ملفّ اقتصاديّات صيدا في محيطها الريفيّ
ملفّ اقتصاديّات صيدا
في محيطها الريفيّ
* * *
صيدا في 10 شباط 1988
رسالة الدعوة للمشاركة
حضــرة السيّــد المحترم
الموضوع: عقد سلسلة من النَّدوات و"ورشات العمل الدراسيّة" تحت عنوان عام "تطوّر صيدا الاقتصاديّ" في الأسبوع الأوّل من نيسان 1988.
تحيّة طيّبة وبعد…
يقوم المركز الثقافيّ للبحوث والتّوثيق في صيدا بالتّحضير، منذ أشهر عدّة، لعقد سلسلة من النّدوات الدراسيّة و"ورشات عمل" معمّقة تحت عنوان: "تطوّر صيدا الاقتصاديّ". وستُعتمد معالجةُ هذا الموضوع بالغ الأهميّة من الجوانب التالية:
التطوّر الزراعيّ.
التطوّر التجاريّ.
التطوّر الصناعيّ.
قطاع الخدمـات.
الحركة المصرفيّة ودورها في الاقتصاد والإنماء.
الإنشاءات العمرانيّة: نظرة تاريخيّة ومستقبليّة.
العلاقات الاقتصاديّة مع الجوار:
ـ الجنوب اللبنانيّ.
ـ منطقة جزّيـن.
ـ إقليم الخرّوب والشوف.
ـ والداخل العربـيّ
ولأهميّة هذا الموضوع العلميّة والتاريخيّة ولأنّنا نريد أن نخرج من هذه النّدوات بدراسات وبحوث توضّح لنا سيرورة تطوّر مجتمعنا وسُبُل المستقبل، لذلك فإنّنا سنسعى إلى تكليف أخصّائيّين ومهتمّين بالشأن الاقتصاديّ لبحث الجانب الذي يهمّهم في هذا الموضوع. وسوف تعقد هذه السلسلة من النّدوات في الأسبوع الأوّل من نيسان 1988.
فإنّنا نأمل مساهمتكم الفعليّة واشتراككم معنا وتحديد الجانب الذي يهمّكم بحثه ومعالجته، إذا رغبتم في ذلك. ولمزيد في الإيضاح فالرجاء الاتّصال بالمركز الثقافي بشخص رئيسه الدكتور مصطفى دندشلي على رقم الهاتف 721753/07
وشكراً لتعاونكم معنا سلفاً وتفضّلـوا بقَبول الاحترام
اللّجنـة الثّقافيّـة
أقام المركـز الثقافـيّ للبحـوث والتوثيـق في صيدا سلسلـة من النّدوات الدراسيّة
تحت عنوان عام:
تطوّر صيدا الاقتصاديّ
وذلك ابتداء من يوم الأربعاء في 6 نيسان 1988، حسب البرنامج التفصيلي التالي:
البرنـامـج
المحور الأوّل: تطوّر الصناعة في صيدا ومنطقتها
الحلقة الأولى:
مدير النّـدوة الدكتــور مصطفـى دندشلـي رئيـس المـركــز الثقـــافـــيّ
الموضـوع
المحاضرون: المهندس عماد النـوّام (مدير الشؤون التقنيّة في وزارة الصّناعة والنفط) التطـوّر الصناعـيّ فـي صيـدا ومنطقتهـا.
الأستاذ السيّد الحريري (مدير عام الشركة الصناعيّة والتجاريّة المحدودة في لبنان) تطـوّر الصناعـة الحديثـة في صـيدا: واقع ومستقبل.
السيّـد خليـل أمبريـس (نائب مدير العلاقات الصناعيّة والقانونيّة في منشآت النفط في الزهراني) صناعة البترول في منطقة صيدا: الظروف والنتائـج
المناقشون: المهندس سامي البساط، الدكتور فؤاد حيدر، الدكتور إسماعيل السّمرة، الدكتور يوسف الجباعي، الدكتور فؤاد الصيّـاد، الأستاذ عزّت كركي، السيّد هلال زنتوت.
الزّمــان: السـاعــة الـرابعــة مـن بعــد ظهــر يوم الأربعـاء الواقـع فيـه 6 نيسان 1988.
المكــان: قـاعـة محـاضــرات غرفة التجارة والصناعـة والزّراعـة في صيدا والجنـوب
الحضـور(*)
الاسـم الصّفـة / المهنيّــة
السيّد مصطفى بحسون مصنع الموبيليا، شركة A.B.Z. والمصنع الفرنسيّ والإسفنج B.B
السيّد محمد البتكجــي موظّـف، مشرف علـى الصيانـة في منشآت النفط في الزهراني، المصبّ (ورئيس نقابة وعمّال المصب)
السيّد هانـي النقّـوزي مدير بنك بيروت الرياض.. فرع صيـدا
السيّد جميـل البسـاط شركة بساط للألبسة الرجاليّـة ـ صيدا
د. يوسـف الجباعـي أستاذ في معهد العلوم الاجتماعيّة ـ الجامعة اللبنانيّة
د. عـدنـان النـّوام طبيـب
السيّد مُجيـب البزري رئيس مصلحة الاقتصاد والتجارة في الجنوب
السيّد صلاح الدين البابا نائب رئيس شركة المدابغ اللبنانيّة ـ الإسبانيّة
م. محمـد الحريـري مهنـدس
د. غسـان حمّــود طبيـب / صاحب مستشفى حمّـود ـ صيدا
السيّد نزيه بعاصيري مدير بنك أدكوم، نائب رئيس بلدية صيدا
م. كمـال النقّـوزي رئيس دائرة المساحة في محافظة لبنان الجنوبيّ ـ صيدا
م. أميـن حمّــود مهنـدس
م. محمد سليم الأنصاري مؤسّسـة الحريري ـ قسم المشاريع
د. فـؤاد الصيّـاد أستاذ في معهد العلوم الاجتماعيّة، الجامعة اللبنانيّة
د. إسماعيل السمـرة أستاذ في كليّة الآداب، صيدا، الجامعـة اللبنانيّـة
السيّد حكمت البيضاوي مدير مكتب منشآت النفط في الزهراني (المصبّ)
السيّد أحمد حسن سكيني شركة سكيني للبناء والتجـارة
السيّد معـن سعـد (متعهّد) ـ علاقـات عامّـة
السيّد هلال محمود زنتوت المدير الإقليمي لوزارة الصّناعة والنفط في الجنوب
السيّد محمد محمود الزكنون موظف لدى البنك السعودي اللبنانيّ ـ صيدا
السيّد معضـاد رحّـال باحث اجتماعـيّ
السيّد محي الدين القطب نائب رئيس مؤسّسة الحريري ـ صيدا
الاسـم الصّفـة / المهنيّــة
د. فــؤاد حيــدر أستاذ في معهد العلوم الاجتماعيّة ـ صيدا، الجامعة اللبنانيّة
م. سامـي البســاط رئيس تجمّع صناعيّي الجنـوب
السيّد سليـم المملـوك مدير مستشفى حمّـود ـ صيدا
م. عبد الباسط البلولـي مهنـدس زراعـي
الأستـاذ رياض شمس مدير كليّة المقاصد للعلوم العالميّـة ـ صيدا
الأستاذ عبد الرحمن الأنصاري كاتـب عدل صيدا
السيّد علي عيد الشريـف رئيس جمعيّة التجّار في صيدا
السيّد محمد سعيد المكاوي أمين سرّ نقابة عمّال البترول في لبنان
د. حسيـن سليمــان أستاذ في كليّة الآداب، الجامعة اللبنانيّة
السيّد محمد أبو علفــا موظّــف
المطران جورج كويتـر رئيس أساقفة طائفة الروم الكاثوليك لصيدا ودير القمر
م. موسـى طرابلسـي رئيس مصلحة الكهرباء في الجنوب
السيّد عبد الرحمن السكاكيني موظّف في مصرف التسليف الصناعي
الأستاذ رمزي مكّـاوي أستاذ ثانـويّ
الأستاذ سالم شمس الدين أستاذ ثانـويّ
السيّد محمد حسن صالح عضو تجمّع صناعيّي الجنوب
السيّد هـلال سكينـي الدوائر العقاريّــة
كلمة التقديم
الدكتور مصطفى دندشلي،
رئيس المركز الثقافي في صيدا
أيّها السّـادة
أيّها الأصدقاء الأعـزّاء
يسرّني، في افتتاح هذه السلسلة من النّدوات والحلقات الدراسيّة، حول موضوع عام، اقتصاديّات صيدا في محطيها الريفيّ، أن أرحّب بكم أجمل ترحيب، نيابة عن المركز الثّقافيّ للبحوث والتوثيق في صيدا وباسمي الشخصيّ. وأشكر لكم تلبيتكم دعوتنا هذه ومشاركتكم معنا في عقد هذه الحلقة الدراسيّة حول موضوع في غاية من الأهميّة، وهو موضوع الصناعة وتطوّرها في صيدا ومنطقتها. كما أنّني أتوجّه بالشكر الجزيل إلى غرفة التجارة والصناعة في صيدا والجنوب، بشخص رئيسها وأعضاء مجلس إدارتها وموظفيها، لتهيئتهم لنا جوّ هذا اللّقاء وتأمين أسباب هذا الاجتماع الموسّع ونجاحه. وأخيراً وليس آخراً إلى السادة المحاضرين الذين تحمّلوا مشقّة البحث والتنقيب للمشاركة العلميّة وبحسب اختصاصهم في هذه النّدوة.
موضوع لقائنا اليوم "الصناعة في نطاق تطوّر صيدا الاقتصادي". فالموضوع موضوعٌ اقتصاديّ. وقد طُرحت علينا تساؤلات عديدة: هل موضوع الاقتصاد مناسبٌ الآن طرحه، نظراً للظروف الراهنة، نظراً للاضطرابات الأمنيّة والسياسيّة سواءً كان ذلك في لبنان أم في المنطقة العربيّة؟… جوابنا كان دائماً أنّ للحياة دورةً متكاملةً. والمجتمع تسوده وتحيط به قضايا عديدة تشغله. فلا نستطع ولا يجوز أن نهمل ناحية على حساب ناحية أخرى. ففي الوقت الذي نتوجّه فيه بتحيةٍ، تحيّةِ إكبارٍ ودعمٍ وتأييدٍ للإنتفاضة الجماهيريّة الباسلة في الأرض المحتلّة في فلسطين، وفي الوقت الذي نستنكر فيه الاعتداءات الإسرائيليّة على أرضنا، في الوقت الذي تتجّه فيه أنظارنا لما يجري وسيجري على الساحة اللبنانيّة، خصوصاً في ما يتعلّق بالاستحقاق الدستوريّ المنظور وانتخابات رئاسة الجمهوريّة المقبلة، في هذا الوقت فإنّنا نحن في المركز الثقافيّ نعطي كذلك أهميّة للمواضيع الأخرى، للمواضيع الاجتماعيّة والاقتصاديّة والثّقافيّة، خصوصاً تلك التي لها مساس بحياتنا، ومنها موضوع الاقتصاد.
وكما نعلم جميعاً، فإنّ للاقتصاد أهميّة كبرى، أهميّة على صعيد الأفراد وأهميّة كذلك على صعيد المجموع. فالاقتصاد عَصَبُ أساسيّ في حياة المجتمع وتنميته وعامل من عوامل التغيير الاجتماعيّ ـ السياسيّ والتغيير الفكريّ والحضاريّ. فالتغييرات التي تحصل أمامنا، هذه التغييرات الاجتماعيّة ـ الثقافيّة، إنّما أسبابها العميقة أسبابٌ اقتصاديّة. هذا التمخّض الاجتماعيّ الذي نراه أمامنا، هذا الانتقال من وسط اجتماعيّ والانتماء إلى وسط اجتماعيّ آخر، هذا الارتقاء بالتالي في السلّم الاجتماعيّ، إنّ أسباب ذلك كلّه إنّما هي في الواقع أسبابٌ اقتصاديّة.
وإذا نظرنا إلى أوضاعنا وظروفنا الراهنة، فإنّنا نرى أنّنا نمرّ بمرحلة تاريخيّة مصيريّة، ذات بعد وعمق خطيريْن بالنسبة لنا. فمعايشتنا لهذه المرحلة تحديداً، لست أدري إذا كان ذلك من حسن حظّنا أم من سوء طالعنا. فإنّني أترك الجواب لكم… غير أنّنا، نحن في المركز الثقافيّ، نحاولُ أن نكون شهوداً لمرحلة تاريخيّة مهمّة وخطيرة. ولكن نحاول أن لا نكون شهودَ زور، بل شهوداً صادقين، مراقبين موضوعيّين لما يجري في مجتمعنا. فهذه الأزْمة التي أشرت إليها، إنّما هي أزْمة مجتمعيّة شاملة وعميقة في آن معاً، أزمة سياسيّة، أزمة اقتصاديّة، أزمة ثقافيّة وحضاريّة. وممّا يزيد في عمق هذه الأزمة، غيابُ الدولة غياباً كليّاً، وغياب أيّ ضابط، أيّ رادع أخلاقيّ أو قانونيّ. لذلك فإنّنا نرى العلاقات السياسيّة كما هي على من حقيقتها من دون تورية أو تموية. ونرى كذلك العلاقات الاقتصاديّة ـ الاجتماعيّة، كيف تتمّ في مجتمعنا. وكلّنا يسمع الأحاديث وتناقلها في السنين الأخيرة حول ما يجري على صعيد النّقد والمال، والجميع يتحدّث عن "مافيا الدولار" مثلاً. وعن التجارة، والتجارة على وجه الخصوص، وكيف تتمّ عمليّات الاحتكار. وكذلك الأمر على صعيد الصناعة والزراعة، إلخ..
فهناك ما يمكن أن نسمّيه بالفوضى الاجتماعيّة العامّة. فأهميّة الدراسات تأتي من هذا الواقع الذي نعيش، بالنسبـة للمؤرّخ وللباحث الاجتماعيّ والاقتصادي. فالصورة البارزة والواضحة، ربما تكون أقرب ما كان عليه الأمر في أوروبا في أواخر القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر وظهور الشعار ذي الشهرة الواسعة في علم الاقتصاد، أعني به: "دعه يمرّ، دعه يعمل" (laissez – passer, laissez – faire).
ومهما يكن من أمر، فإنّنا نعتقد بأنّه لا يمكن فهم المجتمع في الوقت الحاضر، ناهيك عن الماضي، كذلك لا يمكن تهيئة الظروف للمستقبل بصورة أقرب ما تكون إلى الوضوح والصحّة، من دون الاعتماد على المعطيات الاقتصاديّة. لا يمكن الحديث في الأمور السياسيّة أو الأمور الاجتماعيّة أو العمرانيّة حديثاً علمياً من دون الاستناد إلى معلومات أو معطيات أو دراسات اقتصاديّة.
من هنا، فإنّنا نعتقد بأنّ علاقة الاقتصاد بالثّقافة وعلاقة الثقافة بالاقتصاد، إنّما هي علاقة بنيويّة، هي علاقة تفاعليّة، جدليّة… وهذا في الأعماق، على أيّ حال، هو فهمنا للثّقافة. فليست الثّقافة بنظرنا عمليّة تجريد أو تنظير أو بُعدٍ عن مشاكل المجتمع وقضاياه، إنّما هي وعيٌ للواقع الماديّ بكلّ تعقيداته، هي وعيٌ للواقع الاقتصاديّ ـ الاجتماعيّ والتأثير فيه، انطلاقاً طبعاً من منهجيّة علميّة واضحة الأسلوب والأبعاد، وذلك من أجل تغييره ولمصلحة الإنسان.
لذلك فقد أَوْلَينا، نحن في المركز الثقافيّ، منذ تأسيسه حتى الآن، أوْلينا أهميّة كبرى للجانب الاقتصاديّ الاجتماعيّ ولطبيعة النموّ الاقتصاديّ في مجتمعنا المحليّ ورصدٍ واستيعابٍ، بالقدر الذي هو متوافر لدينا، للتغيّيرات وللتحوّلات التي تتمّ في مجتمعنا وتجري على صعيد الصناعة والتجارة والمال.
فهناك في هذا النّطاق تساؤلاتٌ عديدةٌ، منها مثلاً تساؤل حول ما إذا كنّا فعلاً قد دخلنا في العصر الحديث، أو هل مجتمعنا واقتصادنا بالذات، هل دخلا فعلاً في عصر "الحداثة" ـ كما نقول ـ أم أنّنا لا نزال نعيش في قلب المجتمع التقليديّ في صُوَره ومضامينه المتعدّدة، هذا إذا حصرنا حديثنا في هذا النّطاق. هنا يُطرح سؤال: هذه الرأسماليّة الحديثة، هل فعلاً دخلت مجتمعنا؟ أكثر من ذلك: الحضارة الحديثة التي تعتمد أكثر ما تعتمد على: التنظيم الدقيق والعقل والعلم المُحكم، هذه الحضارة الحديثة بهذا المفهوم، ما هو مقدار حظّنا نحن منها؟… هذا بعض التساؤلات، الذي نسعى ونحاول أن نجيب عنه، على صعيد الثّقافة والبحث الاجتماعيّ التاريخيّ، وبقدر ما تسمح به ظروفنا وإمكاناتنا.
ولهذه الاعتبارات التي أتيت على ذكر بعضها سريعاً، فقد أعطينا في المركز الثّقافيّ اهتماماً كبيراً للجانب الاقتصاديّ والاجتماعي في نشاطاتنا العامّة. وكانت لنا محاولات للقيام بالدراسات الاجتماعيّة ـ الاقتصاديّة، مثلاً:
ندوة حول، مشروع مرفأ صيدا.
ندوة حول، تطوّر صيدا العمرانيّ وتأثيراته الاقتصاديّة والاجتماعيّة.
ولقد حاولنا في العام 1980 أن نقوم بمسح اقتصاديّ شامل لمدينة صيدا، ولكن لم تنجح هذه المحاولة لعدم توفّر التغطية الماليّة اللازمة لتنفيذ هذا المشروع. فمن ضمن هذه الرؤية العامّة، يأتي تنظيمنا لهذه السلسلة من النّدوات حول: تطوّر اقتصاديّات صيدا. في محيطها الريفيّ…
وقبل أن نعرض أمامكم المنهجيّة التي اعتمدنا عليها في تنظيم هذه السلسلة من النّدوات والحلقات الدراسيّة، اسمحوا لي أن أشير إشارة عابرة إلى ما يوجّه إلينا بمناسبات عديدة من انتقادات، بالنسبة إلى تركيزنا الدائم على صيدا… ففي الحقيقة نحن في المركز الثقافي، وإذا أمكنني هنا أن أعبّر عن أهالي صيدا عموماً، لسنا منغلقين أو شوفينيّين أو طائفيّين مذهبيّين. إنّنا ندرك والجميع يدرك أنّ صيدا لم تكن في الماضي ولا في الحاضر ولن تكون في المستقبل، جزيرة تحيطها المياه من جميع الجوانب، ولا يمكن أن تكون كذلك، ولم تكن في الماضي مستقلّة استقلالاً كليّاً عمّا يجري حولها. حياة صيدا الاقتصاديّة والسياسيّة والاجتماعيّة مرتبطةٌ ارتباطاً عضويّاً، ارتباطاً تفاعليّاً بما يجري في المنطقة بشكل عام وما يجري في منطقة الجنوب بشكل خاص.
وإذا ركّزنا أبحاثنـا ودراساتنا حول صيدا، فإنّما يكون ذلك اعتماداً فقط على منهجيّة معيّنة نؤمن بها، لا أكثر ولا أقل، منهجيّـة في العمل أو طريقة عمليّة بالنسبة إلينا. إنّنا ننظر إلى مدينة صيدا كمجال للبحث التاريخيّ ـ الاجتماعيّ، كمخبر اجتماعي جيّد ومفيد للدرس والتنقيب ولاستخراج نتائج قد تكون أقرب إلى العلميّة والأبحاث التجريبيّة. ولكن، وفي كلّ دراسة من الدراسات المتتالية، وكما سترون في هذه السلسلة من النّدوات والمحاضرات، فقد شدّدنا في تنظيمنا لها على أهميّة العلاقات التفاعليّة والروابط الاقتصاديّة والاجتماعيّة الميدانيّة ـ الواقعيّة بين مدينة صيدا ومنطقة الجنوب وبينها وبين منطقة الجوار والمناطق اللبنانيّة الأخرى والعربيّة بشكل عام.
فعند وضعنا منهجيّة عملنا في هذه النّدوات، فقد ركّزنا اهتمامنا على تنشيط جميع الطاقات العلميّة والفكريّة والثقافيّة والاجتماعيّة في مجتمعنا، كلّ ضمن اختصاصه. فالمشاركون يزيدون على الأربعين، جميعهم من صيدا أو الجنوب أو إقليم الخرّوب. وبنظرة سريعة على مجمل الأسماء، يتّضح لنا بأنّ لدينا نخبة غاية في الأهميّة العلميّة والاختصاص، لا يجوز أن يُستهان بها. وهنا، فمن الأهميّة الاستفادة من هذه النخبة العلميّة بهدف العمل والعطاء. وهناك أيضاً نخبٌ أخرى في شتّى الميادين، يجب التوجّه إليها وجذبها وتفعيلها وتفاعلها مع الواقع…
هذا، وقد قسّمنا موضوع بحثنا تطور صيدا الاقتصاديّ أو اقتصاديّات صيدا في محيطها الريفي،ّ قسّمناه إلى خمسة محاور أساسيّة: الصّناعة، التجارة والاقتصاد، الزّراعة، المال والحركة المصرفيّة والنّقابيّة وأخيراً الحركة العمرانيّة وتأثيرها الاقتصاديّ الاجتماعيّ في المنطقة. (أنظر البرنامج التفصيليّ).
تطوّر الصّناعة في صيدا وقضائها:
الوضع الحالي وآفاق المستقبل
إعــداد
المهندس عماد النـوّام
اسمحوا لي، أيّها السادة، بأنْ أبدأ كلمتي بتوجيه الشكر إلى المركز الثقافيّ للبحوث والتوثيق في صيدا لنشاطه المتواصل والحثيث في البحث والتنقيب والدراسة، لإظهار النواحي الحضاريّة لمدينة صيدا ومحيطها. وبما أنّها المرّة الأولى التي أشارك فيها في نشاط هذا المركز، فقد تفضّل رئيسه الدكتور مصطفى دندشلي وأهداني مجموعة الأبحاث والدراسات التي صدرت حتى هذا التاريخ. وإنّه لمن دواعي الفخر أن نشهد، أيّها السادة، مجموعةً من رجال الفكر والعلم الصيداويّين يجتمعون ويؤسّسون فيما بينهم هذا المركز ليطرحوا من خلاله على الرأي العام في لبنان، وبكل موضوعيّة وإيجابيّة، كلّ ما له علاقة بالمدينة من آمال ومشاريع. وممّا لا شكّ فيه بأنّ نشاطهم هذا وعلى رُغم ضآلة الموارد الماليّة، سوف يُحرّكُ المسؤولين والعاملين في حقول السياسة والاقتصاد والمال، ويدفعهم إلى القيام بمشاريع إنمائيّة وإنتاجيّة للبلد، إضافة إلى الأعمال الكبيرة على مستوى التنمية والبِنى التحتيّة وأعمال المساعدات الإنسانيّة التي تقوم بها مشكورة مؤسّسات الحريري في هذه المدينة.
إنّ اسم صيدا قد اقترن في الماضي والحاضر بأنواع عديدة وغنيّة من الصفات: فصيدا والربيع، مع تفتّح الأزهار وبعث الحياة، صيدا والتاريخ، مع الآثار المتراكمة خلال عهود متتالية. وصيدا والمرفأ، وصيدا والزّراعة، وصيدا والتجارة… أمّا صيدا والصناعة فهو موضوع جديد على المدينة القديمة، ونودّ لو يلتصق بها أكثر، وأنْ يُضاف إلى أحجارها، لأنّه إذا كان الواقع أنّ الصناعة بمفهومها الحديث لم تتأقلم في صيدا في العصر الحديث كما يجب، فلا بدّ من أنْ نشير إلى أنّ صيدا القديمة كانت سبّاقة في صناعة الأرجوان والزّجاج في العصور الفينيقيّة القديمة، كما ظهرت فيها وعلى مستوى بسيط صناعة يدويّة للحرير الطبيعيّ أيّام فخر الدين المعني الكبير في القرن السادس عشر.
والسؤال الذي يَفْرض نفسَه هو التالي: ما هو تعريف الصناعة الحديثة؟ الواقع أنّه لا يوجد تعريف رسميّ للصناعة مشترك بين الدول. فكلّ دولة لها تعريف خاص للصناعة، يَتناسب مع تقدّم هذا القطاع لديها. وأقرب تعريف يناسب الصناعة اللبنانيّة هو ذاك الذي صاغته المنظّمة الدوليّة للتنمية الصناعيّة "اليونيدو" وينصّ على ما يلي: "يُعتبر مصنعاً كلُّ مؤسّسة تستعمل قوة آليّة محرّكة ويعمل فيها خمسة أشخاص فما فوق، وتتجاوز قيمةُ الآلات والمعدّات فيها العشرين ألف دولار أميركيّ، وتكون معدّة لتحويل الخامات إلى منتوجات نصف مصنوعة أو منتوجات كاملة الصنع أو تحويل أو تجميع المنتوجات نصف المصنوعة إلى منتوجات كاملة الصنع، أو توضيب المواد أو تعبئتها أو تغليفها أو حفظها".
لكي نتعرّف على القطاع الصناعيّ في صيدا، لا بدّ من ذكر المؤشّرات العامّة لهذا القطاع في لبنان، ومن ثَمَّ بيان حصة صيدا منه مع الشّرح والتعليق. إنّ آخر إحصاء رسميّ أجري للقطاع الصناعيّ في لبنان كان في العام 1986 وأهم نتائجه هي التالية:
1 ـ مجموع عدد المصانع في لبنان، التي هي بحالة العمل أو التي توقف إنتاجها بسبب الأحداث والتي يعمل فيها أقل أو أكثر من 5 عمّال هي 11.000، موزّعة كما يلي:
مؤسّسات صناعيّة يَعْمل فيها أكثر من خمسة أشخاص (5.081) مؤسّسة استجابت وعبأت الاستمارة، و1.019 لم تعبىء الاستمارة) 6.100
مؤسّسات صناعيّة توقفت عن العمل 2.500
مؤسّسات صناعيّة يعمل فيها أقل من 5 أشخاص 1.650
مؤسّسات صناعيّة بدأت العمل خلال العام 1986 750
المجمـوع 11.000
هنا تجدر الإشارة إلى أنّ الدراسات التحليليّة قد جرت على أساس عدد المصانع التي استجابت لتعبئة الاستمارة الخاصّة بالمسح الصناعيّ وعدد هذه المصانع هو 5081 مصنعاً يزيد عدد العاملين في كل منها عن الخمسة أشخاص.
2 ـ توزّع المؤسّسات الصناعيّة حسب المحافظات (الإحصاء الصناعيّ 1986)
تبيّن من هـذا الجدول بأنّـه من أصـل 6112 مؤسّسة صناعيّـة في لبنان يعمل فيها أكثر من خمسة أشخاص، يوجد في محافظة الجنوب 639 معملاً، أي بنسبة 10.5% ومن أصل 1652 مؤسّسة صناعيّة يعمل فيها أقـلّ من خمسـة أشخاص، يوجد في حافظـة الجنوب 38 مصنعاً أي بنسبة 2.3%.
جـدول رقـم (1)
المؤسّسات العاملة وحجمها
المحافظة خمسة أشخاص وأكثر أقل من 5 أشخاص المجمـوع
عـدد % عـدد % عـدد %
بـيـــروت 699 11.4 260 15.7 959 12.4
ضواحي بيروت 2411 39.5 962 58.3 3373 43.4
باقي محافظة جبل لبنان 326 5.3 83 5.0 409 5.3
لبنان الشمالـي 1724 28.2 63 3.8 1787 23.0
لبنان الجنوبـي 639 10.5 38 2.3 677 8.7
الـبـقـــاع 312 5.1 246 14.9 559 7.2
المجموع العـام 6112 100 1652 100 7764 100
3 ـ أصنـاف الإنتـاج:
إنّ السلع المنتجة في المصانع اللبنانيّة هي بغالبيّتها العظمى سلع تحويليّة على نحو ما جاء في تعريف الصناعة الذي أوردناه سابقاً. أمّا الصناعات الاستخراجيّة، فهي قليلة باعتبار عدم وجود المواد الأوّليّة في لبنان، سواءٌ البترول أو المعادن بمختلف أنواعها. وتقتصر الصناعة الاستخراجيّة لدينا على ثلاثة أنواع من السلع هي: الإسمنت والزجاج والأدوات الصحيّة. وهي صناعات هامّة لأنَّ القيمة المضافة فيها هي الأعلى بالنسبة لجميع الصناعات الأخرى.
وتجدر الإشارة إلى أنّ وجود المواد الأوّليّة أصبح الآن وفي عصر الثورة الصناعيّة الثالثة، أي عصر الذرّة والإلكترون، ليس بالأهميّة الكبيرة، إلاّ إذا رافقته التكنولوجيا المتطوّرة في نفس البلد. وهذا ينطبق على الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتيّ. أمّا اليابان مثلاً فليس فيها معادن ولا مواد أوّليّة، بل تكثر فيها الزلازل والبراكين، ومع ذلك فهي تُعتبر الدولة الصناعيّة الأولى في العالم وتتساوى تقريباً مع الولايات المتحدة الأميركيّة من حيث الإنتاج الصناعيّ التكنولوجيّ المتطوّر. فهي تستورد النفط من محيطنا العربيّ وتصدره إلينا أقمشة وألبسة ومواد كيمائيّة. وتستورد الحديد والنحاس والمعادن الأخرى وتصدرها آلات ومعدات وسيارات وساعات. فالعصر إذن هو عصر الإنسان المتطوّر علمياً الذي اخترع الإنسان الآليّ، وأصبح يُقاس تقدم الدول بعدد الإنسان الآلي أو (ROBOT) الذي يعمل في مصانعها.
نعود بعد هذا الاستطراد إلى تعداد أصناف السلع المنتجة في لبنان والتي تنضوي تحت البنود التسعة والعشرين التالية:
1 ـ الأجبان والألبـان.
2 ـ معلّبـات غذائيّة.
3 ـ مواد غذائيّة أخرى.
4 ـ المياه المعدنيّـة.
5 ـ المشروبــات.
6 ـ المنسـوجـات.
7 ـ أصناف الألبسة.
8 ـ السجــــاد.
9 ـ الجلود المدبوغة.
10 ـ الأحـذيــة.
11 ـ الأخشــاب.
12 ـ المفروشات الخشبيّة والمعدنيّة.
13 ـ الدهـانـات.
14 ـ المنظّفات السائلة.
15 ـ الصناعات الكيماويّة الأخرى. 16 ـ المستحضرات الطبيّــة.
17 ـ ورق وأشغال من ورق.
18 ـ كرتون ومصنوعات من كرتون.
19 ـ بلاط وأدوات صحيّـة.
20 ـ زجاج وأواني زجاجيّة.
21 ـ الإسمنت الأبيض والأسود.
22 ـ المصنوعـات المعدنيّة.
23 ـ مصنوعات من ألمنيوم.
24 ـ الخـرضـوات.
25 ـ الأجهزة الكهربائيّـة.
26 ـ الماكينات الصناعيّة والجبّالات.
27 ـ المصنـوعـات البلاستيكيّـة.
28 ـ المصوغــات الذهبيّـــة.
29 ـ صناعات مختلفـة أخـرى.
4 ـ توزّع المؤسّسات الصناعيّة اللبنانيّة والعاملين في الصناعة حسب نوع النشاط الصناعيّ، ومتوسط عدد العاملين في المؤسّسة الصناعيّة الواحدة (إحصاء عام 1986): يَقسم التصنيفُ الدوليّ النشاطات الصناعيّة المختلفة إلى تسعة نشاطات، نذكر فيما يلي حصة كلّ نشاط من حيث عدد العمّال:
جــدول رقم (2)
نـوع النّشـاط المؤسّسات العامليـن متوسط عدد العاملين في المؤسّسة
عـدد % عـدد %
1 – المواد الغذائيّة والمشروبات 1260 24.9 14,851 23.9 11.8
2 – صناعة النسيج والملبوسات والجلد 869 17.1 13,657 21.9 15.7
3 – صناعة الخشب والمفروشات 941 18.2 8,497 13.7 9.3
4 – صناعة الورق ومنتوجاته 226 4.5 4,083 6,6 18
5 – صناعة الكيماويّات 232 4.6 3,758 6.0 16.3
6 – صناعة المواد المنجميّة غير المعدنيّة 633 12.5 7,753 12.4 12.2
7 – صناعة المعادن 158 3.1 1,477 2.3 9.3
8 – صناعة السلع المعدنيّة والمعدات والآلات 661 13.0 8,228 11.6 10.9
9 – صناعات تحويلية أخرى 106 2.1 990 1.6 9.3
المجموع 5,066 100 62,294 100 12.3
يُلاحظ من هذا الجدول بأَنّ ثلاثة نشاطات صناعية تحتل نسبة تزيد عن 60% من مجموع الصناعات اللبنانية من حيث عدد المؤسّسات وعدد العاملين. هذه الصناعات هي: المواد الغذائية، والنسيج والملبوسات وصناعة الخشب والمفروشات حيث يُشكل مجموعها 60.2% من مجموع عدد المصانع في لبنان و59.5% من حيث عدد العمال. إنّ هذه الصناعات تُعتبر صناعات أوليّة، تَنشأ عادة في أوائل تكوين الدول أو المجموعات البشرية، كما تُعتبر من الصناعات ذات الكثافة العماليّة والأقل تطوّراً من حيث الآلات والمعدات.
5 – مؤشرات أخرى عن الصناعة اللبنانية: يجمع الجدول رقم (3) المؤشرات التالية:
قيمة الإنتاج، مجمل المبيعات، قيمة الصادرات، الأصول الثابتة والرساميل الموظّفة في القطاع الصناعيّ اللبنانيّ (الإحصاء الصناعيّ لعام 1986):
جــدول رقم (3)
عدد العاملين في القطاع الصناعيّ 85.000 مستخدم دولار أميركي
(دولار= 16.42 ل.ل.)
قيمة الإنتاج 23 مليار ل.ل. 1400 مليون
مجمل المبيعات 24 مليار 1492 مليون
قيمة الصادرات الصناعية 3.2 مليار 207 مليون
الأصول الثابتة 19 مليار 1163 مليون
الرساميل الموظفة 24.3 مليار 1430 مليون
نكتفي بهذا القدر من الحديث عن الصناعة اللبنانية وقد أوردناه كي نتمكن من توضيح وضع الصناعة في صيدا وقضائها الذي هو عنوان دراستنا هذه. وقد وضعنا في نهاية الدراسة جداول تفصيلية إضافيّة عن الصناعة اللبنانيّة.
* * *
ما هو وضع القطاع الصّناعيّ في صيدا وقضائها في الوقت الحاضر؟
إنّ الدراسات والإحصاءات الرسميّة عن القطاع الصناعيّ هي، كما تعلمون، قليلة، والمتيسّرُ منها يَقْتصر على العمومياتِ ويتناول الصّناعة في كلّ محافظة أو في كلّ حقلٍ من حقولها وعلى مستوى البلد ككلّ. لذلك نرجو أنْ تكون هذه الدراسة بداية تَتْبعها دراسات وتحاليل عن وضع صيدا الصّناعيّ وكيفية تطويره.
وحديثنا عن صيدا والصّناعة سيشمل جغرافياً: مدينة صيدا وقضاء صيدا، حسب التقسيم الإداريّ. هذه المساحة محدّدة على خريطة لبنان الصناعيّة بالأرقام 28 و29 و30. وأوّل ما نلاحظه هو الألوان الموضوعة على مناطق صيدا الصناعيّة ويغلب عليها ثلاثة ألوانٍ هي: الأزرق والأحمر والبنّي. وهذه الألوان ترمز بالتتالي إلى الصّناعات الغذائيّة ثمّ صناعة الموبيليا وأخيراً الصّناعات المنجميّة غير المعدنيّة كالبلاط والأواني الفخاريّة والزجاجيّة.
لنرَ الآن ما هو وضع صيدا الصّناعيّ وما يمثّله هذا القطاع فيها بالمقارنة مع مجمل الصّناعة اللبنانيّة. يوجد في لبنان وفقاً للإحصاء الصناعيّ الرسميّ للعام 1986، 5081 مصنعاً أجابت على التعداد الصّناعيّ ويعمل فيها أكثر من خمسة أشخاص. ومن أصل 5081 يوجد في محافظة الجنوب 563 مصنعاً، أي ما نسبته 11% ومن أصل 563 مصنعاً الموجودة في محافظة الجنوب، يوجد في صيدا وقضائها 218 مصنعاً أي نسبة 4% من مجموع المصانع اللبنانيّة و38.7% من مجموع مصانع محافظة الجنوب. وإذا توسّعنا في المقارنة لإظهار واقع التّوزيع الصناعيّ وأجرينا مقارنات بين عدّة أقضية لبنانيّة لحصلنا على الجدول التالي:
جــدول رقم (4)
النسبة المئويّة لتوزيع المؤسّسات الصناعيّة في بعض الأقضية
قضـاء صيـدا النسبة المئويّة لمجموع المصانع في لبنان النسبة المئويّة للمصانع في المحافظة
قضاء صيدا 4 % 38.7%
قضاء زحلة 2,2 % 37.7%
قضاء المتن 19.9% 48,6%
قضاء بعبدا 13 % 31.8%
قضاء بعلبك 2.1 % 31.8%
قضاء طرابلس 15.9% 51.7%
أمّا أصناف المصانع في صيدا وقضائها فهي: 52 مصنعاً للمواد الغذائيّة، 16 مصنعاً للنسيج والألبسة الجاهزة والجلود، 30 مصنعاً لأشغال الخشب والموبيليا، ومصنعاً واحداً لإنتاج الورق والكرتون، 12 مصنعاً للبلاستيك والصّابون والمواد الكيمائيّة، 44 معملاً لأحجار الباطون والبلاط والفخّار، 49 مصنعاً لأشغال الحديد والحفّارات والمعدّات الآليّة، 13 مصنعاً لصناعات متفرّقة.
نسبة المبيعات المحليّة والتصدير في صناعة صيدا وقضائها:
إنّ متوسّط المبيع المحليّ السنويّ للمؤسّسة الصناعيّة الواحدة في قضاء صيدا هو 10.540.000ل.ل. أو ما يعادل 642.683 دولار أميركي. وتساهم صناعة صيدا بنسبة 14% من مجموع مبيعات الصناعة اللبنانيّة في السوق الداخليّ. أمّا مساهمتها في التصدير فتبلغ 4% وتبلغ مساهمة صيدا 12.7% من المبيعات العامّة للصناعة في لبنان (أي الداخليّة والتصديّر).
الشكل القانونيّ للمؤسّسات الصناعيّة:
إنّ الشكل القانونيّ للمؤسّسة الصناعيّة، يُعطي دلالاتٍ هامّة على نوعيّة العمل المشترك للجماعات البشريّة، كما يدلّ على تطوّر هذه الجماعات. إنّ القانون اللبنانيّ نصّ على أنواع عدّة من المؤسّسات والشركات أهمّها: المؤسّسات الفرديّة، شركات التضامن، شركات التوصية، شركات ذات المسؤوليّة المحدودة والشركات المساهمة.
إنّ الشركات المساهمة تمثّل بالطبع أرقى أنواع المشاركة وتسمح لمختلف طبقات الشعب في تملك أسهمٍ في المصانع وتخلق جوّاً من العمل الجماعيّ. أمّا المؤسّسات الفرديّة، فهي عكس الشركات المساهمة، حيث يظهر منها صعوبة العمل بين المجموعات واستطراداً عدم الثقة المتبادلة بين الأفراد.
إنّ المؤسّسات الصناعيّة في قضاء صيدا لا تختلف من حيث الشكل القانونيّ للشركة عن باقي المؤسّسات اللبنانيّة الأخرى، وقد تبيّن بنتيجة المسح الصناعيّ بأنّ نسبة 56.1% من المؤسّسات اللبنانيّة هي مؤسّسات فردية يملكها ويديرها شخص واحد أو أب مع أولاده. وإذا جاء أَجَلُ الأب، فأول ما يفكّر به الأولاد هو تقسيم المؤسّسة فيما بينهم أو خروجهم واحداً بعد الآخر من مؤسّسة الأب لإنشاء مؤسّسات فرديّة أخرى.
إنّ نسبة الـ 56.1% التي ذكرنا تعود إلى مؤسّسات فرديّة مسجّلة في المحكمة التجاريّة أو السجل التجاريّ. وهنالك نسبة 22.6% من مجموع المؤسّسات هي فرديّة أيضاً، إلاّ أنّها غير مسجّلة حتى في المحكمة التجاريّة. فإذا جمعنا الرقميْن نحصل على نتيجة قد لا نجدها في أيّ بلدٍ آخر، هذه النتيجة هي أنّ 78.6% من مصانعنا هي مؤسّسات فرديّة. أمّا شركات التضامن فتبلغ نسبتها 12% وشركات التوصية 2.8% والشركات محدودة المسؤوليّة 4.2%، أمّا الشركات المساهمة فلا تتعدّى نسبتها 2.3%.
إنّ هذه الإحصاءات الرسميّة تعطينا فكرة عن فرديّة المواطن اللبنانيّ واعتداده بنفسه ومَيْله إلى الاعتقاد بأنّه هو الوحيد الذي يمكنه تحقيق النجاح والأرباح من دون مشاركة أحد. والملفت أنّنا عندما نتحدّث عن المبادرة الفرديّة ونشاط المواطن اللبنانيّ، ننسب النجاح دائماً إلى طموح الفرد وشطارته وننسى النواحي السلبيّة العديدة لهذا الطموح الفرديّ الذي يخلق التفكّك في بِنية المجتمع ويجعل الفرد يبني نجاحه على أكتاف الآخرين. وكي نكون منصفين للفرد اللبنانيّ، يجب أن نعترف بأنّ المبادرة الفرديّة والطموح الفرديّ ضروريّ للنجاح، إلاّ أنّه من الضروريّ أيضاً وضع قوانين تسوس هذا الطموح وتجعله يتّجه لمصلحة البلد ككلّ. ولعلّ أهمّ مِنْ وَضْعِ القوانين هو تنفيذها بحزم ومساواة.
توزّع العاملين في الصناعة حسب فئة العمل:
يَتَوزّع العاملون في قطاع الصناعة في صيدا وقضائها وفقاً لفئة عملهم إلى مجموعات، والنِّسب هي التالية: (مع الإشارة إلى أنّ هذا التوزيع ينطبق فقط على 50 مصنعاً من أصل 218 مصنعاً الموجودة في صيدا وقضائها).
جــدول رقم (5)
فئـة العمـل نسبة العاملين بالمقارنة للمجموع العام
الكوادر العليـا
(مدير عام، مدير معاون، مدراء أقسام، إلخ…) 9.2%
الكوادر الوسطى
(مهندسـون، أطبـاء……) 2.3%
الإداريّـون
(اقتصاديّ، محاسـب، إحصائـيّ…) 4.7%
العاملون في التسويـق
(اختصاصي تسويـق…) 2.7%
العاملون في الخدمـات
(النقـل، التنظيف، الحراسة…) 3.4%
الفنيّــون
(ميكانيكيّ، كهربائـيّ، رسَّـام…) 7.5%
عمّـال إنتـاج 70%
المجمـــوع 100%
متوسط الأجور في مختلف أنواع الصّناعات:
إنّ موضوع الأجور في القطاع الصناعيّ مهم جداً، بما له من دلالات تتعدّى هذا القطاع ليصبح من المؤشّرات الرئيسيّة التي بواسطتها تصنّف المجموعات أو البلدان إلى بلدان متقدِّمة أو متأخّرة، متطوّرة أو بطيئة النموّ. صحيح أنّ الأجور في القطاع الصناعيّ تُعتبر، من حيث تكوين الدخل الوطنيّ للبلد، كالأجور من القطاع الزراعيّ أو القطاع التجاريّ، إلاّ أنّ القطاع الصناعيّ يختلف بصورة جذريّة عن القطاعيْن الآخريْن بالأمور التالية:
1 ـ القطاع الصناعيّ أكثر تطوّراً وأسرع نموّاً بصورة عامّة من القطاعيْن الزراعيّ والتجاريّ. والسبب في ذلك أنّ الصناعة تعتمد في إنتاجها على الآلة. والآلة منذ اختراعها في القرن السادس عشر وهي في تطوّر مستمر: من الآلة اليدويّة إلى الآلة الميكانيكيّة، إلى الآلة الكهربائيّة، إلى الآلة الإلكترونيّة، وأخيراً إلى الآلة التي تسير وتتوقّف تلقائيّاً بواسطة الكمبيوتر، بينما القطاع الزراعيّ مع أهمّيته القصوى وتطوّره الكبير عَبْر العصور والسنين، إلاّ أنّه لا يزال يتأثّر مُباشَرة بالأحوال الطبيعيّة من بردٍ وثلجٍ ورياح. والمكننة الزراعيّة مع تطوّرها وتقدّمها من حيث فلاحة الأرض وبذر البذور والريّ وجني المحاصيل، إلاّ أنّ هذا التطوّر لا يقارن مع تطوّر الآلات الصناعيّة. وأرجو أنْ لا يعارضني كثيراً في هذا، إخواني الخبراء الزراعيّين الموجودين بيننا.
نعود إلى موضوع الأجور في القطاع الصناعيّ وانعكاسها على تطوّر الدخل الوطنيّ في البلد فنقول: إنّ الأجر الذي يتقاضاه عامل ما يعمل على آلة يدويّة أو ميكانيكيّـة، هو أقلّ بكثير من الأجر الذي يتقاضاه العامل الذي يعمل على آلة إلكترونيّة أو على كمبيوتر يشغّل عدة آلات. من هذا المنطلق، كلّما كان دخل الفرد في القطاع الصناعيّ مرتفعاً، دلّ ذلك على تطوّر وسائل الإنتاج في ذلك البلد، واستطراداً زيادة الدخل الوطنيّ فيه وتصنيفه مع الدول المتقدّمة والغنيّة.
فالدول العشرة التي تجتمع دوريّاً للتشاور والتنسيق أو لتقاسم أسواق التصدير فيما بينها (وعلى رأس هذه الدول الولايات المتحدة الأميركيّة واليابان وألمانيا الغربيّة)، هذه الدول تسمّى "الدول الصناعيّة العشرة". وهي بالطبع أغنى دول العالم من حيث الدخل الوطنيّ العام. وغناها هو نتيجة للصناعة وليس للزراعة. فالحكومة الفدراليّة في الولايات المتحدة تدفع للمزارع مساعدات ماليّة سنويّة كي لا يزرع كامل أرضه، مخافة أن تنخفض الأسعار ويهبط دخل المزارعين كثيراً عن مستوى دخل الطبقات الأخرى من الشعب، ممّا يخلق مشكلة اجتماعيّة للحكومة الفدراليّة ويتسبّب في هجرة سكان المناطق الزراعيّة.
2 ـ أمر آخر يتعلّق بالصناعة وبالدخل الذي تؤمّنه الصناعة للعاملين فيها، أنّ المجتمعات الصناعيّة حتى ضمن البلد الواحد، تكون بصورة إجماليّة أكثر تطوّراً وعلى مستوى أعلى من العلم والثّقافة، وهذا أمر طبيعيّ لأنّ العمل في الصناعة يتطلّب معرفة ومهارة في التحكّم بالآلة من ناحية، كما يتطلّب من ناحية أخرى أنْ يكون العاملون في فروع الإنتاج والتخطيط والتسويق على درجة علميّة عاليـة واطّلاع على الأساليـب الحديثة المتّبعة عالميّاً بهذه الحقول، وهذا يرفع من مستواهم العلميّ والثقافيّ وبالتالي الاجتماعيّ.
ويبقى نقطة أخرى تتعلّق بموضوع الأجور وهي أنّه كما يوجد فروقات في الدخل بين القطاع الصناعيّ وغيره من القطاعات الإنتاجيّة الأخرى، يوجد أيضاً فروقات في الدخل بين فرع صناعيّ وفرع صناعيّ آخر. فمثلاً يُعتبر حاليّاً دخل العاملين في فرع تكرير النَّفط وتصنيع المشتقّات النفطيّة من أعلى المداخل في مجمل القطاع الصناعيّ، إلاّ أنّ هذا الوضع ليس ثابتاً، فقد يتغيّر ويصبح فرع صناعات الإلكترون والكمبيوتر أجدى وأكبر.
أمّا الدخل من القطاع الصناعيّ في صيدا وقضائها، فهو في تطوّر مستمر نحو الأفضل، خصوصاً في السنوات القليلة الماضية، حيث أُنشئت عدّة مصانع كبيرة تتّبع النّظم والأساليب الحديثة في الصناعة، إلى جانب المصانع الأقدم التي تأثّرت بالمناخ الصناعيّ الجديد في المدينة.
إنّ الجدول رقم (6) المذكور أدناه، يُبيّن متوسط الدخل الفرديّ السنويّ للعاملين في الصناعة اللبنانيّة وفقاً لفئة عملهم ووفقاً لمختلف فروع الصناعة، وذلك خلال العام 1985، وقد حوّلنا هذا الدخل إلى الدولار الأميركيّ كي تسهل المقارنة نظراً للانخفاض الكبير الذي طرأ على نقدنا الوطنيّ بين العام 1985 والعام الحالي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (*) ـ ترتيب الأسماء بحسب لائحة الجلوس على طاولة المناقشة..