المركز اللبناني للأبحاث والإستشارات - لبنان: تعطيل السلطة تمهيدا للاستيلاء عليها
الإثنين 6 حزيران 2011
لبنان: تعطيل السلطة تمهيدا للاستيلاء عليها
المصدر: خاص المركز اللبناني للأبحاث والإستشارات...
بقلم مدير المركز... حسان القطب
عندما أسقطت حكومة الرئيس سعد الحريري باستقالة وزراء حزب الله وحركة أمل ميشال عون والوزير الشيعي في حصة رئيس الجمهورية ، كانت الرؤيا السياسية والقراءة الإقليمية لدى هؤلاء تفيد بأن لسوريا في حينه الباع الطويل واليد العليا في تشكيلوترتيب الواقع اللبناني وحتى المنطقة بعد أن يئست معظم الدول العربية وتركيا وفرنسا وحتى الولايات المتحدة من النظام في سوريا ومن قدرة النظام السوري وقائده الأسد على المناورة وتجاوز العوائق السياسية والإفلات من المحكمة الدولية، خاصةً بعد زيارة سعد الحريري لدمشق ولقائه الأسد الابن فيما اعتبر حينه مؤشراً على تبرئة نظام سوريا من جرائم القتل السياسي في لبنان..
حركة الخروج من حكومة الوحدة الوطنية وإجبارها على الاستقالة بعد أن تم تعطيلها لأشهر عدة سابقاً، كان لا بد لها من عناوين وشعارات وحتى أسباب لتبررها.. فاندفع رموز حزب الله وحركة أمل وفي مقدمتهم ميشال عون الحليف الأساس في حملة المواجهة السياسية والإعلامية.. للإشارة إلى أن المعركة اليوم هي معركة تحرير لبنان من الفساد والفاسدين وجمهور الملوثين بالفساد مالياً وسياسياً وإعلامياً وحتى أخلاقيا.. فأصبح تحرير رئاسة الوزراء، يوازي تحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي، باعتبار أن الفريق الذي يقود المواجهة السياسية هو فريق لبس لباس المقاومة والممانعة لمدة عقود بقوة الأمر الواقع. ومن المؤسف أن الرئيس ميقاتي قد انخرط في هذه المعركة فعلياً حين انضم لهذه الحملة مرشحاً بتكليف منها لرئاسة الوزراء في لبنان باسم هذا الفريق وعلى نيته، وليس باسم من انتخبه أو باسم المبادئ والعناوين التي على أساسها تم انتخابه في عاصمة الشمال طرابلس، ولم يصدر منه أي موقف يدين هذه الحملة أو حتى يوحي برفضه لها.. ربما لقناعته بما أسلفناه أعلاه من أن الورقة الرابحة حينه كانت في يد نظام سوريا ونظامها الديكتاتوري الحاكم بالحديد والنار.. وبالتالي أصبح التحالف معها والارتباط بحلفائها في لبنان المعبر الإجباري للوصول إلى السلطة ولو على جثة شعب ومستقبل أمة..؟؟
لقد اسقط هذا الفريق المتسلط الحكومة بقوة الأمر الواقع التي يمتلكها بغطاء سوري، وبغض طرفٍ عربي ودولي مع الأسف، ومع ذلك لم يتمكن من تشكيل حكومة جديدة أو بديلة ولو بمواصفات الحد الأدنى التي دأب على الحديث عنها من الشفافية والصراحة والممارسة السياسية والإدارية السليمة والقرارات العادلة، وقبل أن يتبوأ هذا الفريق سدة السلطة بتغطية دستورية من الرئيس ميقاتي، فقد بدأ بالتهجم عليه وهو اليوم أي ميقاتي يتعرض لأبشع حملة سياسية من الممكن أن يتعرض لها حليف.. وذلك حين أكد عضو كتلة "التحرير والتنمية" النائب ياسين جابر: (أن "الأمور بين الرئيس نبيه بري والرئيس المكلف نجيب ميقاتي لم تصل إلى حد القطيعة، بل أصيبت بشيء من الإحباط من موضوع تشكيل الحكومة"، مشيراً من جهة ثانية إلى أن "دعوة الرئيس بري إلى جلسة تشريعية جاءت بعد مطالبة عدد من الفرقاء بضرورة تحرك مجلس النواب"). إضافةً إلى ذلك فقد باشر هذا الفريق بمخالفة كل القوانين والأعراف الدستورية، وذلك حين قام بري بالدعوة لعقد جلسة نيابية مخالفة للأصول بهدف الوصول أو لتحقيق سابقة في الحياة الدستورية اللبنانية تفيد بصلاحية مجلس النواب بالقيام بواجبات تنفيذية تتجاوز سلطته ودوره التشريعي في غياب الحكومة التي يعطلها هذا الفريق برمته..؟؟ وبري الذي يبدو اليوم حريص على فتح أبواب مجلس النواب كان قد أغلقه لمدة سنتين بحجة أن الحكومة التي كان يرأسها الرئيس السنيورة غير ميثاقيه بسبب استقالة الوزراء الشيعة منها..؟ وحول هذا الأمر ذكّر نائب حزب الله حسن فضل الله: (أولئك الذين يتحدثون عن الدستورية والميثاقيه بأنهم بقوا في حكومة غير ميثاقيه أو دستورية على مدى أشهر طويلة وهم يديرون البلد ويتسلطون عليه حيث كانت هناك طائفة بأكملها خارج هذه الحكومة ولم يرف لهم جفن، فيما يقولون اليوم إن على المجلس النيابي أن لا يجتمع لأن فريقاً سياسياً لا يريد أن يشارك في هذه الجلسة). ولكن نائب حركة أمل كان له رأي أخر يتناقض مع قاله فضل الله، حول الطائفية والمذهبية، وذلك حين صرح قائلاً: (أكد عضو كتلة "التنمية والتحرير" النائب غازي زعيتر أن "ليس جديداً على رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة أن يتصرف على خلفية مذهبية"، لافتاً إلى أن "إدارة المجلس النيابي من قبل شخصية شيعية لا يعني أننا شيعنا هذا المجلس"، مؤكداً أن "على المجلس النيابي أن يلعب دوره كاملاً ولا يتوقف عند استقالة الحكومة").
عندما استقال وزراء هذا الفريق من حكومة الرئيس السنيورة كان هدفهم تعطيل البلد ومؤسساته، فكان غيابهم عن جلسات مجلس الوزراء واتهامهم الحكومة بتغييب مكون أساسي من مكونات لبنان عن السلطة السياسية، واستكمل هذا الفريق حملته على الدولة ومؤسساتها من باب المجلس النيابي حين أغلق بري أبواب المجلس لمدة تقارب السنتين دون مبرر معطلاً التشريع والموازنات والقرارات والاتفاقات الدولية، بأعذار غير دستورية وغير قانونية على الإطلاق.. وعندما أسقط هذا الفريق بمعاطفه السود وبأفكاره السوداء حكومة الرئيس سعد الحريري، تحت الشعارات والعناوين المتعددة والمتكررة، أسقط الوطن ومصلحة المواطنين في الفراغ السياسي والتراجع الاقتصادي وانكماش السياحة وتباطؤ النمو العام، ويقف هذا الفريق اليوم عاجزاً بل مستسلماً أمام جمهوره غير قادر على تبرير ما آلت إليه أحوال البلاد والعباد من تراجع، فهذا الفريق لا يملك سوى القدرة على التهجم والاتهام والابتزاز السياسي والتحريض واستدراج عروض التصريحات من موظفيه وتابعيه وكافة مرتزقته على اختلاف أنواعهم وانتماءاتهم السياسية والمذهبية. فالفساد الذي يتحدث عنه هذا الفريق هو جزء من تاريخه وسياساته وتربيته وممارساته ونهجه، فالأراضي العامة والخاصة تئن من استفحال الاعتداء عليها من قبل هذا الفريق، الذي لا يجرؤ أحد من الأمنيين على محاسبته إلا بعد رفع الغطاء عنه، ورفع الغطاء في لبنان معناه أن الفريق السياسي الذي يرعى ممارسات هذا المخالف للقوانين قد سمح للقوى الأمنية باعتقاله أو بمنعه.. والفساد المالي الذي رسم معالمه (الحاج صلاح عزالدين)، كان من الضخامة بحيث لم يسبقه في تاريخ الفساد أي مستثمر أخر، ومع ذلك فالمستثمرين المتضررين لم يقدموا على تنفيذ أي تحرك تصعيدي للمطالبة بأموالهم أو حتى المناشدة بكشف حقيقة ما جرى لأموالهم وإيداعاتهم ومدخراتهم، والإعلام اللبناني غائب عن السمع وعن تغطية هذه الظاهرة التي تتكرر باستمرار وبوتيرة متصاعدة.
السلطة ليست شعارات وعناوين وحملات إعلامية وإطلاق اتهامات وتحميل مسؤوليات وتنصل من ممارسات ومواقف وأخطاء وارتكابات، بل هي فعل وممارسة ومسؤولية والتزام بتقديم رؤية ومناهج وخطط سياسية واقتصادية واجتماعية تخدم الواقع اللبناني والمجتمع اللبناني وتطلعاته وتمنياته وطموحاته، هي القدرة على الحوار مع كافة مكونات المجتمع اللبناني، والقدرة على التعامل معه بمحبة واحترام وثقة وموضوعية، والرغبة في العمل المشترك مع الجميع تحت سقف الدستور وضمن القوانين لتصويب مسار البلاد ومعالجة مشاكلها وأزماتها..وهذا ما ما يبدو حتى الآن انه مفقود لدى فريق حزب الله وبري وميشال عون، الذي لم يحترم التزاماته تجاه الحكومة السابقة، كما لا يحترم مرشحه المكلف اليوم، لأنه لا يملك نهجاً سياسياً وإنمائياً واضحاً ليمارسه، كما لا يملك حس المسؤولية والاحترام تجاه شركائه في الوطن على اختلاف تنوعهم وانتماءاتهم.. وهذا قد يكون إما نتيجة قصور في الثقافة والرؤية السياسية، أو انه نهج مدروس يهدف لتعطيل مؤسسات البلاد وإداراتها تمهيداً لوضع اليد عليها...
حسان القطب
hasktb@hotmail.com