كلمة المناضل - الولوج إلى السلام أصعب من قرار الحرب - عددان
كلمة المناضل العدد 250 أيلول ـ ت 1 1991
الولوج إلى السلام أصعب من قرار الحرب ..
الدكتور . فواز الصياغ
رئيس هيئـة التحرير
طريق السلام الذي تتجه أنظار العالم إليه اليوم ربما يكون أصعب من طريق الحرب ، ففي مدريد عاصمة أسبانيا حيث سيعقد مؤتمر السلام وحيث ستجري المفاوضات بين العرب والإسرائيليين ، أو ربما بشكل أدق بين العالم وبين إسرائيل ، في مدريد ستتوضح خطوات المرحلة التاريخية المقبلة من عمر الأمة العربية وربما من مسيرة العمل السياسي والاقتصادي والعسكري والاجتماعي في المنطقة بأسرها .
لقد خاض العرب حروباً كبيرة ثلاث مع دولة العدو الصهيوني ، واشتبكوا معها بآلاف المعارك المتعددة الأشكال خلال نصف القرن المنصرم ، وكانت نتائج تلك الحروب كارثية مدمرة لأوضاعهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية . وكان من الأسباب الأساسية لتلك النتائج ( إذا استثنينا الأوضاع الذاتية للأمة العربية ودولها وحكوماتها ) دعم الغرب لسياسة إسرائيل ومساعدتها في عدوانها على الأمة في الوقت الذي لم تستطع فيه الأمة العربية بأنظمتها المختلفة مجابهة ذلك العدوان أو موازنة الدعم الإمبريالي له .
واليوم يقف العالم على أبواب عصر جديد أبرز ما فيه ظهور القوة الأميركية العسكرية والسياسية والاقتصادية كقوة ليس لها منازع بعد التحولات الكبيرة التي طرأت على الاتحاد السوفييتي والدول التي كانت حليفة له .
ومع هذا التغيير ظهرت حاجة الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين إلى تهدئة أية بؤرة توتر تحيط بالمناطق التي تعتمد عليها استراتيجيتهم الاقتصادية والسياسية والعسكرية وأبرز هذه المناطق وربما أهمها على الإطلاق ما يسمى بمنطقة الشرق الأوسط ، لذا اتجهت أنظارهم لتهدئة أوضاعها ومحاولة حل نزاعاتها وأبرزها النزاع العربي الإسرائيلي .
والعرب رأوا في ذلك فرصة ربما تكون الفرصة الأخيرة أمام أي حل سياسي يكون الغرب فيه والولايات المتحدة الأميركية على وجه الخصوص في موضع توازن بين القوتين المتصارعتين ، العرب ، وإسرائيل ، وتتحدد على ضوء ذلك مصداقيتهم في محاولة تطبيق قرارات المجتمع الدولي ومجلس الأمن على الشرق الأوسط بشكل متوازن ، وهو الأمر الذي لم يحدث حتى الآن خلال عقود الصراع السابقة .
لكن هذه المسألة التي استغرق الوصول إليها سنوات عديدة ومعارك كبيرة وحروباً ثلاثة بسبب التعنت الإسرائيلي المستمر ، ربما تحتاج من المؤتمر وقتا بالقصير كما يأمل البعض .. إذا لم تتخذ الولايات المتحدة مواقف حازمة لتطبيق قرارات المجتمع الدولي .
لذا فطريق السلام صعب ، كما هو طريق الحرب والاستعداد له صعب ، كذلك ، ومواجهة كل معركة سياسية تحتاج إلى جهد له مواصفات تفوق أحياناً مواجهة معركة عسكرية . لكن ما يطمئن أن القيادة التي قررت وخاضت حرب تشرين ومعارك جبل الشيخ ومعارك لبنان والخليج ، وغيرها من المعارك الكبرى التي خاضتها الأمة العربية خلال العشرين سنة الماضية ونجحت فيها هي نفس القيادة التي تخوض اليوم معركة السلام بساحاتها السياسية والنفسية ، تخوض معركة السلام بنفس الزخم ونفس الروح ونفس الأهداف التي خاضتها في الحروب السابقة وتقف فيها على نفس القاعدة الصلبة التي انطلقت منها وهي الحقوق القومية للأمة العربية في أرضها وترابها ودحر العدوان الصهيوني واسترداد الحقوق الوطنية للشعب العربي الفلسطيني .