المركز اللبناني للأبحاث والإستشارات - لبنان: حتى تكون طاولة الحوار ذات جدوى....
الجمعة 15 تموز 2011
لبنان: حتى تكون طاولة الحوار ذات جدوى....
المصدر: موقع بيروت أوبزرفر
حسان القطب
الانقسام السياسي المتفاقم والمتمادي في لبنان يتجذر ويتعمق أكثر فأكثر، والقوى السياسية الطامحة لوضع اليد على الدولة ومؤسساتها ترفع من وتيرة مواقفها السياسية، ولهجتها التصعيدية، في سعيٍ منها لترهيب السياسيين والمواطنين، والتعاطي الكيدي في كافة الشؤون السياسية الداخلية وحتى المتوتر فيما يرتبط بالأوضاع الإقليمية هو السمة البارزة والصفة الغالبة على مواقف هذا الفريق القلق من تدهور وتراجع وانعدام استقرار النظام السوري وانكفائه عن لعب أي دور الساحة الإقليمية..بعد أن كان لاعبها الأبرز سواء في شحن محيطه بكل عوامل التفجير وأسباب القلق والتوتر، أو في العمل على ضبط ما رسمته وهيأته مخابراته، وما تفاوض عليه لإنجازه فريق دبلوماسيته مع القوى الدولية، للحفاظ على دوره وحضوره واستقراره وديمومته. ولو على حساب أمن واستقرار وسلامة دول محيطه وشعوبها وقضاياها..؟
في خضم هذا التجاذب والتراشق السياسي والإعلامي، صرح وليد جنبلاط مؤكداً:(أنه مع العودة إلى طاولة الحوار)، وكانت قد ترددت أنباء وتسريبات صحافية عن الرئيس سليمان قد يدعوا لعقد طاولة الحوار بعد نيل الحكومة للثقة. إذ أنه من المسلم به، أن الاستقرار في لبنان يتطلب حواراً بين كافة القوى السياسية ومكونات لبنان الطائفية، ومن المعترف به أيضاً، أن الاستمرار في نهج سياسات كيدية وفوقية وإطلاق خطابات تحريضية تتضمن مواقف وتوجيهات بالغة الخطورة سيقود الوطن إلى ما لا تحمد عقباه، والكل يجمع على أن إدخال لبنان هذا البلد الصغير والمتعدد الانتماءات في محاور إقليمية وزجه في خدمة طموحات ومشاريع دولية لن يجر على هذا الوطن وشعبه سوى الويلات والخيبات، كما أن استمرار فريق في احتكار السلاح بما يعطيه القدرة على رسم سياسة خارجية له تتجاوز تلك الرسمية للدولة اللبنانية، أو القيام بطبع السياسة الخارجية بطابعه وحده دون الالتفات لدور لبنان وحجمه وعلاقاته ومستقبله السياسي والاقتصادي و مستقبل أبنائه سيؤدي بهذه الدولة والكيان إلى حال من العزلة والتراجع على كافة المستويات، لذا فإن عقد لقاءات الحوار يتطلب على الأقل وضع رؤية مشتركة يتقاسم عناوينها وبنودها وأفكارها كافة القيادات والقوى والأطراف السياسية التي ستشارك أو يجب أن تشارك في الحوار، حتى تؤدي هذه اللقاءات إلى تحقيق نتائج إيجابية تخرج الوطن من أزمته، وتعيد اللحمة إلى مكوناته المتعددة والمختلفة وأهمها:
- إن استقرار لبنان فيه مصلحة لجميع اللبنانيين، وأن التعددية الدينية والسياسية المتوافرة فيه هي قيمة إيجابية مضافة لهذا الوطن وليس العكس، ولا يجب تجاوزها أو التقليل من شانها أو تجاهلها أو الإخلال بها لأي سبب.
- إن احترام الأطراف السياسية والدينية لبعضها البعض من الضرورة بمكان ويجب عدم ممارسة ما قد يسيء لهذا الفريق أو ذاك ومهما كانت الأسباب، وأن أي خلاف أو تباين سواء كان سياسياً أو غيره يجب معالجته ضمن الأطر الدستورية ومن خلال المؤسسات الرسمية والأمنية والقضائية وحدها دون سواها، فالكل يجب أن يكون تحت سقف القانون.
- إن تحقيق العدالة شرط أساسي لضمان الاستقرار والاحترام المتبادل، وشعور أي فريق بأنه تحت التهديد أو انه معرض للظلم والقهر سيؤدي إلى عدم الاستقرار.
- إن حمل السلاح هو مسؤولية القوى الأمنية وحدها، ومعادلة (الشعب، الجيش، والمقاومة) تتطلب توضيحاً وتوصيفاً بالغ الدقة، لأن السلاح ليس بيد الشعب بل هو في يد فريق بعينه اتفق أنه يحمل صفة أو ارتباط مذهبي معين، مما يجعل بعض الشعب مسلح والبعض الأخر دون سلاح أو أنه معرض لتهديد السلاح غير الشرعي.
- إن ممارسة سياسات أو اتخاذ مواقف خارجية تخدم أو تتكامل مع مشاريع دينية أو تحمل طابع مذهبي يشكل خطراً بالغاً على العيش المشترك والثقة المتبادلة التي يتطلبها استقرار العيش المشترك..؟؟
- إن حماية ورعاية واستثمار أملاك الدولة العامة، سواء كانت النفط والغاز في البحر المتوسط، أو الأراضي العامة والخاصة هي مسؤولية كافة اللبنانيين وأجهزة الدولة بكافة أشكالها ومسمياتها، وأي اعتداء عليها هو اعتداء على كل لبنان وكل اللبنانيين، والحق العام لا يمكن تجزئته، ولا الاهتمام ببعضه وتجاهل البعض الأخر. فيجب محاسبة من أمر بالاعتداء على أملاك المواطن اللبناني الذي يلتزم القانون ويدفع الضرائب، ويمارس واجباته بكل احترام ومسؤولية، ومعاقبة واسترجاع كل ما تم بناؤه والاستيلاء عليه من أملاك عامة وخاصة، بدون وجه حق، تماماً كما يجب الدفاع عن حق لبنان واللبنانيين في ثروات البحر الأبيض المتوسط ومواجهة كل طامع وطامح في الاستيلاء عليها..؟؟
لو راجعنا كافة البنود والأفكار الواردة أعلاه لوجدنا أن المشكلة تكمن أو يمكن اختصارها في نقطة واحدة، السلاح غير الشرعي، الذي ينتشر في لبنان كالفطر بفوضى لا سابق لها، والذي بناءً عليه يرسم من يمتلكه ويحمله ويروج له، كل سياساته ومواقفه السياسية وممارساته الأمنية والإعلامية والاقتصادية وحتى أنه يعزز من دوره في السماح بتنفيذ التعيينات الإدارية أو في حجبها وتأجيلها، هذا لأن التوازن الداخلي مفقود بين مكونات المجتمع اللبناني، فالبعض من هذا المجتمع يشعر بقدرته على ممارسة أدوار وسياسات فوقيه تتجاوز حجمه ودوره وتطلعاته مستنداً لفائض القوة لديه وعظيم ترسانته العسكرية المتوافرة له، وهذا الشعور الذي يتفاقم غروراً وجبروتاً وتسلطاً وقدرةً على الاتهام بالخيانة والعمالة لكل من لا يوافق على دوره وسياساته كما وقدرةً على تجاوز القانون وعدم الانصياع له وللمؤسسات الأمنية والقضائية التي ترعى تطبيقه وأحكامه، هذا الواقع مع الأسف يؤجج لدى الفريق الأخر غضباً بالغاً ورغبةً في الخروج من هذه الحالة الدونية، كما يعزز الانشقاق العامودي بين مكونات الوطن اللبناني. لذا فإن طاولة الحوار يجب أن تعقد لا لضبط الوضع الأمني كما ورد في بعض التعليقات، والتفسيرات، بانتظار متغيرات إقليمية ودولية تتيح معالجة هذا الأمر، بل أن تعقد لدرس هذه الموضوع بجدية توازي مدى جدية هذه القوى وامتحان اقتناعها بأهمية حماية هذا الوطن من كافة الممارسات الكيدية وسياسات التوريط في ملفات إقليمية ودولية لا طائل منها ولا فائدة منها للبنان الوطن والكيان والشعب، لأن المستجدات والتحولات السياسية في محيطنا العربي وحتى الدولي منها تتطلب منا أن نكون أكثر جديةً ومصداقيةً في معالجة شؤوننا والعمل على الخروج من دائرة التجاذب الداخلي وعدم الانخراط في كل ما قد يؤدي إلى تهديد سلمنا الأهلي وعيشنا المشترك، ولهذا يجب أن تعقد طاولة الحوار وإلا فإن لا طائل منها..
حسان القطب