفاوضات تختلف في منحنين أساسيين: الأول، استعداد الولايات المتحدة أن تلعب دور الشريك الكامل في المفاوضات. والثاني، استباق الحدث للمشاركة في دفعه في الاتجاه الذي ترسمه الولايات المتحدة، وإيصال المفاوضات إلى النجاح.
وحول السؤال عن كيفية تعامل إدارة كلينتون مع قضية المبعدين وتنفيذ القرار 799، أجاب المحاضر قائلاً: أسرعت الولايات المتحدة وعقدت في أول شباط 1993 صفقة مع إسرائيل وافقت بموجبها أن تعيد 101 مبعد من الفلسطينيين فوراً، على أن تجعل باقي المبعدين متاحة بأسرع وقت ممكن… كذلك تضمن الاتفاق ـ الصفقة ـ موافقة إسرائيل على إمداد المبعدين بالإغاثة الدولية وتقديم طلب إلى مجلس الأمن بهذا الشأن وموافقته على مضمون هذه الصفقة. واعتبر المحاضر أن هذه الصفقة تشكل التفافاً على تنفيذ القرار 799 وعلى تقرير الأمين العام للأمم المتحدة. وذلك عندما أصدر رئيس مجلس الأمن في 12 شباط الماضي موقفاً من خمس نقاط هي: 1 ـ تأكيد على قرار مجلس الأمن 799، 2 ـ تحديد مندوب إسرائيل الخطوط الرئيسية للقرار الذي اتخذته في عودة المبعدين، 3 ـ قرار السماح بعودة 101 فلسطيني، 4 ـ حض إسرائيل على إتاحة عودة جميع المبعدين في أسرع ما يمكن، 5 ـ أعلن مجلس الأمن أخيراً أنه مقتنع بالحاجة إلى استمرار عملية السلام في الشرق الأوسط وحض على تكثيف الجهود الرامية إلى التوصل إلى سلام شامل في المنطقة. وأوضح المحاضر: إن هذا البيان أغضب العرب دون أن يصل بهم إلى حد القطيعة. والفلسطينيون اعتبروا قرار المجلس غير مقبول وطالبوا بتنفيذ القرار 799 والأردن اعتبره غير كافٍ وجامعة الدول العربية طالبت بقرار جديد لمجلس الأمن يلزم إسرائيل تنفيذ الشرعية الدولية. أما سوريا فلم ترَ من جهتها رابطاً بين إعادة المبعدين ومعاودة مفاوضات السلام. كما رفض المبعدون أنفسهم بيان مجلس الأمن. وأشار المحاضر إلى أن واشنطن، عشية وصول وزير خارجيتها إلى المنطقة من أنها قد تعدل أسلوب مشاركتها في عملية السلام، ممّا قد يؤدي إلى نتائج سلبية لهذه العملية. وختم الدكتور ديب محاضرته بالتأكيد على أن الموقف العربي يتجه نحو التمسك بتنفيذ القرار 799 دون أن يكون ذلك عائقاً للمشاركة في الجولة التاسعة من المفاوضات التي ستعقد في واشنطن في 20 نيسان 1993. وهكذا أصبح من الواضح أن المفاوضين ذاهبين إلى واشنطن سيجدون أمامهم شريكاً كاملاً لهم في المفاوضات (أميركا) جسوراً ومتجاسراً بحثهم على تنازلات تؤدي في النهاية إلى النجاح، ليس شرطاً أن يكون في الجولة التاسعة القادمة.