الوفـاق الدولي وتأثيره في القضية اللبنانية
المركـز الثّقافـي
للبحوث والتوثيق
صيـدا
يسرّه أن يدعوكم لحضـور المحاضـرة تحت عنوان:
الوفـاق الدولي
وتأثيره في القضية اللبنانية
يلقيهـا: الدكتور جـورج ديـب
مستشار العلاقات الدولية في رئاسة الوزارة
الزمـان : الساعة السابعة من بعد ظهر يوم الجمعة الواقع فيه 30 حزيران 1989
المكـان : قاعة محاضرات مركز صيدا الثقافـي، الهلاليـة
يتبع المحاضرة مناقشة عامة اللجنة الثقافية
تلخيص محاضرة 30 حزيران 1989
* أهم حدث بعد الحرب الثانية وصول غورباتشوف إلى السلطة، الاتحاد السوفياتي.. وإعلان تعميمه على تطبيق البيرسترويكا وغلاستوست (إعادة البناء والانفتاح)، وانتهاج سياسة داخلية تقوم على أساس: تحسين الوضع المعيشي والوضع المادي والمعنوي والنفسي للمواطن..
* هذا من جهة، أما الولايات المتحدة من الجهة الخرى فكانت قد توصلت إلى نموّ هائل في التكنولوجيا المتطورة الحديثة… ووضعت خطة دفاعية استراتيجية عُرفت بحرب النجوم وهي تقضي بوضع شبكة من الصواريخ في الفضاء تغلق الكرة الأرضية، قادرة على منع أيِّ تعدٍ عليها..
هذه هي الإشكالية التي وجد غورباتشوف نفسه أمامها: الخروج هجم غورباتشوف لإقناع أميركا بعقد مؤتمر دولي… 8 أشهر بعد استلام الحكم، عقدت القمة الأولى خريف 1985 بعدها في عام 1986 القمة الثانية وقد نوقشت في القمتَيْن:
1 ـ استراتيجية حرب النجوم.
2 ـ تخفيض الأسلحة النووية
3 ـ الصراعات الإقليميـة.
وإذا كانـت فشـل هاتـان القمتـان… إلاّ أنهما مهَّدا السُّبُل إلى عقد القمة الثالثة فـي 1987.
في مطلـع 1987 اتفق الجبـاران على "إدارة الصراعـات الإقليمية بهدف عدم توسعها"
النتيجة قرار وقف إطلاق النار 598 لإنهاء حرب الخليج
الاتفاق تخفيض الأسلحة + الصراعات الإقليمية
آخر 1987 القمة الثالثة في واشنطن
نجاح هذه القمة وقطف ثمار جهود السعي للوفاق وذلك:
ـ توقيع معاهدة إزالة الصواريخ النووية الاستراتيجية متوسطة المدى وقريبة المدى..
وقد تطور الوفاق من إدارة الصراعات الإقليمية بهدف عدم توسعها إلى إدارتها بهدف إقناع من لم يقتنع بأن المفاوضة لا العنف هي السبيل الوحيد لحلّ الصراعات الإقليمية..
* تكريس هذا المبدأ السابق رسمياً في القمة الرابعة في موسكو 1988
* * *
الصـراع العربـي الإسرائيلي: منذ عـام 1948: الموقف العربي اللاآت الثلاث: لا مفاوضة، لا صلح، لا إعتراف مع إسرائيل الاستثناء مصر كامب دايفيد 1978
قمة فاس 1982: اتخذ القرار الأول في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي: العرب يقبلون بالمفاوضة كوسيلة للحل..
* بعد ذلك (أو قبل ذلك) أخذت الدول العربية المعتدلة تباشر المفاوضات أو تخلق جو المفاوضات مع إسرائيل..
1 ـ كامب ديفيد 1978 يقوم على المفاوضات الثنائية
ـ تبع ذلك لبنان وإسرائيل اتفاق 17 أيار 1983
ـ تبع ذلك اتفاق الملك حسين وياسر عرفات 1985 الذي يدعو إلى المفاوضات مع أميركا كخطوة للتفاوض مع إسرائيل.
ملاحظة: التوجه العام من قِبَل الدول العربية المعتدلة
إما التفاوض مع إسرائيل مباشرة
أو مع أميركا كخطوة أولى للتفاوض مع إسرائيل.
مقابل هذا التوجه هناك سوريا تقود توجهاً معاكساً قوامه:
صحيح أنني وافقت على المفاوضة: إلاّ أن الصحيح هو أني أنا الذي أقرر: متى أفاوض وكيف أفاوض وأين أفاوض سوريا تفاوض عندما تتمكن من التوصل إلى التوازن الاستراتيجي مع إسرائيل أي من موقع قوة:
التوازن الاستراتيجي: التأكيد على القوة العسكرية وما هو بحكم القوة العسكرية + التنمية الشاملة للموارد البشرية والطبيعية أي تنمية الإنسان
* المأساة هي أن حافظ الأسـد + ياسـر عرفـات، مشى كل منهما في طريق ودفع اللبنانيون الثمن غالياً وهو: كيف نتفـاوض مع إسرائيـل؟! وهذا ما يفسر ما حصل في السنين الماضيـة حتى 1986 هل صحيـح؟ وهل يمكن تفسير ما حصل في لبنان من أحـداث بالخلاف بين ياسر عرفـات وحافظ الأسـد؟ أو حتى بزيـارة السـادات إلى إسرائيل 1978؟
في مطلع 1987 قبول أميركا فكرة عقد مؤتمر دولي وهذا يعني:
1 ـ إن الولايات المتحدة منفتحة للتعامل مع بديل لكامب دايفيد.
2 ـ أنها أصبحت منفتحة لإعطاء دور للإتحاد السوفياتي في المؤتمر الدولي لحل الصراع العربي الإسرائيلي.
يعني ذلك أن الولايات المتحدة خطت خطوة كبيرة باتجاه سوريا..
* * *
أول ثمرة للوفاق الدولي هو عقد مؤتمر القمة في الدار البيضاء وقد ساعد الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة على عقده وعلى مساعدة اللبنانيين للوصول إلى الحوار والمصالحة الوطنية والحوار يعني الوصول إلى:
1 ـ إقرار وثيقة إصلاحية.
2 ـ اعتمادها والموافقة عليها من قِبَل المجلس النيابي.
3 ـ إجراء الانتخابات الرئاسية.
4 ـ قيام حكومة اتحاد وطني لتنفيذ هذه الوثيقة.
الخلاف في السياسة: أميركا تعلق أنها تساعد عون للوصول إلى طاولة المفاوضات والحوار، وقد ينضم الاتحاد السوفياتي
سوريا تقول الحوار بين اللبنانيين والنواب هم الذين يجرون هذا الحوار إذن لا دور لعون في الحوار أو في الوفاق
عون يهدف إلى إلزام السوريين على أن يتفاوضوا معه: أنا المفاوض
* الولايات المتحدة تستعمل تعبير: انسحاب جميع الجيوش الأجنبية من لبنان.
الاتحاد السوفياتي تطبيق القرار 425 وعدم تدخل إسرائيل في الشؤون اللبنانية
من هنا الاتفاق على تقسيم حل الصراع العربي الإسرائيلي إلى مرحلتين:
1 ـ التحضير للمؤتمر الدولي.
2 ـ انعقاد المؤتمر الدولي.
فيما يتعلق بلبنان: ترتيب البيت اللبناني في المرحلة الأولى وذلك عن طريق:
1 ـ الموافقة على الإصلاحات في وثيقة دستورية.
2 ـ إقرار هذه الوثيقة.
3 ـ انتخابات الرئاسة.
أما الانسحابات فهي تنتظر حـل مشكلـة الصراع العربي الإسرائيلـي (المؤتمر الدولي).
د. ديب يحاضر في المركز الثقافي بصيدا:
الوفاق الدولي يؤثر إيجابياً على القضية اللبنانية (*)
بدعوة من المركز الثقافي للبحوث والتوثيق في صيدا ألقى الدكتور جورج ديب مستشار العلاقات الدولية في رئاسة الوزراء محاضرة موضوعها: "الوفاق الدولي وتأثيره في القضيـة اللبنانية"، في قاعة محاضرات مركز صيدا الثقافي وبحضور جمهور كبير من مثقفين تربويين وفاعليات اجتماعية واسعة في مقدمتهم المطران إبراهيم الحلو راعي أبرشية صيدا ودير القمر للطائفة المارونية، الدكتور عدنان النوام رئيس جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في صيدا، علي الشريـف رئيس جمعية التجار، العميـد عدنان الخطيب، مصعب حيدر مسؤول الإعلام في الجماعة الإسلامية، سليم مملوك مدير مستشفى حمود ومدير معهد العلوم الاجتماعية الدكتور إسماعيل غزال وحشد من الفعاليات الاقتصادية والاجتماعية والطبية.
قدَّم المحاضر الدكتور مصطفى دندشلي رئيس المركز الثقافي فأشار في كلمته إلى صراعات الدول التي تمتد بعيداً في التاريخ وهذه الصراعات كانت تظهر بأشكال متنوعة الأقوى يمارس سيطرته على الأضعف. وعلاقات الدول إنما هي علاقات صراع بين المصالح المتعارضة. وقال: وفي هذا القرن الذي نعيش نهايته أصبحت الدول الكبرى مع تقدمها الصناعي والتكنولوجي المذهب تمارس نفوذها الواسع في مختلف مناطق العالم وأخذ تأثيرها يظهر بوضوح لم يكن معروفاً من قبل. وأشار إلى أن الكيانات المتعددة في منطقة الشرق الأوسط ما هي إلاّ نتيجة معادلة دولية أو صراع دولي وتلبية لمصالح الدول الكبرى وتناقضاتها.
واعتبر دكتور دندشلي أن النموذج الأبرز في هذا المجال هو لبنان والأزمة اللبنانية، هذه الأزمة التي تمتد جذورها بعيداً أبرزت أو بكلمة أوضح عرَّت العلاقات التي كانت تتمّ عادة في الخفاء والسر وأظهرت كيف تقيم القوى السياسية والطائفية علاقاتها بالعالم الخارجي عبر شتّى القنوات: عسكرياً، سياسياً، مالياً ودبلوماسياً، وكيف يتمّ التأثير والتأثّر بين القوى الداخلية والقوى الخارجية التي تعود وتمارس نفوذها القوي والفعّال في الوضع الداخلي.
وأضاف رئيس المركز الثقافي: لقد أظهرت الأزمة اللبنانية بشكل واضح وجلي مدى متانة العلاقة التي تقيمها مختلف الطوائف والمذاهب الدينية بالقوى الخارجية ومدى ارتباطها إيديولوجياً وسياسياً بها ومدى تأثير هذه القوى الخارجية في السياسة الداخلية وفي موازين القوى في الداخل وهذا يصح أيضاً على القوى السياسية وتحركها في الداخل والتي تقيم لها علاقات وتحالفات بقوى خارجية على مختلف المستويات إقليمياً ودولياً. وليس من فرق بين فريق وآخر، بين يمين ويسار في هذا المجال: الجميع يبحثون عن غطاء عسكري ومالي لتحركهم السياسي على الصعيد الداخلي وأصبحت هذه الأشياء تتمّ بصورة علنية، يعرفها المواطن العادي ويتحدث عنها بكثير من التفصيل يفوق ما يعرفه أي مواطن في العالم فأصبح اللبناني بحكم التجربة خبيراً في العلاقات الدولية والصراع الدولي وفي موازين القوى في الداخل والخارج.
ويطرح الدكتور دندشلي في ختام تقديمه سؤالاً، مقلقاً فيقول: "هل تستطيع دولة مكونة من طوائف ومذاهب دينية متعددة أن تقوم وتعيش وتستمر، دون أن يكون لهذه الارتباطات الخارجية تأثير مباشر وفاعل في الوضع الداخلي؟ وهل تستطيع أن تقرر سياستها انطلاقاً من مصالحها الذاتية وبالاعتماد على شعبها بمجمله دون أن يكون لهذا النفوذ الخارجي تأثيره السلبي في سياستها الداخلية وفي وجودها؟
المحاضـرة
يستهل الدكتور جورج ديب محاضرته بالإشارة إلى أن من أهم الأحداث التي حصلت بعد الحرب العالمية الثانية ولعلّه الحدث الأهم هو وصول غورباتشوف إلى الحكم في الاتحاد السوفياتي وتصميمه على تطبيق فلسفة البيرسترويكا والغلاسنوست أي إعادة البناء والانفتاح وذلك من أجل تحسين الوضع المعيشي المادي والمعنوي والنفسي للمواطن السوفياتي. وأوضح المحاضر أنه في الجهة الأخرى كانت الولايات المتحدة الأميركية التي قد توصلت إلى نمو هائل في التكنولوجيا المتطورة الحديثة ووضعت خطة دفاعية استراتيجية عرفت بحرب النجوم وهي تقضي بوضع شبكة من الصواريخ في الفضاء تغلف الكرة الأرضية قادرة على منع أي تعدٍ عليها.
وهنا يطرح الدكتور ديب سؤالاً حول كيف حل غورباتشوف هذه الإشكالية قبل أن يجيب: "هجم غورباتشوف على الولايات المتحدة الأميركية لإقناعها بعقد مؤتمر دولي هدفه التخلي عن حرب النجوم. وبعد ثمانية أشهر من إستلامه الحكم في "الكرملين" انعقدت القمة الأولى بين الجبارين في خريف 1985 تبعتها القمة الثانية 1986 نوقشت فيهما حرب النجوم، تخفيض الأسلحة النووية والصراعات الإقليمية وإذا كانت القمتان السابقتان قد فشلتا غير أنهما قد مهدتا السبل لنجاح القمة الثالثة عام 1987".
وتابع المحاضر: وباتصالات خفية بدأت تظهر أهمية الاتفاقات التي توصل إليها الجباران في مجالي تخفيض الأسلحة والصراعات الإقليمية وكان مطلع 1987 هو المؤشر لهذا التغيير في سياسة الجبارين ذلك لأنهما اتفقا على إدارة الصراعات الإقليمية بهدف عدم توسعها وكان من نتيجة هذا الاتفاق قرار وقف إطلاق النار 598 لإنهاء حرب الخليج وفي آخر 1987 عقدت القمة الثالثة في واشنطن وتمّ الوصول إلى قطف ثمرة جهود السعي للوفاق بتوقيع معاهدة إزالة الصواريخ النووية الاستراتيجية متوسطة المدى وقريبة المدى. وتطور الوفاق من إدارة الصراعات الإقليمية بهدف عدم توسعها إلى إدارتها بهدف إقناع من لم يقتنع بأن المفاوضة لا العنف هي السبيل الوحيد لحل الصراعات الإقليمية. وكرّس هذا المبدأ رسمياً في القمة الرابعة في موسكو 1988 ولا تزال هذه القاعدة تتحكم بالعلاقات الدولية وكان من نتيجة ذلك أن توقفت حرب الخليج وذلك في جو اتفاق الدولتين الكبيرتين على أن المفاوضة هي السبيل لا الحرب".
ثم يأتي الدكتور ديب إلى الصراع العربي الإسرائيلي فيشير إلى أن الموقف العربي منذ 1948 هو اللاءات الثلاث: لا مفاوضة، لا صلح، لا اعتراف، شذت عن هذه القاعدة مصر كمب ديفيد 1978. وفي عام 1982 اجتمع الملوك والرؤساء العرب في قمة فاس واتخذ القرار الأول في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي بقبول العرب بالمفاوضة كوسيلة للحل. بعد ذلك فوراً باشر بعض الدول العربية خصوصاً المعتدلة منها المفاوضات أو بخلق جو المفاوضات مع إسرائيل.
لقد كان كمب ديفيد 1978 يقوم على نقطة أساسية جوهرية في المفاوضات وفي المفاوضات الثنائية. وكما حصل بين مصر وإسرائيل كذلك سيكون هناك مفاوضات بين لبنان وإسرائيل، بين سوريا وإسرائيل، بين الأردن وإسرائيل. وضمن إطار هذا التوجه دخل لبنان في مفاوضات مع إسرائيل في خلدة وكريات شمونة. وكانت النتيجة اتفاق 17 أيار وبنفس الاتجاه تمكّن ياسر عرفات والملك حسين من التوصل إلى اتفاق 1985 يدعو إلى المفاوضات مع أميركا كخطوة أولى مقدمة للتفاوض مع إسرائيل. مقابل هذا التوجه هناك اتجاه معاكس تقوده سوريا وهي تقول: صحيح أنا وافقت على المفاوضة كوسيلة لحل الصراع العربي الإسرائيلي، إلاّ أن الصحيح أيضاً هو أنا الذي أقرر متى أفاوض وكيف أفاوض وأين أفاوض. فأنا لا يمكنني أن افاوض إلاّ إذا تمكنت من التوصل إلى التوازن الستراتيجي مع إسرائيل حينذاك المفاوضة تكون من موقع قوة.
والمقصود بالتوازن الستراتيجي هو التأكيد على القوة العسكرية وما هو بحكم القوى العسكرية، مضافاً إلى ذلك التنمية الشاملة للموارد البشرية والطبيعية. إذاً ليست المسألة فقط مسألة عسكر وإنما هناك أيضاً تنمية الإنسان. والهدف ليس المحافظة على الوضع القائم وإنما تغييره.
ويعتبر المحاضر أن المأساة في كل ذلك هي أن حافظ الأسد وياسر عرفات مشى كل منهما في طريق ودفع اللبنانيون ثمن هذا الخلاف وهو كيف نتفاوض مع إسرائيل أي أن لبنان أصبح في فوهة المدفع. وهذا ما يفسر كل ما حدث خلال السنين الماضية حتى آخر 1986. وفي مطلع 1987 حصل شىء جديد: أعلن في البيت الأبيض أن الولايات المتحدة الأميركية تقبل بالمؤتمر الدولي. فأصبح واضحاً أن الوفاق الدولي الذي كان آنذاك يسير في سبيل حصر الخلافات وعدم توسيعها توصل إلى درجة أن أميركا تقبل ولو كفكرة بالمؤتمر الدولي وهو يعني شيئين: الأول أن أميركا منفتحة للتعامل مع بديل لكمب ديفيد، والثاني أنها أصبحت منفتحة على إعطاء دور للاتحاد السوفياتي لحل الصراع العربي الإسرائيلي بمعنى آخر أن أميركا قد خطت خطوة كبيرة باتجاه سوريا.
أين نحن في كل هذه الأمور؟ يرى الدكتور ديب أن أول ثمرة الوفاق الدولي هو مؤتمر القمة في الدار البيضاء التي ساعد الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأميركية على إخراجه إلى حيّز الوجود ومساعدة اللبنانيين للوصول إلى الحوار والمصالحة الوطنية. والحوار هو حول وثيقة إصلاحية ثم إقرارها من قِبَل المجلس النيابي وإجراء الانتخابات الرئاسية ومن ثم حكومة وطنية لتنفيذ هذه الوثيقة. فالتراتبية، كما هو واضح، محددة وتفرضها طبيعة الحوار.
في هذه النقطة بالذات ماذا حصل؟ لقد أعلنت أميركا أنها تساعد العماد عون ومساعدتها له محصورة ومحددة بنقطة واحدة وهي إيصاله إلى طاولة الحوار باعتباره قوة موجودة في الساحة. وهنا لا يستبعد جورج ديب أن ينضم الاتحاد السوفياتي إلى هذا الاتجاه باعتبار أنهما اتفقا على الحوار.
أين الخطر في هذه الناحية؟ الخطر هو أن سوريا تريد الحوار بين اللبنانيين ولكن أي حوار ستكون نتيجته أن عون ليس له دور لا في الحوار ولا في الوفاق. النواب هم الذين يقيمون الوثيقة الإصلاحية. لذلك يهدف العماد عون إلى شىء آخر وهو إلزام السوريين على أن يتفاوضوا معه هو والسوريون يرفضون ذلك، فنقطة الخطر إذاً هو أن يفسر ميشال عون الدعم الأميركي له دعماً مطلقاً: أنا المفاوض وليس غيري.
وأشار الدكتور ديب في هذا السياق إلى أن البيانات الخاصة في لبنان لها تعابير محددة عند الدول الكبرى. إن الولايات المتحدة في مسألة الانسحابات تستعمل تعبير انسحاب جميع الجيوش الأجنبية من لبنان. أما الاتحاد السوفياتي فلديه تعبير آخر وهو تطبيق القرار 425 وانسحاب إسرائيل وعدم تدخلها في الشؤون اللبنانية. ويلاحظ المحاضرأنه في اتفاق وزيري الخارجية الأميركي والسوفياتي لم يرد ذكر الانسحابات وتفسير ذلك أن أميركا لا تقبل أن تضغط على إسرائيل للانسحاب من لبنان طالما أن الوضع اللبناني على ما هو عليه فاتفقت الدولتان على تقسيم حل الصراع العربي الإسرائيلي إلى مرحلتين:
المرحلة الأولى: التحضير للمؤتمر الدولي وهو لا يستبعد الاتصالات الثنائية،
المرحلة الثانية: انعقاد المؤتمر الدولي بالذات.
فكيف انعكس ذلك على لبنان؟ في بيانهما اتفق الجباران على ترتيب البيت اللبناني في المرحلة الأولى وذلك عن طريق الموافقة على الإصلاحات في وثيقة دستورية ثم إقرار هذه الوثيقة وإجراء الانتخابات الرئاسية. أما الانسحابات فإنها سوف تنتظر حل مشكلة الصراع العربي الإسرائيلي.
من هنا يمكننا أن نرى ما حدث في قمة الدار البيضاء: مصالحة وتضامن عربي مع دعم مطلق للإنتفاضة وللمقاومة في الجنوب والجولان. يعني ذلك تهيئة الجو للتفاوض من موقع قوة ومن موقع توازن استراتيجي.
وفي ختام محاضرته يؤكد د. ديب على أن الوفاق الدولي يرجع إلى مبدأ أساسي قامت عليه الأمم المتحدة وهو أن الأمن والسلم الضروريين لا يقومان على التوازن العسكري فقط وإنما على تعاون دولي في مجال القضاء على الأمراض وفي مجال التعليم ورعاية الأطفال وحقوق الإنسان. ومن ضمن هذا التوجه العام فإن الدول المجاورة والقريبة أثنياً، لغوياً، تاريخياً، يجب أن تدخل في منظمات تكون مكملة للمنظمة الكبيرة. فالوفاق الدولي أدّى في منطقتنا إلى قيام مجلس التعاون العربي، وإلى اتحاد دول المغرب. فيجب إذاً أن لا نخاف أبداً من إقامة علاقات مع سوريا. التاريخ يسير في هذا الاتجاه والعالم يسير في هذا السبيل أيضاً ولم يبق لنا إلاّ أن نقيم علاقات مع سوريا والاتفاقات لا تعني أبداً انتقاصاً من السيادة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (*) ـ جريدة "النـداء"، بتاريخ 4 تموز 1989.