كلمة المناضل - عددان - من تشرين 1917 إلى تشرين
كلمة المناضل العددان 225 ـ 226 ت1 ـ ت2 1988
من تشرين 1917 إلى تشرين
الدكتور . فواز الصياغ
رئيس هيئـة التحرير
منذ تأسيس الحزب ولتشرين عند الرفاق البعثيين ذكريات حفلت بإحداث تركت بصماتها على الواقع والتاريخ العربي حتى الآن واحتلت تلك الأحداث مساحة مهمة من نضال الحزب وتراثه وتاريخه وفي مجالات عديدة . وبسبب بعض تلك الأحداث ما يزال الحزب والمناضلون في صفوفه يخوضون معارك وحروب آثارها باقية في تاريخ امتنا اليوم .. وفي المستقبل .
ففي الثاني من تشرين الثاني عام 1917 صدر وعد بلفور ، الذي أعطت بريطانيا بموجبه حق إنشاء وطن قومي صهيوني في فلسطين العربية .
وفي التاسع والعشرين من تشرين الثاني كذلك عام 1948 صدر قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية بعد الحرب الأولى التي كانت من نتائج ذلك الوعد المشؤوم .
وما بين الحدثين وفي التاسع والعشرين من تشرين الثاني أيضاً عام 1938 كان قرار سلخ لواء الإسكندرون العربي السوري وإلحاقه بالدولة التركية وما تزال المعاناة بسببه حتى اليوم .
في خضم الأحداث الجسام والذكريات الأليمة ظهرت بعض النقاط المضيئة في تاريخنا المعاصر كان أبرزها في مسيرة حزبنا حدثان تشرينيان لهما ارتباط وثيق بما سلف : ففي السادس من تشرين الأول عام 1973 ظهرت دلائل تحول العرب إلى موقع متقدم على طريق تحرير الوطن والإنسان من عقد السيطرة والهيمنة الصهيونية وكان ذلك اليوم بداية مرحلة ملحمية في تاريخ أمتنا لو قدر لها أن تستمر وتستثمر نتائجها لفعلت الكثير لولا خيانة البعض ونكوص البعض الآخر من العرب الذين شاركوا سورية حربها التحريرية المجيدة .
ولأن قرار الحرب لم بأت من فراغ ، وكان لا بد له من مقدمات فإن ما حدث في السادس عشر من تشرين الثاني عام 1970 هو مقدمة المقدمات حين تم ـ وبقيادة الرفيق ـ حافظ الأسد الأمين العام رئيس الجمهورية تصحيح ما كان قد أعوج من مسيرة الحزب قائد ثورة الثامن من آذار في القطر العربي السوري وملهمها وموجهها .
وما كان من تحولات واسعة في سورية ذاتها وفي علاقاتها مع الأقطار العربية الأخرى ودول العالم الصديقة هيأت المناخ المناسب لبدء حرب التحرير في السادس من تشرين عام 1973 .
وفي الوقت الحاضر الذي تتطلع فيه الجماهير العربية ومؤسساتها المختلفة إلى عمل عربي قومي نضالي يستلهم تاريخ الأمة وتراثها وحضارتها وتطلعات أبنائها ، عمل يضع حداً للعدوان والاغتصاب ويسترجع الحقوق جميعها ، وحيث تستعد سورية بقيادة الحزب لتحقيق التوازن الاستراتيجي مع دولة العدو كي تنطلق منه لتحقيق الانتصار الاستراتيجي للأمة ، في هذا الظرف إن الأخطار الاستراتيجية التي تلحق بالأمة العربية جراء تلك القرارات قد يتبعها أخطار سياسة تلحق ليس فقط بالعرب ، بل بأصدقائهم الذين يدعمون النضال العربي بالوسائل السياسية وغيرها .
فمسألة انعقاد المؤتمر الدولي برعاية الأمم المتحدة و إشراك جميع الأطراف المعنية بالصراع في المنطقة والذي يشكل دعامة للنضال السياسي في المحافل الدولية تلك المسألة ربما " تصبح في خبر كان " بعد تلك القرارات . وقد يصبح في المستقبل القريب شعار المفاوضات المباشرة مع العدو الصهيوني ، الذي تتردد نغمته الآن بين بعض السياسين الفلسطينيين ، قد يصبح ذلك مطلباً قومياً لهم ويعتبرون النضال من أجل تحقيقه في المستقبل موضوعاً مهما وتحقيقه غاية الغايات والوصول له يعد أثمن الانتصارات ، وهم بذلك يحققون الحلم الصهيوني القديم ويصلون إلى هاوية لم تصلها اتفاقات كامب ديفيد سيئة الذكر ..
أن حزبنا ، حزب البعث العربي الاشتراكي ، الذي حمل هم الأمة منذ تأسيسه وتفاعل أعضائه وأنصاره مع كل تاريخ يحمل ذكرى للأمة .. سيبقى تشرين موفيا حقه ويعطي للحقوق أهميتها وأولويتها وفي مقدمة تلك الحقوق فلسطين . لأن فلسطين للبعثيين تماماً بقدر ما هي للفلسطينيين ، هكذا نحن ، وسنبقى ..