كلمة المناضل - من غزة إلى الخليل أي سلام تريد إسرائيل
كلمة المناضل العدد 264 ك2 ـ شباط 1994
من غزة إلى الخليل أي سلام تريد إسرائيل
الدكتور فواز الصياغ
رئيس هيئة التحرير
منذ أن أعلن اتفاق أوسلو في 13 أيلول 1993 حتى وقوع مجزرة الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل يوم الجمعة في 25 شباط 1994 ، تشهد الضفة الغربية وخصوصاً مدينة غزة الباسلة ، التي وعدت بالسلام والأمن ، تشهد يوميا إرهابا وعنفا صهيونيا لم تشهده قبل هذا الاتفاق . وفي الوقت الذي كانت فيه جماهير فلسطين تنتظر أن يشملها الأمن والسلام ، شهدت مدينة الخليل العربية الفلسطينية المحتلة مجزرة لم تشهدها مدن فلسطين منذ مذبحة دير ياسين قبل ما يزيد على خمسة وأربعين عاما مضت . وكان ما حدث رسالة صهيونية موجهة إلى كافة مدن فلسطين تحت الاحتلال والى كافة المدن العربية الأخرى التي تنتظر الخلاص من الاحتلال في جنوب لبنان والجولان وغيرها . وما حدث يوم الأحد في 27 شباط في كنيسة ذوق مخائيل شمال بيروت هو عمل صهيوني آخر مدبر ضد لبنان الذي تحتل إسرائيل جنوبه . والرسالة الصهيونية للعرب هي أن لن يسلم أحدهم أيا كان انتماؤهم المذهبي وأيا كان موقعهم الجغرافي فيما لو تشددوا بالمطالبة بحقوقهم والتمسك بأرضهم والمطالبة باستردادها ، والرسالة الصهيونية للعالم هو أن ما حدث في الخليل عمل عادي ممكن أن يحدث مثله في مناطق أخرى ، فلا يجب اعتباره حدثا استثنائياً .
لقد فهم العرب مباشرة هذه الرسالة الصهيونية وبادروا إلى وقف المفاوضات الجارية في واشنطن حول العملية السلمية في المنطقة ومطلوب من العالم بأجمعه وخصوصا الولايات المتحدة الأميركية ، فهم تلك الرسالة الصهيونية الموجهة للعرب والعالم . والبدء بإجراءات ضرورية للضغط على العدو الصهيوني والزامه بتطبيق قرارات المجتمع الدولي التي تنص على حماية السكان تحت الاحتلال وإلى تطبيق قراري مجلس الأمن 242 و 338 والانسحاب من الأراضي العربية المحتلة والالتزام بتطبيق ميثاق الأمم المتحدة حول حقوق الإنسان .
إن ردة فعل العفوية على المجزرة والتي تمثلت في المواجهات الواسعة مع سلطات الاحتلال من المواطنين العرب الفلسطينيين قد واجهتها السلطات الرسمية الصهيونية بعنف راح ضحيته العشرات من أبناء فلسطين في كافة المدن في الضفة الغربية وقطاع غزة ، مما يثبت العالم أجمع أن السياسة الرسمية لسلطات الاحتلال لا تختلف أبداً عن السياسة غير الرسمية التي يمارسها المستوطنون الصهاينة الذين وفدوا بموافقة تلك السلطات وبرعايتها وتشجيعها واحتلوا المواقع التي يشغلونها الآن في المستوطنات غير الشرعية خلافاً لكافة الأنظمة والقوانين والأعراف الدولية ، والذين سمحت السلطات الصهيونية نفسها بالموافقة على تسليحهم وتشجيعهم على اضطهاد وقتل المواطنين العرب .
إن السياسة الصهيونية منذ أن أرساها مؤسسوها اعتمدت القتل والإرهاب وتشريد السكان العرب من فلسطين والأرض العربية ليتاح لهم الاستيلاء عليها خالية من أصحابها . وها هي مجزرة الخليل تمثل استمرار الما ارتكبته الأيدي الصهيونية منذ ما يزيد على نصف قرن في دير ياسين ، وقبية ، ونحالين في فلسطين ، والسموع ، وغرندل في الأردن ، وبحر البقر في مصر ، وصبرا وشاتيلا ، وجونيه ومدن الجنوب في لبنان ، والقنيطرة والمزيريب ، والهامة في سورية كلها شواهد على السياسة الصهيونية الرسمية .
ذلك كله يدفعنا إلى التمسك التام بالحقوق والوضوح في المطالب وعدم ترك أي شيء للصدفة أو التهاون بأبسط الأشياء ، وعدم التفريط بها لأنه الطريق الوحيد الصحيح للوصول إلى سلام عادل ودائم . إننا أمام عدو يحاول أن يخضع كل شيء لمصالحه ويفسر كل قضية وكل موقف كما يريد هو فمن أجدر منا نحن العرب أن نتمسك بحقنا المشروع وعدم التفريط به ، لأن سلام إسرائيل هو سلام القتل والاضطهاد والاغتيال وسياسة تفريغ الأرض العربية من السكان . والسلام الذي نريد هو الذي يضمن إعادة الأرض والحقوق إلى أصحابها ويحقق الأمن والاطمئنان لسكانها .