كلمة المناضل - عددان - هجوم السلام أو هجوم الاستسلام
كلمة المناضل العددان 228 ـ 229 كانون 2 شباط 1989
هجوم السلام أو هجوم الاستسلام
الدكتور . فواز الصياغ
رئيس هيئـة التحرير
في مقال نشرته الصحف أعلن جيرالد كوفمان وزير خارجية حكومة الظل العمالية البريطانية اثر مقابلة مطولة مع ياسر عرفات بعد إعلاناته عن الاعتراف " بدولة إسرائيل " وإدانة " الإرهاب " والتخلي عن الكفاح المسلح الخ ... سلسلة التنازلات التي قدمتها القيادة اليمينية ، أعلن كوفمان أنه في بداية حديثه مع عرفات ذكر له أن اسحق شامير رئيس وزراء دولة إسرائيل يميل للاستشهاد بأن استمرار وجود ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية دليل يؤكد رأيه على الرغم من تصريحات عرفات الأخيرة بأن الفلسطينين لا يزالون راغبين في تدمير الدولة الإسرائيلية وأجابه عرفات انه لن يبحث في وضع الميثاق الا في مؤتمر سلام دولي فقط لكنه أضاف ـ أي عرفات ـ " هذا الميثاق لم يوضع في عهدي ، ومنظمة التحرير الفلسطينية لم تنتخبني رئيساً طبقاً لهذا الميثاق " وهذا قول في غاية الأهمية ـ كما يقول كوفمان ـ (1) .
وفي موقف آخر في أثناء اجتماع اللجنة السباعية العربية لدعم الانتفاضة الذي عقد في تونس بتاريخ 12/1/1989 بحضور وزراء خارجية كل من سورية تونس الأردن والجزائر ، والعراق ، والسعودية ، وفلسطين بالإضافة إلى الأمين العام للجامعة العربية حضر ياسر عرفات ذلك الاجتماع ، وأثناء حديثه عن الانتفاضة ومتطلباتها ، عرض موقفه من مسألة العمال العرب الفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة الذين يعملون في المؤسسات الصهيونية حيث قال : " يا إخواني في الأشهر الأولى من الانتفاضة واجهنا مشكلة كان لدينا 150.000 عامل يذهبون يومياً للعمل في الأراضي الإسرائيلية ( هذا سماها ) ثم انخفض العدد إلى 40 % . كان هناك بعض الأخوان في الساحة الفلسطينية وحتى بعض الأخوان العرب يطالبوننا بأن لا ندع أحدا من هؤلاء العمال يذهب إلى العمل في الأراضي الإسرائيلية وأنا هنا أسجل أمامكم تحفظى على هذا الرأي الذي سبق أن ابديته أمام إخواني في قيادة المنظمة ، وقلت أن عدم ذهابهم يعني خسارة 23 مليون دولار شهرياً وأنا احمد الله أنني لم ارتكب هذا الخطأ فبقي 40 % من عمالنا على رأس عملهم " . *
هذا النموذج من الأفكار والآراء السياسية ينسجم تماماً مع ما طرح أمام الوزير البريطاني ويكمله ويتوافق معه : التخلي عن ميثاق المنظمة ثم عدم المساس بالكيان الصهيوني ، التخلي عن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مقال كوفمان صحيفة القبس الكويتية 16 ـ 1 ـ 1989 العدد 5992 .
• محاضر اجتماعات للجنة السباعية العربية . لدعم الانتفاضة في تونس بتاريخ 12/1/1989 .
الكفاح في سبيل استعادة الحقوق المغتصبة ، إمداد مؤسسات ذلك الكيان بكل وسائل الدعم والديمومة والاستمرار في خدمة الآلة العسكرية الاقتصادية الصهيونية على طريق استمرار العمال العرب بعملهم فيها .
لقد كانت سلسلة التنازلات السريعة والمتعاقبة التي أطلقتها القيادة اليمينية لمنظمة التحرير في جنيف أو ما بعدها والخضوع التام للإرادة الصهيونية تنفيذ الشروط التي فرضتها الولايات المتحدة الأميركية كافة على المنظمة تشكل كلها ليس تفريطاً بالحقوق الوطنية الثابتة للأمة العربية في فلسطين بل وتشكل كذلك إدانة كاملة لمراحل النضال الوطني الفلسطيني منذ بداياته في مقاومة الغزوة الصهيونية لأرض فلسطين وتشكل كذلك إدانة للنضال القومي العربي وللفكر العربي ولآلاف الشهداء الذين سقطوا على تراب فلسطين وغيرها في مواجهة هذه الغزوة الصهيونية العنصرية .
وتشكل كذلك إدانة حتى لنهج هذه القيادة التي قادت الناس في فترة سابقة للكفاح المسلح وزجت بالعديد من المواطنين العرب في أتون المعركة مع العدو وهاهي الآن تتخلى عن كل تضحياتهم ومعاناتهم .
أنها تشكل إدانة لنا نحن العرب جميعاً لتاريخنا ونضالنا وتراثنا وتراث آبائنا وأجدادنا لن نسكت عليه وسنقاومه ونفضحه أياً كان مدعيه . لقد أوضح الرفيق وزير الخارجية العربية السورية في اجتماعات تونس المذكورة في معرض رده على ادعاءات الانتصار الذي تحقق في جنيف " بأن ما حصل هو دفعة دبلوماسية وإعلامية مؤقته على الساحة الدولية قد تدوم شهراً أو شهرين أو ثلاثة لأن ضخامة ما حدث جاءت من عملية الاعتراف بإسرائيل ومن رغبة الجانب الفلسطيني ممثلاً لمنظمة التحرير أن يقدم كل ما لديه من أوراق دفعة واحدة وبدون مقابل وأمام عدسات التلفزيون ، وهذا بالطبع حدث كبير لا يستطيع العالم وخاصة الغرب الذي تهمه إسرائيل أن يتجاهله أو أن يرحب به"*
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
• محاضر الاجتماعات في تونس .
وأضاف الرفيق وزير الخارجية " بأن الأوربيين والأميركيين طالبا سورية أن تفعل الشيء نفسه حتى تسهل عملية السلام وكان جوابنا لهم : كيف يمكن أن نقدم هذا في حين لا تعترف إسرائيل بأي حق من حقوق الشعب الفلسطيني ولا تعترف إسرائيل بأن الجولان أرض سورية ، ولماذا يطلب منا الاعتراف بإسرائيل وهي لا تعترف بأنها تحتل أراضينا العربية لو كان اعتراف المنظمة بإسرائيل متزامنا مع اعتراف إسرائيل بالحقوق العربية ، لكان ذلك مفهوماً . صحيح سيقال بأن المنظمة فعلت كل شيء من أجل السلام وهذا ينسجم مع الأجواء الدولية السائدة وسنتوقع حصولنا على شفقة الآخرين وليس كسب احترامهم لنا . نحن في سورية لا نريد الشفقة من أحد ، ولهذا لن نعترف بمن لا يعترف بحقوقنا كاملة " .
هذا الموقف العربي السوري الذي ينطلق من بديهات الثقافة والتراث الحزبي البعثي المتمسك بالحقوق الثابتة للعرب في فلسطين لا يرضى الذين يسيرون في طريق التسوية الاستسلامية وليس من المستغرب أن نسمع كلاما مشابها لما يتحدث به قادة اليمين الفلسطيني من قادة اليمين العراقي فها هو وزير خارجية العراق طارق عزيز يؤكد في الاجتماع نفسه وفي معرض الرد على موقف سورية " بأننا هنا لسنا بصدد مناقشة قرارات المجلس الوطني الفلسطيني فهو مؤسسة مستقلة ولجنتنا هي لدعم القضية الفلسطينية كما يقررها الفلسطينيون أنفسهم " . *
وأضاف كذلك " بأن هذه اللجنة ليست لمناقشة ومحاكمة الموقف الفلسطيني وأن وجود أبي عمار بيننا لا يعني أن نحاكمه . هو قائد لشعبه وهو مسؤول عن قرارات وحر فيما يتخذه من قرارات " . *
• المصدر السابق .
• المصدر السابق .
فأين هي قومية المعركة والصراع مع العدو الصهيوني وهل اعتقد أولئك إن أطماع " إسرائيل " وقفت عند حدودها الحالية أم ما زالت تلك الأطماع من النيل إلى الفرات ؟ ونحن نسألهم لماذا وقع الاعتداء الصهيوني على المفاعل العراقي قبل عدة سنوات ؟ .
أن منطق اليمين متكامل موحد أي كان موقعه في داخل الوطن أو خارجه في السياسة وفي الاقتصاد وفي جميع المواقف ونحن في الحزب وفي الجمهورية العربية السورية لا يمكن أن نوافق أو نؤيد تلك الادعاءات الإقليمية أو القطرية تحت أي ظرف من الظروف وتحت أي حجة من الحجج ومهما حاول دعاة الاستسلام من تغليف مواقفهم الانهزامية بمواقف إقليمية أو ما يسمونها مواقف "وطنية " فهذا منطق ترفضه الجماهير لان القضية القومية لا يمكن أن تصبح شاناً إقليميا أو " وطنيا لان ذلك أضرار بها أولا وبالموقف القومي عامة وكل معالجة إقليمية لا تضع المصلحة القومية في الاعتبار مصيرها إلى الفشل وإدانة التاريخ .