ما قالت الصحف اللبنانية ونشرته - "لبنان والقضية الفلسطينية"
ما قالت الصحف اللبنانية ونشرته *
التاريخ في 10 نيسان 1993
"لبنان والقضية الفلسطينية"، كان عنوان الندوة التي نظمها، أول من أمس، المركز الثقافي للبحوث والتوثيق في صيدا في قاعة محاضراته، وتحدث فيها مدير مؤسسة الدراسات الفلسطينية محمود سويد والمدعي العام السابق في الجنوب القاضي جوزيف اليازجي، وقدم المحاضرين وأدار النقاش عضو اللجنة الثقافية في المركز المحامي مصطفى صالح. وقال: "أول ما يتبادر إلى الذهن هو الرابط العضوي بين لبنان والقضية الفلسطينية، بحيث أصبح لبنان وجنوبه على الأخص، جزءاً من المسألة الفلسطينية، يعاني ما تعانيه الأرض المحتلة من العسف والجور الإسرائيليين. وقد ابتدأت هذه العلاقة في الازدياد منذ عام 1948، ممّا جعل الوجود الكثيف من النازحين الفلسطينيين عاملاً جديداً في تغيير واهتزاز الحياة اللبنانية من الوجهة الاجتماعية والسياسية وعلى الأخص في ساحة الجنوب اللبناني وأهم مظاهر هذا الوجود: أولاً، اندماج الحياة اللبنانية والفلسطينية في كثير من المناطق. وثانياً، تحالف القوى الوطنية والفلسطينية على المسرح السياسي في لبنان. وثالثاً، نشوء المقاومة اللبنانية المسلحة. ممّا أدّى ذلك إلى انعكاسات متتالية على الوضع اللبناني الداخلي وتأجيج الصراعات الداخلية والطائفية…".
استهلّ المحاضر محمود سويد مداخلته القيّمة، بالإشارة إلى أن أهم ما يميّز علاقة لبنان بالقضية الفلسطينية، في الماضي، هو أنها أهم أبرز عناوين الانقسام الداخلي الذي حال ولا يزال يحول دون وحدة الأرض والشعب… غير أن القضية الفلسطينية ليست سبب هذا الانقسام، بل هي دليل عليه أو مظهر من مظاهره، فاللبنانيون منقسمون على مواضيع أخرى عديدة، داخلية (مَن يحكم لبنان، وكيف) وخارجية (مسألة العروبة) وهو انقسام زامن القضية الفلسطينية وتأثر بها سلباً وإيجاباً. وأورثنا منها، بعد حرب ضارية ثلاثة عناصر أساسية: احتلال جزء من لبنان، والمقاومة، والتوطين. ولكل من هذه العناصر تأثيرات مستمرة في أوضاع لبنان.
أما عن هذه العلاقة في الحاضر بين لبنان والقضية الفلسطينية، فقد اعتبر المحاضر سويد أن الانتفاضة في الأراضي الفلسطينية المحتلة ساعد على انحسار زُخم القضية الفلسطينية عن لبنان، ودخوله مفاوضات السلام في ظروف عربية قاتمة: انقسامات وحروب أهلية وخلافات حادة واحتلال مباشر في الخليج، إلخ… وسيطرت أخيراً نظام الدولة العظمى المنفردة في العالم، والعاقدة مع إسرائيل تحالفاً استراتيجياً…. ففي ظل هذا الوضع قُضي على شعارات عاشت عليها هذه المنطقة سنوات طويلة: العروبة، الوحدة، تحرير فلسطين. وحل محلها لفترة قصيرة: العلاقات العربية الاتحادية، الدولة الفلسطينية المستقلة، الأمن العربي… ثم ما لبث أن حل محلها اليوم: النظام الشرق أوسطي، الأمن الإقليمي، تقسيم الموارد بين دول المنطقة، إلخ…
ويلاحظ المحاضر أن طبيعة العلاقة بين لبنان والقضية الفلسطينية قد تغيرت الآن من دور لبناني شعبي منخرط في مشروع تحرري إلى مرحلة مفاوضات سياسية رسمية. وأن هناك انفصالاً كاملاً بين المقاومة على الأرض وبين جمهرة المثقفين. المقاومة تقاتل إسرائيل والمثقفون يصيغون النظريات غير المتفاعلة على الإطلاق مع واقع المقاومة، حتى صارت شعارات وطقوساً تتكرر بذاتها ولذاتها: دعم المقاومة، دعم صمود الأهالي في قراهم، بناء الملاجىء إلخ… وأضاف: لقد اكتشفت الدولة اللعبة واستصاغتها. فانخرطت في مهرجان الكلام غير المسؤول وصارت تطالب مثل غيرها بدعم المقاومة وحق المقاومة وصمود الأهالي، كما لو أنها تتحدث عن شعب آخر في بلد آخر، إذ وجدت ولو متأخرة أن بإمكانك أن تردد كل يوم الحديث عن دعم المقاومة دون أن تفعل شيئاً من أجلها ومع ذلك تصنف وطنياً مناضلاً من أجل تحرير الأرض والنـاس.
واعتبر المحاضر في ختام كلمته أن حرب الخليج كانت نقطة انطلاق لتحضير المنطقة لمرحلة الصلح مع إسرائيل فتقاد إلى المفاوضات بلدان متنافرة، مفلسة ومستسلمة. وإن مفاوضات التسوية الدائرة، لا يمكن من حيث المبدأ، أن تفضي إلى حل متوازن وعادل للصراع العربي الإسرائيلي. ذلك أنها لا تنطلق من وضعية التكافؤ بين طرفيها العربي والإسرائيلي. إنها تسوية أميركية إسرائيلية مفروضة. وسيكون لبنان جزءاً من هذه الصفقة الشاملة. أمام هذه الظروف الدولية الجديدة فإن التماسك الداخلي على أسس واضحة وجامعة هو طريق الخلاص، أي بناء النظام لا طائفي الديمقراطي الذي يصون الحريات وحقوق المواطن والجماعات بالعدل والمساواة وسلطة القانون.. وهذا يفي أيضاً وأخيراً، إننا نحن مسؤولون عن صورة مستقبلنا وألوانها.
بعد ذلك، تحدث القاضي اليازجي فربط المسألة اللبنانية والقضية الفلسطينية بظروف المنطقة الدولية منذ أكثر من نصف قرن واعتبر أن ليس ثمة قضية فلسطينية ولا قضية لبنانية أو مصرية أو أردنية إلخ.. إنما هناك قضية شرق أوسطية، عربية بمعظمها وهي كناية عن حقوق وطنية تتنازع مع أطماع اقتصادية دولية. لها أوجه مختلفة لحقيقة واحدة… وأضاف المحاضر: انطلاقاً من هذه الاعتبارات نفهم أسباب النزاعات العربية وجميع القلاقل التي تسود منطقة الشرق الأوسط إلى أن نصل ما سمي بالقضية الفلسطينية.
وأشار المحاضر إلى أن الشعب اللبناني في البداية كان يؤيد الشعب الفلسطيني، ويتألم من المأساة الظالمة التي ألمّت به، إلى أن أضحى هذا التعايش اللبناني الفلسطيني يزداد عبئاً يوماً بعد يوم بسبب المشاكل المتزايدة كالمزاحمة على موارد الرزق والانتهاكات الأمنية الناتجة عن الوجود الفلسطيني المسلح وضعف السلطة المستمر. وقد زاده تدهوراً، تصرف بعض الساسة الذين اشتراهم الأجنبي أو غرر بهم.
وقال: إذا وعينا حقيقة المشكلة وعندما تفهم شعوب المنطقة: عربية أو غير عربية أو إسرائيلية إنها ألعوبة بيد القوى العالمية المالية تسخرها وتضحي بها على مذابح مطاعمها وشهواتها، عليها أن ترفض الدور الذي يجعلونها تلعبه وتذهب باتجاه السلام والديمقراطية وتلفظ الحكام الذين هم ألعوبة في يد هذه القوى الخارجية. فالشعوب جميعاً تنشد السلام والطمأنينة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * - وذلك بتاريخ 12 نيسان 1993.