كلمة المناضل - الجولة العاشرة للمفاوضات ومؤتمر حقوق الإنسان..
كلمة المناضل العدد 260 أيار ـ حزيران 1993
الجولة العاشرة للمفاوضات ومؤتمر حقوق الإنسان..
الدكتور . فواز الصياغ
رئيس هيئـة التحرير
استؤنفت الجولة العاشرة من المباحثات العربية الإسرائيلية حول السلام في المنطقة في أجواء لا تشجع على التفاؤل بالتزام إسرائيل بتطبيق القرارات الدولية حول الصراع العربي الصهيوني والمبادئ التي انعقد في ظلها مؤتمر مدريد ومباحثات السلام ، وكما هو معروف وواضح للعالم أجمع أن إسرائيل بتصرفاتها وتعنتها وتفسيراتها الخاصة تريد الأرض والسلام وابتلاع حقوق العرب وخصوصاً حق الشعب العربي الفلسطيني التي أقرتها المواثيق الدولية ونصت عليها قرارات الأمم المتحدة منذ عام 1948 حتى الآن .
وتزامن بدء الجولة العاشرة مع انعقاد المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان في فينا بالنمسا وكان المؤتمر تظاهرة عالمية اشتركت فيه الوفود الرسمية من مختلف دول العالم كما شاركت فيه وفود غير رسمية مثلت جزءاً مهما من الرأي العام المطالب بالحقوق المتساوية للناس بصرف النظر عن المواقع أو الانتماء أو العرق أو اللون .
لقد برزت في المؤتمر المذكور اتجاهات متعارضة لحقوق الإنسان فالدول التي تسعى لفرض هيمنتها على العالم والتي ترغب في تطبيق النظام العالمي كما تتطلبه مصالحها ومصالح شعوبها ترى أن حقوق الإنسان هو ما تراه وتقدمه هي من الحقوق لغيرها من الدول والشعوب حصراً دون الأخذ بالاعتبارات الإنسانية والتراث العالمي المتراكم على مدى قرون من الزمن في هذا المجال . والاتجاه الآخر الذي مثلته الدول النامية والتي رزحت تحت نير الاستغلال والاحتلال والتجويع والابتزاز عقوداً طويلة من الزمن مارسته عليها الدول الاستعمارية القديمة والدول الإمبريالية الحديثة وما يسمى اليوم دول العالم المتقدمة والصناعية الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية . وهذا الاتجاه يرى أن حقوق الإنسان يجب صياغتها وتعميمها على البشرية في غياب الفقر والجهل والمرض والاستغلال والاحتلال الذي تمارسه دول العالم الصناعية عليها ، وان اللعبة الديمقراطية الليبرالية التي تحاول دول العالم المتقدمة فرضها على دول العالم الثالث ما هي إلا وسيلة ضغط وابتزاز للإجهاز على ما تبقى من الأنظمة المعارضة لسياسة الغرب الإمبريالي التي عانت تلك الدول من هيمنتها وسيطرتها واستغلالها خلال العقود الماضية .
فلو طبقنا المبادئ التي تنادي بها تلك الدول على ما نراه الآن من مشكلات تشغل العالم لما كان العالم بحاجة اليوم لاستخدام القبضة الأميركية العسكرية المهيمنة على مجلس الأمن والأمم المتحدة وقراراتها والتفسيرات الأحادية الجانب التي سببت تعقيدات لا حصر لها في العالم أجمع .
أن ما نراه الآن من تعنت إسرائيلي في مباحثات السلام وقبلها وما يحدث في البوسنة والهرسك وما يحدث في الصومال وما زال يحدث في دول القارة الأفريقية وعدد من دول أميركا اللاتينية وبعض دول جنوب شرق آسيا ، كل ذلك بسبب التفسير الأحادي الجانب لحقوق الإنسان الذي تحاول الإمبريالية الغربية فرضه على دول العالم الثالث لإبقاء الهيمنة والسيطرة والاستغلال ، وإلا فكيف تفسر حقوق الإنسان العربي بشكل عام والفلسطيني على وجه الخصوص أمام حقوق الإنسان الإسرائيلي أو الأميركي أو الإنكليزي وأين هي حقوق الإنسان المهاجر في دول أوربا الغربية أمام حقوق الإنسان الألماني أو الفرنسي ، وأين هي حقوق الإنسان المسلم في البوسنة والهرسك أمام حقوق الإنسان الصربي أو الكرواتي وأين هي حقوق المواطن الأسود أمام حق المواطن الأبيض في بعض الدول الإفريقية .
أن معظم من يتعرضون اليوم للاضطهاد والاحتلال وعدم المساواة والفقر والتجويع هي تلك الأمم والشعوب والدول ذات الحضارات العريقة الضارية في عمق التاريخ ، والتي ساهمت حضاراتها وثقافاتها في وضع الأساس لما نراه اليوم من التقدم والازدهار والرفاهية التي تعم بعض الدول المتقدمة التي مارست الاستغلال على شعوب تلك الحضارات وأفقرتها وجوعتها وتطالبها اليوم بتبني مفهومها لحقوق الإنسان .
إن ما يطلبه العالم الآن هو وضع ضوابط متفق عليها لمثل هذه الحقوق ، ورؤية انسجام تام في تطبيق ذلك ووضع تفسير واحد لحقوق الإنسان لا يحمل وجهات نظر متفاوتة بل ومتناقضة في أحيان كثيرة .