كلمة المناضل - النظام العالمي الجديد هل يدفع العرب نحو الوحدة - عددان
كلمة المناضل العدد 252 ك 2 ـ شباط 1992
النظام العالمي الجديد هل يدفع العرب نحو الوحدة !!
الدكتور . فواز الصياغ
رئيس هيئـة التحرير
مع اقتراب الجولة الرابعة للمباحثات العربية الإسرائيلية ، يتضح للعالم أن النوايا الصهيونية مختلفة اختلافاً كلياً عما يفكر به العالم وتفكر به الولايات المتحدة الأميركية التي أطلقت مبادرتها لحل النزاع العربي الإسرائيلي على أساس مبادلة الأرض بالسلام وتطبيق قرارات الأمم المتحدة بهذا الخصوص .
فقد وضح منذ البداية إن إسرائيل والدوائر الصهيونية الحاكمة كانت تهدف من قبولها المبادرة إلى تمرير الوقت والالتفاف على الإجماع الدولي وتراهن في الوقت نفسه على التحولات التي تجري في ما كان يسمى دول المنظومة الاشتراكية والاتحاد السوفييتي ، تلك التحولات التي مثلت عاملاً إيجابياً بالنسبة للحركة الصهيونية وإسرائيل والإيديولوجية الرأسمالية عموما ..
وكان واضحاً منذ انتهاء مؤتمر مدريد أن الدولة الصهيونية تلح على عقد المؤتمر الإقليمي وتظهر له اهتماماً أكبر بكثير من المباحثات الثنائية التي من المفترض أن تناقش الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة وكيفية إقرار الحكم الذاتي للشعب العربي الفلسطيني وتطبيق القرارات الدولية بهذا الخصوص . والمؤتمر الإقليمي الذي تقرر عقده في موسكو وحضرته أطراف عربية غير معنية أساساً باحتلال الأرض على الرغم من قومية المعركة مع العدو الصهيوني ، كان المقصود من حضورها إكمال اللمسات الأخيرة للوحة التي رسمتها الصهيونية لصورة المنطقة بعد فرض الهيمنة الصهيونية عليها وتسديد قائمة الحساب من هذه الدول النفطية الغنية .
لقد كان موقف سورية البعث واضحاً منذ البداية حول هذا المؤتمر رغم كل ما حاولت الدوائر المشبوهة الترويج له على أنه المؤتمر الدولي المطلوب حول قضية الشرق الأوسط وأنه المؤتمر الذي سيحرج إسرائيل ويحشرها في الزاوية وان إسرائيل لن تجد بعد هذا المؤتمر مناصا إلا تطبيق قرارات الأمم المتحدة والانسحاب ورغم إعلان إسرائيل نفسها قبل المؤتمر وأثناءه وبعده أنها لن تستجيب لذلك ولن تطبق أيا من الأوهام التي يركض وراءها العرب بما في ذلك قرارات " كامب ديفيد " التي أعلن الصهاينة أنها أصبحت في حكم الماضي ولا تلزمهم بشيء حول الحكم الذاتي الفلسطيني بسبب تغير الواقع الديمغرافي البشري في الأراضي المحتلة بعد بناء المستوطنات وقدوم المهاجرين الجدد مما كان يسمى الاتحاد السوفييتي .
ذلك كله وأكثر منه لم يستطع أن يوضح أمام من شاركوا في اجتماع موسكو الحقيقة التي أعلنتها سورية " أنكم تضعون العربة أمام الحصان وتقدمون للعدو خدمة مجانية ومكافأة على عدوانه واحتلاله " ..
وكانت النتيجة كما رأى العالم أن المعنيين بالأرض المحتلة في فلسطين وسورية ولبنان لم يشاركوا في المؤتمر لأنهم كانوا يدركون المخاطر التي تترتب على هذا الاستسلام المجاني للعدو .
وإسرائيل اليوم تريد ـ كما كانت دوماً ـ الأرض والسلام والمال والمياه والإرادة العربية ، كلها دون استثناء وتريد للمباحثات في واشنطن أن تنتقل إلى الشرق الأوسط وان لا تكون مباحثات عربية إسرائيلية بل مباحثات ثنائية وتريد إرغام العرب ليس على تجزئة قضيتهم فحسب بل وإرغامهم على قبول وفود إسرائيلية في عواصمهم وتطبيع علاقاتهم معها وإرغامهم على الذهاب صاغرين إلى دولة الاحتلال . وتريد .. وتريد .. كل شيء .. مقابل لا شيء .. فهل يستوعب الأشقاء العرب وخصوصاً المسؤولين منهم هذه الحقائق الصهيونية ويتصرفون بوعي قومي مدرك لما يحيط بالأمة العربية وأجيالها المقبلة من أخطار .
فإسرائيل اليوم لا تفتقر إلى الذرائع التي يمكن من خلالها شن أي عدوان عسكري على الأرض العربية اللبنانية أو السورية وتراها تحشد قواها وتقوم بالاعتداءات المتكررة على الأراضي اللبنانية وتقتل الأطفال والنساء والشيوخ وتشرد الآلاف من جنوب لبنان ولا نجد من العالم سوى بعض مظاهر الاحتجاج الخجولة ولا نجد من الأشقاء العرب غير التمنيات بألا يتكرر ذلك ...
يجب أن يفهم العرب أولاً أن النظام العالمي الجديد الذي ينشده العالم اليوم وتسعى الدوائر الإمبريالية والصهيونية لجعله نظاماً يخدم مصالحها فقط وكأنه نظام مفصل لإخضاع الأمة العربية وثرواتها وإرادتها وأرضها للإطماع الصهيونية ، هذا النظام أن لم يجد أمامه قوة عربية موحدة الإرادة متمسكة بالحقوق غير مفرطة بالثروة ومستشرفة مصالح وأهداف الأجيال العربية القادمة ومستوعبة تماماً للأهداف الصهيونية البعيدة المدى التي يزداد وضوحها يومياً بتصريحات قادة العدو أنفسهم حول " إسرائيل الكبرى" إذا لم يدركوا ذلك فإن النظام العالمي الجديد سيكون على حسابهم ولن يجدهم موقف الاستكانة والاستسلام لمآرب الصهيونية وحلفائها نفعاً ..