المناقشة العامـة مع الدكتور نزيه البزري
المناقشة العامـة
أحد الحضور، وهو الدكتور أحمد سرحال، أستاذ القانون والعلاقات الدولية في كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية، طرح سؤالاً على الدكتور نزيه البزري، فقال:
د. أحمد سرحال … سؤال موجَّه إلى الدكتور نزيه البزري بصفته نائباً ومن النواب الذين حضروا مؤتمر الطائف: والسؤال الأول يتعلق بتفصيل الإصلاحات الدستورية، والسؤال الثاني يتعلق بطبيعة الوثيقة، وكيف أنتم كنواب تفهمون هذه الوثيقة؟…
السؤال الأول يتعلق بمجلس الشيوخ، وذلك حينما قلت بأنه كان لك موقف في هذه المسألة، وأنك كنت تطالب بإلغاء الطائفية نهائياً… طبعاً، نحن نعرفك من خلال الأحاديث التي جرت في الطائف ومن خلال الأخبار التي وردت إلينا، أنك أنت ونائبنا الأستاذ زاهر الخطيب والشيخ توفيق عساف، من النواب الذين كانوا يشدِّدون على قضية إلغاء الطائفية السياسية بشكل تام ونهائي. وبعد ذلك، وجدنا أنك، وكما تحدثت الآن في كلمتك، برَّرت قضية إنشاء مجلس للشيوخ.. وهنا كلمة مهمة لمعالي الوزير الأستاذ وليد جنبلاط في نهاية المرحلة الثانية من مؤتمر الحوار الوطني الذي انعقد في "لوزان"، قال: إذا كان أحد يفكر بأن وليد جنبلاط جاء إلى هنا ليطالب بمركز للدروز على أساس أن هذا المجلس (للشيوخ) الذي سوف ينشأ، هو الغرفة الثانية في إطار البرلمان اللبناني، فستكون برئاسة درزي.. فيجب أن يعرف الجميع أنني أنا لم أحضر إلى هنا حتى أطالب بمنصب مذهبي وطائفي. وفي نفس الوقت، وجدنا أنه كان هناك تشديد من قِبَل الشيخ توفيق عساف على هذا المطلب ضمن هذه المطالب المحاصصة التي حصلت في الطائف.
وأنت دكتور نزيه أيدت هذا المطلب، علماً أنك كنت في الأساس تطالب بإلغاء الطائفية السياسية بصورة نهائية… ففي الحقيقة، من المستغرب أنه في الوقت الذي نُلغي فيه الطائفية السياسية، خاصة في مجلس النواب، فإننا ندعو ونطالب إنشاء هيئة ثانية لها طابع طائفي: من مجلس نواب طائفي إلى مجلس شيوخ طائفي.. ونحن نريد أن نُلغي الطائفية السياسية. فإذن هناك تناقض في هذه المواقف..
السؤال الآخر بالنسبة إليك: قرأت وثيقة الطائف. وأنا أستاذ بالقانون الدستوري والقانون الدولي، وقرأت وثيقة الطائف بشكل مفصَّل وجدت في النهاية أن موقف العماد عون في ما يتعلق بالتقييم الشكلي للوثيقة الدستورية، إذا قصرنا فقط قراءتنا على الوثيقة الدستورية، دون أن نضعها في الإطار الذي حصلت فيه هذه الوثيقة الدستورية، هناك شيء من الصحة القانونية.. الوثيقة الدستورية هي، كما تعلم حضرتك، صحيح أنها أتت نتيجة وساطات عربية ونتيجة تأييد وضغط دولي، إلاّ أنها في النهاية وثيقة سياسية من طبيعة داخلية…. يعني عمل أقرَّه مجلس النواب اللبناني، يعني تشريع قانون، وهذا بشكل أو بآخر ـ إذا أردنا أن نصنفه نحن كقانونيين دوليين ـ نعتبر أنه يمكن أن يكون تصرُّفاً انفرادياً له مفاعيل على الصعيد الدولي، ولكن مفاعيله يمكن أن تمسَّ دولة أخرى. ولكن الدولة الثانية، ممكن إذا لم تقبل أو إذا ما كان قد توافر رضاها على هذه الالتزامات التي تضمَّنتها هذه الوثيقة وتضمَّنها هذا القانون، معنى ذلك أنها بحلٍّ من هذه الالتزامات..
وجاءت الوثيقة تقول إن سوريا تنسحب من لبنان في مدة سنتين.. إذن، كما يقولون، هذا موقف لبناني. لا يربط سوريا على الصعيد الدولي. وهذا ما يقوله أيضاً ميشال عون.. ونحن كقانونيين، إذا أردنا أن نقف عند نصِّ الوثيقة، نستطيع أن نقول إن هذا الرجل يتكلم كلاماً صحيحاً. هذه وثيقةٌ تصرُّفٌ من طبيعة انفرادية لبنانية، وهي لا تُلزم سوريا..
إذن، سوريا، في الوقت الذي تريد، فهي تستطيع أن تقول: أنا آخذ ما يهمني والذي لا يهمني، إذا أرادت، لا تأخذ به، إذا كانت مصلحتها لا تفرض عليها ذلك.. فإذن، ما هو الذي يُلزم سوريا دولياً برأيك: هل هناك أو هل التعاون الذي صار، أو هذه الممارسات التي حصلت في إطار إقرار وثيقة الطائف، من طبيعتها، برأيك، أنها تنشيء التزاماً على عاتق سوريا، يُلزم سوريا بالانسحاب خلال سنتين؟
جواب الدكتور نزيه البزري
جوابي عن السؤال الأول: فأنا أريد أن أوضّح قضية ما زالت ملتبسة وهي أننا نحن نُلغي الطائفية السياسية ـ ولكننا ـ نؤمن بحرية المعتقد والدين وحرية الرأي ووجود الطوائف على أساس ما هو موجود في لبنان. ذلك أننا نحن لسنا الآن في صدد علمنة كاملة.. لو كنا في صدد علمنة تامة، ليس هناك من لزوم لوجود مجلس شيوخ، له صفة طائفية مذهبية. ولكن نحن في صدد إلغاء الطائفية: وإلغاء الطائفية السياسية الآن لا غير….
أما الجزء الثاني من السؤال وهو إلزامية سوريا، فإننا نعرف تماماً أن على مجلس الأمن يقع إلزام معنـوي وإلزام مادي. مَن الذي يستطيـع أن يُلزم أميركا أن تنفّذ لي قرار رقم 425؟.. لا أحد، لهذا السبب أنا قلت إن علاقاتنا الصحيحة والصديقة وممارستنا الصحيحة مع سوريا تلزم سوريا بهذا الاتفاق.
وأزيد على ذلك ما قالته اللَّجنة العربية بأنها ستستمر بالدعم وإلزام كل الأطراف على تطبيق بنود وثيقة الطائف: يقول بيان اللَّجنة العربية: "إن المسؤولية العربية العامة عن الوضع في لبنان والتزام الدول العربية جميعاً ـ سوريا دولة عربية ـ بتحقيق الأهداف التي أقرّها مؤتمر الدار البيضاء، هو التزام قائم ومستمر ومن صميم الواجب القومي الأصيل ومن مواثيق الجامعة العربية.."… أكثر من ذلك لا أستطيع أن أطلبه.
د. محمد ترحيني … في القسم الأخير الذي قدمه الدكتور ديب والذي يقول فيه إن اتفاق 17 أيار هو تخل عن السيادة، فنحن نعلم طبعاً أن هذا الاتفاق أقر في المجلس النيابي النواب المسيحيون والمحمديون مجتمعون. والذي ألغاه فيما أعتقد هو رئيس الجمهورية السابق أمين الجميل.. هذا الاستنتاج يتعارض إلى حد ما، بشكل أو بآخر، من الناحية الجوهرية، مع السياق التاريخي الذي استعرض فيه الدكتور بزري وقال فيه إن المحمديين كانوا يحاولون ويريدون أن يحفظوا لبنان والمسيحيين لا يريدون أن يحافظوا على لبنان، بشكل أو بآخر.. أنا أشعر هنا أن النواب أنفسهم تخلوا عن سيادة لبنان في اتفاق 17 أيار.. هم أنفسهم اليوم الذين حفظوا السيادة كما اتضح من خلال توضيح الدكتور ديب في اتفاق الطائف.. أتمنى على الدكتور ديب أن يتناول هذه القفزة النوعية أو التغير النوعي عند النواب، شو عدا ما بدا حتى تغيَّر الأمر…
د. نزيه البزري … ما دخل الدكتور ديب في الموضوع
د. جورج ديب … في الحقيقة، الجواب الوحيد والذي هو عقلاني، فيما أعتقد، هو التالي: لأن الحكم كان يريد أن يوافق النواب على اتفاق 17 أيار، والحكم لديه قوة رهيبة وصلاحيات في الدستور لعام 1926 كانت رهيبة.. عشتها مع الشهيد المرحوم الرئيس رشيد كرامي.. رئيس الوزراء، لا يوجد اسمه، ربما مرة واحدة عابرة في الدستور اللبناني.. دائماً يقولون ويدللون على أنه هو الذي يوقِّع.. ولكن إذا لم يرد أن يوقِّع ماذا يعمل؟ فيحرد؟ ماذا يعني ذلك؟ يعني أنه يقاطع؟ وهذا ما كان يعمل الأفندي؟ ليس لديه صلاحية خاصة به.. فكان يعبّر عن عدم الرضا بالابتعاد، يجلس في بيته، لا أريد أن أوقِّع… مرَّتان قام بذلك، مرة في حين اتفاق القاهرة.. وفي وقت الاتفاق الثلاثي… لأنه لا يملك أي صلاحية حتى يعارض.. الصلاحيات هي الصلاحيات الموجودة في يدي الحكم.. وتحديداً بيد رئيس الجمهورية.. إلاّ أنه عنده حرية التوقيع أو عدم التوقيع.. فإذا حرد يبتعد.. فأنا أعتقد أنه بسبب هذه القوة الطاغية التنفيذية الموجودة في رأس الحكم، كان النواب ساعة يميلون يميناً وساعة يميلون شمالاً (حسب توجيهات الحكم…).
د. نزيه البزري … لا! لا! أنا أعتقد أن الدكتور ديب قال أشياء فيها شيء من الصحة: أن النواب يسيـرون هكذا وهكذا… في الحقيقـة، إن الجـو الذي حصل فيه اتفـاق 17 أيار، كان جوّ احتلال تـام، والدليـل على ذلك أنه عندما انحسر الاحتـلال، المجلس النيابي ذاته قام بإلغاء لاتفاق 17 أيار.. يعني المجلس ألغى الاتفاق قبل أن يحصل اتفاق الإلغاء… (ألغي اتفاق 17 أيار 1983 في 5 أيار 1984).
المهندس صلاح بسيوني… في الحقيقة معالي الوزير د. نزيه البزري، أوضح بالتفصيل اتفاق الطائف.. ولكن الذي نراه أن اتفاق الطائف لم يدرس النقيض له الذي يقول إن "العامل الفلسطيني" كيف يمكن تصور الحل له.. نريد أن نقيم اتفاق وفاق.. فليكن! قلنا من المفروض أن نحل الميليشيات في لبنان. "كمان ماشي" إذا حُلّت الميليشيات اللبنانية، كيف يمكن أن نحل الوضع الفلسطيني؟ لا يمكن أن يرضى الانعزاليون أو بالأحرى القوات اللبنانية أن تسلم أسلحتها، وهناك قوى مسلحة فلسطينية. فالظاهر أنه حصل تأجيل لعملية الانسحابات من ضمنها كذلك الواقع الفلسطيني.. فاتفاق الطائف وضع النقيض له أي كيف يمكن أن يطبق؟ السؤال: هل الاتفاق خرج من موضوع الانسحابات أو أجل موضوع الانسحابات نتيجة هذه الأزمة، أم كيف الحل؟!…
د. نزيه البزري … الواقع، أن ليس هناك من تأجيل. الواقع هناك شيء آخر: الوجود الفلسطيني لا علاقة له بالوجود السوري في لبنان، إلاَّ من ناحية واحدة كانت في السابق: سوريا كانت تقول: أنا أريد أن أحافظ على "الدم الفلسطيني"، وذلك عندما كانوا يختلفون مع القوى الانعزالية.. العلاقة الأساسية للوجود الفلسطيني في لبنان هي ضد إسرائيل. والقضية اللبنانية الإسرائيلية وُضعت على بساط البحث، وقالت سوريا: إن تأليف الدولة القادرة، هي الكفيلة بأنها تجعل إمكانية تنفيذ القرار 425 ممكناً. إذا صار تطبيق اتفاق القاهرة ، يعاد عربياً إلى صياغة العلاقة الفلسطينية اللبنانية بالشكل الذي يتلاءم مع استقلال لبنان تماماً. وهذا الشيء مقبول من الفلسطينيين ومقبول من اللبنانيين. فنحن لا نبحث الآن هذا الموضوع، ما دام الوجود الفلسطيني متعلقاً بالوجود الإسرائيلي على أرض لبنان. كذلك المقاومة لا تزال موجودة.. لا يمكن أن ننزع السلاح من المقاومة، لأننا لا نعتبرها ميليشيا.. نحن نريد أن نسحب السلاح من الميليشيات التي هي متواجدة وتقيم دوليات لها. أما المقاومة، فهي وجدت لتحارب الاحتلال الإسرائيلي وبالتالي ضد اتجاه انعزالي أو غير وطني موجود في لبنان.. أما الفلسطينيون، فلهم هدف غير هذا الهدف: هو هدف مواجهة اعتداءات إسرائيل. العلاقة اللبنانية ـ الإسرائيلية حدَّدها قرار 425، والمطالبة به وكيفية تحقيقه ومتى نحقّقه، تكون العلاقة الإسرائيلية اللبنانية مبنية على أساس عربي صحيح وغير مضطرة تماماً هذه العلاقة إلى أن تكون كما كانت في السابق، ولا كما هي الآن. وهم، الفلسطينيون يقرّون بذلك…