كلمة المناضل - " مكاسب " .. اتفاقات السلام خلال عام ؟؟؟
كلمة المناضل العدد 269 ت2 ـ كانون 1 1994
" مكاسب " .. اتفاقات السلام خلال عام ؟؟؟
الدكتور فواز الصياغ
رئيس هيئة التحرير
في استعراض سريع لنتائج اتفاقات " السلام " بين الأطراف التي وقعت اتفاقات السلام مع إسرائيل خلال العام الذي نحن في نهايته ، ونعني تحديداً معاهدة السلام الفلسطينية الإسرائيلية ، ومعاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية .
ورغم قصر الفترة الزمنية حيث يكون إعطاء حكم قاطع حول ذلك أمراً صعباً أحياناً، إلا أنها تعطينا صورة عما يمكن أن يكون عليه الحال في المستقبل ، وكما يقول المثال ـ الكتاب يقرأ من عنوانه ـ .
* ففي المجال الفلسطيني : أن جردة سريعة للأحداث التي وقعت خلال عام " السلام " المذكور وفي منطقة الحكم الذاتي المحدود تؤكد النتائج التي كنا نتحدث عنها دائماً وأكدنا فيها أن ذلك يشكل اتفاق إذعان للعدو الصهيوني .
لقد مارست إسرائيل كل ما يمكن أن تمارسه لقمع الجماهير في غزة وأريحا وبشكل يلفت الانتباه وعلى نطاق أوسع مما كانت تمارسه قبل الاتفاق ، وفي غالب الأحيان تكون الأداة لتنفيذ سياستها هي أدوات الحكم الذاتي المحدود التي شكلتها القيادة الفلسطينية التي وقعت الاتفاق . يوضح ذلك عدد الذين استشهدوا على أيدي السلطتين خلال العام الماضي يتجاوز حصيلة النضال على مدى عشر سنوات في مواجهة الاحتلال . إضافة إلى المعاناة المعيشية الرهيبة التي يعيشها سكان قطاع غزة على وجه الخصوص وسكان الضفة الغربية المحتلة عموماً نتيجة الضغوط الاقتصادية الصهيونية وعدم الجدية من قبل الدول الغربية التي ساندت الاتفاق ورعته وأعطت الفلسطينيين وعوداً لها أول وليس لها آخر .
لقد أصبحت أعمال القمع التي تمارسها إدارة الحكم الذاتي الفلسطيني وبشكل شبه يومي هي المظهر البارز لكل مطلع على الأوضاع في فلسطين فحرية التعبير وإبداء الرأي وحرية الصحافة والمعارضة الديمقراطية حتى داخل أجهزة السلطة الفلسطينية أصبحت ممنوعة .
أن ذلك جميعه قد شجع سلطات الاحتلال الصهيوني وأعطاها ميزات أكبر مما كان لديها في الفترة التي سبقت توقيع الاتفاق ، مما دفع بها إلى التنصل حتى من بنود الاتفاق نفسه ، وتوسعت في سياسة الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة واستقدام مهاجرين جدد بلغ عددهم خلال عام الاتفاق أكثر من خمسة وسبعين ألف مستوطن جديد وزادت في بناء الوحدات السكينة في المستوطنات القائمة وإنشاء مستوطنات جديدة . ونشطت العمليات العسكرية التي تقوم بها سلطات الاحتلال والقوى العميلة المتعاونة معها في المناطق المحتلة من جنوب لبنان على وجه الخصوص في مواجهة المقاومة الوطنية اللبنانية . وذلك كله شواهد على ما أخذته إسرائيل من ميزات بسبب الاتفاق المذكور .
وقد شجع ذلك راعية الاتفاق الأولى أي الولايات المتحدة الأميركية إلى التنصل مما كانت قد أقرت به سابقاً وما ضمنته لاحقاً في وثائق الاتفاق خصوصاً فيما يتعلق بالقدس مما دفعها إلى معارضة القرار حول القدس في الاجتماع الأخير للجمعية العامة للأمم المتحدة وكانت هي وإسرائيل وكوستاريكا فقط الدول التي عارضت القرار . ( مع ملاحظة أن " الوسط الأميركي النزيه " قد صوت أيضاً ضد القرار المتعلق بالجولان السوري المحتل في نفس الاجتماع ؟؟ ) .
* وفي المجال الأردني : ورغم أن المشكلات التي اعترضت ما سمي بعملية السلام الأردنية الإسرائيلية كانت أقل بكثير مما هي في الجانب الفلسطيني ، ورغم أن إسرائيل استعدت لتقديم تنازلات كبيرة كما تدعي للأردن ، ورغم أنها كذلك كانت وما تزال تعتقد في قرارة تفكيرها الصهيوني أن الأردن يمكن أن يكون وطناً بديلاً للفلسطينيين ، ورغم أنها كانت تقيم علاقات واتصالات سرية اعترف بها الطرفان الأردني والإسرائيلي منذ أكثر من عشرين عاماً ، وعلى الرغم من أن النظام في الأردن كان دائماً قريباً من الدول الأوروبية الغربية والولايات المتحدة الأميركية وتربطه بهم علاقات ومعاهدات وثيقة وقديمة ، ورغم ذلك كله فما زال الاتفاق رغم كل ما حققه لإسرائيل من مكتسبات يواجه عقبات ومصاعب حقيقية : فالجماهير الأردنية ما زالت ترفضه وتقاومه ، والأحزاب السياسية والقوى والمنظمات الشعبية ومختلف الهيئات النقابية والمهنية والاتحادات الطلابية والنسائية ترفض ذلك الاتفاق .
لقد كان من نتائج الاتفاق كذلك الضغط المتواصل على القوى السياسية ومنعها من إبداء وجهة نظرها بحرية حسب ما يقتضيه نص الدستور وقانون الأحزاب وديمقراطية الرأي والرأي الآخر في مثل هذه الأمور المصيرية .
ثم أن الوضع الاقتصادي المتردي والحالة المعيشية الصعبة التي تمر بها جماهير الأردن قد ازدادت تفاقماً بعد توقيع الاتفاق ومعاهدة السلام مع إسرائيل ذلك أن الوعود التي منحت للأردن بالمساعدات والهبات والمعونات والقروض وغيرها لم يكن مصيرها أفضل من سابقاتها التي أعطيت للفلسطينيين الذين وقعوا قبلهم .
أن معارضة الاتفاق قد وصلت إلى أجهزة ودوائر السلطة نفسها ولا تشكل نسبة القبول به في دوائر الحكم وبين عناصر السلطة ومسؤوليها من 20% منهم .
لقد أكدت صحيفة " كرستيان سانيس مونتير الأميركية " في 22/12/1994 في ردها على الحكومة الأردنية التي تقول أن الأغلبية الساحقة من الأردنيين تؤيد اتفاق السلام ، أكدت " أن جميع الاتصالات التي أجرتها الصحيفة مع السياسيين الأردنيين تؤكد أن المعارضة للاتفاق تتجاوز المعارضة الشعبية كما أن السياسيين الموالين للحكومة يبدون تحفظات حيال التقارب مع إسرائيل ونقلت عن العديد منهم قولهم سراً أنهم يخشون من أن يعزل القصر الملكي حلفاءه التقليديين وتضعف الجهود الديمقراطية من خلال إسكات الآراء المعارضة للاتفاق " .
أن نظرة سريعة لما قدمناه يعطينا صورة عن حقيقة تلك الاتفاقات وجوهرها والحكم عليها في ضوء النتائج التي حققتها فهل كانت تلك الاتفاقات لمصلحة الجماهير وتاريخها وحاضرها ومستقبل أجيالها ؟؟.
إن ما يريده الحزب وقيادته سلاماً عادلاً يضمن للعرب ، ويضمن لجماهير الأمة التي كافحت خلال نصف قرن من أجل الحرية والسلام واستعادة الحقوق المغتصبة كامل حقوقهم ، ولهذا يشكل الموقف العربي السوري بقيادة الحزب والرفيق الأمين العام رئيس الجمهورية مرتكزاً مهماً في هذه العملية التاريخية .
إن تاريخ حزبنا أيها الرفاق وتاريخ سورية ونضالها ومواطنيها والمرتكزات التي ينطلقون منها في معالجة القضايا الوطنية والقومية يفرض عليهم أن يكونوا حاملين أبداً لهموم العرب وقضاياهم القومية المصيرية ولن يسمحوا بأي تفريط وسيبذلون أقصى الجهود في سبيل الحفاظ على المرتكزات الأساسية التي انطلقوا منها لاستعادة الأرض والحقوق دون تفريط بالثوابت الأساسية وبما يحفظ الشرف والكرامة التي ضحى في سبيلها الأجداد وآلاف الشهداء الذين بذلوا دمهم في سبيل الوطن والكرامة .