كلمة المناضل - العرب وإسرائيل ولقاء جنيف المرتقب
كلمة المناضل العدد 263 ت 2 كانون 1 1993
العرب وإسرائيل ولقاء جنيف المرتقب
الدكتور . فواز الصياغ
رئيس هيئـة التحرير
ما زال العالم ينتظر نتائج العملية السياسية في منطقتنا العربية وما ستسفر عنه مباحثات السلام بين العرب ودولة الاحتلال الصهيوني ، وفي الوقت الذي تستمر فيه إسرائيل بالتعنت وترفض تطبيق ابسط قواعد الالتزام بقرارات المجتمع الدولي وأساس العملية التي انطلقت في مدريد قبل عامين وهي " الأرض مقابل السلام " . وفي الوقت الذي أبدى فيه العرب كل مرونة للتعامل مع مبادرة الولايات المتحدة الأميركية حول هذا الهدف ، تستمر إسرائيل في رفضها الالتزام بها وتهربها من المرتكزات الأساسية لعملية السلام .
ورغم الاتفاق الذي أبرمه ياسر عرفات وقيادته مع القادة الصهاينة ، والجو الاحتفالي الذي رافق كشف المباحثات السرية بينهما في أوسلو عاصمة النرويج والصخب الإعلامي الذي استقبل فيه العالم توقيع الاتفاق في واشنطن في الثالث عشر من أيلول 1993 ، رغم ذلك كله لم تستطع قيادة عرفات وقيادة العدو الصهيوني تنفيذ أبسط بنود ذلك الاتفاق ، وهي ما كان يجب أن يتم في الثالث عشر من كانون الأول 1993 حسب الاتفاق في خطوته العرجاء الأولى .
وبعد جولة الوزير الأميركي كريستوفر على المنطقة والاتفاق الذي تم بين سورية وأميركا على لقاء الرئيسين حافظ الأسد وبل كلينتون في منتصف كانون الثاني 1994 في جنيف ، ذلك اللقاء الذي ينتظره العالم وينتظره العرب ، وما يمكن أن يسفر عنه من نتائج لمصلحة السلام والأمن للمنطقة وحقوق الجماهير العربية عامة والفلسطينية خاصة، منذ أن أعلن عن ذلك ومع تقدم الوقت واقتراب الموعد تتصاعد الحملة الصهيونية ـ كما تصاعدت من قبل ـ على الإدارة الأميركية وعلى الرئيس كلينتون بالذات بمختلف الإشاعات والاتهامات بما يمكن أن يلحق الضرر والإساءة به وبسمعته وتقلص شعبيته ، وبالتالي إضعاف موقفه والحد من قدرته على اتخاذ قرار يمكن أن يكون فيه شيء من الضغط على إسرائيل وسياستها في الشرق الأوسط .
لقد دابت الدوائر الصهيونية على مثل هذه الحملات في كل مرة تتخذ الإدارة الأميركية موقفاً قريباً من الإنصاف في الصراع العربي الإسرائيلي ، وسبق أن تعرض الرؤساء الأميركيون السابقون لمثل هذه الحملات في كل مرة يلتقون فيها مع الرفيق حافظ الأسد الأمين العام للحزب رئيس الجمهورية العربية السورية في جنيف ، بقصد تسهيل العملية السياسية للصراع العربي الصهيوني . وليس غريباً علينا نحن العرب أن ندرك الأهداف الصهيونية الخبيثة وراء مثل هذه الحملات وما يتم التخطيط له في الدوائر الصهيونية والحليفة لها في الولايات المتحدة الأميركية والتي تسيطر على كثير من وسائل الإعلام المؤثرة في أميركا .
لسنا هنا بصدد الدفاع عن الرئيس الأميركي بل كلينتون أو السياسة الأميركية فتلك مهمتهم ، لكنا هنا نريد أن نذكر بأن الصهيونية ودولتها إسرائيل ما زالت على سياستها المتعنتة رغم تغيّر العالم ، وما زالت تتبع تلك الممارسات القمعية والعنصرية في الأراضي العربية المحتلة . في الوقت الذي تمارس فيه سياسة الضغط على المجتمع الدولي وفي مقدمته الولايات المتحدة الأميركية رغم كل المساندة التي تقدمها لدولة إسرائيل . فإسرائيل لا تريد أن تقام أية علاقة طبيعية بين أي دولة عربية والولايات المتحدة الأميركية ، وتريد أن تستأثر هي وحدها بتلك العلاقة وان تبقي الولايات المتحدة بعيدة ومعادية لأية دولة عربية أخرى خصوصاً سورية وقيادتها لما لها من تأثير واضح في القضايا المطروحة في المنطقة وخصوصاً قضية الصراع العربي الإسرائيلي .
إن حزبنا أيها الرفاق ملتزم بعملية السلام التي بدأت منذ عامين في مدريد وسيواصل عمله ضمن الأسس والقواعد التي رسمها لنفسه وفي ضوء مقررات مؤتمراته وقياداته ومستمر بالعمل لاسترجاع الأراضي العربية المحتلة واستعادة الحقوق العربية وتطبيق قرارات المجتمع الدولي الرامية إلى إحلال السلام في منطقتنا ، وهو في موقفه هذا يمثل إرادة العرب وطموحهم وأمل الجماهير التي صدمتها السياسات المراوغة وقصيرة النظر التي استسهلت الحلول السياسية الجزئية والمنفردة والتي تبحث عن خلاص فردي اعتقدت انه يحميها ويحقق أرباحاً لتجارتها السياسية .
إن سورية العربية يقودها الحزب والجبهة الوطنية التقدمية لو أرادت مثل هذه الحلول البائسة لحققتها منذ عشرات السنين ، ودون عناء كبير ، لكن سورية البعث لا تبحث عن خلاص فردي أو قطري أنها تبحث عن الخلاص القومي الذي يؤمن للعرب حقهم وكرامتهم ، أنها صاحبة قضية واكتسبت سمعتها وموقفها وقوتها من خلال تمسكها بتلك المبادئ التي مثلت أمل جماهير العرب وقواهم الوطنية والقومية وطموحهم نحو بناء مستقبل يحقق العرب فيه ذاتهم ورسالتهم .