كلمة المناضل - عددان - الجوقة الاستعمارية وجديدها القديـم ..
كلمة المناضل العددان 201_ 202 تشرين1 تشرين2 1986
الجوقة الاستعمارية وجديدها القديـم ..
الدكتور . فواز الصياغ
رئيس هيئـة التحرير
منذ أن تسلم الرئيس الأميركي رونالد ريغان زمام الإدارة الأميركية ، والنهج العدواني المتصاعد ضد حركة تحرر الشعوب وقواها الوطنية والتقدمية ، يأخذ دوره في التصاعد المستمر ولا يقف عند حد سوى حدود خدمة الإمبريالية الأميركية ومصالحها ومصالح حلفائها من بقايا الجوقة الاستعمارية القديمة في العالم .
وحتى الآن لم تشهد الإدارة الأميركية ومنذ بداية هذا القرن ، لم تشهد رئيساً أو إدارة وصل نهمها الاستعماري ونواياها الإمبريالية وطموحها نحو السيطرة وإخضاع العالم و دوله خصوصاً الدول النامية ، وصل إلى حد لم يألفه العالم من قبل ، ففي السنوات الأخيرة مارست الولايات المتحدة الأميركية سلسلة من الاعتداءات العسكرية الصارخة والاحتلال المباشر لبعض هذه الدول وتقديم المساعدات من دون حدود للحركات الرجعية وقوى الثورة المضادة في أنحاء العالم المختلفة ، كان من نتيجة ذلك النهج أن تصاعدت بالمقابل قوة وفعالية حركات التحرر الوطني العالمية في مواجهة تلك الهجمة ومارست بعض تلك القوى تصعيداً نوعياً لمواجهة الإرهاب الأميركي الرسمي أو غير الرسمي ، مما جعل العالم يشهد سلسلة من العمليات البطولية والجرئية في مواجهة قوى الإمبريالية بقصد دك معاقلها وضرب مصالحها ومرتكزاتها وأدت إلى وقوع خسائر بشرية ومادية كبيرة أحياناً ..
السؤال الذي واجهه العالم بعد ذلك ، إلى أي حد سوف يستمر هذا الإرهاب الدولي المنظم والرسمي الذي تقوم به الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها في العالم بدءاً من تشيلي ومروراً بأميركا الوسطى وغرانادا ودولة الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة وحليفتها النظام العنصري في جنوب إفريقيا وانتهاء بدول جنوب شرق آسيا و الفلبين .. والسؤال الأكثر إلحاحا هو هل من المعقول أن تقف شعوب تلك الدول وقواها وقفة مستكينة أمام هذه الهجمات الإمبريالية والمطامع الاستعمارية وبأية وسيلة يمكن مقاومة تلك القوى العدوانية الشريرة ؟.
وفي مواجهة ذلك تصاعدت حدة الحملة الإمبريالية ضمن وسائط أجهزتها الإعلامية التي تمتلكها والتي تسيطر عليها في أنحاء العالم والتي بدورها تمتلك من وسائل تقنية حديثة قادرة على التشويش المستمر والمنظم وبما تمتلكه من وسائل دعائية واسعة الانتشار ، عبر ذلك كله حاولت أن توهم الرأي العام العالمي أن هناك حملة إرهابية موجهة ضد " العالم الحر " وضد " المدنيين " وضد " الأهداف المدنية " في محاولة لتشويه النضال الذي تخوضه تلك الشعوب التي تناضل من أجل حريتها واستقلالها واستقلال قرارها السياسي وتوجهها الاقتصادي ، ذلك النضال الذي تخوضه الشعوب لم يكن ليحصل أبداً لو رفعت الإمبريالية الأميركية وأنظمتها العنصرية والديكتاتورية وحلفاؤها من قوى الرجعية السوداء ، لو رفعت يدها عن مصائر تلك الشعوب وخيراتها وثرواتها وتركتها تختار الطريق المستقل والحر لنهجها السياسي والاجتماعي والاقتصادي ، ولما كان العالم بحاجة إلى أن يشهد حروباً مستمرة وضحايا تزج يومياً في أتون المعركة ..
لقد أكدت قوى العالم المناهضة للإمبريالية والاستعمار أن حركة نضالها لن تتوقف عند حد حتى تحقيق أمنيتها في الاستقلال السياسي والاقتصادي ، ويساعدها في ذلك جميع القوى المناهضة لهذا النهج الإمبريالي من دول المنظومة الاشتراكية وقوى السلام والتحرر في العالم . وما يجب الوقوف عنده في الوقت الحاضر هو كيفية مجابهة العدوان وردع أدواته وتحطيم مرتكزاته الفكرية والاقتصادية والعسكرية في العالم .. وأما الحملة الظالمة التي تشنها الإمبريالية ما هي إلا أصوات طبول الحرب التي تجعجع في أنحاء العالم والتي تغذيها الإدارة الأميركية وتزج دولا أخرى حليفة لها للسير معها في هذا المضمار ..
لذلك نجد في ظل إدارة الرئيس الأميركي رونالد ريغان الحالية أن المطامع الاستعمارية القديمة لإنكلترا في المنطقة العربية بدأت تتنامى من جديد ، وذلك عبر التدخل السافر السياسي والاقتصادي الذي يدعم الموقف الأميركي في مقابل الدعم الأميركي للموقف الاستعماري الإنكليزي في أنحاء أخرى من العالم كما حدث أثناء غزو جزر الملفيناس (الفوكلاند) التابعة للأرجنتين ، وكما يحدث بشكل يومي لدعم العدوان الصهيوني على الأمة العربية وتأييد كامل للاحتلال "الإسرائيلي" للأراضي العربية ، وكذلك تبادل الدعم في مسألة جنوب أفريقيا ونظامها العنصري البغيض ، وكما يحدث في تبادل الدعم السياسي في الأمم المتحدة ومنظماتها المختلفة عندما يناقش أي قرار أو مسألة تتعلق بالتحرر من الاستعمار أو دعم حركات التحرر ، أو أي تطبيق فعلي لقرارات سابقة للأمم المتحدة أو مجلس الأمن في مثل تلك القضايا .
أن الروح الاستعمارية والإمبريالية تمثل نهجا مستمرا لهذه الأنظمة الرأسمالية المحافظة سواء كان في الولايات المتحدة الأميركية أو إنكلترا أو بعض دول أوربا الغربية ذوات التاريخ الاستعماري القديم وسوف يستمر هذا النهج ما دام النظام القائم في تلك الدول يعتمد على النظرية الرأسمالية الاستغلالية الجشعة . ويتوقف نماؤه وعدوانيته وبروز تسلطه وإرهابه يتوقف كليا على مقدار الجرعة المضادة التي تعطيها قوى التحرر ودول العالم الثالث ونضال الشعوب النامية ومساعدة الدول الاشتراكية وموقفها في مجابهة تلك الهجمة .
إن السياسة التي تنتهجها إنكلترا في الآونة الأخيرة ضد القطر العربي السوري والاتهامات التي وجهت له والتي وصلت إلى إعلان قطع العلاقات السياسية معه تشكل تصاعداً لنهج قديم مارسته إنكلترا ضد الأمة العربية منذ مطلع هذا القرن عندما كانت تحتل أجزاء كثيرة من وطننا وتفرض أبشع أنواع الإرهاب والاستغلال والتصرف بحقوق شعبنا ، وصل إلى درجة إعطاء الحركة الصهيونية جزءاً من وطننا وكأنها تتصرف بممتلكات ورثتها عن أبيها ، وكما قيل في حينه " أن من لا يملك ، وهب من لا يستحق " . وهذا التصرف بحد ذاته وما رافقه من اتهامات وتصرفات أخرى من أميركا وغيرها جاء ضمن إطار من التنسيق المتبادل بين أفراد الجوقة الاستعمارية بكل أطرافها ، وتمثل في الوقت ذاته أطراف القوى الرأسمالية في العالم والتي مارست بحق شعبنا وشعوب العالم المختلفة أنواعاً من الاستغلال والاستبداد والإرهاب والاحتلال العسكري خلال القرنين التاسع عشر والعشرين .
وهذا التصرف أيضاً يمثل نهجاً منظماً في إحكام الطوق على الأمة العربية وعلى قواها الوطنية والقومية التقدمية في محاولة لفرض إرادة الإمبريالية والصهيونية وإدخال الوطن العربي في الإطار الأميركي الرأسمالي الغربي وفرض الهيمنة والسيطرة عليه وأكثر من ذلك استخدامها رأس رمح في مواجهة دول المنظومة الاشتراكية .
إن فهم الطبيعة الاستعمارية لدول العالم الرأسمالي يسهل كثيراً فهم تلك الهجمة التي يتعرض لها وطننا وتتعرض لها قوى حركة التحرر الوطني في دول أخرى في العالم ، وهذا يتطلب وعيا عميقاً لفهم حركة الاستعمار العالمي ومطامعه ويتطلب كذلك تنظيماً وتسلحاً في مستوى المعركة التي تواجه أمتنا سواء أكان ذلك في مجالات الفكر أم السياسة أم الاقتصاد لأن للمعركة جوانبها الأساسية في تلك المجالات .