أزمتنا الثقافيّة من صلب نظامنا السياسيّ
مقابلة / رئيس المركز الثقافيّ للبحوث والتوثيق في صيدا الدكتور مصطفى دندشلي :
أزمتنا الثقافيّة من صلب نظامنا السياسيّ
مستقلون ولا نتلقى الدعم من أيّ جهة
نشاطات المركز ثقافيّة متنوّعة
لدينا مشاريع وننتظر توفر الإمكانات الماديّة لتنفيذها .( )
المركز الثقافيّ للبحوث والتوثيق في صيدا ، أحد المؤسّسات الثقافيّة الطالعة من رحم الحرب ، يرنو إلى دور ثقافيّ فاعل ، له همومه الوطنيّة والجنوبيّة خصوصاً ، يسجل على الدولة غياب أيّ فاعليّة ثقافيّة لها ... لوقف التقهقر الثقافيّ الحاصل منذ ما قبل الحرب ولا يزال .
عن دور المركز ، نشأته ، ومشاريعه ونشاطاته التقينا رئيسه الدكتور مصطفى دندشلي :
* هل لكم أن تطلعنا على انطلاقة المركز الثقافيّ للبحوث والتوثيق والغاية من تأسيسه والدور الذي رسمه لنفسه ؟...
ـ إنّ وراء فكرة تأسيس المركز خلفيّة فكريّة ونظرة ثقافيّة للمجتمع وللتغيير الاجتماعيّ وللمستقبل الذي نطمح إليه . ولقد تطلعنا من فكرة أساسيّة هي أنّ عمليّة التغيير الاجتماعيّ تتطلب معرفة واسعة وعميقة علمياً وموضوعياً لما نريد تغييره .
فنحن لا نستطيع أن نغيّر مجتمعنا ونرسم صورة للمستقبل يكون محورها الإنسان إذا جهلنا المحيط الذي نعيش فيه وانطلقنا عند تأسيس المركز عام 1977 من هدفين أساسيين :
أولاً : قيام مركز ثقافيّ حقيقيّ في منطقة صيدا والجنوب .
وثانياً : جعل المركز منبراً حراً وهذا ما نفتقده في حياتنا الثقافيّة .
* كيف تقوّم عمل المركز في الماضي وما هو اتجاهكم الثقافيّ على صعيد النشاطات ؟...
ـ نحن ننطلق من معالجة قضايا الواقع الذي نعيش فيه ونحن جزء من الجنوب اللبنانيّ ، ومشاكله تحتل قسماً كبيراً من اهتماماتنا ونشاطاتنا على صعد مختلفة وكذلك نحن جزء من لبنان . لذلك فالقضايا اللبنانيّة تحتل موقعاً مهماً في نشاطاتنا خاصة قضيّة الوفاق الوطنيّ . وقد قمنا بعدّة نشاطات في هذا الموضوع .
كذلك عالجنا بعض الكتب المهمّة التي صدرت في لبنان والتي أثارت ضجّة ودعونا بعض الكتّاب والمفكرين لمناقشة هذه الكتب . وهنا أشير إلى أنّنا مركز ثقافيّ مستقل استقلالاً كلياً مادياً عن أيّ تنظيم أو جهة سياسيّة رسميّة أو غير رسميّة . لذلك لدينا صعوبات جمّة أهمّها الناحية الماديّة . ونحن حتى الآن ليس لدينا مقرّ ونقيم ندواتنا هنا أو هناك كما هو معلوم ونعتمد على التبرعات التي نتلقاها في بياناتنا السنويّة .
* لماذا يقتصر المركز على الحاضرين من لون معيّن ولا ينوّع ؟...
ـ بالعكس في الحقيقة نظرة بسيطة على المحاضرين الذين تعاقبوا على منبر المركز الثقافيّ نجدهم من مختلف الأنواع والاتجاهات الفكريّة والسياسيّة والمذهبيّة . قد تريد أن تلمح إلى أنّنا لم ندع القيادات السياسيّة إذا كان هذا ما تقصد نسارع إلى القول أنّه صحيح وله مبرراته .
* دكتور مصطفى بأيّ نوع من التوثيق والبحوث يُعنى المركز ؟...
ـ نحن في المركز الثقافيّ نعطي أهميّة للمعرفة العلميّة والواقعيّة وبما أنّنا نعيش في دوائر ـ إنّ صحّ التعبير ـ أولاً الدائرة الجنوبيّة فلا يجوز أن نغفلها لذلك ينصبّ اهتمام مركزنا التوثيقيّ على الجنوب بمختلف قضاياه وكذلك نحن من لبنان لذلك فالأزْمة اللبنانيّة تحتل قسماً كبيراً في عمليّة التوثيق ونحن لدينا نواة مركز توثيقيّ تخصّصي . ولدينا اهتمام بمختلف التيارات في العالم العربيّ ونحن ننتقي أهم حدث يحصل ونراه مهماً ويثير الحوار والتساؤلات في العالم العربيّ . فنهتم به يضاف إلى ذلك التيارات الفكريّة والثقافيّة على صعيد المنطقة والعالم .
وأشير هنا إلى أنّ مصدرنا الأساسيّ للتوثيق الصحف والمجلات اللبنانيّة لأنّه ليس لنا طاقات ماليّة لنقوم بعمليّة التوثيق من الصحف والمجلات العربيّة والعالميّة كما يجب أن يكون الحال.
تقهقر ثقافيّ
* هل تعطونا تصوراتكم لواقع الثقافة في لبنان حالياً ؟...
ـ لن يكون هذا التصوّر زاهياً أو براقاً بل على العكس أجد أنّ هناك تقهقراً على المستوى الثقافيّ والفكريّ في مجتمعنا اللبنانيّ ، هذه قضيّة مهمّة ويجب أن تُبحث . هل هذا التقهقر يعود كما نقول إلى الحرب الأهليّة في لبنان ؟... قد تكون الحرب هي السبب في ذلك وأثرت في تفاقم تقهقر الثقافة في لبنان . ويمكن أن نتحدّث عن المستوى الجامعيّ والإنتاج وما يصدر سنوياً عن طلابنا وأساتذتنا . كلّ ذلك يشير إلى أنّنا نعيش في أزْمة خانقة على مستوى الثقافة ولكن أنا لستُ من الرأي الذي يعزو كلّ أزمتنا السياسيّة أو الوطنيّة أو الثقافيّة إلى الحرب الأهليّة في لبنان . إنّ أزْمتنا الثقافيّة هي من صلب نظامنا السياسيّ الذي كان سائداً قبل الحرب الأهليّة في لبنان .
النظام السياسيّ لم يستطع فعلاً أن يقيم على الأرض منهجاً ثقافياً واعياً على الإطلاق وهذا الموضوع يحتاج إلى ندوة خاصة لنرى ماذا قدمت الحكومات اللبنانيّة المتعاقبة منذ الاستقلال إلى اليوم على صعيد الثقافة وتشجيع المؤسّسات الثقافيّة ، وأيّ نوع من الثقافة كان يثير من وقت لآخر اهتمامات المسؤولين .
مَنْ نبغوا في مجال أو آخر اتكلوا على مجهوداتهم الخاصة وعلى مواهبهم ولا شأن للحكومات اللبنانيّة على الإطلاق في ذلك .
* هل يمكن أن يفعل المثقّفون شيئاً في هذا المجال ؟...
ـ بالتأكيد يجب عليهم أن يلعبوا دوراً قيادياً رائداً وضاغطاً في آن معاً . المؤسّسات الثقافيّة المتنوّعة في لبنان هل تستطيع فعلاً أن تلتقي حول أهداف معيّنة ومحدّدة ورؤية مستقبليّة لا لُبس فيها ولا غموض آمل ذلك .
* ما هي المشاريع المستقبليّة للمركز الثقافيّ للبحوث والتوثيق ؟...
ـ أعتقد أنّ هناك مشاريع عديدة . والأهميّة في تنفيذها ، فنحن بحاجة إلى مال ولا يمكننا أن نستجديه من أحد . وإنّما ضمن رؤيتنا الخاصة نحاول قدر الإمكان أن نبني مشاريعنا المستقبليّة حسب طاقاتنا الماديّة . وأول مشروع هو بناء مركز ثقافيّ لنا وتجهيزه حتى يستوعب قاعة للندوات والمحاضرات ، ومركزاً للتوثيق والمعلومات ومكتبة أهليّة عامة . وآمل أن ننتهي من هذا التجهيز في مطلع الخريف المقبل ونحن بصدد القيام بحملة تبرعات على مستوى الجنوب ولبنان لإنجاز هذا العمل .
والعمل الثاني هو توسيع وتطوير عمل التوثيق والمعلومات وإصدار المنشورات المتراكمة لدينا وتعميمها على نطاق واسع .
* طبعاً هذه المشاريع مكلفة جداً ؟!...
ـ صحيح ، وهناك أيضاً مشروع إصدار مجلة تكون تعبيراً ثقافياً وتربوياً واجتماعياً عن أهداف المركز ونشاطاته المتنوّعة . والفكرة واضحة في أذهاننا والاسم جاهز وهو " الأفق " وإنّما ننتظر الظروف المساعدة لإنجاح هذه الفكرة يضاف إلى ذلك عقد مؤتمرات ثقافيّة أولها يأتي مؤتمر للجمعيات الثقافيّة في صيدا والجنوب ونحن نتعاون في هذا المجال مع الأمسيات العامليّة .
وهناك فكرة أيضاً لعقد مؤتمر تنمويّ للجنوب ومؤتمر عن " أيّ صيغة لبناء لبنان الحديث" ولقد وزعنا دعوات المؤتمر وكان من المقرر أن تعقد في 9 ـ 10 ـ 11 آذار الماضي لكن حرب عون وجعجع دفعتنا إلى تأجيل المؤتمر . سنعاود الكرة ونعمل على التحضير ثانية له هذا إلى جانب ندواتنا الأسبوعيّة المستمرة ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1) أنظر ، جريدة " البلاد "، 17 تشرين الثاني 1990 ، عدد 15 ، أجرى المقابلة : فادي الغوش .