المصدر: شبكة النبأ المعلوماتية - عفلق هو الذي شرّع للبعث مناهج القضاء على المرجعية الشيعية
المصدر: شبكة النبأ المعلوماتية
عفلق هو الذي شرّع للبعث مناهج القضاء على المرجعية الشيعية
-الخميس 21/ تشرين الأول/2005 - 17/ رمضان/1426
محمد سعيد المخزومي
يستغرب البعض حينما يسمع أن عفلق والبكر وصدام وباقي البعثيين الذين احترفوا تدمير العراق وامتهنوا اذلال العراقيين, يشكلون نسيجا واحدا في الفكر والهدف والمشروع, ويجب أن يضطلع التاريخ والعراقيون بمحاكمة فكر البعث ورجال التأسيس وبينهما لفيف كثير من المتتفعين ووعاظ السلاطين ومن على نحوهم.
فحينما ينظر الإنسان بعين البصيرة يكتشف الحقائق ويضع الأمور نصابها, بينما لا يصل إلى تلك الننتيجة الصائبة, ويُضل من حوله ويغوي من يقع تحت تاثيره وتاثير غشاوة رؤيته من يفتقر إلى الرؤية الصائبة ومن تنعدم عنده البصيرة, ويفتقد النور الذي يهتدي به في مسالك الحياة الوعرة المظلمة.
ومع هذا وذاك فإن من الناس من يكتشف الحق ويبصر الحقيقة ثم يصر على الغلط إما بدافع المكابرة والتعالي على الحق والاصرار على الغلط الذي سبق وإن وقع فيه, خشية الاعتذار إلى الحق وهروبا من التسليم إلى الحقيقة فتراه يكابر ويخلط ويصر ويلف ويدور من اجل اثبات صحة الغلط الذي وقع وأوقع فيه وذلك هو عين المغالط.
ومن مصاديق تلك الحقيقة التي خبطوا فيها خبط عشواء هي المغالطة في التفريق بين البعث العفلقي والبعث الصدامي, وذلك لتلميع صورة البعث الملطخة بدماء الملايين من العراقيين الابرياء, وتبييض صورته المسودّة بما صنع في العراق واقترف ما يندى له جبين التاريخ ويخجل منه قاموس الإنسانية, وسيذكر الله والتاريخ والإنسانية أولئك الذي يريدون تبييض الوجوه السوداء الملطخة بدماء الابرياء, باسوأ ذكر وأشأم مثلبة.
لقد سبق أن سلطنا الضوء في بحوثنا السابقة على أن البعث في العراق واحد منذ التأسيس حتى النهاية, وقلنا أن ما صنع صدام هو من عين المنهج الذي ارتضعه من منهج عفلق, وأن منجزات (؟) صدام الدموية هو من صميم المنهج الذي غرسه عفلق في البعثيين, وأن ما صنع صدام لا يمثل إلا طموحات عفلق المنهجية في حزبه ومن حزبه, وأن صدام مثّل مصداق البعثي الأوفى للمنهج الذي جاء من اجله عفلق.
وأثبتنا القول أن عفلق قائد ليس كبقية القادة بل هو القائد الضعيف المهزوز الذي يفتقر إلى منهج فكري واضح ليضعه بين يدي الأجيال التي تريد العمل بحزبه, وحينما اكتشف الكثير منهم تلك الحلقة المفقودة في انتمائهم للحزب اعترض من اعترض منهم عليه, وطالب من طالب منهم بالتغيير, وتسائل آخرون بضرورة التوضيح, فعمد عفلق إلى سنّ منهج الإقصاء الحزبي والاطاحة برجاله الاوفياء له من أبناء حزبه ورفاق دربه فاخذ يأكلهم وحدانا وزرافات, الأمر الذي يكشف عن مغالطة أخرى تبناها بعض البعثيين مع اخرين ممن يؤيدونهم فأخذوا يتظلمون لحزبهم لعلهم يعودوا إلى العمل السياسي باسمه غير راغبين عن التسليم إلى الحقيقة فتسارعوا برمي اللائمة على صدام وزمرته في كل ما قد وقع على شعب العراق من دمار وكوارث ومآسٍ, وحينما يقول لهم قائل أن البعث هو الذي قد اقدم على تلك المجازر واقترف تلك الماسي يطالعهم الجواب أن البعث حزب اصيل ظلمه صدام الذي اعتقل الكثيرين منهم واعدم آخرين من كوارد الحزب .
وقد تناسى هؤلاء البعثيون ومن والآهم أن عفلق هو الذي عيّن صداما هبة للسماء إلى البعث الذي لم يضع له منهجا فكريا ثابت المعالم, ليكون البعث (الغامض) هبة السماء للعراقيين والعرب اجمعين, مما يعني للأعمى قبل المبصر أن هبة السماء هي التي قتلت البعثيين بموجب منهج عفلق في الإقصاء والتطهير الحزبي لكونه الهبة الذي يجب أن يأمر فيطاع.
ثم أن البعثيين قد تنازل كلهم عن قيادة جهاز المخابرات في بداية دورتهم الثانية في الحكم على اعقاب فشلهم في بداية ستينات القرن الماضي, فعرضها البكر على صدام بتدبير منه وإياه, فقبلها مسرعا كما صرح صلاح عمر العلي بقوله: (..فقبلها صدام وهذه أيضاً كانت غلطة كبيرة جداً – حقيقة- لأن مكنَّا صدام من بناء منظمة أمنية رهيبة جداً، سرعان ما تحولت إلى أخطبوط امتد.. في كل خلايا المجتمع، وصلت إلى حد أنه أي مسؤول, عضو مجلس قيادة الثورة, أو وزير لا يملك القدرة على أن ينقل موظف من دائرة إلى دائرة إلاَّ بموافقة الأمن, المخابرات، ولا يملك القدرة على أن يفصل أو يعين موظف إلاَّ بموافقة هذه الدائرة، وهيمنت على كل مناحي الحياة في المجتمع، خصوصاً في فترة برزان التكريتي اللي (الذي) هو أخ غير شقيق لصدام حسين) ([1]).
ولأن منهج البعث الذي اسسه عفلق قد أرسى قواعده القائد المؤسس على الإقصاء والنفي والحذف والاطاحة وكلها مفردات اساسية في قاموس العنف في فكر النضال القومي العربي التحرري فقد بدأ عفلق بممارسة العنف مع أبناء حزبه ليصل الأمر من بعد إلى عموم الشعب وعلى رأسهم قياداتهم الدينية الواعية لكون الشعب العراقي مسلما وغالبيته المسلمة شيعية تدين بالولاء للمرجعيات الدينيه فلابد من أن يضع عفلق منهجا مفصّلا للقضاء على الدين, والإجهاز على المرجعية الدينية الشيعية, واعدام المتدينين والعمل على فصل الشعب عن علماءه.
فبدأ المسلسل الدموي ضد الدين والمتدينين والعلماء وزعماء التشيع, وما قد فعله صدام مما استباح به نساء العراق العفيفات, وشبابه الواعي, والكفاءآت العلمية القديرة فيه, والاعدامات الفردية, والمجازر الجمعية, ولتلتها المقابر الجماعية, وكان ذلك كل على منهج عفلق ووفق توجيهاته المباشرة في هذا المضمار, تلك التوجيهات التي اخذت منحى حزبيا على صعيد التنظيم, والممارسة الارهابية لأجهزة العنف والإرهاب والتدمير الاستخبارية, ومناهج التعبئة الحزبية, وتقنين الإرهاب عبر الاجهزة الحزبية المعروفة بالقيادة القطرية والقومية التي كان يشرف عليها عفلق نفسه, وما بينهما من حشو من الاجهزة الدموية كثير.
ولغرض تسليط الضوء على منهج عفلق الذي اخلص صدام له في التزامه وابدع فيه لابد من التطرق إلى ذكر معالم بعض المنهج الذي أراده عفلق نفسه, فلخصنا ذلك على شكل المراحل التالية:
المرحلة الأولى: تنظير عفلق لضرورة تطوير الدين بموجب الوحي النازل عليه
بهذا التنظير يثبت عفلق معارضته للإسلام بشكل صريح, وفيه اعلان للحرب على الشعب في ايمانه ومعتقده, فإن الله تعالى يقول(إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلاَمُ) ([2]) وأن الإسلام الذي جاء به الرسول محمد صَلَّى الله عَلَيةِ وَآلِهِ وَسَلَّم ثابت لا يتغير إلى يوم القيامة, وقد أمر الناس اتباع ما يامر به الرسول فقال: (وَمَا آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتهُوا) ([3]) , وإنما جاء الإسلام بدين باق للإنسانية ما دام على الأرض إنسان, وما زال عليها مجتمع, وذلك كي يطور البشرية ويرفعها إلى مقام التكريم والتفضيل الإلهي لبني البشر إذْ قال: (كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) ([4])
ولكن عفلق جاء لنسف ذلك كله ليقول بالعمل على تطوير الإسلام بموجب المفاهيم التي يريدها هو ومن اسسه لها, ويعتبر الدين مشكلة بل من ا برز مشكلات التحول القومي البعثي في العراق وباقي البلاد الإسلامية, فيقول : (المشكلة الدينية هي بلا شك من أبرز المشكلات في المجتمع العربي الحديث، لذلك لا يعقل أن يتجاهلها حزبنا، وأن يتهربّ من إيجاد الحلول لها... هل الدين شيء ثانوي؟ إن الحزب لا يرى هذا، بل يرى أن الدين تعبير صادق عن إنسانية الإنسان، وأنه يمكن أن يتطور ويتبدّل في أشكاله وأن يتقدّم أو يتأخّر ولكنه لا يمكن أن يزول. ) ([5])
المرحلة الثاني: تنظير عفلق يضع المرجعية الدينية في دائرة اعداء حزبه
وبناءا على منهج عفلق في تطوير الدين الذي لا يفهمه إلا المتطورون, مع تدين العراقيين بالاسلام والتزام غالبيته من المسلمين الشيعة بمرجعياتهم الدينية التي ارتضعت حضارية الحياة من منهل مبادئ ائمة أهل البيت عليهم السلام, فلا بد أن يكون هؤلاء المسلمون بالدائرة الحمراء في فكر بعث عفلق وقوميته, كما قالها هو في كلمته المشهوره:
(إن المدافعين الظاهرين عن الإسلام الذين يتظاهرون بالغيرة أكثر من غيرهم وبالدفاع عن الإسلام هم أبعد العناصر عن الثورة في مرحلتنا الحاضرة، لذلك لا يعقل أن يكونوا فهموا الإسلام، ولذلك من الطبيعي جداً أن يكون أقرب الناس إلى الإسلام فهماً وتحسساً وتجاوباً هو الجيل الثوري) ([6])
المرحلة الثالثة: إطلاق عفلق العنان للحرب على الشعب بقيادته الدينية الحضارية
بعد أن وضع عفلق المسلمين الشيعة في دائرة اعداء الحزب ونعتهم بالرجعية فتح لأتباعه الحزبيين باب الحرب عليهم بعد أن اطلق على ممارسات العنف والاقصاء والإبادة والمجازر والمقابر الجماعية وسام النضال, مقابل ما اطلقه على عموم الشعب المسلم بقياداته المرجعية الحضارية, فنعتها بالرجعية الدينية فقال: ( ...على المناضل العربي عندما يحارب الرجعية ويصمد أمام هجماتها وافتراءاتها وتهيجاتها وإثاراتها أن يتذكر دوماً أنه مؤمن بالقيم الإيجابية والقيم الروحية) ([7])
المرحلة الرابعة: مجيء عفلق الى العراق لغرض الإشراف على تخطيط ضرب المرجعية الشيعية
يقول حردان عبد الغفار التكريتي في مذكراته واثناء حديث له طويل مع احمد حسن البكر: (ثم اخرج- البكر- من فتحة الطاولة التي كان يضع فيها مسدسه الخاص ذا اللون الاسود، رسالة جوابية من عفلق حيث يظهر انها كانت بشأن المرجعية الشيعية التي بدأت تقلق بال الحكومة، وتثير في وجهها بعض الصعوبات وقد قرأ الرسالة التي ذكر فيها عفلق انه سيصل الى بغداد قريبا ، ليبحث الموضوع في كافة جوانبه .
وفعلا فقد وصل بعد أقل من أسبوع من تاريخ الرسالة، واستقبلناه اسقبالا دافئا اشتركنا فيه جميعا – سوى الرئيس – ولكنا لم نعلن عن وروده الا بعد يومين، لان ذلك كان ضروريا للحفاظ على حياته نظرا لسمعته غير الطيبه لدى العراقيين، الذين كانوا يحملونه مسؤولية اجراءات الحكومة العنيفة.
وقد بقي في العراق ثمانية أيام سافر بعدها الى لبنان لقضاء فترة الصيف، بعد أن حصل على جواز سفر دبلوماسي من الدرجة الاولى .. كما حصل على مثل ذلك لابنته البالغة من العمر أحد عشر سنة فقط و(خلال وجوده في العراق) جرى مناقشة الخطة التي وضعها كل من: طه الجزراوي وناظم كزار وعبد الوهاب كريم، وشبلي العيسمي، وصالح مهدي عماش، واتفق على الخطوات التالية :
المتهج الأول: منهج عفلق يشرع منهج اعتقال علماء المسلمين الشيعة
يذكر حردان عن تلك الخطوات التي أقرها الحزب بوجود عفلق واشرافه, قائلا قررنا:
(استمرار الحملة ضد رجال الدين، واعتقال اكبر عدد ممكن منهم،..... وقد تم في تنفيذ ذلك :
1- أعتقال اكثر من مأتي رجل دين في النجف وكربلاء.
2-انتزاع اعترافات من بعض السياسيين بشأن تعاون رجال الدين معهم في التجسس ) ([8]).
المنهج الثاني: منهج عفلق يشرع سياسة الكذب والتضليل الاعلامي
كما اقر الحزب اتخاذ سياسة الكذب والتضليل الاعلامي في مواجهة العلماء وخصوصا المرجعية الدينية (والاعلان عنهم كجواسيس يعملون لحساب ايران، بدل اسرائيل ذلك لان عمالة رجال الدين لاسرائيل امر لا يمكن تصديقة، ولكن ما دامت ايران دولة شيعية فأن من المحتمل تصديق عمالتهم لايران ), وبهذا يكشف نظام طائفية القومية العربية التقدمي انه قد التزم سياسة خداع الشعب والكذب عليه منذ اليوم الأول لإستلامهم الحكم.
المنهج الثالث: منهج عفلق يشرع منهج اختراق المجامع الدينية الشيعية
وبهذا المنهج أقر حزب البعث سبل العمل على التخبيث وبث الفرقة في اوساط المرجعية الدينية وكما صرح حردان القول انهم عمدوا في: (التسلل:
إلى صفوف رجال الدين الشيعة في محاولة لاحتوائهم، وضرب بعضهم ببعض ..
(والى) اختلاق مجموعة رجال دين مزورين، وفرضهم على الشعب باعتبار انهم الذين يمثلون رجال الدين الواقعيين والتعامل معهم كممثلين وحيدين عن التشيع . وقد تم في تنفيذ ذلك :
1- أدخلنا ما يقرب من 150 شاب بعثي في صفوف رجال الدين .
2- فرضنا على الناس التعامل مع الذين تعينهم الحكومة، وليس رجال الدين الحقيقين، ولذلك فقد تقرر إلغاء شهادة رجال الدين كلهم الا اذا تجددت من قبل رجال الدين الذين عيناهم نحن ) ([9]).
المتهج الرابع: المنهج الدموي لعفلق يشرّع قانونا قوميا طائفيا لتصفية علماء الشيعة في العالم
وعن منهاج البعث اثناء وجود عفلق في العراق في تشريع سياسة الاغتيالات في صفوف علماء التشيع في العالم فضلا عن العراق, يقول لقد: (حاولنا اغتيال موسى الصدر في بيروت بعد ان قام بتحركات ضدنا – تمهيدا لتعين احد عملائنا خلفا له كرئيس للمجلس الشيعي الاعلى ) ([10])
ثم يذكر حردان اسماء رجال دين شيعة استخدمهم البعث كبدائل عن المرجعية الدينية ليضلل على الناس مساراتهم الحقيقية, وسلطوا عليهم الاضواء ومنحوهم كامل الاختيارات والخدمات.
ثم يقول عن منهج عفلق الدموي انهم شرّعوا: ( القيام باغتيالات فردية في صفوف رجال الدين القاطنين في ايران .. لبنان ..الهند .. باكستان .. أفغانستان .. وفي تنفيذ ذلك قمنا بمحاولتين فاشلتين الاولى – تتعلق باغتيال الشيخ محمد شريعتي في باكستان، والثانية – تتعلق باغتيال الشيخ رجب احمد في الهند، ولكننا نجحنا في اغتيال الشيخ عبد الامين الصالح في الهند) ([11]) .
المتهج الخامس: منهج عفلق يشرع قانون تقويض النشاطات الاجتماعية لعلماء الدين الشيعة
إن منهج البعث في القضاء على المرجعية الدينية الشيعية اقتضى في فقرته الأولى خلق البدائل المرجعية وبث الفرقة في اوساط المؤسسات الدينية, ثم الاغتيالات الدولية لعلماء الشيعة, عملوا على تقويض إمكانيات المرجعيات الدينية الفاعلة فيقول وعملنا على:
(تقليص نشاطات رجال الدين وحصرها في إقامة الصلوات واعطاء المسائل الشرعية وذلك بالغاء اجازات مدارسهم، ومستشفياتهم ومكاتبهم العامة .. سواء التي حصلوا عليها من حكومات سابقة او من حكومتنا، ومصادرة اموالها او تجميد ارصدتها ) ([12]).
ورغم تلك المنهجية والممارسات الدموية والمحاولات الخبيثة ثبت لدى قيادة البعث بزعامة البكر فشل المنهج الدموي لمشروع عفلق مع شيعة العراق بسبب تماسك الشعب بقيادته الدينية, يذكر حردان في مذكراته الملاحظات التالية في هذا المقام قائلا:
(اولا – إن الشعب زاده من تمسكه برجال الدين في أول بيان اصدرناه عن عمالة رجال الدين. فقد التف الشعب أكثر حول الشيخ (السيد)محسن الحكيم عندما اتهمنا ابنه الاكبر الشيخ(السيد)مهدي بالتجسس لحساب الملا مصطفى البرزاني، الذي اتهمناه بدوره بالعمالة لحساب الصهيونية العالمية والاستخبارات المركزية .
ثانيا – لم يعترف اي رجل دين بالعمالة رغم ثقل التعذيب الذي تحملوه، وقد مات عدد منهم في مستشفى اليرموك بفعل التعذيب من دون أن يعترف بالمسرحية التي طالبناه بالاعتراف بها ..
ثالثا – لم يتجاوب الشعب مع الذين زورناهم في (من) رجال الدين، بل انهم أخذوا يواجهون التحقير والازدراء من قبله. ذلك لان تكوين الشعب العراقي لا يسمح بنجاح التزوير في رجال الدين خاصة الشيعة الذين لا يرتبط رجال دينهم بالدولة اطلاقا، لانهم لا يعيشون على أموال الدولة .
ربعا – طوينا خطة اغتيال موسى الصدر في لبنان بعد ان نصحنا الكثيرون من اصدقائتا بذلك . باعتبار أن الامر في بيروت يختلف عنه في بغداد، وأن القضية هناك لا بد أن تنكشف مما سيثير غالبية اللبنانين ضد حكمنا نظرا للشعيبة التي يتمتع بها موسى الصدر بينهم، والصفة الرسمية التي يحملها...(وأظن أن امكانية اعادة الخطة امر وارد في حساب ابو هيثم) ([13])- على حد تعبير حردان-
.
ورغم سياسة التعذيب هذه يقول حردان في تلك السنين الأولى من تجربة حزبهم: (ان ما فعلناه كان نسخة طبق الاصل لما فعله ستالين, وكان نجاحه في تصفية مناوئية يغرينا بذلك, ولكن رجال الدين عندنا لم يعترفوا بشيء مما كنا نطالب به بالرغم من كل اساليب التعذيب المختلفة التي مارسناها معهم, والتي كانت من ابسطها التعليق بالمروحة منكوسا لمدة 24 ساعة كاملة ....
ان تعذيب واحد.. منهم وهو الشيخ (السيد) حسن الشيرازي أثار كل شيعة العالم تقريبا, فوصلت الى مقر قيادة الثورة ما يقرب من بعضة الاف برقية استنكار بشأنه من داخل العراق وخارجه كما قامت ضدنا مظاهرات في الهند وباكستان وايران) ([14])
وبعد أن ذكر حردان فشل الحزب في تنصيبه مرجعية دينية شيعية سلطوا عليها الاضواء وبذلوا لها ولأجلها الاموال الطائلة, وبعد فشلهم في تحقيق ماكانوا يريدون الوصول اليه من خلال ممارستهم تعذيبهم العلماء شدة وملاحقتهم المراجع واغتيالهم, يؤكد بعدها على إرادة الحزب في استمراره على المنهج الذي اسسه لهم عفلق وتفانى من اجله احمد حسن البكر ومن بعده صدام, فيقول: (وبالرغم من كل هذا الفشل الذريع، فقد اصر – ولا يزال طبعا – أبو هيثم أن نمضي قدما في حرب المرجعية الشيعية )..([15])
المنهج السادس: المؤتمرات القومية لحزب البعث العفلقي تشرّع الاجهاز على الشيعة
إن من التوصيات العامة التي اطل حزب البعث بها على هذه الأمّة عموما والعراق على وجه الخصوص، وجاءت بالكوارث الجاهلية التي أقرّها الحزب فيما يسمى بالمؤتمر القومي الرابع، هو الاجهاز على المرجعية الشيعية بعد وضعها في الدائرة الحمراء وتأطيرها باطار (الرجعية الدينية) وهذا يأتي من خلال سياق ثقافة حزب البعث عن الإسلام الذي أمر بتطويره عفلق والقضاء على المرجعية الشيعية, خصوصا وأن هذه المرجعية قد التزمت تاريخيا منهج الدفاع عن الدين باستقلالية تامة عن الحكومات عبر التاريخ.
فيقول المؤتمر في التوصية الرابعة منه في مجال تشريع القضاء على المرجعية الشيعية ما يلي:
( يعتبر المؤتمر القومي الرابع الرجعية الدينية إحدى المضار الأساسية التي تهدد الانطلاقة التقدمية في المرحلة الحاضرة) ([16])
بهذه القرارات القومية والقطرية يثبت أن ما فعله صدام كان من صميم ثقافة الحزب ومنهجه الذي أراده وأرسى قواعده عفلق, وان من المغالطة رمي اللائمة على صدام وحده بل على الحزب بمجمله.
المنهج السابع: عفلق يشرع القضاء على شعائر الإمام الحسين في المؤتمر القومي والقطري للبعث
لقد كان انعقاد المؤتمر الرابع لما سمي بالقيادة القطرية والقومية لحزب البعث بحضور وبمباركة توصيات عفلق على مجريات أمور المؤتمر, وبه أمر بوجوب القضاء على المرجعية الدينية الشيعية حيث نصّت التوصيات المذكور على النص التالي وهو: (( ضرورة القضاء على الرجعية الدينية باعتبارها العقبة الكبرى في طريق مسيرة الحزب )) ([17]) كما ورد في مقررات المؤتمر القومي للقيادتين القطرية والقومية لحزب البعث المنعقد ببغداد في 4/ نيسان/ 1969 .
وبنفس المؤتمر الذي تسربت اخباره للقاصي والداني, ذكر لي أحد اخوتنا عن بعض أبناء الشيعة المتورطين في الانتماء لحزب البعث أن عفلق ذكر في كلمته بالمؤتمر التأكيد على ما يلي: (ضرورة القضاء على قضية شعائر الإمام الحسين ) ذلك أن المؤتمر كان قد انعقد في 17 محرم عام 1389 للهجرة, ويقول رأيت أبناء الشيعة المتورطين في الانتماء لهذا الحزب يتلفت بعضهم إلى بعض من هول الصدمة, وقد خيّم الوجوم على الحضور لهذه التصريحات الخطيرة.
والنتيجة قد جبن الجميع وصفقوا المتآمرون والمتورطون معا لهذا الرفيق (الْمُلْهّم) الذي أسس للكوارث التي جرّتْ على العراق مناهج تدميرية لم يشهد لها التاريح مثيلا .
والمهم في هذا الأمر هو أن ما اقدم عليه صدام عين الذي أمر به عفلق وباركه فكرا ومنطقا, ولا مجال للتفريق بين حزب البعث الذي اسسه عفلق وارسى مناهجه وبين الممارسات الصدّامية, ولا يقال البعث الصدامي تفريقا عن البعث العفلقي بغية المغالطة والتوهيم على الشعب ليكون ضحية مرة بعد أخرى.
المنهج الثامن: تحويل العراق إلى دولة مخابرات بموجب مناهج عفلق
يقول صلاح عمر العلي: (إن صدام حسين عندما خطط وعَمِل على تحويل دولة العراق إلى دولة مخابرات بفعل أجهزته وعبقريته في الإجرام وبفعل ما صرف من أموال وخلق أجهزة وخلق عملاء، وفرض هذه السطوة على كافة أنحاء البلاد ... بحيث أصبح .. أن وزير في الدولة, عضو مجلس قيادة الثورة لا يملك سلطة نقل موظف من غرفة إلى غرفة، ماذا تتوقع من سلوكيات هؤلاء الناس؟ تتوقع أن يقفوا أمام صدام حسين ويعترضوا على قراراته.. على مسيرته؟. ([18])
إن نظام المخابرات هو الذي يعتمد على الشبهة, والشك في كل أحد, والضِنَّة في كل شيء من اجل الاستحواذ على مقاليد أمر البلاد وإحكام الخناق على انفاس العباد, وهذا ما قد مارسه عفلق بنفسه واشار إليه بفكره, ونص عليه بمؤتمراته, لأن ضرورة تغيير الدين بإسم التطوير وسنّ ثقافة العنف تحت طائلة ضرورة ممارسة ( النضال العربي) الذي يُنظِّر له (القديس) عفلق وينفذ له ( هبة السماء) صدام, مقابل (المرجعية الشيعية الدينية) المُعلّم عليها بالعلامة الحمراء بعنوان( الرجعية الدينية) والتي يجب أن تكون العدو اللدود للبعث التحرري(؟)والنضال العربي (؟)يقتضي ضرورة الحكم والعمل على الاطاحة بجماجم المسلمين, وتطيير رؤوس المصلحين, وحفر أدمغة المفكرين بمثاقب الحديد, واغتيال العلماء وملاحقتهم فضلا عن إسقاط مراجع الدين الأحرار الذين أبى فكرهم وثقافتهم ودينهم أن يكونوا وعاض سلاطين أو أئمة خانعين يذرون في عيون الناس الرماد للتعمية على جرائم الظالمين وفساد الحاكمين .
فمن البديهي أن ضرورة ممارسة النضال العربي(؟) (ضد الرجعية الدينية ؟) تقتضي تحويل العراق إلى بلد مخابرات, ومن الطبيعي تحويل البعث إلى منظمة سرية حاكمة عليه وفيه, وبهذا فلا يبقى مجال منطقي قط لإلقاء اللائمة على صدام وحده.
فحقيقة القول انه لا تكمن المشكلة في عبقرية صدام في الاجرام كما يقول البعثيون الذي لا يرتضون منهج صدام, بل تكمن في منهج الحزب أساسا وثقافة البعث ومنهاج عفلق وإرادته من حزبه بتعيينه صدام( هبة من السماء إلى البعث) خصوصا أن تقاربا زمنيا واضحا بين هيمنة صدام على الحكم بالتنسيق مع البكر في عام 1968, وبين ترتيب تسليم صدام لمهام الاجهزة القمعية الاستخبارية, وبين قرار عفلق بتعيينه صدام عضوا في قيادة البعث في العراق, وبين اعلانات عفلق من باريس بالاشادة بشخصية صدام وترجي رفاقه البعثيين بترك هذه الاشادة والتصريحات التي ستمكّن صدام من نفس الحزب وتدمير العراق وارهاق العرقيين, وطلبوا منه ترك الاشادة بصدام, والبقاء في باريس, فضرب عفلق ذلك كله عرض الجدار, وجاء بعد ايام قليلة إلى العراق واعلن انه هبة السماء, فهل أن هذه المؤشرات تشير إلى شخصية (صدام الاجرامية)؟
أم تشير إلى إرادة عفلق ونظريته وإرادته وغايته التي كان يرجوها من حزبه وللعراق بحزبه في تدمير العراق؟.
وبعد هذه الحقائق ودراستها يجب الاذعان إلى أن عفلق هو الذي أراد الحزب ليصبح بهذا الشكل وليس صدام, وأن حزبه الفقير إلى نظرية واضحة المعالم هو الذي سمح (لهبة السماء) أن يجتهد في حزب عفلق, وبالتالي فإن صدام هو الرجل الأوفى لعفلق والمخلص للبعث الذي اسسه عفلق اكثر من غيره, وأن على البعثيين أن لا يعترضوا على صدام, لأنه (الهبة) (المصرّح به) من قبل (المؤسس الملهم) و(القديس الأعظم) وعلى الآخرين التسليم والاذعان وتنفيذ ما يؤمرون به كما كان يجب عليهم ذلك مع عفلق من قبل .
المنهج التاسع: منهج عفلق حوّل حزب البعث إلى عصابة مخابرات لإرهاب الشعب
يقول صلاح عمر العلي: (يجب أن نقدّر أنه في هذا المناخ وما سبقه من عقوبات جماعية ومن عنف مارسه صدام حسين على البعثيين وخارج البعثيين فرض نمط جديد من السلوكيات لدى المواطنين عموماً بهم.. بعثيين وغير بعثيين صاروا مرعوبين، صاروا يخافون من أنفسهم، يخافوا من عوائلهم، يخافوا من أطفالهم، صدام حسين وصل إلى حد أنه أخرج في التليفزيون عدة مرات أطفال يتهموا آباءهم بالتآمر ضد النظام، ويكافئ هؤلاء الأطفال ويعدم آباءهم،.. أظهر زوجات يتحدثوا عن أزواجهم بأنهم متآمرين أو ضد صدام حسين أعدمهم وكافأ زوجاتهم، فأصبح الرعب امتد بحيث شمل كافة قطاعات المجتمع) ([19])
إن هذه الحقيقةلم تكن خافية على أحد بل الخافي هو عدم اقرار البعثيين أن عفلق المؤسس للحزب هو الذي وضع هذا المنهج, لأن منهج الإقصاء الحزبي الذي اعتمده عفلق نفسه, كما أسلفنا, مع أبناء حزبه منذ أن كان في سوريا إلى أن جاء إلى العراق, ومنهج التمحور والتحزب داخل حزبه, ومنهج التطهير الحزبي, كلها مناهج مشروعة في الحزب, حيث إذا كان من الطبيعي لعفلق ممارستها مع أبناء حزبه ورفاق دربه, وتطبعت عليه اجياله الحزبية جيلا بعد جيل, فإن من الطبيعي أن تمارسه الأجيال مع غير الحزبيين من الشعب الضحية في ( العراق) .
المنهج العاشر: منهج الإقصاء والحذف العفلقي في الحزب أسس لمنهج المجازر والمقابر مع الشعب
إن الحقيقة القائلة بأن عفلق وراء تأسيس منهج المجازر والمقابر الجماعية خافية على الكثير من الناس خصوصا الذين عاشوا وما زالوا يعيشون الممارسات الحزبية لأن الذي يعيش سجال التحزب وغباره لا يشخص انحرافه ومساره.
ذلك لأنها تكمن في أن حزب البعث بممارساته الداخلية في الإقصاء والنفي والحذف والتصفيات المعروفة بالتطهير مع أبناء الحزب الواحد من ذوي الشعارات الواحدة والاهداف الوحدوية قد غرس ثقافة التحزب ضد الآخرين, وروّج روح التعصب ضدهم وإن كانوا على حق, وربّى اجياله على التعصب للذات الأنانية وأن كانت على باطل, كما طرح ثقافة الشك في الآخرين وإن كانوا رفاقا حزبيين, وأشاع ثقافة التخوف من كل أحد ولو كان اخا حميما ومخلصا قديما, هذه الثقافة قد ربى عليها عفلق رجاله وكوادره ورفاق دربه.
وبهذا فإن تربية الأجيال الحزبية على هذه الثقافة طرحت في نفوسهم بديهة التسليم بها كمنطق في الحياة يحدوهم في الممارسة مع غير الحزبيين من عموم الشعب بكافة شرائحه, وبالتالي فمن باب الأَولى استخدام ذات الثقافة ونفس المنطق مع الشعب بعلماءه ورجال الفكر فيه والمخلصين من الأمة لمجرد اختلافهم معهم في الفكر والمنهج, وهذه الحقيقة قد ذكرها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بقوله (تخيّر لنفسك من كل خلق احسنه فإن الخير عادة) ([20]) .
فإذا اعتاد الإنسان على فعل الخير وقوله يصبح الخير عنده عادة وطبعا في الحياة, أما إذا اعتاد على ممارسة الخلق السيء فسيصبح ذلك عنده طبعا يلجُّ به في أمور حياته مع نفسه ومع غيره, كما قال سلام الله عليه (تجنب من كل خلق أسوأه, وجاهد نفسك, فإن الشر لجاجة) ([21]) .
هذا إضافة إلى التطبع على هذه الطباع السيئة عبر الممارسة التي أخذت عنوان الثقافة الطبيعية للحزب, فإن تشريع عفلق لثقافة العنف هو الآخر بنى الشخصية الحزبية على ممارستها العنف وذلك من خلال جعل العنف والتعنف مع الدين والمتدينين ورجال الفكر والمرجعية الدينية من المسلّمات الأساسية للعمل الحزبي, على اعتبار أن الدين عقبة كبيرة في طريق البعث, وأن علماء الدين ومراجع التشيع يشكلون حسب ثقافة البعث العنوانا الأبرز لما يسميه (بالرجعية المحلية).
وبالتالي فإن ما جرى في العراق المسلم وقياداته الدينية ومراجعه العظام وعلماء الأعلام لم يكن ليأتي من باب اجتهاد شخصي من صدام, ولا من قبيل ممارسته العنيفة, ولا على نحو الإجرام في شخصيته, بل هي ثقافة تعلم عليها أبناء الحزب وغرسها فيهم ابوهم الذي علمهم العنف فكرا وممارسة, تنظيما وتنظيرا إضافة إلى مقوماتهم الشخصية فردا فردا. ولبيان ذلك اكثر نذكر انعكاس ممارسات عفلق ورفاقه يوم كان في سوريا على اتباعه في العراق.
يقول صلاح عمر العلي: (في عام 1965 عُقد مؤتمر قومي للحزب- في سوريا-، وكنا آنذاك في العراق.. في مرحلة إعادة بناء الحزب بعد أن تلقى ضربة قاسية على يد عبد السلام عارف، ولم نتمكن حتى من استكمال تنظيمات الحزب، فجاءتنا رسالة من القيادة القومية تقول بضرورة وأهمية حضور وفد، حتى وإن لم يكن هناك انتخاب أو مؤتمر قُطري.. فاضطرينا لتشكيل وفد وسافرنا إلى سوريا وحضرنا الجلسة الأولى للمؤتمر... وكان المرحوم عبد الله سلوم السامرائي وكان شكري الحديثي، وكان سعاد أديب، وكان موفق عسكر، وكان طارق عزيز، وكان كريم شنتاف هؤلاء اللي (الذين) أذكرهم حقيقة الآن، ففي الجلسة الأولى للمؤتمر.. الجلسة الافتتاحية سرعان ما اكتشفنا :
بأن هناك تكتلين أو تيارين أو اتجاهين في المؤتمر القومي، وخصوصاً كان يتجسد في التنظيم السوري، حيث أن هناك تيار.. بقيادة ميشيل عفلق، وتيار آخر كان رموزه وأعضاؤه البارزين هم المرحوم الدكتور نور الدين الأتاسي وصلاح جديد والمرحوم الرئيس حافظ الأسد ويوسف زعين وإبراهيم مقوس وإلى آخره)
ثم يستأنف صلاح عمر العلي في سرد مذكراته عن الانعكاسات السلبية لتجربة الثقافة الحزبية في صراع الرفاق فيما بينهم على ثقافة الحزب في العراق, فيقول:
(في الواقع ونحن قادمين من جو, الحزب يواجه ضربة قاسية ونواجه معاناة شديدة جداً في القُطر( يعني العراق)، وكانت آمالنا تتجه نحو التنظيم في سوريا، وكنا نطمح ونأمل في أنه التنظيم في سوريا أو الحزب في سوريا سيشكل لنا السند والدعم, وممكن تُعاد الثقة في التنظيم من جديد، فعندما واجهنا هذا الواقع صُدمنا صدمة كبيرة جداً، والحقيقة كنا نتمنى لو لم نشارك في هذا المؤتمر...ففي الواقع الخلافات كثيرة، لكن كانت توصف بأنها خلافات بين الاتجاه القومي والاتجاه القطري، لذلك كان الخط اللي(الذي) يمثله ميشيل عفلق كان يطلق عليه الاتجاه القومي، وكان الاتجاه الآخر يطلق عليه الاتجاه القطري، لكن في حقيقة الأمر وبعد مُضي سنوات على هذا الحدث اكتشفنا أنه كلا التقسيمين لم يكن دقيقا وكانت هي (الخلافات)عبارة عن اجتهادات خاصة بكلا الفريقين ) ([22])
هذه الصدمة خلقت بل ربّتْ عند القيادات البعثية في العراق ثقافة التعود على التآمر والتمحور والتحزب والتكتل من اجل الاطاحة والاسقاط والحذف وباقي مفردات قاموس العنف الذي اضطلع به البعثيون في تطبيقه على أنفسهم, ولما طفح كيلهم واشتد عودهم مارسوا ذات المنهج مع الشعب الذي ذهب ضحية البعث, فتطور الأمر حتى وضع عفلق نفسه لهم منهجا سَمَّته مؤتمراتهم القومية والقطرية بالقضاء على المرجعية الدينية الشيعية, وما لحقها من اعدامات ومجازر في السجون ومقابر جماعية, لأن القضاء على مرجعية مجتمع يقتضي القضاء على ذلك المجتمع, وهذا ما قد حصل في العراق.
وبعد كل الذي تقدم البحث فيه, فهل يمكن لعاقل أن يفرّق بين ما قد فعله صدام حسين ونظامه وبين حزب البعث الذي أراده عفلق وارسى قواعد في القضاء على الشيعة ومرجعيتهم ؟
أوليس صدام كان البعثي المطيع في تنفيذ إرادة عفلق في إقصاء وتدمير الغالبية الشيعية في العراق ؟
وهل من باحث نزيه وعاقل منصف, ينظر بعينين - لا بعين واحده يرى فيها نصف الحقيقة ويغمض الأخرى عن النصف الثاني- لا يقول أن المنهج الدموي للبعث الصدامي هو ذات المنهج الدموي للبعث العفلقي ؟
وهل عرف الشعب المحروم أن بعث عفلق قد استضعفه ردحا من الزمن في بث الاشاعات ضد مراجعه العظام؟
وهل ادرك ولو بأثر رجعي أن اشاعات تسقيط وإهانة مراجع الدين وعظماء التشيع, وعباقرة الفكر, كان منشؤها البعث, ومدبّرها عفلق, ومخططها أجهزة الإرهاب المعروفة بالأمن والمخابرات, ومنفذّها الحزب نفسه, ومطيتها التخلف والجهل ؟؟
وفي الختام:
فإن عفلق هو الذي شرّع للبعث مناهج القضاء على المرجعية الدينية الشيعية, وأن المشروع القومي لحزب البعث قد اسسه على الطائفية ضد الشيعة والتشيع هو عفلق نفسه ولم يكن اجتهادا محضا من قِبل صدام الذي اضطلع بواجبه الحزبي لما ارساه له القائد المؤسس.
وعليه يجب محاكمة فكر البعث في محكمة الحضارة والتحضر, ومحاكمة عفلق في حزبه بما غوى, والحزب بما جنى, ومحاكمة صدام ومن اعانه بما تجبَّر وعتى.
________________________________________
[1] - الحلقة / 5 من المقابلة التي اجرتها قناة الجزيرة معه بتاريخ 15/06/2003 بعنوان: شاهد على العصر
[2] - سورة آل عمران/ اية 19
[3] - سورة الحشر/ آية 7
[4] 0 سورة الإسراء/ آية 70
[5] - في سبيل البعث (ص125-127).
[6] - في سبيل البعث (ص117) بتصرف.
[7] - في سبيل البعث (ص129).
[8] - مذكرات حردان عبد الغفار التكريتي
[9] - المصدر السابق
[10] - المصدر السابق
[11] - المصدر السابق
[12] - المصدر السابق
[13] - المصدر السابق
[14] - المصدر السابق
[15] - المصدر السابق
[16] - من مقررات المؤتمر القطري والقومي الرابع لحزب البعث المنعقد ببغداد في 4/ نيسان/ 1969
[17] - مجلة العمل الشعبي العدد7/نيسان/1969
[18] - الحلقة/8 من المقابلة التي اجرتها قناة الجزيرة معه الحلقة 8/ بتاريخ 6/7/2003 تحت عنوان : شاهد على العصر.
[19] - المصدر السابق
[20] - غرر الحكم ودرر الكلم ص254
[21] - غرر الحكم ودرر الكلم ص242
[22] - - الحلقة /3 من المقابلة التي اجرتها قناة الجزيرة معه بتاريخ 1/6/2003 تحت عنوان : شاهد على العصر.