اللواء - حوار مع الدكتور دندشلي حول الثقافة التي تلتصق بظروف المجتمع
حوار مع رئيس المركز الثقافيّ في صيدا الدكتور مصطفى دندشلي :
نعدّ لعمل ضخم حول الغزو الإسرائيليّ لصيدا
الثقافة هي التي تلتصق بظروف المجتمع .(1)
الدكتور مصطفى دندشلي أستاذ في معهد العلوم الاجتماعيّة الفرع الخامس في صيدا ، وهو رئيس المركز الثقافيّ ومثقّف وتربويّ وباحث اجتماعيّ وله كتب عديدة صدرت وأبحاث ترجمت سواء كان ذلك في علم الاجتماع العام أم في علم الاجتماع السياسيّ . وهو الآن منكبّ في أبحاثه الاجتماعيّة حول موضوع الزعامة السياسيّة في الجنوب اللبنانيّ وكذلك يهتمّ منذ عدّة سنوات بشكل خاص بتاريخ صيدا الاجتماعيّ ، وهو أخيراً لم يغادر صيدا منذ أن أنهى دراسته في جامعة السوربون في باريس في مطلع عام 1970 .
مع الدكتور دندشلي أجرينا الحوار التالي :
عمل ضخم حول صيدا
*دكتور مصطفى متى تأسس المركز الثقافيّ وما هي النشاطات العامة التي تقومون بها ؟.
ـ لقد تأسّس المركز الثقافيّ رسمياً مع مطلع عام 1978 وفي الحقيقة قد سبقت هذه المرحلة فترة تجربة لا بدّ من الإشارة إليها وهي أنّه في عام 1973 أنشأنا مع مجموعة من الأصدقاء والمثقّفين ما أسميناه " لجنة الدراسات الإنمائيّة "، وكان الهدف في ذلك الحين القيام بدراسات وأبحاث لها علاقة بالواقع الصيداويّ ومكتوبة من الاختصاصيّين في مختلف المواضع ، والشؤون الاجتماعيّة والتربويّة والثقافيّة . والحقيقة توقف نشاط لجنة الدراسات الإنمائيّة مع اندلاع الحرب الأهليّة اللبنانيّة في عام 1975 وقد استمرّ هذا التوقف مدة عامين . وفي عام 1977 عاودنا إحياء الفكرة من جديد بشروط وتطلعات جديدة . فقد اجتمعنا نحن مجموعة من مثقّفي صيدا ومن جميع الاختصاصات حول بعض الأهداف التي كنّا نعتبرها في ذلك الحين أساسيّة . والهدف الأول كان تقديم قروض ماليّة لطلاب وطالبات صيدا والجنوب لمتابعة تحصيلهم الجامعيّ وكنّا نقدم هذه القروض خاصة لأولئك الطلاب الذين ظروفهم الماديّة ولا تسمح لهم بمتابعة دراستهم فأفسحنا المجال في تلك الفترة لكثير من الطلاب والطالبات لمتابعة دراستهم وفي مختلف جامعات العالم إطلاقاً . وقد بلغ مجموع ما قدّمه المركز الثقافيّ تسعة وعشرين قرضاً موزعين على طلاب وطالبات صيدا بالدرجة الأولى ثمّ على طلاب من الجنوب ومن الشوف ، وكان هذا العمل في تلك الفترة ليس فقط الأول من نوعه وإنّما نستطيع أن نقول أنّه كان ثورة حقيقيّة ، بمعنى من المعاني ، لكونه فسح المجال فعلاً لكثير من الطلاب المبرزين وإنّما ظروفهم الماديّة لا تسمح لهم بمتابعة دراستهم فسح لهم المجال لكي يتابعوا تخصصاتهم العامة . وهذا ما حصل فعلاً . هذا هو أوّل هدف من أهداف المركز الثقافيّ ، الهدف الثاني كان تحريك أو العمل على تحريك الجوّ الثقافيّ في مدينة صيدا . وذلك عن طريق تنظيم النّدوات والمحاضرات التي تتعلق بالمجتمع الصيداويّ أو المجتمع الجنوبيّ وقد قمنا بسلسلة ندوات ومحاضرات وكنّا نعمل على نشر هذه النّدوات والمحاضرات على أكبر نطاق واسع .
وثالث هدف من أهداف المركز هو تشجيع العمل على الدراسات والأبحاث التي لها علاقة بمجتمعات صيدا والجنوب وأستطيع أن أقول أنّ مركزنا هو الأول الذي عمل على دراسة قيّمة والأولى من نوعها حتى الآن حول قضايا التعليم في مدينة صيدا . ثمّ كنّا نشجع على القيام بالدراسات والأبحاث لطلاب وطالبات وباحثين لكي يقوموا بهذه الدراسات وكنّا نحن نشجعهم على نشر هذه الدراسات ، فعلاً نشرنا دراسة للسيّد نزيه حسنى حول صيدا ومسألة الزعامة السياسيّة .
ورابع هدف من أهداف المركز الثقافيّ هو طبعاً إنشاء مركز ثقافيّ حقيقيّ في مدينة صيدا. فكما نعلم أن صيدا تفتقد إلى وجود مكتبة عامة يقصدها الطلاب والباحثون والأساتذة وغيرهم . ولا يوجد في صيدا مكتبة عامة إطلاقاً . فهذا نقص وكنّا نشعر نحن بهذا النقص . لذلك عملنا على إقامة مكتبة عامة في مدينة صيدا ، وعندما نقول مكتبة عامة نقصد قاعة عامة للندوات واستقبال الوفود الثقافيّة والتربويّة . غير أنّ تلك القروض قد توقفت عام 1981 م ويعود السبب في ذلك في الدرجة الأولى إلى وجود المؤسّسة الإسلاميّة الثقافيّة والتعليم العالي التي عطّت هذا المجال بشكل واسع .
ثانياً لعدم استطاعة المركز الثقافيّ لمتابعة تقديم القروض لصعوبة جمع المال وتقديم المساعدات بشكل متواصل للطلاب غير أنّ هذه نقطة نعتبرها نقطة مهمّة. وهو أنّنا منذ عام1980م. أقمنا نواة لقسم للمعلومات والتوثيق تابع للمركز الثقافيّ وهذا لقسم قسم المعلومات متخصّص في مدينة صيدا والجنوب ويهتمّ كذلك في تطوّر الأزْمة اللبنانيّة وبالفعل فقد تجمّع لدينا الآن في المركز الثقافيّ كلّ ما نشر عن مدينة صيدا والجنوب منذ خمس سنوات حتى الآن وكثيراً من هذه المعلومات التي تجمعت لدينا ننتظر فرصة سانحة وبوجود إمكانيّة الماديّة للنشر والتوزيع . وأخيراً النشاطات التي قمنا بها قبل انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيليّ من صيدا فقمنا بتنظيم الندوات والمحاضرات وحشدت لها الطاقات والإمكانيات الثقافيّة والاجتماعيّة والسياسيّة فأذكر على سيبل المثال تلك النّدوة الدراسيّة التي عقدناها في كانون الثاني 1985 أي قبل انسحاب قوات الغزو الإسرائيليّ . وكان موضوع هذه النّدوة الدراسيّة محاولة حول الحوار الإسلاميّ المسيحيّ في الجنوب . وقد دعونا مختلف الهيئات والشخصيات الدينيّة والسياسيّة في تلك الفترة كما أنّنا الآن نظّمنا ندوتين دراستين حول موضوعين في غاية من الأهميّة : المشروع الأول مشروع مرفأ صيدا . وهذا المشروع في ما يظهر هو قيد التحضير والتنفيذ . الموضوع الثاني حول تطوّر صيدا العمرانيّ وكنّا نعمل إلى طباعة ونشر هذه النّدوة والدراسات على نطاق واسع . وأخيراً لا بدّ من الإشارة إلى العمل الجبار إلى العمل الضخم الذي قام به قسم التوثيق في قسم مركزنا الثقافيّ وهو يوميات ووقائع حول أحداث صيدا عام 1975 ، استشهاد الزعيم الوطنيّ معروف سعد واندلاع الحرب الأهليّة في لبنان وهو عمل يتجاوز 850 صفحة ويضمّ أكثر من 200 صورة لها علاقة بأحداث صيدا الدامية واندلاع الحرب الأهليّة انطلاقاً من 13 نيسان عام 1975 حوادث عين الرمانة ونحن الآن بصدد التحضير لعمل ضخم يتعلق بالغزو الإسرائيليّ لمدينة صيدا خلال ثلاث سنوات .
جزء من الإطار الوطنيّ العام
* دكتور مصطفى من أين لكم مصادر المال ؟...
ـ في الحقيقة المركز الثقافيّ منذ نشوئه حتى الآن كان قائماً على أساس التبرعات التي بالدرجة الأولى نجمعها من أهالي صيدا . لذلك يمكننا أن نقول بحقّ أنّ المركز الثقافيّ هو عبارة عن مؤسّسة ثقافيّة أهليّة مساهمة . في هذا المجال لا بدّ من الإشارة إلى ما يقدّمه السيّد رفيق الحريري لنا من مساعدات ماليّة أساسيّة وهو كذلك يقدّم لنا هذه المساعدات كما يقدّمها للمؤسّسات الثقافيّة والتربويّة والاجتماعيّة والخيريّة الموجودة على الأرض والتي تقوم بنشاطات بارزة ومهمّة .
* ما هي العلاقة التي تربط المركز الثقافيّ ، بالمجلس السياسيّ لمدينة صيدا ؟...
ـ إنّ المركز الثقافيّ للبحوث والتوثيق يعتبر نفسه منذ تأسيسه عام 1978 حتى الآن وخاصة في مرحلة الاحتلال الإسرائيليّ في لبنان جزء لا يتجزأ من الجهد العام في العمل الوطنيّ العام في صيدا والجنوب في ذلك فنحن نعتبر نفسنا جزءاً متمماً على صعيد الممارسة الثقافيّة والاجتماعيّة للمجلس الوطنيّ لمدينة صيدا من التنظيم الشعبيّ الناصريّ وللجبهة الوطنيّة الديمقراطيّة فالإطار العام لتحركنا الثقافيّ إطار وطنيّ إذا فنحن على صعيد الثقافة وعلى صعيد البحث الاجتماعيّ جزء لا يتجزأ من الإطار الوطني العام .
* ما هي نظرتكم ومفهومكم للثقافة وللمثقّفين في مدينة صيدا ؟...
ـ قبل أن أجيب على هذا السؤال اسمح لنفسي أن أتوسّع قليلاً في هذا المجال فأقول : بأنّ كلمة ثقافيّ التي اتخذها المركز كصفة له لن تأتي في أذهاننا صدفة وإنّما كان لهذه الصفة معانيها البعيدة . والحقيقة أنّ للمركز الثقافيّ خلفيّة ثقافيّة يمكن اختصارها بالنقاط التالية :
1 ـ الانطلاق من ملاحظة استقرائيّة عامة تشير إلى أنّ الفكر العربيّ بمجمله هو فكر مجرّد عام بعيد إلى حدّ صارخ أحياناً عن الواقع الذي نعيش فيه فهناك فراق وبعد بين الفكر وبين الواقع المحسوس ، فتجربتنا هنا في صيدا ومن خلال المركز الثقافيّ تقوم على أساس إعادة المصالحة والوفاق بين مجال الفكر ونطاق الواقع ، ذلك أنّ الأساس في كلّ تحرك اجتماعيّ إنّما هو في الواقع الماديّ المحسوس ومعالجة قضاياه الحقيقيّة .
ينتج عن الملاحظة الأولى فكرة كانت ولا تزال محور أهداف المركز الثقافيّ ونشاطاته الاجتماعيّة والثقافيّة وهي أنّ أيّ عمليّة إصلاح حقيقيّة للمجتمع مهما كانت جزئيّة ينبغي لها أن تبتدأ من فهم واقع هذا المجتمع بجوانبه المتنوّعة . فالإصلاح أيّ إصلاح ومهما كان جزئياً يجب أن يسبقه ويلازمه استيعاب ذلك الذي نحن بصدد إصلاحه فلا يمكن التغيير ولمصلحة الإنسان ما لا نفهمه وما لا ندركه .
لذلك فإنّ عمليّة التحوّلات الفكريّة والثقافيّة هي أصعب بالنظر إلى التحوّلات الماديّة للمجتمع من شقّ طرق وبناء مصانع وعمارات وشوارع ، إنّما بناء الإنسان بتحوّلاته الفكريّة والاجتماعيّة فهنا تكمن المعضلة الأساسيّة . فالتغيير الماديّ مع أهميته القصوى ينبغي أن يرافقه في الوقت ذاته أو يسبقه وعي فكريّ ومعرفة علميّة وثقافيّة حتى تكون رؤية المستقبل أوضح ومحور هذه الرؤية المستقبليّة هو الإنسان ...
فالثقافة هنا بمعناها الحقيقيّ هي تلك التي تلتصق بظروف المجتمع بالماضي والحاضر وتعالج قضاياه المحسوسة وتتخذ من الإنسان غاية لها فالبعد الثقافيّ بهذا المعنى يجب أن يدعم ويوجه التطوّر الاقتصاديّ والاجتماعيّ لهذا فإنّ الثقافة كما فهمناها في الأساس عمليّة التزام حقيقيّ وعميق بقضايا المجتمع والهدف النهائيّ لهذا الالتزام هو الإنسان . لذلك كنّا نرى ولا نزال ربما أكثر من أيّ وقت مضى أنّ للمثقّفين عموماً وللفكر الاجتماعيّ الواقعيّ على الخصوص دوراً أساسياً ورئيسياً في مرحلة التغيير الاجتماعيّ وفي مرحلة تحرير الأرض والوطن والإنسان . فالثقافة إذاً هي بهذا المعنى التزام حقيقيّ التزام داخليّ ذاتيّ وموضوعيّ في آن معاً ، التزام واع بقضايا الناس وقضايا الشعب . الثقافة كما نفهمها نحن هي العودة دائماً إلى الواقع الاجتماعيّ الذي نعيش فيه ووعي هذا الواقع الاجتماعيّ من أجل تغيير لمصلحة الإنسان فالثقافة بهذا المعنى أيضاً إنّما هي معاناة فكريّة وداخليّة . وهي ترتبط بظروف الواقع من أجل السيطرة على المحرك الاجتماعيّ للتطوّر في المجتمع فإذا سألتني عن ماهيّة الثقافة . فأنا أطرح على نفسي السؤال من هو المثقّف لذلك أجيب المثقّف هو الإنسان الذي يلتزم التزاماً عميقاً بقضايا مجتمعه ويعاني هذه القضايا ويدركها إدراكاً واعياً ، حتى يستطيع أن يتحكم بمختلف جوانب الأزْمة التي نعيش فيها . فإذاً المثقّف هو الذي يعيش في صميم الواقع وليس بعيداً عن الواقع ، هو الذي يعيش ظروف المجتمع وليس الذي يبتعد عن تقلبات المجتمع لذلك هناك صفة أساسيّة لكلّ مثقّف حقيقيّ هي صفة الرفض والنقد . والمثقّف كما أراه وأتصوّره هو الإنسان الواعي لظروف مجتمعه والذي ينتقدها ويرفضها وهو دائماً يطمح إلى الأحسن وإلى الأفضل من أجل خدمة الإنسان . لذلك لا أستطيع أن أتصوّر المثقّف موالياً لنظام من الأنظمة أو لعهد من العهود . إنّني أتصوّر المثقّف دائماً ذلك الإنسان الذي يحمل معوله على كتفه ويحاول أن يهدم من أجل البناء وبما أنّنا لم نصل ، والإنسانيّة جمعاء لم تصل بعد إلى المجتمع المثاليّ فنحن بحاجة دائماً إلى مثقّف ينتقد ويرفض المساوئ وهي كثيرة التي تحيط بنا وتسيطر على أيّ مجتمع من المجتمعات وخاصة مجتمعنا نحن اللبنانيّ . هذا هو وفي الحقيقة مفهومي للثقافة وللمثقّف .
الوضع الثقافيّ في صيدا
* كيف تنظر إلى الوضع الثقافيّ لمدينة صيدا ؟...
ـ في الحقيقة الصورة عن الوضع الثقافيّ العام في صيدا والجنوب ومنذ سنوات طويلة تزيد عن العشر سنوات ، هذه الصورة عن الثقافة لن تكون زاهية في صيدا ولا في الجنوب . طبعاً هناك أسباب عديدة للأزْمة الحقيقيّة التي تعانيها الثقافة في مجتمعنا الجنوبيّ .
السبب الأول برأيي هو غياب الدولة الكلّي عن الاهتمام بالجمعيات الثقافيّة ، عن تشجيع النشاطات الثقافيّة . فإذا كان للدولة اللبنانيّة في مختلف العهود من دعم واهتمام ومساعدة للنشاطات الثقافيّة فهي ليست حتماً للجنوب اللبنانيّ ولا لمدينة صيدا إطلاقاً . نحن على هذا الصعيد كنّا ولا نزال متروكين !... ومن ناحية أخرى لا بد من إشارة إلى نقطة وهي أنّ ظروف الحرب وفقدان الأمن لعبا دوراً في تقهقر النشاط الثقافيّ . وكما نعلم جميعاً بأنّه في ظروف الاضطرابات والأحداث والحروب تتوقف الحركة الثقافيّة . فكلّ النشاطات الموجهة والندوات والمحاضرات متوقف منذ فترة لأنّ اهتمامات الناس ليست اهتمامات ثقافيّة فكريّة بالمعنى الحقيقيّ للكلمة وإنّما اهتماماتهم هي اهتمامات أمنيّة مصيريّة لها علاقة بوجودهم : نكون أو لا نكون . لهذا فإنّنا نجد بأنّ النشاط الثقافيّ والثقافة بشكل عام تصاب بركود ظاهر وأكاد أقول بتوقف ملحوظ في ظروفنا كظروفنا . هناك ناحية لا بدّ من أن أشير إليها وإن كانت هذه الناحية تحتاج فعلاً إلى ندوة موسّعة وهي لها علاقة بنزوح المثقّفين الجنوبيّين من الجنوب إلى العاصمة . إنّنا نعلم جميعاً أنّ ليس هناك من مجال أو مجالات الثقافة والفكر إلاّ من بعض محركيها من مثقّفي الجنوب وهناك مجموعات لا بأس بها من مثقّفي الجنوب ، هؤلاء الذين غادروا أرضهم وتركوا ديارهم فافتقدتهم أرض الجنوب على صعيد الثقافة والفكر . كما أنّني ألاحظ بعض المثقّفين خصوصاً بعض الفنانين اضطرتهم ظروفهم أن يبقوا في أرضهم ، ألاحظ أنّ طموحهم هو أن ينتقلوا إلى بيروت أن ينشر لهم شيء في العاصمة أو يقام لهم معرض رسم أو خلافه في العاصمة في بيروت . وهذا التوجّه العام يكون حكماً على حساب إهمال الواقع الجنوبيّ وإهمال واقع صيدا مع أنّ أرض الجنوب وأرض صيدا بالذات هي أرض خصبة لنموّ الثقافة وانتعاشها . فإنّني ألاحظ كما يلاحظ ايّ إنسان بأنّ الجنوبيّ بطبيعته يميل إلى الثقافة وغلى الفكر وإلى الأدب ، إمّا أن يكون كاتباً أو شاعراً أو متذوقاً للأدب أو للشعر ، فهذه الميّزة يجب أ نستفيد منها ونرعاها حتى تعطي أكلها . غير أنّه فيما يتعلق بنا نحن كمركز ثقافيّ فإنّنا نبذل جهداً في هذا النطاق ونعمل في الدرجة الأولى على تحريك الطاقات والإمكانيّة الثقافيّة الموجودة في الجنوب والاستفادة منها والأخذ أقصى ما يمكن على صعيد الفكر والبحث والعمل الاجتماعيّ .
تحريك المرأة الصيداويّة
* برأيك هل من دور للمرأة في مجال الثقافة وما هو دور المرأة الصيداويّة ؟...
ـ هذا السؤال فعلاً من الأسئلة التي تشغل بالنا جميعنا في المركز الثقافيّ . أنا أطرح السؤال في صورة أخرى كيف العمل على تحريك جوّ المرأة الصيداويّة والجنوبيّة لكي تتحمّل قسطها وهو كثير على صعيد الفكر والثقافة والعمل الاجتماعيّ ؟...
أقول بأسف بأنّ دور المرأة في هذا المجال هو دور إذا لم أرد أن أقول غائباً كلياً إنّما ضعيف نسبياً في المركز الثقافيّ . هنا عدّة سيدات وآنسات يقمن بنشاط محدود نظراً لظروفهن الخاصة وإنّما المطلوب هو أكثر وكأنّني على هذا الصعيد تواجه أزْمة حقيقيّة وهذه الأزْمة ليست الآن وإنّما لها جذورها البعيدة في مجتمعنا فهل يا ترى البيئة الاجتماعيّة الثقافيّة التي نعيش فيها لا تسمح للمرأة بأن تمارس دورها ونشاطها على صعيد الثقافة والفكر . أنا لا أعتقد ذلك هناك أسباب أخرى يجب أن نبحث عنها مثلاً ، خذ مدينة صيدا لقد توفرت جميع الشروط الثقافيّة والمعنويّة لكي تنشط المرأة الصيداويّة ومع ذلك لم يكن لها أيّ نشاط يذكر في مختلف الميادين لماذا ؟... هل للاهتمامات الماديّة فقط فاهتمامها الماديّ يبعدها عن الاهتمام الثقافيّ والاجتماعيّ ربما ذلك أو أقول أكثر من ذلك بأنّه في الفترة التي ينمو فيها مجتمعنا نجد بأنّ الاهتمامات الثقافيّة تأتي في المرتبة الثانية أو الثالثة لماذا ؟... لأنّ ما يحتما المرتبة الأولى هو الاهتمام الماديّ هو ما يمكن أن أسميه النموّ الاجتماعيّ والاقتصاديّ للفرد والمواطن ، وهو اقتناء سيارة ، تأمين سكنه ، زواجه زواج مريح تنشئة أولاده تنشئة جيّدة بمستوى عالٍ وراقٍ . كلّ هذه الأشياء تتطلب إمكانيات ماديّة كبيرة جداً ولتأمين هذه الإمكانيات نجد الفرد المواطن العاديّ بشكل عام يهتمّ كثيراً لتأمين هذه الشروط . هذا العمل الماديّ الصّرف يكون دائماً على حساب الاهتمام الثقافيّ وكما نعلم أنّ الثقافة كما قلت في مطلع حديثي الثقافة إنّما هي معاناة أنّنا لا نستطيع أن نجمع بين شيئين متناقضين : الاهتمام الماديّ والاهتمام الثقافيّ في آن معاً ، فسيكون حتماً أحد الاهتمامين على حساب الآخر : إمّا أن تهتم بالثقافة اهتماماً كلياً فيكون هناك عطاء حقيقيّ وتوجّه كلّي ، فسيكون ذلك على حساب التجميع الماديّ أو يكون هناك اهتمام ماليّ وماديّ فسيكون هذا الاهتمام المالي والماديّ على حساب الاهتمام الثقافيّ . فأرى أنّه من الصعب جداً أن نجمع بين الشيئين . ويكون المثقّف قد فقد صفة الثقافيّة ، كما أراها شخصياً ، عندما يستخدم ثقافته وفكره وعلمه من أجل كسب المال فأعتقد بأنّه سيكون قد فقد الشيء الأساسيّ من القِيَم الثقافيّة .
العلاقة مع المؤسّسات الثقافيّة
* ما هو دور المؤسّسات الثقافيّة الأخرى في صيدا ؟... وهل من تعاون بينكم وبين المؤسّسات الثقافيّة الأخرى ؟...
ـ أولاً الأسباب التي ذكرتها سابقاً ظروف الحرب ، فقدان الأمن ، الاحتلال الإسرائيليّ ، وقبل ذلك غياب الدولة كلياً عن هذا القطاع ، أستطيع أن أقول أنّ هناك ركوداً على صعيد المؤسّسات الثقافيّة لأنّه عندما تجوع كما يقال المعدة يقلّ عمل الفكر وعندما يفتقد الأمن يصبح الهاجس هو غير هاجس ثقافيّ . فعلى صعيد المؤسّسات لا شكّ بأنّنا نلاحظ كثيراً من الركود ، غير أنّه لا بدّ من الإشارة إلى نشاط بعض المؤسّسات التي لها صفة اجتماعيّة تربويّة خيريّة وأشير هنا إلى مؤسستين هامتين في صيدا المؤسّسة الأولى هي جمعيّة دار رعاية اليتيم وهي مؤسّسة تربويّة اجتماعيّة خيريّة لم يتوقف نشاطها في أيّ فترة من الفترات . وكذلك جمعيّة جامع البحر المؤسّسة الثقافيّة الاجتماعيّة والخيريّة فهي تؤدّي خدمات للمحتاجين والمعوزين وللعجزة ولكلّ ما له علاقة بتأمين أو تخفيف مأساة الناس ومصائبهم الاجتماعيّة من هجرة ، من إغاثة ، من تأمين حاجة الفقراء إلى آخره . كلّ هذه الأعمال تقوم بها هاتان المؤسّستان . في ما عدا ذلك نجد بعض الركود على صعيد الرياضة ، على صعيد النشاط الرياضيّ ، على الصعيد الفكريّ والاجتماعيّ أما علاقتنا نحن بباقي المؤسّسات الثقافيّة فهي علاقة جيّدة علاقة تعارف وتنسيق كلّي . لذلك فإنّنا نعمل دائماً في تنظيم ندواتنا ومحاضراتنا مع المؤسّسات الأخرى من أجل تحريك الجوّ وتنشيطه مثلاً نقيم ندوات ومحاضرات بالتعاون مع جمعية الأدب والثقافة ونظّمنا في المرة الأخيرة ندوة حول : تطوّر صيدا العمرانيّ ، نظّمنا هذه النّدوة الثقافيّة الدراسيّة مع اتحاد الأندية والجمعيات الثقافيّة في مدينة صيدا . ما أريد أن أقوله هو أنّ تعاوننا هو تعاون كلّي وأساسيّ مع مختلف المؤسّسات التربويّة والثقافيّة في صيدا .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) أنظر ، جريدة " اللواء "، 24 آب 1985 ، أجرى الحوار : هلال حبلي .