خواطر وأفكار حول شخصية د. نزيه البزري
خواطر وأفكار
حول شخصية د. نزيه البزري
لعل من دواعـي سرورنـا وأهميـة بحثنا أن يأتي موضوع حديثنا في ظروفنا الراهنة، ولكي لا ننسى، شخصية الدكتور نزيه البزري، وذلك من النواحي الطبيَّة ـ الاجتماعية، الوطنية ـ السياسية، الثقافية ـ الفكرية. ذلك أن نزيـه البزري إنما هو إنسـان من صيـدا، يوصف عادة بأنه "شيخ الأطباء" في المدينة ومن أوائل أطبائها الصيداويين فيما بعد الحرب العالمية الأولى وقبيل الحرب العالمية الثانية. وحين تكون الترجمة لشخصية بحجم شخصيةٍ وطنيةٍ وإنسانيةِ نزيه البزري، فإن المحصِّلة ستكون غاية في العمق والشمول وبالغة الصعوبة والتعقيد في آن معاً، خصوصاً أن الرجل قد عاش عمراً مديداً يقرب من قرن من الزمن، أي طوال القـرن العشريـن إلا بضع سنين، وهو قـرن حافل بالتقلبات السياسية والتحولات الاجتماعية الكبرى والاضطرابات الأمنية والعسكرية والحروب الأهلية الداخلية والتدخلات الخارجية والاحتلالات الإسرائيلية المتكرِّرة سواءً كان ذلك على مستوى المجتمع المحلي أم الدولة اللبنانية أم المنطقة العربية.
والدكتور نزيه البزري لم يكن طبيباً يمارس مهنته الطبيَّة كباقي الأطباء، بل كان إنساناً مندمجاً في صميم المجتمع الصيداوي، متفاعلاً مع قضاياه الاجتماعية والحياتية اليومية والإنسانية و"مُتَرَهْبِناً" ـ إذا جاز لي القول ـ في خدمته ومتابعة شؤونه ومشاكله. ولم يكن من أولئك الذين يقضون حياتهم العامة والخاصة بهدف تأمين حياتهم الذاتية أو مستقبلهم الشخصي أو يعيشون في عزلة عن الناس الطيبين، بل كان في حياته ونشأته ومهنته يتَّخذُ موقفاً اجتماعياً وسلوكاً إنسانياً وروحاً أقرب ما تكون إلى "الصوفية العقلانية" منها إلى المادية المتكالبة على الحياة الذاتية والرفاهية العائلية. وقد ظل يدافع عن موقفه وآرائه وأفكاره ـ التي ستكون موضوع كتابنا ـ ويضحي من أجلها الغالي والنفيس طوال حياته….
وهو الطبيب، ومن ثمَّ السياسي والوطني المعروف، عَرفَتْه الأوساط الصيداوية وبخاصة الجماهيرية والشعبية منها، مدافعاً عن مستقبل بلده ووطنه من منظاره وقناعاته، ومنادياً بقيام نهضة جديدة على قاعدة راسخة من العلم والتفكير العقلانـي والتطور الاجتماعي، وهو الطريق القويم الوحيد ـ كما ظلَّ يعتقده ـ لمواكبة التقدم ومماشات العصر الذي نعيشه.
لقد كَسَب هذا الطبيب الإنساني والسياسي الوطني ثقة الناس، كل الناس، بصورة مدهشة. وكان في سلوكه، سواءٌ في مهنته أو عمله السياسي، متواضعاً إلى الحد الذي لم نكن نعرفه عند كثير من أمثاله. هذه الثقة العميقة، الممنوحة لنزيه البزري، وغير المسبوقة في مجتمعنا المحلي، على المستوى الطبِّي أو الوطني السياسي، وهذه المحبة والتقدير والاحترام بينه وبين الناس كل الناس، قد بدت بأبهى معانيها، بمظاهر الحزن والأسى عند غيابه.
ولا بد هنا من أن نتوقَّف ملياً ونتأمل، ولو قليلاً، لنشير إلى أنه حين تكون شاهدةً يقظةً على هذه التحولات الضخمة التي أتينا على ذكرها أعلاه، شخصيةُ طبيب إنساني وسياسي وطني، حاد الذكاء وقويّ الذاكرة ومتابع القراءة في الكتب الطبيَّة والتاريخية والأحداث المصيرية، وهو يمارسها عملياً وفي صميمها وصلبها، فلا بد من أن تكون النتيجة الضرورية واللازمة تجربة حياة شديدة الخصوبة وغنية بالعِبَر والدروس والتجربة الشخصية، من الصعوبة ربما بمكان أن تتكرر في ظروفنا الراهنة.
وربما يكون الطبيب، في ظروف الحكيم الشاب، نزيه البزري، التي رَجَع فيها إلى مدينته صيدا، وهو طبيب ناشىء، إنساني واجتماعي ومنخرط في مجتمعه المحلي، أفضلَ مَن يعيش بعمق تجربته الطبيَّة والاجتماعية من خلال مهنته. لهذا، فقد كانت مواقفه الخاصة واهتماماته العامة في شؤون الناس، تكوَّنت بها أحكامه وأخلاقيته. وهو كقارئ "نهم"ٍ للتاريخ والحضارات العالمية والإسلامية منها خاصة، ولما يستجد من اكتشافات في ميدانه الطبِّي، فلم يكن ينظر في أغلب الأحيان إلى هذا التاريخ الماضي العام، إلاّ على أنه مجموعة هائلة من التجارب والخبرات الإنسانية والدروس والعِبَر، وحصيلة من علامات ومحطات فارقة، قد تُضيئ له الطريق وتبلور له أفكاره وتلتقي مع استعداداته ومواهبه الذاتية. أو قُل إنه قد يصل به الخيال إلى أن يفسر أحداث التاريخ وعِبره كي تتلاقى في مجملها مع ما يدور في رأسه من أفكار وطموحات وأخلاقيات ومواهب. وهذا ما كان يحصل لكثيرين غيره، عندما كانوا يتمثلون صور الماضي وتجاربه والاستفادة من جميع المذاهب والأخلاقيات والتجارب السابقة لعهده: فتزيده نضجاً ووعياً وحكمة وأخلاقية وفهماً لذاته ولتاريخ مجتمعه ولسلوك الآخرين…
* * *
لهذا، فإن الكتابة عن حياة الدكتور نزيه البزري وترجمة لها ترجمة صادقة، حقيقية، أمينة، عميقة وشاملة، نزيهة وصريحة، إن هذه الترجمة، أقول، ليست سهلة، وإن كانت غير مستحيلة، يحيطها أحياناً بعض الغموض وعدم الوضوح والمواقف المُسْبقة، سلباً أو إيجاباً، لمن لا يعرفها ولمن لا يَسْبر غورها ويغوص في أعماقها ويلمّ بظروف ومجمل حِقبها، وصعودها وهبوطها، وثوابتها ومتغيراتها، بكلمة واحدة مختصرة، لا يمكن الكتابة عن هذه الشخصية الإنسانية والأخلاقية والوطنية والسياسية، إلا لمن عايشها عن قرب ورافقها، أقله في المراحل المفصلية الأساسية من تطوّرها. لماذا؟… ذلك لأن هذه الشخصية، شخصية الدكتور نزيه البزري، لم تكن شخصية إنسانية ـ اجتماعية كطبيب وحسب، ولا شخصية وطنية سياسية، مارس العمل السياسي والوطني من بابه الواسع العريض كرئيس بلدية ونائب صيدا ووزير في مرحلة زمنية من أدقِّ المراحل التي مرّ بها لبنان وفي فترة زمنية تقرب من نصف قرن من الزمن، ولا هي شخصية ثقافية ـ فكرية، أفقها التاريخ وكتب التصوف والدين الإسلامي والحضارات الإنسانيـة، وإنما قد كان هذا الطبيب، الدكتور بزري، ذلك كله وفي الآن الواحد معاً، فلا يجوز أن نفصل هذا الجانب من شخصيته عن ذاك، ولا هذه الحِقبة السابقة من حياته عن تلك، فهي كل متكامل، متفاعل، ليقدِّم لنا شخصية متميِّزة، تقبلها أو لا تقبلها، هذا شيء آخر…… إلا أنها، في كل الأحوال، تجربة شخصية طبيب وسياسي معاً، جديرة بالبحث، يحتشد فيها كثير من اللَّحمات الذكية والملاحظات الدقيقة المتعمقة، والقدرة على إقامة علاقات سياسية ووطنية ينبغي متابعتها عن قرب لإدراكها واستيعابها. فليس مبالغة، والحال هذه، إذا كان الأطباء في صيدا منذ البداية وحتى النهاية، قد أطلقوا عليه ـ كما قلنا ـ لقب "شيخ" لأطباء أو "الحكماء" في صيدا…..
* * *
إن ما يزيدنا رغبة في دراسة شخصية الدكتور نزيه البزري، من الجوانب التي أتينا على ذكرها أعلاه، أنه قد عاصر مرحلة تاريخية بالغة الأهمية وعاش حياة طويلة قاربت قرناً من الزمن أو أقل بقليل (1915 ـ 2000). هذه الملاحظة تأخذ أهميتها في أنها تُفسِّرُ لنا الكثير من حياته الخاصة وشخصيَّته المميَّزة، فضلاً عن حياته المهنية، السياسية والوطنية ومنعطفاتها وإنجازاتها وإخفاقاتها، وخبراتها وتجاربها ودروسها وعِبَرها، خصوصاً وأن "الحكيم" كان يُعبِّر عن كل مرحلة من المراحل، تصريحاً أو كتابة، أو عَبر المحاضرات والنَّدوات وورشات العمل والتي سوف نقف عندها طويلاً. ذلك لأن الإنسان ـ وفي ما يعنينا نحن: الطبيب والسياسي ـ الذي أعطاه الله عمراً طويلاً نسبياً، عاش خلاله فترات صعبة مثقلة واضطرابات سياسية وأمنية خطيرة في تاريخ لبنان المعاصر، وظل محتفظاً بذاكرته اليقظة وملاحظاته النقدية الواعية، لا بدّ أن تكون تجربته السياسية والوطنية والاجتماعية والفكرية بالغة الخصوبة والغنى والعمق والتنوُّع، أكثر بكثير مما يستطيع المراقب العادي استيعابه وفهمه وإدراكه.
لقد كان مولد الدكتور نزيه البزري وبداية حياته الأولى، في النصف الأول من العقد الثاني من القرن العشرين، أثناء الحرب العالمية الأولى (1915) ونشأ مع سقوط الأمبراطورية العثمانية وإنشاء "دولة لبنان الكبير" ووضعها تحت الانتـداب الفرنسـي الذي سيستمر حتى الحرب العالمية الثانية. وُلد نزيه البزري وعاش في سنيه الأولى في مدينة صيدا القديمة ـ كما سوف نرى ذلك بالتفصيل والتحديد. وكان الناس في هذا المجتمع التقليدي الضيِّق، يعيشون حياة بسيطة، رتيبة، شبه جماعية، يعرفون بعضهم البعض. الكهرباء لم تكن بعدُ قد دخلت إليها ولا شبكة المياه الحديثة ولا أيُّ مظهر من مظاهر الحضارة الغربية الحديثة من حيث اللباس والمأكل والمشرب ووسائل النقل والاتصال والرفاهية: سينما وخلافه…
* * *
ملاحظة: ينبغي التوسُّع في هذا الجانب، غاية في الأهمية، ورسم صورة إلى حد ما تفصيلية عن طبيعة الحياة المعيشية داخل صيدا القديمة في فترة ما بين الحربَيْن للأهمية، وذلك من الناحية: الاجتماعية، الدينية، الاقتصادية: تجارية، حِرفية، تعليمية، ثقافية، إلخ… لماذا؟.. لأن هذا هو الجو والوسط والبيئة الاجتماعية التي عاشها نزيه البزري طوال دراسته وممارسته مهنة الطب، وهذه هي البيئة الأولى التي تفاعل معها اجتماعياً وإنسانياً، وهي بالتالي التي كانت الداعم والدافع والقاعدة التي استند إليها في طموحاته السياسية وخوضه المعترك الانتخابي في مستقبل الأيام. هذه الحياة الاجتماعية الأولى، الطبيعية والتلقائية، هي التي طبعت نزيه البزري وميَّزته عن كثير غيره من الزعامات الصيداوية ـ هذا إذا استثنيا بطبيعة الحال زعامة معروف سعد السياسية، مع فارق في النشأة والمهنة والدور الوطني والممارسة الاجتماعية….
هذا الجانب أو هذه الفترة من حياة نزيه البزري، أقلَّه بالنسبة إليَّ، بالغة الأهمية من الناحية الاجتماعية والإنسانية والتأثير والتأثر، ينبغي العودة إليها وإلقاء الضوء على مختلف جوانبها، وبالدرجة الأولى الرجوع إلى المقابلات التي أجريتها مع "الحكيم"، وحديثه هو نفسه عن نفسه وعن هذه المرحلة من حياته.. إن هذه الأجواء التي عاشها نزيه البزري وهذه التحولات الاجتماعية والسياسية والأمنية التي كان مسرحها القرن العشرين على امتداده، لا بدَّ من أن تكون قد تركت آثارها في فكر الحكيم الاجتماعي وتطوره السياسي، وهو المتفاعل مع الأحداث والمحتفظ بيقظته وصفاء ذهنه وقوة ذاكرته، ولا بدَّ أيضاً من أن تكون نتيجتها الضرورية تجربة شديدة الغنى والمعرفة العميقة والخبرة بشؤون الحياة والإنسان والمجتمع، يندر إن تتكرر بظروفها وشروطها وخواتيمها في تاريخ مدينة صيدا.
من هنا، يمكننا أن نفسر التحولات الكبيرة والوا ضحة التي طرأت على حياة نزيه البزري، الطبيب ومن ثمَّ السياسي والوطني، وتطوره الفكري والسياسي. فقد كان كلُّ ما يؤهله في بدايات حياته أن يكون طبيباً ناجحاً وماهراً في مهنته ومتفانياً في خدمة مجتمعه المحلي، مما كان من الممكن أن يؤهله كل ذلك أن يتبوأ مناصب عالية ومرموقة في مجال الطب. ولكن الأقدار ـ كما نقول ـ والظروف قد شاءت غير ذلك، ولربما هو نفسه كان يطمح إلى العمل السياسي والوطني، ويرغب في ذلك من حيث يعي ذلك أو لا يعيه بوضوح: أليس هو في المحصِّلة النهائية مَن ينتمي إلى عائلة، أو إلى أبرز عائلة صيداوية كانت تلعب دوراً أو أدواراً سياسية تاريخية معروفة، وبخاصة في رئاسة بلدية صيدا ـ منذ عهد السلطنة العثمانية في أواخر القرن التاسع عشر وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية في القرن العشرين؟!.
لقد تلقى نزيه البزري، تعليمه ـ كما سوف نتوسَّع في ذلك فيما بعد ـ في مدينة صيدا في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية: المرحلة الابتدائية في كلية المقاصد الخيرية الإسلامية، والثانوية في مدرسة الفنون الإنجيلية (الأميركان) في صيدا. ودراسة الطب فـي الجامعة الأميركية في بيروت. وقد أحرز في دراسته في جميع مراحلها نجاحاً وتفوقاً مرموقاً. وسوف نأتي على ذكر ذلك بالتفصيل لاحقاً. وكان أثناء دراسته شغوفاً بالقراءة والمطالعة، ولا سيما كتب التاريخ والحضارات والتصوف.
* * *
ثم، هناك ملاحظة، في هذا النطاق، جديرة بالتوقّف عندها ملياً، وتأملها جيِّداً حين بحث شخصية نزيه البزري والحديث عنها، وهي أنه منذ بداياته الأولى وطوال حياته الدراسية في مراحلها المختلفة ـ هذا إذا اقتصرنا حديثنا على هذه الحِقبة من حياته ـ لم يُعرف عنه العراك أو الشِّجار أو المشاكسة أو التَّصادم أو النِّزاع العنيف مع أترابه ورفاقه التلاميذ أو الطلاب أو الزمـلاء أو مع أيِّ إنسـان كان. بل كانـت دائماً تطلـب منـه الإدارة في مدرسة الأميركان ـ كما قال لنا ـ أن يعمل وبأسلوبه الخاص على حلِّ المشاكل والنِّزاعات التي تقع بين زملائه في الصف. فهذا إن دلَّ على شىء، فإنما يدلُّ على أنه كان محبوباً ومحترماً بين زملائه، ومعتدلاً في سلوكه وتفكيره وخلقه وعلاقاته مع الآخرين ولا يميل بأيِّ شكل إلى العنف بطبيعته وتكوينه الشخصي، الخُلقي والاجتماعي والإنساني. (هذا الجانب من شخصية نزيه البزري، بالغ الأهمية والتأثير في مواقفه وعلاقاته مع الآخرين، يمكننا تفسير على هذا الأساس مواقفه وردات فعله السياسية في كثير من الأحيان في المقبل من الأيام).
ففي نهاية المطاف، ألا يولِّد العنف والصراع والنِّزاع بين الناس، الألم والحزن والأسى، وهو بطبيعة شخصيته وتكوينه الخُلقي كان يطمح ويهدف للتخفيف من آلام الناس ومآسيهم وأحزانهم؟!……
* * *
ويمكننا في هذا السياق أن نشير، كفرضية عامة للبحث، إلى حياة نزيه البزري كمراحل أساسية أو محطات أو حِقب زمنية، لكل منها خصوصيتها العلمية والاجتماعية والسياسية:
1 ـ المرحلة الأولى: هي المرحلة الدراسية حتى التخرج الجامعي كطبيب.
2 ـ المرحلة الثانية: مزاولة المهنة، مهنة الطب في مدينة صيدا، وهي فترة تزيد على العشر سنوات.
3 ـ المرحلة الثالثة: خوض المعترك السياسي، وهي مرحلة يمكننا بدورها أن نقسمها إلى حِقب زمنية عدة: بداية النجاح الشعبي والجماهيري وخوض المعترك الانتخابي وتتويجه برئاسة بلدية صيدا، ومن ثم النيابة والوزارة، والمشاركة في المؤتمرات العديدة التي كان محورها البحث عن حلول لعملية إصلاح النظام السياسي في لبنان.
في هذا السياق وطوال تلك المراحل، ينبغي أن نعرف مَن هم الذين أثروا في تفكير نزيه البزري سواءٌ من الناحية العلمية الطبية أو من الناحية السياسية والتاريخية والفكرية والحضارية، أو مَن هم الزعماء السياسيين الذين أثاروا إعجابه وحذا حذوهم واتَّبع خطاهم، إلخ….
وفي مرحلة ما بين الحربين ودخول لبنان تحت الانتداب الفرنسي ومع الانتهاء من دراسة الطب في الجامعة الأميركية في بيروت، اتجه نزيه البزري، الطبيب الناشىء، بكليته إلى ممارسة المهنة في مدينته صيدا وإلى تحوّله إلى العطاء والتفكير بقوة للانغماس في معالجة المشكلات الصحية في المدينة القديمة، والقضايا الاجتماعية والإنسانية منها على وجه الخصوص، إذ كانت مخلفات الحرب العالمية الأولى والاحتلال الفرنسي للبلاد شاملة، بما أحدثته التطورات والأزمات المتعاقبة، من فقر وجوع وخراب عمَّت مختلف نواحي المجتمع، وخصوصاً على المستوى الاجتماعي والإنساني. وقد ولَّد كلُّ ذلك صدمة في نفسية هذا الطبيب الشاب المليىء حيوية ونشاطاً واندفاعاً من أجل الخدمة العامة ووَقَف يعالج في الميـدان الذي تخصَّص فيـه، وهو الصحة العامـة وبقدر ما استطاع إليه سبيلاً في تلك الظروف القاسية التي تعيشها المدينة، والتي سـوف نتحدث عنها بشىء من التفصيل في حينه إن أمكن.
* * *
وهنا، أفتح هلالين لأشير إلى أحداث مؤلمة سياسية واجتماعية، كانت قد تركت آثارها وجراحاً قومية ووطنية وإنسانية لا تمحى في نفيسة الطبيب الشاب نزيه البزري، أعنى بها أحداث الحرب العربية ـ الصهيونية، التي كان مسرحها فلسطين، والمؤامرات الغربية وفي طليعتها بريطانيا بغطاء هيئة الأمم المتحدة، وكما نعلم: قرار تقسيم فلسطين بين دولتين عربية ـ فلسطينية وإسرائيلية في تشرين الثاني 1947 واندلاع الحرب العربية ـ الإسرائيلية الأولى في 15 أيار 1948.. وكان من نتيجتها القتل والتهديم والتهجير لمئات الألوف من الشعب الفلسطيني.
ومما لا شك فيه أن نشوب هذه الحرب غير المتكافئة وغير العادلة أدت إلى لجوء الأفواج تلو الأفواج، والجماعات تتلو الجماعات، براً وبحراً، من الشعب الفلسطيني كلاجئين إلى مدينة صيدا التي استقبلتهم واحتضنتهم وعملت على تأمين لهم المأوى والمسكن والمكان الآمن كيفما كان الحال: في الجوامع والمدارس والمستشفيات وفي الأماكن العامة أو الخاصة المتوافرة.
إن هذه الأحداث المؤلمة على جميع الصُّعـد والمستويات، لا بد ـ وهذا ما يهمنا الآن ـ من أن يكون لها التأثير الكبير في حياة الصيداويين عموماً وفي حياة نزيه البزري، كطبيب خاصة، في وجدانه ونفسيته وتفكيره واتجاهه، ومع غيره طبعاً، وذلك لمعالجة المشكلات الإنسانية والطبيَّة والاجتماعية لهذه الجماعات الغفيرة من الشيوخ والنساء والأطفال ومن كل الأعمار، للمهجرين الفلسطينيين، قسراً من قراهم ومدنهم، ومحاولة معالجة هذه المشكلات لهذه الجماعات الإنسانية المعذبة، إذ إن هذه الحرب القذرة، العدوانية، الغادرة، كانت قد خَلَّفت من مآس ودمار إنساني ونفسي شامل لشعب بكامله، وما أثبتته من نزوع لدى غربٍ متآمر إلى الهدم، متأصل في طبيعة نظامه الاستعماري حفاظاً على مصالحه في المنطقة. مما ولَّد صدمة عنيفة أليمة ليس للشعب الفلسطيني وحده، وإنما للشعب العربي قاطبة وللشعب الصيداوي آنذاك على وجه الخصوص.
وهكذا، وقف الأطباء في صيدا وفي مقدمهم نزيه البزري يحاولون قد المستطاع وبحسب الإمكانيات المتوافرة لديهم، التخفيف من آلام هذه الجموع الغفيرة اللاجئة، ومن غذاياتها على صعيد الصحة العامة والرعاية الاجتماعية. في كل ذلك، كانت بريطانيا ومعها الغرب، متورطة في تلك الحرب العدوانية الاستعمارية، ومتواطئة معها الأنظمة العربية، بصورة أو بأخرى، وعياً أو عجزاً، لا فرق في كل الأحوال.
وما يهمنا، نحن، الإشارة إليه ومتابعته هو أن الطبيب الناشىء نزيه البزري ـ وهو موضوع حديثنا ـ قد توزَّعت اهتماماته بعد الحرب العالمية الثانية بين المشاكل الصحية في صيدا وبخاصة في المدينة القديمة، عَبر العمل في "المستشفى" الوحيد في مدينة صيدا القديمة، هذا إذا صحَّ أن نسميه مستشفى، وبين عيادته المتنقلة من مكان لآخر، لقد توزَّعـت هذه الاهتمامات الصحيَّة ذات الطابع العام أيضاً بين معالجة المشاكل الاجتماعية والإنسانيـة والأخلاقيـة في المدينـة القديمـة. وقد أبدى الطبيب نزيه البزري في هذا المجال اندفاعاً ومثابرة وصبراً ورعاية قل نظيرها في تلك الظروف، أثارت نحوه عطفاً وإحاطة بثقة ومحبـة "أهل البلد"، كما كان يُقال: والتفافـاً بكل تقدير وإعجاب واحترام، لهذا الفتى الذي كان يقال عنه " غبّ الطلب" عند الحاجة وفي وقت الشدائد وفي أي ساعة، ليل نهار…. وهي حالة، حتى لو أُخذت على صعيد الطب، لم تكن مألوفة آنذاك أو معتادة في تلك الظروف وحتى إلى زمن بعيد وفي مستقبل الأيام أيضاً.
هذا على الصعيد الصحي والاستشفاء، أما من الناحية السياسـية والوطنيـة، فقد كان ضمن مجموعة من الشباب الصيداوي يُعلنون عداءهم للانتداب الفرنسي ويعبِّرون عن هذا العداء بأشكال متعددة، ويدعون صراحة إلى الوحدة السورية وعودة الأمور كما كانت إلى طبيعتها وإلى الوحدة العربية الشاملة التي كانت في صلب تفكيرهم ووجدانهم. من هنا نفهم انضمامه إلى حزب النداء القومي برئاسة كاظم الصلح عند تأسيسه واستمر كذلك إلى بعد حين وحتى اعتزاله العمل السياسي عام 1992 (أنظر ورشة العمل كانون الأول 1991).
أما في ميـدان العلم، فقد كان يدعو الأهل وأولياء الأمور إلى تعليم أولادهم ويشجعهم على ذلك بكل الوسائل، ذلك أن العلم يضيىء طريق مستقبلهم وتقدمهم. ولقد كان "الحكيم" الصيداوي الناشىء والممارس في الميدان، أليفاً قريباً لكل الناس الطيبين، خلوقاً، متواضعاً، لا يعير اهتماماً للمال، سواءٌ دفع مَن كان يستطيع إليه سبيلاً أو لم يدفع من لم يستطع إلى ذلك، كل ذلك سيان عنده. فكانت هذه الناحية ظاهرة غير مألوفة أو غير متَّبعة أو سائـدة في حينه ولا في مستقيل الأيام، بل ما كان يهمه، فيما يبدو، هو مرضاة ربه، ووفائه لمهنة الطب الإنسانية والنجاح فيها، وخدمة أهل بلده المحتاجين إليه أشد ما تكون الحاجة وخصوصاً في تلك الظروف الصعبة، والقاسية التي كان يمر بها المجتمع الصيداوي حيث يعمه الفقـر والجهل والمرض، ثالوت البؤس المحرَّم. وما يهمه أيضاً وما كان يسعى إليه في أغوار ضميـره ووجدانه هو محبـة الناس، الناس الطيِّبين، هذه المحبة التي ربما قد كان في أشد الحاجة إليها، ولربمـا أيضاً تعويضاً عما كان ينقصه ويفتقده من حبٍّ ورعاية في طفولته وتربيته وشبابـه وإلى حين تفوقه في معترك البدايات الأولى من أجل النجاح، فبادل منذ البداية أهل المدينـة القديمـة الطيبين حباً بحب وتفانياً في الخدمة بأشكالها المختلفة طوال حياته المديدة.
* * *
ملاحظة حول موقف نزيه البزري الدائم من القضية الفلسطينية: لقد كان يرى في الحركة الصهيونية العالمية حركة استعمارية، غربية، عالمية، محتلة أرض فلسطين، مغتصبة، حركة استيطانية عدوانية، غير إنسانية، أقامت كيانها الاغتصابي على أرض ليست لها، بدعم من الغرب، وعلى حساب شعب بكامله. وله كتابات عديدة في هذا الموضوع، سوف نأتي على ذكرها في حينه.
هذا، وإننا سوف نركِّز بحثنا ونحيطه شمولاً وعمقاً بالبيئة الصيداوية من جميع جوانبها فيما بين الحربين، وهي البيئة التي عاش فيها نزيه البزري سنيه الأولى، وهو ابنها ومعبِّر عنها، تاركة آثارها في شخصيته الاجتماعية والإنسانية والأخلاقية، وهي ـ هذه البيئة الصيداوية الأولى ـ وهنا بيت القصيد، التي ستكون الحاضنة له في ظهوره في المعترك الوطني والسياسي. ويجب أن لا يغيب عن ذهننا في كل الأحوال، أن اندفاع نزيه البزري وانصبابه وانكبابه الكُلِّي في الخدمة الإنسانية والصحية والاجتماعية، لم يكن المقصود منه ـ كل الأدلة تشير إلى ذلك ـ هو الغرض المالي أو الكسب السياسي: كذلك هذه النقطة، يجب توضيحها أثناء البحث بشهادات وآراء الآخرين، من مؤيدين له ومعارضين.
في الحقيقة، إن شهرة نزيه البزري كطبيب، قد أخذت انطلاقتها الأولى أثناء وخصوصاً بعد الحرب العالمية الثانية وحتى نهاية الأربعينات من القرن العشرين. هذه المرحلة كانت مسرحاً لنشاطاته في ميدان الطب والصحة العامة في مستواتها كافة، وبخاصة منها الاجتماعية والإنسانية، والتفاعل الكُلِّي مع أهالي المدينة القديمة ـ والتي سوف نتطرق أيضاً إليها بشىء من التفصيل في حينه وبقدر ما هو متوافر لدينا من معلومات أو ما يمكننا الحصول عليه من معلومات في هذا الشأن. في هذه الحِقبة الزمنية من ممارسته مهنة الطب، اتسعت شهرته وبرز اسمه كطبيب ناجح وماهر ومتفوق، ليس في مدينة صيدا وحسب، وإنما في المناطق المحيطة بصيدا جنوباً وشرقاً وشمالاً.
إنني أتَّبع في هذه "الخواطر" السريعة، كما هو ملاحظ، المنهج الفكري للمفكر والفيلسوف والأديب الفرنسي "رومان رولان" Romain Rolland ـ مؤداه أنه إذا كنت تعتقد جازماً أن ما تقوله وما تؤمن به هو "صح"، وهو "الحقيقة"، فيجب أن تكرِّره بطُرق مختلفة وبصيغ متنوِّعة دون كلل، كل ذلك حتى يستوعب القارئ هذه "الحقيقة"، ويدركها ليس فقط بعقله، بل وأن تدخل ضميره ووجدانه وشعوره. ففي هذا المنحى، وانطلاقاً من هذا المنهج الفكري، ينبغي أن يُفهم التكرر ويُنظر إليه في هذه الخواطر، لما لدور البيئة الصيداوية الأولى ولتكوين شخصية نزيه البزري الإنسانية والأخلاقية والاجتماعية، في هذا التفاعل والتأثير والتأثُّر الخلاق بينهما. لأنني أعتقد، بعد قراءاتي الواسعة عن حياة نزيه البزري منذ خمسة شهور ونيِّف، أن بيئته الأولى ـ صيدا القديمة ـ هي شخصيته بصورة واضحة في حاضره ومستقبله على حد سواء.
* * *
لقد ذكرتُ سابقاً ـ وأعود وأكرِّر مرة أخرى للأهمية ـ أن من أهم المراحل من حيث النشاطات والاهتمامات الطبيَّة الواسعة والاجتماعية والإنسانية، التي مرّ بها نزيه البزري في حياته، هي هذا العِقْد من الزمن (1940 ـ 1951) قبل انخراطه في المعترك السياسي والوطني. وهي مرحلة، فيما يبدو، كان اهتمامه الأكبر فيها، توجُّهه إلى البحث ضمن الوسائل المتاحة آنذاك في كيفية رفع من شأن المستوى الصحي في المدينة، ولا سيما في ما يتعلق بالمستشفى الحكومي واللجان الصحية والاجتماعية في بلدية صيدا، بالإضافة إلى مشاركته في النشاطات السياسية الوطنية ضمن مجموعة الشباب الصيداوي، التي كان ينتمي إليها والتي كانت بدورها ـ كما ذكرنا سابقاً ـ على صلة وثيقة بحزب النداء القومي في بيروت ورئيسه كاظم الصلح، كل ذلك وغيره أيضاً سوف نأتي على ذكره، هذا إذا توافرت لدينا المعلومات الكافية…
هذا الجو العام الذي عاش فيه نزيه البزري وأحاط به، جعل من هذا الطبيب، المندفع، المقدام، المتفاني في عمله وفي الخدمة العامـة، والذي ينتمي أيضاً وفوق ذلك كله، إلى عائلة لها باعٌ طويل وتاريخي في العمل السياسي في مدينة صيدا، جعل منه شخصاً بارزاً مشهوراً ومحبوباً ومؤهلاً لكل المناصب التي يمكنه أن يطمح إليها.
هذه الناحية، في الحقيقة وواقع الأمر، لا يمكن ولا يجوز إغفالها، بل التركيز عليها والوقوف عندها طويلاً لأنها هي بالذات، وهي بالتحديد، التي ستحدِّد مستقبل نزيه البزري وطموحاته الكامنة في متابعة الخدمة العامة، ولكن بطريقة أخرى، وعلى المستوى السياسي مباشرة هذه المرة، وكثيرون وكثيرون جداً من الأجيال التالية لا يعرفونها وليس هناك مَن يدركها في تفاصيلها التاريخية، وسوف تُنسى، إذا لم تسجل تفاصيلها الواقعية والحياتية في مراحلها المختلفة.
من هنا، عندما أشرت في مقدمة هذه الخواطر التي تَرِدُ إلى الذهن، وهي خواطر ربما تكون متفرِّقة، وهي في الحقيقة متفرقة، لقد أشرت إلى أنها نتيجة قراءات في الأشهر القليلة الماضية والاطلاع على المقابلات والنَّدوات، وهي كثيرة، التي كان لولبها ومحورها الدكتور نزيه البزري، خصوصاً عندما كان يُدلي بهذه المقابلات قبيل اعتزاله العمل السياسي أو بعد انعقاد مؤتمر الطائف أو أثناء مشاركته في النَّدوات والمحاضرات وورشات العمل الضيِّقة، كان حديثه دائماً مباشراً، وكان يدلي بآرائه وتجربته الغنية الخصبة، بمنتهى الصراحة والوضوح والصدق والأمانة للتاريخ.
* * *
بعد هذا العرض السريع، ماذا تَبقَّى لنا لنقوله عن نزيه البزري في هذه الحِقبة الزمنية التي سبقت دخوله المعترك السياسي؟…. في الحقيقة، لقد كان نمطاً فريداً وظاهرة لا نظير لها في حينه وإلى بعد حين، في المحيط الذي عاش فيه، على صعيد الخدمات الطبية والاجتماعية، وهي غير مألوفة، ولا يجاريه فيها أحد ولن تتكـرر ربما لا ماضياً أو حاضراً على الصعيد الشخصي وبهذا الاندفاع الإنسانـي والأخلاقي المنزَّه عن أيِّ غَرَض مادي.
لقد نشأ في وسط عائليّ "برجوازي" في صيدا، وكان يُقال عنه، وقد سمع ذلك بأذنيه بأنه "أرستقراطي النَّزعة"، أو بالأحرى بأن سلوكه وعلاقاتـه استقراطيـة ـ كما سوف نأتي على ذكر ذلك فيما يُشاع ويُقال ـ ولكنه في واقع الحال ومنذ بداياته الأولى، هو نفسه في مهنة الطب، كان ما يمكن أن نسميه بالتعبير الشائع "جماهيرياً وشعبياً" وقريباً جداً من جميع الأوساط وبخاصة المتوسطة والفقيرة، وبقيَ طوال حياته مدافعاً في مواقفه الوطنية والسياسية والاجتماعية والإنسانية عن هذه الطبقات الصيداوية، التي هي بدورها حفظت له هذا الجميل إلى حين انتقاله إلى جوار ربه. (أنظر مظاهر الحزن والأسى والألم، التي عمّت مدينة صيدا عن بكرة أبيها عند وفاته)…
صحيح أن نزيه البزري نشأ نشأة متواضعة، وهو يقول عنها صراحة إنها "نشأة فقيرة"، فيها جهاد ونضال ومثابرة وصبر وتحمل المشقات الكثيرة، المادية والمعنوية على حد سواء، هذا صحيح. ولكنه في سلوكه وعلاقاته، كان يتصرف بكثير من عزة النفس والكبرياء والثقة بالذات وبقدراته وإمكاناته وذكائه وكفاءته ـ سوف نأتي على تفصيل ذلك في حينه وبتعبيراته الذاتية. وقد يكون ذلك، ضمناً أو شعوراً واعياً أو غير واعٍ، أن خَلْفِيته ربما تعود به إلى كونه ينتمي إلى عائلة عريقة في صيدا، لها تاريخها السياسي، وتراثها الديني والفقهي الإسلامي، مما يعطيه اعتزازاً وفخراً معنوياً دفيناً، رغم فقره وحياته المعيشية المتواضعة.
هنا، وفي هذا السياق، لا بد من إبداء ملاحظة أو فرضية ينبغي بحثها والتحقق منها لأهميتها، وهي تتعلق بوضعية والده المرحوم عبد الرحمن، الاجتماعية والمالية والاقتصادية: في هذا الجانب، يساورني بعض الشك في أنه لم يكن ميسوراً أو متوسط الحال، على أقل تقدير، وهو المدير في دائرة الأوقاف الإسلامية في صيدا، كما أنه لا بدّ من أن يكون له بعض المِلكية الزراعية أو العقارية والده، أو والدته. هذه النقطة بالذات تُلقي ضوءاً توضيحياً ومفسِّراً لما كان يشير إليه الدكتور نزيه البزري ويشدِّد عليه في أحاديثه العامة والخاصة من أنه بعد وفاة والده أثناء دراسته في مختلف مراحلها حتى نهايتهـا، لم يكن ذات يسـر وبحبوحة من العيش الواسع. هذا صحيح وأكيد، بما أنه يقوله، ولكن الصحيح أيضاً، من جهة أخرى، فإن والدته استطاعت أن تبنيَ منزلاً، أثناء الشدّة، على قطعة أرض يملكها والده، في مدخل صيدا الشمالي ـ منزل الدكتور نزيه البزري الحالي ـ في آخر حدود صيدا، خارج أسوارها من الجهة الشمالية والتي كانت تسمى المنطقـة بأسرها في حينه، في الشائـع الشعبي: "آخر الـدور"، وهو الاسم الذي كانت مشهورة به.
* * *
على أي حال، في أيِّ بحث لترجمة شخصيـة مهمة كشخصية نزيه البزري، لعبت دوراً تاريخياً في مدينته صيدا وفي لبنان، لا بد من أن لا نترك أيَّ جانب من جوانب حياته العامة وتطورها: عائلياً وعلمياً ومهنياً وسياسياً واجتماعياً وثقافياً دون أن نتوقَّف عنده ونشير إليه ونبرز تأثيره المباشَر وغير المباشَر، معنوياً وأخلاقياً وإنسانياً، في تكويـن شخصيـة نزيه البزري، ذلك أن هذه الشخصية الكاملة المتكاملـة، وهي شخصية كلية، كأيِّ شخصية أخرى، لم تنشأ من فراغ ولا هبطت من السماء، بل هي نتيجة البيئة التي عاشت فيها وتحمل مكوِّناتها وخصوصياتها، حسناتها وسيئاتها، تطلعاتها وطموحاتها في كل الأحوال والظروف. ذلك أن بيئة الإنسان الأولى هي شخصيته الأساسية، هي هُويته الثقافية، هي انتماؤه الوطني، هي عبارة عن مجموعة من التقاليد والمعتقدات والعادات والأعراف التي يكتسبها منها وتنطبع في وجدانه وضميره وخلقه ونظرته لذاته وللآخرين..
ولقد تربى نزيه البزري تربية إسلامية محافظة كسائر أبناء جيله وعائلته ومحيطه الاجتماعي. ودرس في جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في صيدا المرحلة الابتدائية حيث تلقى أثناءها ونهل المبادئ الأولى للإسلام واللغة العربية وقواعدها الأساسية وحفظ الأجزاء الصغيرة الأولى من القرآن الكريم، المقرَّرة آنذاك على جميع التلاميذ… ونحن سنسعى إلى أن نلقيَ نظرة شاملة على حياة نزيه البزري الأولى ـ بحسب ما يمكن أن يتوافر لدينا من معلومات ـ انطلاقاً من تربيته العائلية ودراسته الابتدائية والثانوية واهتماماته العلمية وقراءاته وهواياته الشخصية. ذلك أن هذه المرحلة من حياته، إنما هي في الأساس مرحلة التكوين الشخصي والفكري والأخلاقي والاجتماعي، والتي ستطبعه بطابعها الخاص ويحمل آثارها ومقوِّماتها الأساسية في بنيته الشخصية والفكرية إلى حد كبير في المقبل من الأيام.
* * *
على أيِّ حال، إن ما أحاوله في هذه المقدمة عن حياة نزيه البزري، إنما هو السعي إلى إلقاء نظرة شاملة على هذه الشخصية في بداياتها الأولى والتي ستلعب دوراً تاريخياً، اجتماعياً وإنسانياً وسياسياً في محيطها المحلي والوطني على حدٍّ سواء. طبعاً، سوف أتوقف، كلما دعت الحاجة لذلك، لأشير إلى الظروف السياسية والتاريخية التي مرّ بها لبنان أو مدينة صيدا من أحداث تفاعلت معها جماهير الشعب الصيداوي…
ومما يزيد في ريادة بحثنا أهمية، وفي الوقت نفسه صعوبته، أنه لم يُكتب في هذا الموضوع ولم يُنشر أيُّ دراسة أو بحث. فهي إذن المحاولة الأولى لدراسة هذه الشخصية الصيداوية بشموليتها وكليتها السياسية والوطنية ـ شخصية نزيه البزري ـ انطلاقاً من محيطها المحلي وبيئتها الاجتماعية، وصعوداً بها إلى مجتمعها الوطني اللبناني والعربي. فينبغي لذلك وضعها في سياقها التاريخي والسياسي وتفاعلها مع الأحداث التي مرَّت بها، وتأثُّرها بكل ما جرى حولها.
إن التطوُّرات السريعة في العقود الأخيرة، في مختلف ميادين الحياة، وإغراق الناس، كل الناس، في قضايا اللَّحظات الراهنة ـ هكذا كان في الماضي وما زال في الحاضر ـ ولا مبالاة بالتالي بالوقوف على تجارب التاريـخ وشؤون الثقافة العامة، أدّى ذلك كله إلى توهُّمهم أن "التاريخ العام"، ولا سيما "تاريخ" المجتمع المحلي، يبتدئ وينتهي بهم، فيصفِّقون لكل طارئ جديد، يبدو لهم أنه هو البداية والنهاية، ويغفلون جهلاً أو تجاهلاً أو اعتباطاً، عمَّا يدينون به للروّاد الأوائل في شتَّى شؤون المجتمع.
إن ما أسعى إليه وأحاول القيام به في بحثي ها هنا هو تقديم "شهادة" أو "شهادات" تاريخية، صادقة، حقيقية، واقعية ومعاشة عن شخصية نزيه البزري، بمقدار ما هو متوافـر لدينا من معلومات ثقة في الوقت الحاضر. وليس لدينا في هذا الشأن من مقدَّسات سوى الحقيقة، ولا شىء غير الحقيقة. طبعاً، مع الأخذ بعين الاعتبار أن ثمة جوانب ـ كثيرة أو قليلـة: سوف نرى ـ يحفُّ بها شىء من الإيهام أو عدم الوضوح التام في الظرف الراهن.
* * *
أثناء بحثي واهتمامي الكلي بموضوعي، كنت أطرح على نفسي هذا السؤال: ما هي وظيفـة الطبيـب ودوره، حين يمارس مَهمتـه؟ طبعـاً: من الناحية النظرية المبدئية: هدفه "خدمة الإنسان"، كما هو ملحوظ في شرعـة أو قَسَم الأطبـاء. هل فعلاً يقوم بذلك، متجرداً من أيِّ غاية أخرى سوى التخفيف من آلام الناس وأوجاعهم، وبخاصة في مجتمعاتنا؟… نعم، هناك ربما القِلَّة القليلة التي تؤدي هذه المَهمة بضمير حيٍّ وواجب إنساني قبل أيِّ غرض آخر. أما الكثرة الكاثرة، فهناك وُجهات نظر مختلفة كل الاختلاف.
وإن ما يهمُّنا، نحن، هو أن نزيه البزري قد شاءت الظروف، الذاتية الشخصية والموضوعية الواقعية، أن يكون في عداد هذه القلة القليلة، أو حتى القلة النادرة في بيئته الصيداوية الأولى. نقول ذلك دون أن نخشى الوقوع في أيِّ خطأ أو ذَلَل. وهذا ما سوف نراه بالوثائق وشهادات الآخرين وباعتراف جميع الصيداويّين وغير الصيداويين، الخصوم قبل الأصدقاء والمحبِّين. فليس في هذا القول أيُّ مجاملةٍ أو محاباةٍ أو مداهنةٍ أو إطراءٍ في غير محلِّه ـ فلم يكن هذا من طبيعتنا أو سلوكنا أو تفكيرنا، لا في الماضي ولن يكون في الحاضر، إن ما أطمح إليه بكل جوارحي وتفكيري وعقلي، هو كشف "الحقيقة، الحقيقة كما توصلت إليها، دون تزييف، وإن كانت هذه الحقيقة، في بعض الأحيان تجرح، كما نقول، ولتجرح مَن تجرح، فذلك ليس له كبير الأهمية لدينا.
كذلك، وفي الوقت نفسه، هناك رغبة كامنة أو حتى جامحة في نفسي، عند كشفي التاريخ الحقيقي لمجتمعي المحلي الصيداوي، فإنني أخشى ما أخشاه أن يزوَّر هذا التاريـخ، ليس فقط على صعيد السياسة، وإنما والأخطر من ذلك كلِّه، على الصعيد الاجتماعي والتربوي والثقافي وبالتالي الإنسانـي.
أعود إلى موضوع حديثي بعد هـذا الخروج قليـلاً عن فحواه، وأقول: إن نزيه البزري ـ أكرّر ـ كطبيب صيداوي، إنما كان من هذه "القلة النادرة في صيدا، واستطاع بالتالي بعد مضي فترة من الزمن، أن يكتسب شعبية جماهيرية صيداوية كبيرة، كي يواجه بها ـ هو الوحيد من بين أبناء جيله ـ شخصية لبنانية، وطنية وعربية، أهم إنجازاتها أنها حقَّقت الاستقلال اللبناني، وكانت من بُناته، أعنى بها شخصية رياض الصلح. سوف أتحدَّث عن هذا الحدث وعن هذه المرحلة بالذات وحيثياتها لأهميتها التاريخية السياسية في مدينة صيدا ـ دون أن نسيء طبعاً إلى دور رياض الصلح الوطني والعربي، بتفسيرنا ملابسات هذه الأحداث وتطوُّراتها وتأثيراتها في مستقبل نزيه البزري السياسي والوطني في لبنان.
* * *
وفي كل الأحوال، وبالعودة إلى البدايات الأولى، فقد كان هذا الطبيب الناشىء، نزيه البزري، كبير الاعتقاد بصورة مثالية مطلقة في أن السبب الأساسي والرئيسي لارتكاب الناس الموبقات والأضرار والخروج على الأخلاق العامة، في المحيط الذي كان يعيش فيه، هو الجهل. لذلك، كان يرى نزيه البزري آنذاك، ولربما فيما بعد كذلك، أن التَّوجُّه نحو العلم والمعرفة الحديثة، هو "المنقذ من الضلال"، هو الوسيلة للخروج من "الظلمة إلى النُّور"، وإلى اتِّباع الأخلاق الصحيحة و"الصراط المستقيم".
لذلك كان يُكثر، إلى جانب ممارسته مهنة الطب ومن خلالها، من التَّوْجيه الاجتماعي والأخلاقي، ويدعو الأهل إلى تعليم أولادهم بما هو متيسر لهم في تلك الظروف. لقد كان شديد الاقتناع بدور العلم في الرقيّ والتقدُّم، ولربما كان يتَّخذ المثال، انطلاقاً من نفسه ووضعه الشخصي وحالته الخاصة.
بطبيعة الحال، فليس من المؤكد أن النصائح الأخلاقية والتَّوجيهات الاجتماعية، قد تلقى لدى الناس بالضرورة تغييراً في السلوك أو في الموقف، فهناك أشياء أخرى إلى جانب ذلك، وهي السعي والعمل على تغيير أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية نحو الأحسن، حتى تستطيع الناس أن تطبِّق ما هو خير لها وأفضل، هذا إذا حسنت النيات واصطلحت أمور المجتمع وأنظمته بصورة عامة. ذلك أن تغيير التقاليد والمعتقدات الراسخة في نفوس الناس عَبْر قرون من الزمن، تحتاج هي الأخرى إلى جهود جبَّارة من أجل التغيير في المفاهيم والأفكار والمعتقدات والسلوك الاجتماعي، وعلى مختلف المستويات كافة، وإلى تراكم تجارب الزمن وخبرات الماضي والمستقبلي أيضاً…
إن نراكم خبرات التاريخ وتجاربه، من الناحية الفكرية والمعنوية، كما من الناحية المادية، يلعب دوراً بالغ الأهمية في عملية التغيير الاجتماعي، الموضوعي والذاتـي على حدٍّ سواء. وإن ضعف اهتمامنا بالتاريخ، والتاريخ السياسي المعاصر، يعود إلى أسباب عديدة، يمكن إجمالها في نقطتَيْن أساسيَتيْن:
1 ـ الواقع التجاري ـ الاقتصادي التقليدي البسيط الذي كان سائداً في مجتمعنا المحلِّي، والمنغلق على ذاته والمكتفى بحاله والراضي بوضعه والقانع بما قَسَمه الله له (القناعةُ كنزٌ لا يفنى).
2 ـ نتيجة لذلك، الوضع الثقافي العام المتدنِّي في الماضي إلى أبعد حدود التدنِّي، سواءٌ من حيث التعليم الديني الإسلامي أو عدم وجود المدارس وانتشارها حتى "الكتَّاب"، المدارس التقليدية منها…
لذلك، لم يُعرف عنَّا، نحن الصيداويين، الاهتمام بشوؤن الثقافة والعلم، وبالتالي بقضايا التاريخ، حتى المعاصر والقريب منَّا على وجه الخصوص. من هنا، قد يؤدي هذا الغياب الواضح والمتراكم عَبْر الزمن، إلى السهولة بمكان كبير في تشويه الأحداث التاريخية أو تضخيمها أو تحريفها أو تغييب ما سبقها من إنجازات أو إضافة إليها ما ليس فيها.
* * *
لذلك، كان دائماً اهتمامنا الشخصي، الفكري والثقافي والاجتماعي، إحياءَ "ذاكرتنا الجماعية"، ذاكرتنا التاريخية، فهي التي كوَّنت في نهاية التحليل، شخصيتنا وحدَّدت هُويتنا الذاتية والموضوعية في الحاضر والمستقبل.
لقد كان دائماً اهتمامي منكباً على فهم واقعنا في الوقت الحاضر انطلاقاً من البحث والدراسة التاريخية في ماضينا المعاصر والقريب منا. من هنا كان توجُّهي في أبحاثي الاجتماعية ـ السياسية منذ أكثر من ربع قرن من الزمن، في مفهوم الزعامة في مجتمعنا، ومفهوم الزعامة السياسية على وجه الخصوص: كيف تتأتى هذه الزعامة، وكيف تنشأ؟.. وما هي مقوِّماتها وعناصر وظروفها الاجتماعية التي تساعد في ظهورها؟.
فكانت الأبحاث والدراسات تجري في بداية الأمر مع طلابي من مختلف المناطق الجنوبية وخصوصاً عن طريق مركزنا الثقافي. فكانت النتائج كتابات بتوجيهاتي الشخصية ومشاركتي الفعلية المباشرة، يأتي في مقدمتها: مفهوم الزعامة في منطقة جزين: جان عزيز، مفهوم الزعامة في الجنوب اللبناني: عادل عسيران، وجاءت بعده دراسة عن زعامة أحمد الأسعد، بالإضافة إلى مفاهيم الزعامة السياسيـة في منطقة النبطيـة وبنت جبيل، وفي منطقـة صور: آل الخليل. وأنهيت هذه البحوث والدراسات بمفهـوم الزعامة في صيدا: معروف سعد. وقد نشرتُ دراستَين في هذا الموضوع.
وكنت في الوقت نفسه أعمل مع طلابي وأجمع المعلومات وأجري المقابلات حول "زعامة" نزيه البزري السياسية والاجتماعية منذ أكثر من خمس وعشرين سنة. وهذه المعلومات والمقابلات والبحوث متوافرة لديَّ، بالإضافة إلى النَّدوات وورشات العمل المتخصِّصة والخَلوات الدراسية المغلقة، وأنا الآن أشتغل عليها. وإذا كنت في حينه لم أستطع أن أنشر شيئاً عن نزيه البزري، فلأن الظروف، وبخاصة ظروف النشر، لم تكن متوافرة لديَّ آنذاك. لقد كنت في الأعماق أريد أن أُبيِّن وأُبرز من خلال البحث أن "زعامة" نزيه البزري السياسية انطلاقاً من صيدا. إنما تختلف كلياً عن باقي الزعامات السياسية الجنوبية، من حيث المنشأ والمقوِّمات والمرتكزات والتطوُّر الاجتماعي والإنساني. (أنظر في ما يلي النتائج النظرية التي توصلت إليها من خلال بحثي في "الزعامة السياسية" في الجنوب اللبناني).
ومهما يكن من شىء الآن، فإذا كنت أعود وأولي اهتماماً كبيراً في الكتابة عن نزيه البزري وعن تاريخه الاجتماعي والسياسي والثقافي، فلكي أكشف عن هذا الماضي المميَّز في تاريخ صيدا، خشية أن يُغيَّب أو أن يُنسى ويُمحى في هذا الخضمِّ الهائج وهذه الزوبعة الإعلامية الماحقة التي لا تبقي ولا تذر لما هو حقيقة واقعية في التاريخ، ولكي أظهر في الوقت نفسه كيف نشأت هذه "الزعامة" المميَّزة، وشقت طريقها الشاق الملتصق بالناس. بكلمة: فهي زعامة لم تهبط هكذا من السماء: بقدرة قادر وفعل سلطان داهم.
إن العودة إذن إلى البحث في تاريخ نزيه البزري، وإلى ماضيه وظروفه الاجتماعية والإنسانية، هذا الماضي الذي لن يتكرر، كل ذلك من أجل ليس فقط أن نحصِّن هذا التاريخ الصيداوي من أي تشويه أو تحريف، بل أيضاً حتى يكون لنا مثالاً للمستقبل.
* * *
إلى هنا، إذا أردت، في نهاية المطاف، أن ألخِّص ما أودّ أن أشدّد عليه في بحثي ـ وقد أشرت إليه خلال هذه الخواطر، بوضوح تام ـ هو المراحل الأولى من حياة نزيه البزري، لأهميتها القصوى من وجهة نظري، من حيث التكوين الذاتي والموضوعي في آن. وذلك ابتداء من إلقاء الضوء الكاشف على: البيئة العائلية والمرحلة الدراسية في صيدا والمحيط الاجتماعي الصيداوي الذي عاشه نزيه البزري وتفاعل معه وتأثَّر به من كل الوجوه، وأثَّر فيه بدوره في المقبل من الأيام. أما المراحل التالية: السياسية والوطنية والفكرية، فقد أشرت إليها بصورة عامة وشاملة في الفرضيات والتصاميم الموضوعة سابقاً، فيجب العودة إليها، وإن كان ينقصها كثير من التفصيل والتوضيح. وهي بدورها تحتاج إلى تقسيمها إلى مراحل وحِقب تاريخية، وذلك بعد حصولنا على المعلومات الكافية والضرورية لذلك.
* * *
الزعامة السياسية أو النفوذ الاجتماعي
وأسسـه
إن الانتماء الاجتماعي والنُّفوذ السياسي يتحدَّدان إلى حدٍّ كبير بتضافر عناصر عديدة، تختلف أهمية كل عنصر منهما حسب ظروف المجتمع وطبيعته ومكوناته التاريخية. ويمكن حصرها بصورة عامة بما يلي:
1 ـ الدور الذي يقوم به ويلعبه الفـرد في المجتمع الذي يعيش فيه، ويسبق ذلك أو يتبعه أو يرافقـه الانتماء ضمن العائلة: تكوينهـا، نفوذها، تاريخه