محاضرة حول قضايا الصحة العامة للدكتور نزيه البزري
محاضرة حول
قضايا الصحة العامة
وتطوّرها في صيدا والجنوب
المحاضـر: نائب صيـدا معالي الدكتور نزيه البزري
التـاريـخ: مساء يوم الجمعة الواقع فيه 17 شباط (فبراير)
1989، وذلك بدعوة من المركز الثقافي للبحوث
والتوثيـق في صيـدا
المكـــان: قاعـة محاضرات ثانوية البنات ودوحة المقاصـد
الإسلامية في صيـدا
التسجيل والتحرير: الدكتور مصطفى دندشلي
* * *
قضايا الصحة العامة وتطورها في صيدا والجنوب
كلمة التقديم
أيها السيدات والسادة،
الحضور الكريم….
إسمحوا لي بداية أن أضع أمامكم صورة عمَّا قام به المركز الثقافي للبحوث والتوثيق في ما يتعلق بالوضع الصحي في صيدا والجنوب، وطَرْح مشاكله ومحاولة البحث عن حلول لها، وذلك إيماناً من المركز الثقافي بانتمائه لهذه الأرض وتحسُّساً منه بمسؤوليته الريادية في طرح قضايا الإنسان في صيدا والجنوب.
ففي عام 1985 وتحت عنوان "قضايا الصحة العامة في الجنوب اللبناني: حاضراً ومستقبلاً"، أقام المركز الثقافي ندوته الأولى واشترك فيها السادة الدكاترة: نزيه البزري، المرحوم لبيب عبد الصمد أنطوان ضاهر، إبراهيم عطوي، غسان حمود. ولا ننسى أن هذه النَّـدوة عقدت في 18 كانون الثاني وكان الاحتلال الإسرائيلي لا يزال رابضاً على صدرنا. وكان شعبنا في الجنوب اللبناني وفي صيدا يخوض معركته من أجل التحرير… وكان إيماننا راسخاً، كما وَرَد في مقدمة الكتيِّـب الذي احتوى النَّدوة: لا تحرير وطني دون تغيير اجتماعي حقيقي في حياتنا وفي مجتمعنا، ولا تغيير اجتماعي دون تحرير الأرض وتحرير الإنسان واستقلاله. فهناك تلازم بين المعركة الوطنية والمعركة الاجتماعية وتفاعل بينهما لا يمكن إغفاله في حاضرنا ومستقبلنا…
ومن هنا كان اختيارنا لمشكلة الصحة كموضوع يأتي في مقدمه نشاطات المركز الثقافي الاجتماعية والثقافية. وفي العام الماضي 1988 عُقدت ندوة ثانية عن الوضع الصحي، وفي هذا المكان تحديداً وشارك فيها السادة الزملاء: د. شوقي علوية، د. أحمد مراد، د. عبد الله بعلبكي، والصيدلي عاطف البساط.
تناولت مشاكل وأوضاع المستشفيات الحكومية والمستوصفات والأطباء والدواء. وأولاً وأخيراً، الإنسان في حالتي الوقائيـة والعنايـة. واليوم نبدأ أولى ندواتنا في سلسلة برنامج دراسات صحية لفتح ملف قضايـا الصحة في صيدا والجنوب: إضافة إلى ندوة اليوم، يضمّ برنامجنـا:
1 ـ دراسة حول واقع المستشفيـات الخاصـة في صيـدا والجنوب، وتطوُّر الخدمات الطبيّـة فيها.
2 ـ مشكلة الاستشفاء: الواقع الاجتماعي ـ الاقتصادي.
3 ـ دراسة حول المستشفيات الحكومية في المنطقة: الواقع الحالي والرؤية المستقبلية.
4 ـ الطبيب الجنوبي وعلاقته بـ : المريض، المؤسسات الصحية، المستشفيـات.
5 ـ دراسة حول تطوُّر طب الأسنان: التقنيات والمختبرات بين الأسس والغد.
6 ـ التطـوُّر العلمـي والأكاديمي: كلية الصحة العامة، الجامعة اليسوعية، مدارس التمريـض.
7 ـ العلاج الفيزيائي ومؤسسات المعاقين.
8 ـ الصيدليات ومشاكل الدواء
وأخيراً سياسة الدولة الصحية في الجنوب. واليوم يسرنا في المركز الثقافي للبحوث والتوثيق وفي رابطة الأطباء أن يكون معالي الدكتور نزيه البزري أول المتحدثين في أولى ندواتنا: حول قضايا الصحة وتطورها في صيدا والجنوب. فمعاليه خير من يتحدَّث في موضوع بانورامي، بعد عظيم الاطلاع ومعترف له بسعة اطلاعه العلمي، النظري والعملي، على شؤون الصحة العامة وشجونها في حِقبة زمنية تزيد عن نصف قرن من الزمن. ومعرفته على الأخص، عن قرب وفي عهود مختلفة، لسياسات الدولـة. في هذا النطـاق، فهو الطبيب النائب ووزير الصحة السابق.
فيسرنا ويهمنـا مجـدَّداً أن يكون معاليه أول المحاضريـن في أولـى ندواتنا وهو أوسعنـا إطاراً…
* * *
قضايا الصحة العامة
وتطوُّرها في صيدا والجنوب
كلمة الدكتور نزيه البزري
لا بدّ، بادئ ذي بَدء، من أن أشكر المركز الثقافي للبحوث والتوثيق على رعايته هذه النَّدوات الطبيّة والصحيّة، لأنها تشكل حجر الزاوية في إبدال العنف بالحوار البناء.
إخواني وأخواتي الأكارم
لقد كلمتكم بخصوص القضايا الصحية في الجنوب منذ أربع سنوات ونيِّف (كانون الثاني1985) في لقاءٍ مماثل معكم وتكلمتُ عن القضايا الصحية في لبنان والجنوب، وأعطيت بعضاً من الإحصاءات والآراء مبنية على ما لدي من إحصاءات، ولما كان الوضع اللبناني عامة والوضع الجنوبي خاصةً في تغيِّرٍ وتدهورٍ دائمَيْن، فإني اليوم أرى نفسي عاجزاً عن البتِّ بموضوع كهذا دون الاستعانة بكم وبالزملاء الغائبين أيضاً. فأتيت اليوم لأناشد الجميع، ونحن على عتبة تغير في الأزمة اللبنانية، آمل أن يكون بداية حل لهذه المحنة التي يتخبطُ فيها الوطن والمواطنون.
الصحةُ هي الحالةُ التي يتمتَّع فيها الإنسان جسدياً وعقلياً بحياتهِ، ويكونُ عنصراً مثمراً ومفيداً لمجتمعه. فالجنوبي يعيشُ اليومَ حياةً لا يأمنُ فيها على وجوده، إذ إنه معرضٌ للاغتيال على يدِ عدوٍ إسرائيلي أو على يدٍ عميلة لجيش إسرائيل كجيش لبنان الجنوبي، أو على يدٍ صديقٍ لخلافٍ على انتماء إيديولوجي أو طائفي أو من أجل سرقة ماديةٍ تافهةٍ أو انتقاماً لأقل الأمور شأناً، فَنَقْتلُ بريئاً لا مقاتلاً أو يُرْغمَ على ترك أرضه وبيته، إما عند اجتياح أو قصفٍ أو اعتداءٍ يترك الأرض التي يتعشقها. فهو يعيشُ بقلقٍ دائم.ٍ فتموتُ في نفسه عواملُ المتعةِ بالحياةِ. فيقلُ إنتاجُه ويُحرمُ من أدنى لوازم المتعة بالحياةِ، وهي الصحة والأمان والاستقرار. فكيف يمكنه التمسك بموجبات الصحة وهو دونَ مأوى ودون غذاءٍ ودون عناية به وبأولاده. فالأمان أولى ضرورات ممارسة ثوابتِ حفظِ الصحة العامة.
إن الجنوبي اليومَ، إن كانَ في الأرض اللبنانية المحتلة، فإنه يكتفي بما يُقدِّمُه له العدوُّ من وسائل ليحفظ صحته دون التطلع لجعله صحيحاً يتمتَّعُ بحياةٍ منتجة ومثمرة. فعوائله مفكّكة: قسمٌ منها هُجِّر إلى أماكن أُخرى على الأرض اللبنانية طلباً لمزيد من الحرية والأمن أو هاجَر إلى القارات الخمس سعياً وراء رزقه وحياةٍ آمنة وأمنع وأفضل.
إن معرفتنا بأحوال إخواننا في المنطقة المحتلة، تأتينا بغير انتظام، وبواسطة قصَّاص يرونها أو بواسطة بعض الموظفين الذين يتنقَّلون أو عن طريق الأمم المتحدة أو الفارين من جنود جيش لبنان الجنوبي. وهكذا، فمعرفتنا بأحوالهم وإحصاؤنا لتعدادهم وقواهم الاقتصادية وحالتهم الصحية غير كافية لبناءِ قرار بوضعهم وطرق معالجتهم. وكلُ طبيب وكلُ من له صلة بالمنطقة المحتلة عن طريق الأهل والأقارب والأصحاب، مدعوٌ أن يجمع لنا المعلومات قدر الإمكان حتى نتمكن من دراسة أحوالهم ومساعدتهم.
إن الجنوب المحرر بحالة غياب الدولة واستيلاء الميليشيات على مؤسسات الدولة ذات الدخلِ كالضرائب والبترول والدوائر العقارية والمالية والجمارك وضريبة على الإدخال لكل بضاعة تأتي للمناطق المحررة. وتعدُّدُ تلك الجبايات من قِبَل ميشليشيات متعددةٍ تجعلُ أيّ عملٍ جماعي متعذراً لغياب الدخل الوطني والوضع الاقتصادي الذي انهار مع انهيار القوَّة الشرائية لوحدة العملة اللبنانية، مما أفقد نسبة عالية جداً من المواطنين. فالطبقة الوسطى أصبحت طبقة معدومة. ولهذا، وجب توسيعُ المساعدات الصحية لتشمل أعداداً أكثر من المواطنين.
إن اعتمادَ المواطنين على المؤسسات الخيرية من محلية ودولية يجعل مشكلة الصحة مشكلة العلاج فقط، مع أن مشكلة الصحة متعدِّدةُ الجوانب، والمعالجةُ تشكل جزءاً لا يتعدّى الثلاثين بالمائة منها (30%)، أي من مشاكل الصحة العامة.
إذاً، ما هي مشاكل الصحة العامة في الجنوب، إذا كانت متعدِّدة؟!…
أولاً: المسكن الصحي. فارتفاع عدد المهجرين من قراهم وبلداتهم، يجعل وضعهم السكني بحالة رديئة، ممَّا يسبِّبُ ارتفاع حالات العدوى والمرض عندهم. وكثيرون هم الذين لا يزالون بدون مأوى، إذ هيئ لهم مسكناً، فغيرُ متوفرةٌ فيه الشروط الصحية من مجارير ومياه وتدفئة. وعائلات كثيرة تعيش في مجمعات، فتكون معرضة للعدوى وانتشار الأوبئة كالجرب والأنفلونزا والحميَّات والسل والأمراض الزهرية.
ثانياً: الغذاء، تكاد المراقبة على المواد الغذائيـة تكون مفقودة لغياب الدولة عنها أو لعدم وجودها ويمكن استثناء حالات قليلة كحالة المراقبة في مياه صيدا وفي البلدان والقرى الأخرى، فلا مراقبة. والخضار والفواكه تحمل ميكروبات تسبِّبُ أمراضاً مختلفة كالحمّى وداء كياس الكلاب التي ارتفعت نسبتها بسبب وجود الكلاب الشاردة دون مكافحة، واللحوم وخاصة المجفَّفة التي كثيراً ما تكون للتَّلف لانتهاء مدَّتها أو لفسادها فتغيّر تواريخها وتُباعُ وتسبَّب حالات كثيرة من التسمُّم الطعامي وترفعُ كلفة العناية الصحية، وكثيرٌ من المواد الغذائية ينقصه المواد الأساسية وهكذا… فالعَوَز وفساد الأطعمة خلقا سـوء تغذية يلاحظها الأطباء بفقر الدم الذي ازدادت أعداده.
إن العناية بالأم والطفل لا تزال بيد بعض من الجمعيات الخيرية، أما مراكز الدولة فأكثرها مغلقٌ ولا يعمل، إما لأنه تهدَّم أو تخرَّب مبناها، فلم يصلَّح أو لأن موظفيه بسبب تَدَنِّي رواتبهم تركوا العمل سعياً وراء عمل مثمر أكثر، ليتمكنوا من مجابهة أعباء المعيشة المتصاعدة لأسباب كثيرة، وليس من مراقب. فمؤسسات الدولة أصبحت هياكل، فيها بعض الموظفين ومشلولة. وأكبر الأمثلة حالة مستشفى صيدا الذي لا يزال يتقاضى موظفوه رواتبهم، وجُلُّهم غائب أو لا يقوم بعمله. إن حملات التلقيح تساعد كل المساعدة فيها، المستوصفات الخيرية ومنظمات الإسعاف وبشكل إفرادي ودون مراقبة ولا تسجيل ولا إحصاء.
إن الإرشاد الصحي للمدارس الابتدائية تقوم به رابطات من متبرِّعين. وهو بدأ يعمل في الجنوب، نرجو له الاستمرار والنجاح. أما في ما يتعلق بالإرشاد الصحي علمياً، فغائب. وهذا عمل لا يتطلب كلفةً غاليةً، ولكنه يتطلب عملاً مستمراً في كل القرى والبلدات. مَنْ منكم لم يذهبْ إلى بيروت الغربية ويرى كيف أن القمامة مكدسةٌ في الشوارع وأحياناً تُحرقُ في نفس المكان المتواجدة فيه، فيسبِّب انزعاجاً عظيماً لكل الساكنين في البيوت القريبة، ويكون سبباً لتكاثر الذباب والبعوض الذي ينشر الأمراض المختلفة. وفي القرى لا تعالج قضية إهلاك القمامات بصورة علمية وغير ضارة. والشعب لا يجد مَن ليشكو له ويهلك من البعوض والبرغش، فيمرض ويضعف ويُكوِّنْ علاجه نفقة زائدة على الصحة العامة.
إن المواد السامة التي تُلقى في المجاري، تذهب إلى البحر وتُلقى في البحر أو تبقى على الأرض بانتظار المطر ليحملها إلى البحر، كلها تسبِّب تسمُّماً مباشراً للإنسان، وغير مباشر عَبْر أكله الأسماك التي انتقلت إليها هذه السُّموم بصورة غير كافية لقتلها، ولكن تراكمها يشكل تسمُّماً لآكِلِها. إن البيئة وتلوُّثها وتلوُّث الهواء والماء مسؤولية الدولة. ولكن السلطة والدولة في غياب، وليس مَن يقوم فقامها حتى الآن…
إن الحمّى المالطية التي تأتينا في هذه البلاد عن طريق شرب لبن الماعز الموبوء أو أكل لحمه، كثيرات جداً في هذه البلـدة خاصة وفي الجنـوب عامة. وإنـي آسـف أن وزارة الزراعـة لا تدرس ولا تمحِّص هذا الموضوع، فتتلف كل الحيوانات الموبوءة من الماعز قبل أن يأكلها الإنسان أو يشرب من لبنها، فتصيبه الحمّى المالطية.
أيها الأخوة، بغياب الدولة، علينا نحن، معشر الأطباء، أن نجريَ هذه الدراسة الوبائية Epideonologica research، لا أن نكتفي بإرشاد المرضى أن لا يأكلوا لحم الماعز أو أن لا يشربوا لبنه. في كل مكان فيه حادثة حمّى مالطية، يجب أن نتتبَّع مصدر الوباء، فنتلفه أو نخبر عنه للقادرين على إتلافه. علينا نحن أن نتسقَّط الأخبار الصحية عن أخوتنا في المناطق المحتلة لنكوِّن فكرةً عن كيفية مساعداتهم. إني أتقدم إليكم بمشروع حريٌ بالدرس وهو كما يلي:
1 ـ أن تؤلـف رابطة الأطباء في صيدا، فريـق عمل إحصائـي للوباء Epideonological stades.
2 ـ أن لا نُسْرف باستعمال المبيدات الحيوية anti babies، وذلك ليس فقط للاقتصاد باستعمالها، ولكن لإعطاء هذه المبيدات حياة أطول لمكافحة الميكروبات، إذ إن سوء استعمالها يساعد على خلق المقاومة لتأثيرها عند كثير من الميكروبات.
البطاقة المرضية وخاصة في المستوصفات المجانية أو شبه المجانية، لأن الكثيرين بداعي الجهل، ينتقلون من مستوصف لآخر متلفين العلاجات الغالية الثمن. فإذا حملوا بطاقة مرضية يعرف من يطلع عليها أنهم يعالجون في مكان آخر وأن علاجهم لم ينفَّذ، فيعمد إلى نصحهم وإيقاف هذه الفوضى الضارة.
أتمنى أن لا نعطي المضادات قبل التأكد من تشخيص المرض وأيّ نوع من المضادات يجب أن يستعمل؟
أتمنى أن نستعين بقائمة الأدوية الأساسية التي وضعتها الأمم المتحدة، لأنها تغطي حاجة مجتمعنا، دون اللجوء إلى أدوية غالية الثمن لا نفع زائداً لها.
أن يتكافل الطبيبُ من خدمة المريض، فلا يعرِّضوه للمزيد من الفحوصات المخبرية المكلفة ولا للأشعة وغير ذلك.
إننا بحاجة في صيدا من أجل مدينتنا والجنوب أن نؤمِّن آلات تساعد على التشخيص للمرض وعلى المعالجة. ولما كانت بعضها غالية الثمن، فاقترح أن نُؤلِّف مركزاً ونستعمل فيه آلة تفتيت الحصى الكلوية بواسطة الصورة، آلة جَماعية لكل المتشفيات الكبيرة. والكل يرسلون مرضاهم إليها، لأنه إذا اشترى كل مستشفى آلة له لاستعمالها في مستشفاه، فإنها تكون عبئاً عليه، ولا يمكن معالجة إلاّ عدداً محدوداً، فيما إذا كانت جماعية فتقل كلفة استخدامها، ولكثيرة المرض تقلّ تكاليف المعالجة على المريض، وكذلك بآلات C.T Scan وM.R. .
أعود هنا لأذكر أن كلفة العمل المخبري أصبحت باهظة. وهذه المخابر لا مراقبة عليها ولا على المحاليل التي تستعملها. فكثيراً ما تكون هذه المحاليل انتهى زمنها، فتأتي النتائج للفحوصات مَغْلوطة. وفي هذا ضررٌ على الأصحّاء وعلى المريض. إني أتمنى على الجميع أن يُجمعوا على تخفيض عمل مخبري مكلف، يكون له مركز يُرسل إليه الجميعُ عيناتهم ومرضاهم لبعض التحاليل مثلاً:
Hormanal evaluation our tests (esp. digoxin anti convalsant drugs and others pathology. Nerve conduction apparatus etc.
أتمنى على الزملاء الجدد أن يأخذوا وقتهم للتعرَّف على أمراض المنطقة وعلى طُرق علاجها. فإنهم لا شك سيأخذون مكانهم الطليعـي بعد الاستفادة من تجارب الآخرين في المستشفيات.
إن الدولة التي نسعى لإعادتها، يجب أن تأخذ على عاتقها الضمان الصحي لكل المواطنين بدرجة لائقة من المكانة وكافية من المعالجة. فاقترح عوضاً عن زيادة عدد الأسرَّة المرتفع عددها في صيدا، أن يعمد أصحاب المستوصفات لتأسيس مستشفيات يومية تؤدي بها الفحوصات على أنواعها مع المعالجة لكثير من الحالات الصحية والجراحية ومراكز للتوليد محدودة، ولكنها دائمة، ومراكز لعمليات جراحة صغيرة، وبعد إجرائها يُرسل المريض إلى بيته، وتلاحقه ممرضات، وفي حالة لمعالجة أطباء أحياناً. فإننا بهذه الواسطة، نوفِّر كلفة البناء الباهظة، ونوفِّر الإقامة في المستشفى لعدد أكبر من المستفيدين.
إن كثيراً من حالات الطوارئ تصل المستشفى بحالة غير مرضية. فعلى هذه المستوصفات تهيئة مراكز طوارئ دائمة العمل تهيّء المريض وترسله فوراً للمستشفى بصورة أفضل صحياً وأسلم، محافظة على حسن نقله بأقل تأخير أو ضرر. وكثيرٌ من حالات الطوارئ تعالج في مراكز الطوارئ. ويجب أن تكون موزعة في كل الأقضية لتؤمِّن أوسع خدمة….
أتمنى على أطبائنا التأكد أن المهنة الطبيّة ليست لخلق طبقة ثرية، بل لتكوين طبقة عالمة بما لها، تتبوأ الصدارة بمراكز الاحترام، وتكون بحالة الكفاية المالية، مع تأمين رفاه للأطباء.
أتمنـى أن يكون لنا مركزٌ ونادٍ فيـه مكتبـة طبيـة ومجلات طبية يرجع الطبيب كل يـوم إليهـا. فالطـب علم يتقـدم بسرعـة، بحيـث أن نواكـب التطوُّر والتقدم فيه دون تأخير أو تلكؤ.
أتمنى أن يشمل الضمان الصحي كل الأطباء، فهم أكثر عرضة للمرض وأكثر حاجة للمساعدة. أتمنى أن يكون لدى الرابطة ملفٌ يحتوي على مجموع الأمراض وأعداد المعالجين بها لتحديد أوْلوية العناية الصحية. وأهم من ذلك، إقناع المرضى ترك التدخين والمسكرات وتعميم ذلك للتخلص من نسبة عالية من المعاقين والمرضى. وعلى الشركات الصناعية والمؤسسات أن يكون لها طبيب أو أكثر للاهتمام بإصلاح بيئة العمل وحالة العمال ولنفسح له المجال لتصحيح أوضاع المواطنين من الناحية الطبية.
أتمنى على المستشفيات وقد ازداد عددها وازداد عدد الأسرَّة فيها، أن ترفع مستواها العلمي والتقني وتنوع الاختصاص فيها وتشرِّع أبوابها للقادرين من الأطباء أن يتعاملوا معها، لأن أبواب الاختصاص في الخارج أصبحت ضيِّقة. وعلينا أن نسهِّل أمر الاختصاص في مستشفياتنا. ويتمّ ذلك متى رفعنا مستواها التقني والفنِّي وأقمنا فيها مجال التوجيه والإعداد لفحوصات دولية تهيؤها الدولة.
كما وأنني أرى أن العمل الجَماعي بالنسبة لعدد السكان اللبنانين، قد يكون مكلفاً، فأقترح أن يكون مركزٌ لهذه الآلات C.Tscan وتكسير الحصى الكلوي على الصوت و M.R التصوير بواسطة المقاومة المغناطيسيـة وتكون مموَّلة من الجميـع، ولها مجلس إدارة من الجميع، فتخفُّ الأكلاف وتعمّ الفائدة.
أتمنى على المستشفيات أن يكون لديها مكتبات للرجوع إليها ولكي يبقى الأطباء مرافقين ومتابعين لأحْداث التطورات. وهذا يدفعني لأطمئن أصحاب المستشفيات الخاصة أن كلَّ حلٍ للقضايا الصحية سيكون إشراك مؤسَّساتهم فيه وبشكلٍ عادلٍ وحازم.
إن مستشفيات الحكومة العاملة اليوم: مستشفى جزين أصبح مستوصفاً بيد جيش لبنان الجنوبي وكذلك مستشفى مرجعيون، ومستشفى النبطية بدأ يعمل، ومستشفى حاصبيا لم يُبدأ ببنائه، ومستشفى تبنين يعمل بشكل ضعيف، وكذلك صور. أما مستشفى صيدا فلا يزال قيد التصليح والتحضير. وهذه المستشفيات يجب أن تشكل المراكز التي نوزع فيها المرضى إلى المستشفيات الخاصة في العاصمة أو في بيروت.
أما المستوصفات، فكما قلت: أن تتحول إلى مستشفيات نهارية في المدن كصيدا وصور وبنت جبيل والنبطية وحاصبيا وشبعا ومرجعيون. إننا نأسف لتخريب مستشفى الحريري في كفرفالوس الذي خربته يد الشرّ، فهو كان يمكن أن يكون مركزاً يشعّ منه التقدّم الصحيّ والاجتماعي لكل الجنوب وحتى البقـاع.
إن إعادة تأهيل مؤسَّسة الصحة في الدولة، سيكون أول عملٍ لها:
إنشاء مدرسة لتحضير عمال صحيِّين وممرضات صحيات ليستلموا عملهم في كل قرية لا يزيد عدد سكانها عن 1000 ـ 15000 نسمة وأما القرى الأكبر، فيكون فيها مركزٌ صحيٌّ من ممرض وطبيب زائر كل أسبوع.
والقرى التي عدد سكانها 10.000 ـ 150.000 نسمة فينشأ فيها مركز صحيّ فيه مركـز للتوليد ولرعايـة الأم والطفـل، وللمعالجـة، والطبيـب والممرضـات يكونان فيه بشكل دائـم.
وفي البلـدان التي عـدد سكانهـا فوق 30.000 نسمـة فيكون فيها مستشفى ريفي من 25 ـ 30 سريراً وتحدَّد أعماله بقرار إنشائه. وفي المدن الكبرى كالنبطية وصور، فيكون فيها مستشفى تام التجهيز لكل أنواع الجراحة والمعالجة، ما عدا الاختصاصات الدماغية وغيرها. وتتراوح الأسَّرة فيه من 75 ـ 125 سريراً. وفي العاصمة (الجنوب) صيدا، يكون مستشفى تام التجهيز لكل أنواع المعالجة، بما فيه الاختصاصات النادرة كجراحة الدماغ وزرع الأعضاء وعمليات القلب وغير ذلك مما يحدِّد مهماته بقرار إنشائه.
وحتى تعود الدولة، فنحن مسؤولون عن تغطية أكثر أنواع المعالجة في المستشفيات الخاصة وعلى نفقة وزارة الصحة العامة وبشكل عادلٍ وحازم.
كل قرية صغيرة أم كبيرة، فيها سجل صحيّ لأفرادها المقيمين فيها. وكذلك المدن والبلدات وكل قضاء فيه مفتش صحيّ يستمع إلى شكاوى الناس وحاجات المستوصفات، أو العمال الصحيين أو المستشفيات. إن ميزانية المستوصفات والعمال الصحيين تكون في مركز القضاء ولها صندوق خاص يُغطَّى من المحافظة، وكذلك من المدن.. والمستشفيات بما فيها المستشفيات الخاصة لها مجلس إدارة، يقرِّر الرفع من موازنة المحافظة لأن الأعمال الصحية وتسيير المستشفيات لا تتحمَّل الإبطاء.
سيكون تصنيف المرضـى وتوزيعُهم عائداً للعامل الصحي أو المستوصف أو المستشفى الريفـي. ودرجـة الاستشفـاء هي فـي غرفـة ذات سريريـن مع مراقبة تلفزيونيـة لكل مريض.
إن العامل الصحي والمستوصف سيكونان من مسؤولية الصحة العامة بكل فروعها في القرية والبلدان التي يعملون فيها. والمهندس الصحي للقضاء عليه زيارة كل مكان مرة في الأسبوع على الأقل ويقترح ما يراه مناسباً لحفظ الصحة. وهما مسؤولان عن تحصين أطفال القرية والبلدة. وكذلك المستوصفات والمستشفيات النهارية، ستكون مسؤولة عن أعمال الصحة مع حفظ السجلات اللازمة وترسل نسخ عنها لتُحفظ في المحافظة.
فالتخطيط الصحي لكل لبنان هو مسؤولية وزارة الصحة في العاصمة، وكل إهمال يُحاسب عليه موظفو هذه الوزارة، وفقاً لقوانين تُحدِّد طرق تنفيذها.
كل مواطن يجب أن يكون مؤمَّناً صحياً، وبيئته نظيفة وخالية من الأوبئة والميكروبات والبرازيت (الطفيليـات) المسبب للأمراض. وتُجبي ضرائب الصحة بضريبة خاصة تزاد سنوياً عند الحاجـة أو عن طريق مجلس النـواب، إذا اقتضى الأمر مصاريف أكثر من الموازنة المقررة، وكل قـرارات مجلس الوزراء للحصـول على الاعتمادات اللازمـة في هذا الشأن، هي معجَّلة ومكرَّرة.
ألخِّص فأقـول:
1 ـ يجب علينا معرفة أحوال إخوتنا في المنطقة المحتلة، لنعرف أحسن الطرق لمساعدتهم.
2 ـ السعي الدائم لإحلال الأمن، وهذه المسؤولية هي شعبية وحكومية. وفي غياب الدولة نحن مسؤولون عن الأمن.
3 ـ تقتطع من الضرائب والجبايات التي تجبيها الميليشيات المختلفة نسبة معيَّنة تقرِّرها لجنة صحية من رابطة الأطباء لتغطية مصاريف الصحة العامة.
4 ـ العمل الجَماعي بين المستشفيات.
5 ـ تشجيع المستوصفات في المدن لتحويل مستوصفاتهم إلى مستشفيات نهارية.
6 ـ الطلب من كل موظفي الصحة العامة الالتحاق بمراكزهم، والذين لأسباب أمنية، لا يمكنهم الحضور إلى مراكز عملهم، يُستعاض عنهم وبشكل موقَّت موظفون محليون بذات الراتب.
7 ـ إعادة النظر بأهمية الطبِّ الوقائي ومساعدة الأطباء على ذلك بالتحصين وتحسين البيئة ومراقبة الأطعمة والأماكن الصناعية وأماكن اللهو ومكافحة المخدرات.
8 ـ الطلب إلى الأطباء التعوُّد والتمرُّس على إعطاء العلاجات من لائحة الأمم المتحدة، وذلك لتخفيف كلفة الدواء وربما لإعطائه مجاناً من الهبات.
9 ـ التقليل من الأعمال الطبية، إذا أمكن.
10 ـ إنشاء وحدات تدرس الأوبئة وانتشارها وأسبابها Epideonological survey of deseases that are endenuc وأحسن الطرق لمكافحتها.
11 ـ أتمنى على الأطباء والزملاء أن يُعِدّوا أنفسهم لمقترحات قريبة، عند إعادة إنشاء وزارة الصحة العامة. وتسيِّر عملها بما كسبوه من خبرات وما لمسوه من مثالب في الطُّرق المتبعة.
أيها الأخوة،
إن النخبة هي التي تخطُّ للشعوب طريق نموّها وتقدّمها. والأطباء هم من النخبة، وعليهم يقع مثل هذا الواجب. آمل أن نلتقي وفد تحرَّر الجنوب وتوحَّد لبنان، وأقمنا لبنان الغد العربي الديمقراطي بمساعيكم ومشاركتكم.
* * *
المناقشة العامة
يجيب الدكتور نزيه البزري عن الأسئلة التي طرحت عليه، فيقول:
إنني سأجيب عن كل الأسئلة التي طُرحت عليَّ وسأكون صريحاً. أولاً، أريد أن يتأكد الجميع أن الطبيب هو إنسان. وقد ألمحت في كلمتي إلى أن الطبّ ليس مهنة لجمع الثَّروة، فإذا كان الطبّ يؤمِّن الرفاه للطبيب، ولكنه يعطيه بدل الثَّروة مركزاً اجتماعياً ومكاناً مرموقاً في المجتمع. لقد قلت هذا الكلام في كلمتي.
ومن جهة أخرى، هناك أعمال طبِّيَّـة لأطباء أخصَّائيين محدودين كجراحة الدماغ أو زرع الأعضاء أو جراحة الشرايين أو غير ذلك، ممّا له اختصاصيون قليلون. وهؤلاء، مع الأسف، يتحكَّمون في الأجور كيفما يشاؤون بالنسبة للوضع في لبنان، وإنهم يقيسون وضعهم على الوضع السائد في الولايات المتحدة الأميركية. مثلاً، يقولون إن عملية الشرايين في أميركا وزرع شريان في القلب، يتناول الطبيب بدل أتعابه ما بين خمسة وعشرة آلاف دولار. فإذا كانت العملية تستلزم زرع شريان واحد، خمسة آلاف دولار، أو اثنين، سبعة آلاف دولار، أو ثلاثة وما فوق عشرة آلاف دولار، بينما هنا في لبنان يأخذ الطبيب ألفي دولار مثلاً. ولكننا نحن لسنا في أميركا.
فهذا السلوك لدى الأطباء خاطـئ. فهم يقيسـون دخلهم بالنسبة إلى مدخول الأميركي، ولا يقيسـون دخل العامل عندنـا إلى العامل الأميركي في الوقـت ذاته، ولا إلى الضمانات المقدَّمة إليه. هذا ما يحصـل هنا فـي بعض الحالات، ولكـن ليس في كل الحـالات…. فليس هناك من أحد فوقه غطاء أو "خيمة"، الجميع مكشوفـون. الكل يعرف الكل، ويعرف بعضهم البعض الآخر.
ثم، في ما يتعلق بالعلاقة بين الطبيب والعامل، سوف تبقى هي هي، ما دام القانون اللبناني غائباً، وما دام القانون اللبناني ناقصاً، وسيستمر كذلك إلى أن ينشأ المجلس الاقتصادي الاجتماعي الذي يحدِّد بالضبط العلاقة بين الطرفَين وكيفية تصاعدها سنوياً. هذا مطلب من مطالبنا في الإصلاح.
أما في ما يتعلق بالمراكز الطبيَّة والمجمَّعات الطبيَّة، فأنا كنت آمل أن يكون مركز الحريري الطبي في كفرفالوس، مركزَ إشعاعٍ وقيادي، لأن ثلاثماية وخمسين (350) سريراً، والعاملين فيه مائة وخمسين (150) سريراً، لا يمكن أن يُغطوا الجنوب اللبناني، ولكنه مركز إشعاعٍ علميّ نرجع إليه في القضايا الكبيرة. ولربما كنا نكتفي أن العمليات الكبيرة، كان من الممكن أن نتفق وإياه بشأنها، أو بغيرها، إلى غير ما هنالك. ولكن، مع الأسف، يد الشرِّ كانت قوية لدرجة أن خرَّبته.
إننا نأمل من الله تعالى أن يُعاد إلى إنشائه، أو إلى إنشاء مركز طبي مثيل له في مدينة صيدا أو في مكان آخر غير صيدا.
هناك أمر آخر أريد أن أتوقف عنده، وهو علاقة الطبيب مع المريض، حسب معلوماتي، وليس ذلك من زملائي، وإنما من المرضى أنفسهـم، أن أيَّ طبيب مهما قسا قلبه في هذا البلد، إلاّ ويؤدي بين الثلاثين والأربعين بالمائة (30 و40%) من أعماله مجاناً. فلا يجوز أن نظلم الطبيب كثيراً. لننظر إلى الأطباء الذين هم قليلون جداً، وهم الأوائل والذين كانوا قد جمعوا أموالهم بالعملة الأجنبية وبالدولا، لا أكثر ولا أقل. ولكنهم لو اقتصدوا أموالهم بالليرة اللبنانية، لكانوا أفقر منا جميعاً…..