كلمة المناضل - هكذا هو البعث وهذه هي ثورته ..
كلمة المناضل العدد 230 آذار 1989
هكذا هو البعث وهذه هي ثورته ..
الدكتور . فواز الصياغ
رئيس هيئـة التحرير
في سجل الأحداث التاريخية التي مرت بها الأمة العربية في النصف الثاني من القرن الحالي تبرز ثورة الثامن من آذار عام 1963 في القطر العربي السوري كحدث ذي أبعاد تجاوزت حدود سورية إلى مساحة الوطن العربي بأجمعه . فهي بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي وبتخطيطه وتنفيذه لها . واستلهامها لمبادئه الأساسية والعامة قد وضعت قدمها على طريق الاستمرار والديمومة ، وهي من الصفات اللازمة لوضع الأهداف ـ القريبة والبعيدة ـ موضع التطبيق العملي من أجل مصلحة العامل والفلاح وجميع الطبقات الشعبية الكادحة صاحبة المصلحة في هذه الثورة ومبادئها .
إن ما ميز ثورة البعث في القطر العربي السوري هو التمسك التام بتلك الأهداف التي أعلنها الحزب منذ تأسيسه ، وعدم التنازل عنها أو التفريط بها أو المساومة على أي منها ، فمهما بلغت الصعوبات أمام الثورة ورجالها في مختلف الظروف ورغم ما واجه الثورة من ضغوط عربية ودولية ورغم ما مرت به الثورة من مصاعب داخلية سواء على صعيد أداتها وهو الحزب أو على الصعيد القطري في سورية ـ رغم كل ذلك ـ بقيت الثورة متمسكة بتلك الأهداف مناضلة لتحقيقها مدافعة عنها مضحية في سبيلها .
فأول ما واجه الثورة في القطر العربي السوري من أحداث لا تصمد أمامها الا الثورات الأصيلة . كان انتكاسة ثورة الحزب في العراق التي قامت في الثامن من شباط عام 1963 وبعد أقل من تسعة أشهر من قيامها في الثامن عشر من تشرين الأول 1963 ، كان ذلك حدثاً رهيباً هز الحزب كله ـ وتأثرت به ثورة آذار في سورية تأثراً عظيماً . وبعد ثلاث سنوات واجه الحزب أزمة داخلية مربكة تجاوزتها قواعده بحركة 23 شباط 1966 خرجت منها الثورة كذلك أكثر صحة وعافية ونشاطاً ، وتقدمت لترسيخ أقدامها الاشتراكية والجماهيرية لتواجه وبعد عام ، غزوة خارجية شنتها الصهيونية العنصرية والإمبريالية ممثلة بعدوان الخامس من حزيران 1967على كل من سورية ومصر والأردن . كان أحد أهداف هذا العدوان إسقاط الثورة وتحطيمها ، وبعد ذلك العدوان عاش الحزب وهو أداة الثورة ومحركها وقائدها أحداثاً كادت تنعكس على مجمل مسيرة الحزب وثورته الرائدة ، وبشعور المسؤولية العالي واستشراف المستقبل ، واستلهام إرادة الحزب والجماهير انطلقت الحركة التصحيحية بقيادة الرفيق المناضل حافظ الأسد لتعيد للحزب وللثورة صفاءهما ولتعدل مسيرتهما في مواجهة الحياة والتحدي والتاريخ .
لقد وعت الإمبريالية والصهيونية والرجعية أن مبادئ الحزب وأهدافه هما الخطر الدائم الذي يتهدد وجودها ومصالحها ، لذا كان التركيز مستمرا على الحزب وثورته في سورية ولم تمر ساعة في الحياة تخلو من التآمر والتخطيط للنيل منهما ، وعرقلة مسيرتهما وخلق الصعاب أمامها ، خصوصاً بعدما برز دور الحزب وثورته في التخطيط والتنفيذ لأبرز معارك العرب المعاصرة في مواجهة الغزو الصهيوني وهي حرب السادس من تشرين الأول التحريرية عام 1973 .
وقد وجدت القوى المعادية للأمة العربية أن في استمرار الحزب وثورته في سورية خطراً لا بد من مواجهته وخلق المصاعب العديدة أمامه ، فبرز التآمر الداخلي من قوى الردة السوداء واليمين المحافظ والبرجوازية الطفيلية والرأسمالية الجشعة وقوى العمالة، برز ذلك خصوصاً بعد إسقاط اتفاقات كامب ديفيد السيئة الذكر .
واستطاعت الثورة أن تنتصر على التآمر وخرجت أشد قوة ومنعة وأكثر تصميماً على مواجهة المؤامرة وأدواتها . وبعد فشل ذلك واجهت الثورة المؤامرة التي حيكت في لبنان لتمزيقه ، ونشر المبادئ الانعزالية والطائفية والتقسيمية ، بقصد التأثير المباشر على سورية وثورتها ..
وكان الموقف القومي الوحدوي الذي وقفه الحزب وقيادته في مواجهة ذلك . وعندما عجزت أدوات الصهيونية بنفسها استعانت بموجهها وراعي وجودها " إسرائيل " حيث شنت عدوانا مباشراً استهدف القوى الوطنية اللبنانية وقوات الثورة العربية السورية التي تدعمها .
وتجاوزت الثورة ذلك وواجهت العدوان الصهيوني على لبنان والقوى الحليفة له وواجهت كذلك القوات المتعددة الجنسية وفي مقدمتها القوات الأميركية التي جاءت لتساند قوى الردة المتصهينة في لبنان ، وخرجت تلك القوى الأجنبية يجللها العار وتتوجها الهزيمة .
لقد وضعت الثورة نصب عينها قضية العرب المركزية في فلسطين كقضية أولى يجب عدم التنازل عنها أو التفريط بها وهذا نتيجة طبيعية لتحليل الحزب بأن الصراع الدائر في وطننا اليوم هو صراع بين جماهير الأمة العربية وبين أعدائها ممثلين بالقوى الصهيونية والإمبريالية والرجعية وحلفائهم . لذا اعتبر الحزب أن قضية الاحتلال الصهيوني لفلسطين عمل عدواني يجب مقاومته ودحره وطرد المحتلين ، وتصفية جيوبهم وعودة فلسطين إلى أصحابها العرب دون أي تنازل أو تفريط بالحقوق التاريخية للأمة العربية وأجيالها المتعاقبة .
وما زالت ثورة الحزب في القطر العربي السوري تعالج هذه القضية القومية من هذا المنطلق وتواجه المؤامرات المستمرة التي تسعى للتنازل أو التفريط بتلك الحقوق والساعين للوصول إلى حلول لا تخدم مصالح الأمة وجماهيرها مهما كان لبوسهم ومهما كانت الجهة التي ينتمون إليها . والثورة بموقفها هذا تعبر عن ضمير الأمة وماضيها وتستلهم مستقبل أجيالها ومصالحهم . لقد رسخ الحزب وثورته مبادئ الصمود والتصدي وعلى هذه القاعدة انطلقت الجماهير العربية في جميع الأراضي المحتلة تقاوم المحتلين وأعوانهم ، فانتفاضة العرب في الأرض الفلسطينية المحتلة ، وصمود سكان الجولان في وجه العدو ومخططاته الالحاقية ، ومقاومة المناضلين في جنوب لبنان ، كل ذلك ارتكز أولاً على قاعدة الصمود القومي الذي رسخه الحزب وثورته في القطر العربي السوري.
إن منجزات الثورة وعلى مدى ربع قرن الماضي في مجالات البناء المتعددة في القطر العربي السوري مسألة يخطئها الحصر رغم الظروف الصعبة التي واجهتها الثورة كما ذكرنا . والثورة بقيادة الحزب وأمينه العام الرفيق حافظ الأسد رئيس الجمهورية مصممة على الاستمرار في هذا الطريق : البناء والتحرير ، بناء الوطن وتحرير المحتل منه وهذان هما جناحا الثورة ، بغيرهما لن تستطيع التحليق في وجدان الأمة العربية وسمائها للوصول إلى كل مواطن عربي ، تلامس جروحه ، تتبنى أهدافه، تعانقه ، تضمه لتصبح جزءاً منه ويصبح جزءاً منها . هكذا هو البعث وهذه هي ثورته.