ملاحظات حول تيار البعث العسكري داخل الجيش السوري -النقيب عدنان حمدون
مـقـابـلـة مـع
النقيب عدنان حمدون
الزمان والمكان : 13 آب عام 1989 ، دمشق
أجرى المقابلة : د. مصطفى دندشلي
الموضوع : ملاحظات حول تيار البعث العسكري داخل الجيش السوري ...
* * *
سؤال : النقيب حمدون ، هل ممكن أن تعطيني نبذة بسيطة عن هويتكم الشخصية وانتمائكم للجيش وانتسابكم لحزب البعث وفي أي عام كان تخرجكم من الكلية الحربية في سورية ؟!...
الجواب : ... كنت عضواً في حزب الشباب في بادئ الأمر ، وكان عمري لا يتجاوز 14 سنة . وهي حركة سياسية أسسها الشباب في مدينة حماه وكانت تطرح شعارات تقدمية وفصل الدين عن الدولة ، ومحاربة الإقطاع ، إلخ... وهذه الحركة السياسية في المرحلة التالية تطورت إلى الحزب العربي الاشتراكي... وأنا لم أكن عضواً فيه ، ولم أنتسب إليه وإنما دخلت إلى حزب البعث العربي الذي أسسه في حماه الدكتور فيصل الركبي ، وذلك نتيجة تأثر الركبي وهو طالب في جامعة دمشق بحزب البعث . وعندما عاد إلى حماه شكّل نواة لحزب البعث ... فيصل الركبي وهو طبيب شارك في حرب فلسطين عام 1948 ومن ثم شارك في جيش الإنقاذ . وهو من المؤسسين لحزب البعث . وهو من حماه ...
في شبابي كنت منصرفاً إلى النشاط الرياضي ، كنت رياضياً وكنت في منتخب حماه في كرة السلة ... وعندما حصلت على شهادة البكالوريا في عام 1950، حاولت أن أصبح أستاذاً في وزارة المعارف في دمشق وأنتسب إلى الجامعة فيها . ولكني لم أنجح . فعدت إلى الجيش . وكان الجيش مغري بالنسبة إلى الطبقة البرجوازية الصغيرة أو الطبقة الفقيرة . فقد كانوا يدفعون لنا في الجيش راتباً بالإضافة إلى تأمين الوظيفة بعد التخرج . ولم أكن موجهاً من أحد للدخول إلى الكلية العسكرية . فليس هناك من إيعاز أو توجيه من الحزب أو من أي أحد آخر . وذلك لأن أخي مصطفى (حمدون) كان ضابطاً في الجيش واشترك في انقلابين : حسني الزعيم وسامي الحناوي . وقد تخرجت من الكلية الحربية في عام 1952، وكان اختصاصي المدرعات ، وهو ما يسمّى بسلاح الفرسان . وكانت دفتنا آنذاك تضمّ أكبر عدد من البعثيين ، وهي أول دفعة تضمّ هذا العدد الكبير ... منهم على سبيل المثال : ثابت برو، نعسان زكار ، مظهر برازي ، أحمد المير، أحمد ملحم، عبد الغني عياش... وهم يزيدون عن سبعة عشر بعثياً ... وبعد تخرجنا جئنا إلى قطنا لنتابع دورة مدرعات للاختصاص والرمي على الدبابات ... وهناك كانت تدبّر مؤامرة بزعامة عدنان المالكي . ولم نكن نحن بعد قد تثبتنا ضباطاً . كنا بحاجة إلى مدة سنتين حتى تثبَّت رتبتنا كضباط .. إن محاولة الانقلاب هذه كان على رأسها العقيد الركن عدنان المالكي ضد أديب الشيشكلي. وقد كُشفت هذه المحاولة . وكان يشترك فيها عبد الغني قنوت وعدد كبير من الذين كانوا بعثيين. ونحن باعتبارنا ضباطاً صغاراً ، اكتفى الشيشكلي بإخراجنا من سلاح المدرعات وتوزيعنا في المناطق البعيدة . وكنت أنا في السويداء (جبل العرب). فأوقفت شهرين في سجن الثكنة ، ومنعت من المغادرة وبعد ذلك أطلق سراحنا ...
في السويداء حصلت قصة عجيبة غريبة لا أحد يدركها أو يعرفها وهي : لماذا أديب الشيشكلي ضرب بالقنابل جبل الدروز أو جبل العرب ؟... أنا مطلع عليها شخصياً باعتباري شاركت فيها... كان هناك طبيب اسمه د. سعيد الكاتب فتح عيادة في السويداء أيضاً ... وكان جماعة العراق والضباط الموالون للعراق بالتعاون مع الأردن ينظمون عملية انقلاب على أديب الشيشكلي . وكان المتعاون الأساسي معهم الأمير حسن الأطرش . وكانت خطتهم ذكية وجيدة وسهلة وكانت لديهم أموال طائلة . واتفقوا معي أنا على أن أسلمهم الثكنة وهي قلعة السويداء ، مقابل 50 ألف ليرة سوري وترفيعي إلى رتبة رئيس ( في ذلك الوقت ) اي نقيب الآن. فقد كنت ملازماً آنذاك ، وأعيَّن آمر شرطة دمشق العسكرية، كل ذلك مقابل أن أتعاون معهم .
ففي هذا الانقلاب ، كان يضمّ جميع الضباط القدماء : زياد الأتاسي ، وأكرم عكر ، ومحمد صفا لم يكن معهم وإنما من هذه المدرسة . الخطة : أن يأتي هؤلاء إلى الثكنة ومعهم عشرة أشخاص يلبسون لباساً عسكرية ، أو عشرون شخصاً ، تحت حجّة أنهم منقولون. فأنا كضابط مناوب ، استقبلهم على الباب . وهكذا ندخل ونسيطر على الحرس . ويكون الأمير حسن الأطرش آنياً ومعه 700 أو 800 مقاتل درزي ، فيدخلون إلى الثكنة ونستولي عليها . ومع هؤلاء ضباط مسرحون . وكانت مهمة أكرم عكر أن يقطع الاتصالات التلفونية واللاسلكية ـ وهذا من اختصاصه ـ وكان عمل الأمير حسن الأطرش أن يوجه دعوة إلى الضباط بحجة لعبة ورق وقضاء سهرة . فندخل عليهم ونلقي القبض عليهم جميعاً . زياد الأتاسي كانت مهمته إحضار السيارات من أجل التنقل ـ فلم يكن لدينا نحن هذه الآليات ـ فنركب هذه الآليات ونأتي من طريق شهبة الشرقي ، وهو الطريق الشرقي لجبل العرب فيصل إلى الغوطة ، الجرمانه ، ونحتل القابون . فمعسكر القابون أساسي في كلّ الانقلابات لأنه يوجد فيه المصفحات والمدرعات سريعة الحركة وفيها نار قوية . ففي حال كشفت العملية ـ وباعتبار كذلك الجرمانه درزية ـ فهذه الثكنة تؤمن لنا الخط الدفاعي ... وبالإضافة يوجد هنا مائة إنسان مهتهم إطلاق النار على قصر الضيافة من أجل أن يشلوا حركة الشيشكلي. ولا يقوم بردود فعل أو بتحرك... ريثما نحن نستولي على القابون ـ وهناك في القابون في الخارج ما يقرب من 50 أو 60 ضابطاً مسرحاً ـ فندخل معاً ونحتل الثكنات وهم يدخلون ويستلمون المدرعات ويتحركون ويعلنون الوحدة مع العراق .
فهذه الخطة لا أحد يعرفها أو يتطرق إليها ، وهم أنفسهم الذين قاموا بحركة منير العجلاني ، الانقلاب الذي تلى الانقلاب على الشيشكلي . الانقلاب المشهور والذي تلاه المحاكمات المعروفة . فأنا أعرفهم جميعاً وكنت أجتمع معهم كلهم ـ وكنا نجتمع في بيت " فضل الله جربوع " وكان نائباً .. الحركة لم تنجح طبعاً . الخطة ذاتها حاولوا أن يطبقوها فيما بعد ... فأنا كمشترك معهم سابقاً ، عندما شعرت بتحركهم أبلغت عنهم ...
أما لماذا لم تنجح الحركة الانقلابية الأولى ؟... هنا ، في الأساس ، كانوا هم جاهزون وينتظرون مني التوقيت ، فأنا الذي يعطي الإشارة للتحرك . فإذا أنا لم أسلمهم الثكنة ، فلا يستطيعون التحرك . فهم بحاجة إلى سلاح وإلى آليات . فأنا بلَّغت الأستاذ أكرم الحوراني ووضعته في أجواء خطتهم . ففي الوقت نفسه كنا نحن نحضر عصياناً على الشيشكلي ، نحن الضباط البعثيين ، الضباط الملازمين الصغار ، اجتمعوا في بيت في حماه ، وتم الاتفاق على أن نقوم بحركة عصيان على نظام الشيشكلي بحلب ـ لأن هنا القطاعات جميعها موالية له . واخترنا حلب لأن فيها إذاعة ...
فكانت الحركتان الانقلابيتان تسيران معاً ... وتشكلت جبهة في حمص مكونة من الأحزاب والقوى السياسية المناوئة للشيشكلي ... وسبب الفشل هو أن منصور الأطرش يحضر مناشير وبيانات حزبية ضد الشيشكلي ... ولكن يُلقى القبض عليه ويوضع في " سجن القِرَيِّة " على طريق السويداء . الشيشكلي يحاول أن يتجنب مسألة القبض على الأطرش ، ويريد فقط منه أن يقول أن ليس له علاقة فيخلي سبيله ، فيبحث عن مخرج شكلي ولا يريد أن يثير مشاكل مع سلطان الأطرش والطرشان . واتصل الأمير الشهابي وهو قاض ورئيس محكمة ، فرفض منصور الأطرش أن ينفي علاقته بهذه البيانات ، وإنما أصرّ على أنه هو المسؤول وهو الذي أحضر المناشير وهو ضد الشيشكلي ...
وهنا في السويداء ، في آخر جلسة اجتمعنا فيها ، كان معنا في هذا الاجتماع رجل مخابرات فرنسية . فأبلغ السفارة الفرنسية أن هنالك تحضيراً لانقلاب يتم إعداده في جبل الدروز ، أو أن هنالك ثورة شعبية تحضر عند الدروز . ولكنه ليس مطلعاً على التفاصيل ـ ولا يعرف الأسماء وإنما بعض رؤساء الدروز ... وهو رجل المخابرات الفرنسية ، درزي مدني يعمل لحساب الفرنسيين . فأديب الشيشكلي أرسل إلى الجبل عيونه وجواسيسه ـ فكان حذراً جداً . لذلك لم يرد أن يخلق مشكلة مع سلطان الأطرش .
سلطان الأطرش وافق على الاشتراك في عملية الانقلاب ولكن بشروط أربعة :
1 ) يجب أن يكون أولاً زعماء الأحزاب الثلاثة ـ حزب الشعب والحزب الوطني وحزب البعث ـ أن يكونوا موجودين في السويداء عند قيام الانقلابات .
2 ) محافظة على النظام الجمهوري .
3 ) إجراء انتخابات ديمقراطية وعودة إلى الدستور والحكم الدستوري ـ هنا نرى تأثيراته منصور الأطرش . وهذه هي سروط البعثيين ...
فليس هناك من وحدة مع العراق . فهو لم يطلع على التفاصيل ، إنما المتآمر المتطلع هو الأمير حسن الأطرش ، فهو الزعيم الفعلي . وهو من حيث الرتبة أقدم من سلطان الأطرش فهو أمير. أما سلطان باشا ، فهذا لقب أعطيَ له . فلذلك في الرتب والتقدم ، عندما كنت أنا هناك ، الأمير حسن الأطرش يسير قبل سلطان الأطرش ، فهو مقدم عليه . فهناك عند الدروز عندهم تسلسل عائلي ، وضمن العائلة الواحدة ، لديهم أيضاً تسلسل ، وذلك عند كل عائلات الجبل... ولديهم تقاليد قبلية دقيقة، يتقيدون بها ، تقاليد عشائرية . لا أحد يتكلم قبل رئيس العائلة . فهذا من عائلة فلان ، فهو يتكلم أولاً .
وسلطان الأطرش ، أيضاً ، رجل دين . وفي آخر أيامه ، أعلن زهده بالحياة ، يزيل العقال، يحلق شعره ، ويترك ذقنه ، ويمتنع عن التدخين ، ويعتزل .. ولكن لم يأخذ أبداً لقباً دينياً ... شيخ أو جويد أو غيره ...
فعندما قامت هنا في دمشق مظاهرات ضد الشيشكلي ، قامت مثلها أيضاً في " القِرَيَّة "، مظاهرات تطالب بالإفراج عن منصور الأطرش . وأخذوا يطلقون النار . فخاف الدرك ... فاستنجدوا بالجيش ، فاستنجدوا بسريتي . فكنت أنا آمر فصيلة ... فأطلقوا النار فأصابوا جنديين وجرحوا ثلاثة . فظن الشيشكلي أن هذه هي المؤامرة ( التي وضع بأجوائها ) فأخذوا يرسل القوات لدعم السويداء ، وتأتي نجدات لسلطان الأطرش من الدروز لحمايته . لذلك كان الجيش طوق الِريَّة والجيش مطوق من الخارج ... وهتافات ، وإشعال النيران دعماً لسلطان ... وإطلاق نار بسيط ، رشاشات ، ووقوع بعض الجرحى . مجموع القتلى في القِرَيَّة لا يتجاوز 16 قتيلاً ـ هذه هي معلوماتي ـ