المركز اللبناني للأبحاث والإستشارات - لبنان الوطن يترنح بين السياسات الحكومية الخاطئة والأمن المفقود
الجمعة 9 كانون الأول 2011
لبنان الوطن يترنح بين السياسات الحكومية الخاطئة والأمن المفقود
المصدر: موقع بيروت أوبزرفر
حسان القطب - بيروت اوبزرفر
أي نموذج لأي وطن تقدمه سياسات هذه الحكومة سواء على المستوى الداخلي أمام جمهور المواطنين اللبنانيين أو في الشكل والمضمون والانتماء والارتباط الذي تقدم فيه نفسها في إطار تعاونها مع المؤسسات والهيئات في المحافل الدولية والعربية وفي علاقاتها الخارجية. في الملف السوري تراوح الموقف اللبناني الرسمي بين النأي والاعتراض والرفض للقرارات العربية وكذلك المواقف الدولية، الأوروبية منها والأميركية.. وفي هذا الإطار يسعى حزب الله لتصوير نفسه على أنه الناطق الرسمي للسياسة الخارجية للحكومة، بإعلان تأييده لحاكم سوريا في مسيرة عاشوراء، وعلى لسان نصرالله مرشد الجمهورية اللبنانية.. وفي حضور شعبي حاشد من جمهور طائفة واحدة(الطائفة الشيعية) ليضع جمهوره في مواجهة الثورة السورية ورموزها وكذلك الشعب السوري، مؤيداً وبمواكبة شعبية ما يتعرض له هذا الشعب من هجمات واعتداءات وتجاوزات وظلم وحرمان امتد لعقود من الزمن على يد ديكتاتور سوريا، وبالرغم من أن هذا المشهد الشعبي يمثل شريحة واسعة من أبناء الطائفة الشيعية إلا انه لا يعبر عن شعور وعواطف وتأييد كامل أبناء الطائفة الشيعية لهذا النظام، وهذا ما يجب أن تتنبه له قيادة الثورة السورية وأبناء الشعب السوري أيضاً، لأن ما يسعى له النظام في سوريا وأتباعه في لبنان هو تصوير أن الصراع في سوريا طائفي ومذهبي وانه قد ينعكس على لبنان والمنطقة، وان التأييد والمعاداة تنطلق من خلفية وثقافة والتزام ديني ومذهبي فقط دون سواه، ولذلك فإن إصرار البعض على وضع لبنان الرسمي في هذا الموقف وبرسم هذا التوجه السياسي سيضع أبناء لبنان في مواجهة بعضهم البعض وسيجد الشعب اللبناني برمته في نهاية الأمر أنه في مواجهة مع المجتمع العربي والدولي، وسيجد الشعب السوري وعقب انتصاره نفسه مدفوعاً لممارسة سياسة تصفية الحساب مع من آزر ونصر وساعد النظام المخلوع على ممارسة ما ارتكبه بحق شعبه سواء في لبنان أو في غيره من الدول..
في السياسات الداخلية، تتخبط الحكومة في دوامة التجاذب والصراعات بين مكوناتها التي يفترض أنها جاءت للحكم بتوافق فيما بينها ودون معوقات وعقبات من قبل أي فريق منافس ومعارض وغير متجانس مع تطلعاتها ونسيجها، ولكن يبدو أن طموحات بعض الوزراء والمجموعات الحاكمة ضمن هذه الحكومة تجعلها تشعر أن فرصتها في اقتناص أكبر قدر ممكن من الالتزامات والتعهدات والتعيينات قد لا تتكرر مستقبلاً وهذا ما يدفعها للتنافس بل حتى للتصادم فيما بينها، وفي حين أن سياسة حزب الله تنصب على تحصين ساحته الداخلية وتمتين علاقاته الخارجية مع بعض القوى الدولية ومنها روسيا الاتحادية من تداعيات ما بعد سقوط الحكم في سوريا ورياح الانتفاضة في العراق وتهاوي المؤامرة في البحرين وخروج حماس من دمشق، ينصب اهتمام نبيه بري وميشال عون وباقي المكونات على تقاسم المغانم وافتراس الدب وجلده بعد أن تم اصطياده وهذا ما حدث في معمل إنتاج الكهرباء في منطقة الزهراني في جنوب لبنان...
ولا يلتفت هؤلاء إلى ما تتعرض له البلاد من فوضى أمنية تتنقل بين منطقة وأخرى، ومن انتشار مسلح برز للعيان خلال تأدية مراسم عاشوراء في أماكن متعددة من لبنان، والقلق الذي أصبح يصيب كافة التجار والصناعيين من تكرار حوادث الاختطاف وأخرها ما جرى مؤخراً حين: (أقدم ملثمون كانوا يستقلون سيارة من نوع «جيب» سوداء اللون، أمس، على اختطاف السيد احمد زيدان المدير الإداري لمصنع «ألبان لبنان»، وساهم في توظيف أكثر من 240 موظفاً، على طريق بعلبك الدولية. وعلمت «السفير» أن القوى الأمنية حدّدت هوية الخاطفين، كما شوهدت سيارتهم في جرود بلدة بريتال، علماً
وأشارت المعلومات الأولية إلى أن عملية الاختطاف، التي كان نبيه برّي يتابع حيثياتها، مجرياً سلسلة من الاتصالات مع المعنيين، تهدف إلى تحصّيل فدية مالية مقابل إطلاق سراح زيدان، يكاد لا يمرّ يوم إلا وتشهد محافظة البقاع سلسلة من عمليات السلب المسلّح، التي أدت إلى خروج أهالي البلدات عن صمتهم ومطالبتهم القوى الأمنية بفرض قوّتها على الأرض، قبل أن تتحوّل بعلبك والبلدات المجاورة إلى بؤر أمنية مغلقة، وتتثبت الصورة النمطية الرائجة عنها كحضن للمجرمين). حتى الصحافة المؤيدة لهذا الفريق لم تعد تستطيع تجاهل أو إخفاء حقيقة ما يجري في مناطق نفوذ قوى الأمر الواقع ولم يعد بالإمكان وقف الدعوات الشعبية المطالبة بعودة قوى الشرعية لهذه المناطق لتبسط سلطتها على مناطق نفوذ هذه المجموعات المسلحة التي تحظى برعاية التجاهل الرسمي والحزبي والأمني
هذا الواقع السياسي المأزوم والأمني المتهالك، ينعكس سلباً على الوضع الاقتصادي الذي لا يمكن أن ينتفض وينتعش ويتطور دون استقرار سياسي وامني وقرارات تحفز الاستثمار لتشجيع المستثمر الأجنبي والمحلي على الاستثمار في لبنان، فالحركة السياحية في أدنى مستوياتها نتيجة انعدام الأمن وأخر ما نشر:(قطع نحو مئة شخص معظمهم من الملثمين ليل أمس، طريق المطار القديمة بالقرب من مستشفى الرسول الأعظم وأقفلوها بالأطر المشتعلة، احتجاجاً على انقطاع التيار الكهربائي في المنطقة وعدم تلبية مطالب أهالي السجناء بتحويل السنة السجنية إلى تسعة أشهر
ويشار إلى أنها المرة الأولى التي يشارك فيها ملثّمون في مثل هذه الاحتجاجات).. وهذا الأمر يطال أيضاً الاستثمار الصناعي والزراعي الذي دونه عقبات استقرار الوضع الأمني ومشكلة تصريف الإنتاج، وإذا كان المستثمر الأجنبي يتهيب أن يوظف أمواله في لبنان للأسباب التي ذكرناها، كذلك فإن المستثمر اللبناني إن لم يتوقف عن الاستثمار في لبنان نتيجة هذه الأوضاع، فإنه على الأقل لن يضاعف أو يرفع من حجم استثماره في قطاعات الإنتاج اللبنانية المختلفة طالما أن الوضع بهذه الخطورة، ومع ذلك لا نرى معالجات، جدية بل على العكس لا زلنا نسمع تشكيكا من قبل البعض بهذه المؤسسة أو تلك ومن أصحاب الشأن والسلطة بما يحول دون حل هذه المشكلة والمعضلة التي تتفاقم كل يوم وتنعكس سلباً على المواطن اللبناني وقدرته الشرائية أمام ارتفاع الأسعار والغلاء الذي يتناول معظم السلع الاستهلاكية وكذلك قطاع السكن والأراضي..والحل الذي خرجت به الحكومة برفع سقف الحد الأدنى لا يعتبر حلاً عملياً لأنه يشكل حلاً مجتزأً فالزيادة المفترضة غير كافية لمواجهة حجم الغلاء والتضخم الذي يعاني منه لبنان، والزيادة المتوقعة للرواتب ستشكل عبئاً ثقيلاً على أصحاب المصالح الذين لا يستطيعون تحمل أعباء إضافية في ظل تدهور الوضع الاقتصادي وتآكل قيمة استثماراتهم نتيجة انعدام الأمن والأسباب الأخرى التي ذكرناها..وميزانية الدولة العاجزة أصلاً، كيف ستتحمل زيادة ضخمة على رواتب القطاع العام وبالتالي ما على الحكومة إلا اللجوء للاستدانة مما يضخم حجم الدين العام والفوائد المترتبة عليه
إنها إذاً سلسلة مترابطة من المشاكل والعقبات التي تتطلب حلولاً متماسكة ومتناغمة وشاملة تأخذ بعين الاعتبار وضع لبنان وطبيعة واقعه السياسي ودوره الإقليمي وارتباطات مكوناته إقليمياً ودولياً، ومقدراته وموارده المادية والبشرية، ودول انتشار مواطنيه سواء موظفين أو مغتربين، فلا ينخرط في محاور قد تنعكس سلباً على مستقبل المواطن اللبناني المغترب وعلاقات مواطنيه مع هذه الدول، كذلك يجب حماية الاستقرار في لبنان بضرب بؤر التخريب والخطف والتهديد قبل أن تخرج عن السيطرة وهذه ليست مسؤولية الدولة وحدها بل أيضاً مسؤولية الأحزاب الراعية لهذا الجمهور والتي تفترض نفسها الممثل الشرعي الوحيد له.. وإلا فإن لبنان سيبقى في حالة ترنح وانهيار امني وتخبط سياسي وتراجع اقتصادي..