كلمة المناضل - عددان - ما تريده " إسرائيل " وما يريده العرب ..
كلمة المناضل العددان 223 ـ 224 آب ـ أيلول 1988
ما تريده " إسرائيل " وما يريده العرب ..
الدكتور . فواز الصياغ
رئيس هيئـة التحرير
بعد الفشل الذريع الذي منيت به السياسة الصهيونية والأميركية في الوطن العربي خصوصاً بعد توقف انتشار نهج كامب ديفيد وسقوط اتفاقية 17 أيار في القطر اللبناني الشقيق بنضال القوى الوطنية والتقدمية وتحالفها مع ثورة الحزب في القطر العربي السوري ، تلك الاتفاقية السيئة الذكر التي حاولت قوى الانعزال المتحالفة مع الدوائر الصهيونية التي تحتل جنوب لبنان وبعض الدوائر الرسمية الحاكمة المرتبطة بالسياسة الإمبريالية ، تلك الاتفاقية التي حاولوا بها تعميم سياسة كامب ديفيد لتشمل أكثر من قطر عربي ولتكون دليلاً لأنظمة عربية أخرى تمهيداً لإدخال الجانب الفلسطيني في المأزق الذي تريده لها الصهيونية والدوائر الرجعية العربية .
وفي الوقت الذي تتصاعد فيه الانتفاضة الجماهيرية في الأراضي العربية المحتلة مقدمة بذلك دليلاً قاطعاً للمستسلمين والرجعية من الجانب الفلسطيني والعربي ، وللصهاينة وحلفائهم الإمبرياليين الغربيين من الجانب المعادي على رفض هذه السياسة . في هذا الوقت يزداد تكالب القوى المعادية لتنفيذ ما ترمي إليه ، وتتوسع دائرة الهجمة على وطننا وأمتنا وجماهيرها سواء في الأرض المحتلة أو خارجها وخصوصاً على القوى والأنظمة والهيئات التي تقف وتقاوم تلك السياسة الإمبريالية الصهيونية وفي طليعة تلك القوى حزب البعث العربي الاشتراكي وثورته في القطر العربي السوري والقوى والحركات التي تتحالف معه وتنتهج سياسة معادية للمطامع الصهيونية والرجعية.
لقد فشلت الضغوط السياسية والاقتصادية وغيرها التي مورست على القطر العربي السوري وعلى جماهيره وقواها الثورية والتقدمية وفشلت المؤامرات التي حيكت لاشغال قيادته في جوانب متعددة من الحياة سواء منها ما يتعلق بالمؤامرات الداخلية التي اندحرت فلول عصاباتها وأجرائهم ، أو المؤامرات الخارجية التي حاولت أشغال سورية وقياداتها ردحاً من الزمن خصوصاً تلك التي تمت في لبنان وما تزال خيوطها وذيولها تعشعش في بعض مناطقه .
في الوقت الراهن ومع اقتراب موعد انتهاء الفترة الرئاسية في لبنان ، تحاول الدوائر الصهيونية الأميركية وحلفاءها الانعزاليين التقسيميين في لبنان ، تحاول عرقلة الانتخابات الرئاسية على أمل مجيء رئيس جديد ، يرعى المصالح الإمبريالية ويستمر في ظله وتحت رئاسته احتلال (إسرائيل) لجنوب لبنان وضرب القوى الوطنية والتقدمية المتحالفة مع سورية لاستمرار أشغال سورية عن أهدافها القومية الكبرى : وفلسطين في مقدمتها .
أن محاولة فرض رئيس لبناني يخدم المصالح الصهيونية والأميركية والانعزالية التقسيمية ، تحت أي ظرف أو مبرر من المبررات خصوصاً تلك المبررات أو الظروف التي صاغها وأوجدها في الواقع عملاء الاستعمار والصهيونية والسياسيون الذين كانوا أداة طيعة بيدهم في وقت سابق من بدايات استقلال لبنان وصياغة كيانه الطائفي السياسي الرجعي الذي كان هدفه خدمة المصالح المؤقتة للأفراد وليس خدمة مجموع الجماهير ، نقول أن محاولة فرض رئيس من هذا النوع سيقابل بكل الثقل الذي يفرضه الجانب الوطني والأخلاقي بالمقاومة الوطنية المشروعة لمثل هذا النهج . ولا بد من التذكير أن آلاف الشهداء والضحايا والتدمير الذي حصل في لبنان يجب أن لا يتمخض عن تكريس السياسة البالية التي ثارت عليها جماهير لبنان وقواه الوطنية والتقدمية .
إن مجتمعا في الربع الأخير من القرن العشرين لا يمكن أن يصاغ ـ وفي ظروف القيم الحضارية للأمة العربية ـ لا يمكن أن يصاغ على أساس طائفي أو ديني متزمت ، لأن الصفة القومية الحضارية الإنسانية للأمة العربية ومنذ بدء التاريخ هي المساواة بين أبنائها أيا كان مذهبهم الديني أو ولادتهم الطائفية ، لأن السياسة المغايرة لذلك وهي السياسة الطائفية الصهيونية التي تحاول أن ترسخ المذهب الطائفي لتكون " إسرائيل" دولة يهودية طائفية نقية خالية من العرب المسلمين والمسيحيين وغيرهم ، وهذه السياسة الصهيونية هي التي تشجع الكيانات الطائفية على التحرك والظهور في الوطن العربي لإعطائها المبرر ، كي لا تكون الدولة الطائفية الوحيدة في المنطقة العربية .
إن قيم الحضارة العربية تفرض علينا أن نقاوم تلك السياسة ومصادرها ورموزها حتى لو كانوا عرباً ـ وان ادعوا ذلك ـ لأن هذه السياسة هي ما تريده " إسرائيل " ..
وما يريده العرب قطعاً هو عكس ذلك تماماً ..