كلمة المناضل - 1989 متغيرات وثوابت
كلمة المناضل العدد 239 كانون أول 1989
1989 متغيرات وثوابت
الدكتور. فواز الصياغ
رئيس هيئـة التحرير
شهد عام 1989 أحداثاً وتطورات شدت العالم وجعلته يتابعها باهتمام لم يحدث مثله منذ الحرب العالمية الثانية ، خصوصاً تلك الأحداث التي عمت دول المنظومة الاشتراكية ـ وما زالت ـ تحدث فيها تحولات عميقة عصفت ببعض أنظمتها ، وحولت البعض الآخر إلى دول ذات اتجاه ليبرالي ، أن بعض تلك المتغيرات تحمل معها تبدلا كاملا في السياسات الداخلية والخارجية لتلك البلدان وتؤدي إلى تغيير في علاقات الإنتاج القائمة بين القوى العاملة والمنتجة ، وسيؤدي ذلك كله حتما إلى تحولات اجتماعية عميقة الجذور ، تتبعها مواقف وسياسات من الصعب حصر نتائجها في المدى القريب .
إن ما يهمنا نحن البعثيين من ذلك أن نستذكر المبادئ الفكرية الأساسية التي وجهت مسيرة حزبنا منذ تأسيسه ، وميزته عن الأنظمة السياسية والعقائدية المتعددة في العالم وأهمها :
أولاً : لقد آمن حزبنا بالقومية أساسا ومنطلقاً في حياة الأمة في وقت كانت فيه بعض العقائد تعتبرها من الأفكار والمخلفات البرجوازية ومنطلق الشوفينية والتعصب . وعندما أكد حزبنا على الرابطة القومية والوحدة القومية ، وهي أول مبادئ الحزب ، فإنما كان يؤكد على الحقيقة التاريخية القائمة التي لا يمكن إلغاؤها أو تجاوزها لدى معظم شعوب العالم أن لم يكن جميعها .
ثانياً : إن تأكيد حزبنا أن الحرية أساس بناء الإنسان المتحضر ، وأساس تطوره ، وأساس وجوده ، كان استجابة لحاجة طبيعية لدى الفرد ، موضحاً ومؤكداً أن حرية الأفراد هي جزء من حرية الوطن التي تساهم في بناء المجتمع المستقر . ويشمل ذلك ضمن ما يشمل حرية التملك في الحدود التي لا تصل إلى مستوى الاستغلال وتراكم رأس المال ، وهي حرية مصانة بما فيها أيضاً حق الإرث ، والحرية السياسية للمنظمات والهيئات التي لا تتعارض أهدافها مع رغبات الجماهير الكادحة ، والحرية الفردية التي تعزز حرية الوطن عموماً وتحرره من السيطرة الاستعمارية والاستغلال الجشع ، والقهر الاقتصادي والسياسي الذي تمارسه القوى الإمبريالية والصهيونية وحليفتها القوى الرجعية .
ثالثاً : أقر حزبنا أن للرسالات الروحية تأثيراً قوياً على المجتمعات والشعوب المختلفة ، وبما أن الوطن العربي هو مهد الرسالات الثلاث الكبرى في العالم ، فان حزبنا الذي يحترم هذا التراث الروحي ويعتز به ، لأنه تراث شعبنا ووليد حضارته ، يؤكد أن تلك الرسالات إنما انبثقت لخدمة المواطنين ولخلاصهم من الاستغلال ، والعبودية ، والجشع ، وجاءت لإعادة الاعتبار لإنسانية الفرد ، وتنظيم حياته على نحو أفضل مما كان عليه قبلها ، فهي إذن رسالة حضارة وتقدم ومحبة وحرية قدمتها الأمة العربية للعالم ، وهي موضع فخر حزبنا وجماهيرنا .
تلك هي المنطلقات التي ميزت مسيرتنا منذ التأسيس عما كان قائماً من الأنظمة السياسية والعقائدية والمتعارضة في العالم .
إننا إذ نذكر ذلك الآن ، لأنه سيساعدنا على فهم تلك التغيرات التي تحدث في عالم اليوم والتي تحاول أن تلائم ما بين حاجات الناس والشعوب إلى حياة أفضل مع مراعاة تلك المبادئ الأساسية الثلاث .
إننا مع كل تغيير يجعل حياة الشعوب في حال أفضل ويجنبها خطر الحرب والإبادة، ويبعد عنها التهديد والقلق ، بشرط ضمان حقوقها وحياة شعوبها خصوصاً تلك الدول الصغيرة التي تحاول شق طريقها بين معسكر الجبارين . تلك الشعوب التي كانت ـ وما زال بعضها ـ نهبا للاستغلال الإمبريالي والسيطرة الرأسمالية والاحتلال الصهيوني والعنصري ، وكان بعضها هدفاً لمؤامرات التجزئة ، واستلاب الحقوق الأساسية المشروعة .
إن سلاما دائما يعم الأرض أمر حيوي لكل الأمم والشعوب وان ديمومته تتوقف على عدالته وبغير ذلك لن تستطيع قوة أياً كانت ضمانة أي سلام هش . وفي منطقتنا حيث ما زال الاحتلال الصهيوني في فلسطين وأجزاء أخرى من الوطن ، وحيث النهب الإمبريالي لخيرات شعبنا ما زال نشطا ، فان سلام الحق والعدل ما زال بعيداً عن وطننا.
إننا إذ نودع عاماً حافلاً بالأحداث نستقبل عاماً نؤكد فيه مبادئنا ومنطلقات حزبنا وجماهير شعبنا بفهم ووعي عميقين ، وبهذه المنطلقات وحدها تستقيم العدالة ويتحقق السلام والوفاق .