كلمة المناضل - الحلول المنفردة لا تحقق السلام ..
كلمة المناضل العدد 268 أيلول ـ ت1 1994
الحلول المنفردة لا تحقق السلام ..
الدكتور فواز الصياغ
رئيس هيئة التحرير
بعد أن نجحت إسرائيل في تحقيق أحد أهدافها السياسية في عملية الصراع العربي الصهيوني ، وهو الوصول إلى حلول منفردة مع بعض الأطراف العربية التي كانت يوماً تشكل دول الطوق المعنية مباشرة في النزاع العسكري على حدود فلسطين ، بعد هذا تركز الجهد الآن لمواصلة العمل على الجبهتين السورية واللبنانية . لقد هدفت الصهيونية ومنذ اندلاع الصراع العربي الإسرائيلي في الأربعينات ، هدفت إلى تجزئة هذا الصراع وتحويله من صراع قومي عربي صهيوني إلى صراع بين إسرائيل وجاراتها الدول العربية منفردة ، لأن ذلك ـ من وجهة نظر إسرائيل ـ يسهل تحقيق حلمها وتثبيت كيانها وحل مشكلاتها وإنهاء جوهر الصراع على فلسطين والأراضي العربية الأخرى ، يساعدها في ذلك منطق بعض الاتفاقات الدولية والرأي العام المؤيد لإسرائيل فالوصول إلى حلول جزئية ومنفردة بين إسرائيل وكل من جاراتها العربيات في مصر والأردن وسورية ولبنان أمر مختلف جوهريا عن قضية الصراع العربي الصهيوني من المنظور القومي وحق العرب في تحرير فلسطين وعودة سكانها وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعودة الحقوق العربية كاملة . فالمسألة الأولى تنتهي بتوقيع اتفاقات ثنائية يقدم كل طرف فيها تنازلات قلت أو كثرت وينتهي الأمر عند ذلك كما حدث في اتفاقات سيناء ، واتفاقات أوسلو وواشنطن وبعده الاتفاق الأردني الإسرائيلي .
أن إسرائيل بنجاحها هذا الذي فرضته ظروف قاهرة على الأمة العربية وقواها الوطنية والقومية قد
أعطت لنفسها وللعالم المبرر بأن ما تم التوصل إليه على بعض الجبهات العربية خصوصاً الجانب الفلسطيني يجب أن يتم على الجبهات الأخرى المتبقية وهي سورية ولبنان .
وبما أن أصحاب الحق الأساسي وهم الفلسطينيون كما يعتقد العالم وكما يعتقد بعض القادة الفلسطينيين أنفسهم الذين ساروا في طريق التسوية قد قبلوا تلك النتائج فمن غير المنطقي أن يستمر الآخرون في رفض هذا الأسلوب .
لقد كان موقف الحزب دائماً يعتبر أن الصراع لن ينتهي ويختزل مع مثل هذه الاتفاقات التي أملتها ظروف عربية ودولية طرأت خلال السنوات القليلة الماضية . لقد مرت على الأمة العربية ظروف قاسية في العصور الماضية عندما كانت أجزاء من أراضيها تحت الاحتلال والسيطرة الأجنبية وكما هو معروف عبر التاريخ فقد تعرض الوطن إلى غزوات أجنبية عديدة فالرومان ، والتتار ، والمغول والفرنجة ( الصليبيون ) والأتراك العثمانيون ، والغزوات الأوروبية الحديثة في القرن الماضي ومطلع هذا القرن وآخرها الآن الغزوة الصهيونية ، كلها حاولت السيطرة والبقاء في هذا الوطن ونجح بعضها في البقاء ردحاً طويلا من الزمن مشكلة دولا وممالك ودويلات انتهت بعد ذلك بسبب المقاومة الشعبية لمثل هذه الغزوات ، وقد مرت خلال تلك الحقب ظروف صعبة كالتي تمر اليوم على الأمة العربية من حالات التشتت والضعف وعدم القدرة على امتلاك زمام المبادرة للمقاومة ووجود بعض الحكام الذين تعاونوا مع تلك الغزوات وبعضهم عقد تحالفات معها وتمتعت تلك الممالك والدويلات بالدعم الخارجي المتعدد الجوانب تماماً كما يحدث اليوم ، لكن القول الفصل في النهاية هو لجماهير الأمة التي رفضت في السابق الاذعان للهيمنة والسيطرة والغزو وبنتيجة صمودها ومقاومتها انتهت كل تلك الغزوات الأجنبية واندحرت دولها وبقي الوطن العربي ملكاً للمواطنين العرب .
إن من يقرأ موقف سورية وقيادتها وعلى رأسها الرفيق الأمين العام للحزب الرئيس حافظ الأسد يستطيع بسهولة أن يتبين الفرق الجوهري بين الوصول إلى سلام عادل وشامل ومشرف يحفظ الكرامة ويعيد الأرض والحقوق إلى أصحابها في مثل هذه الظروف الصعبة ، وبين ما تم التوصل إليه من اتفاقات بين " إسرائيل " وبعض الأطراف العربية الأخرى ، أن هذا الموقف هو وحده الكفيل باستنهاض الهمم وإبقاء جذوة الأمل متقدة للوصول إلى الحل العادل المنشود ، ولا يمكن أن يكون أي حل يتفق عليه ولو مرحليا هو نهاية المطاف في هذه القضية المعقدة ، فالحياة لا تقف عند حد ، ولا يمكن لجيلنا أن يقف عنده لا يمكن فرضه على الأجيال القادمة التي قد تمتلك معطيات أخرى تدفعها للتقدم في مسار آخر . والعالم كذلك لا يقف عند حد معين ولا عند وجود قوة واحدة تتحكم بمصير العالم وتفرض الهيمنة ، فقد وجد في تاريخ البشرية مثل هذه الحالات في السابق وانتهت الامبراطوريات والممالك التي قامت بها . ولا يمكن لأي شعب أحس بالغبن والظلم واحتلت أراضيه أن يقبل إلى مالا نهاية باتفاقات تقيده وان حدث لجيل أو أكثر منه قبول ذلك مرغماً ..
وإذا توفرت لامتنا العربية ذات التاريخ العريق القيادات الحكيمة والمخلصة كما هو الحال في سورية سوف تستطيع أن توظف مضمون أي اتفاق يتم التوصل إليه لمصلحة القضية التي نتبناها ونكافح من أجلها .