كلمة المناضل - لمن يقرعون طبول الحرب ؟
كلمة المناضل العدد 194 آذار 1986
لمن يقرعون طبول الحرب ؟
الدكتور . فواز الصياغ
رئيس هيئـة التحرير
تتوالى الأحداث متصاعدة في المنطقة العربية وذلك بسبب استمرار السياسة الأميركية ـ الصهيونية العدوانية ومعروف أن الولايات المتحدة الأميركية بالتعاون والتنسيق مع الكيان الصهيوني الاستيطاني تحاول البحث عن إمكانات تؤمن إنقاذ الحلول الاستسلامية في منطقتنا لتساعد في تنفيذ مخططاتهم الإمبريالية بعد أن توقفت اتفاقات كامب ديفيد عند حدودها النهائية وهذا الأمر يقف وراء تصعيد حدة التوتر في المنطقة العربية من أجل إيجاد مخرج ملائم من مأزقه عبر خلق وضع عسكري واقتصادي وسياسي يدفع بالمنطقة إلى تقبل الحلول الاستسلامية الأميركية الصهيونية المشتركة .
لذلك نرى السياسة الأميركية ـ الصهيونية تتخذ كل يوم أشكالاً وأبعاداً جديدة وخطرة في هذه المنطقة منها مثلا محاولات الضغط الاقتصادي على القطر العربي السوري من ناحية وعلى الدول العربية النفطية من ناحية ثانية على طريق تخفيض الأسعار العالمية للنفط وأرباك ميزانيات هذه الدول ومنها محاولات الضغط العسكري باستخدام مبدأ العمليات العسكرية العدوانية وتصعيدها ، مثلما رأينا في المناورات العسكرية الأميركية قبالة الشواطئ الليبية ، واستفزاز الشعب العربي الليبي والأمة العربية عبر ضرب الأراضي الليبية لإرهاب العرب ، ومنها أيضاً عمليات الضغط المتواصلة التي تقوم بها السلطات الإسرائيلية في فلسطين المحتلة وبشكل خاص في مرتفعات الجولان والإجراءات القمعية في مواجهة عمليات المقاومة البطولية هناك ، وكذلك جنوب لبنان حيث تقيم القوات الصهيونية لها شريطاً حدودياً على أرض الجنوب يساعدها في احتلال هذا الجزء من الأرض العربية بواسطة ما يسمى بجيش لبنان الجنوبي أو جيش انطوان لحد العميل .
وكما هو معروف أيضاً هناك اتفاق تم بين حزب العمل الإسرائيلي وتكتل الليكود على أساس اقتسام السلطة في داخل الكيان الصهيوني ومعروف أيضاً أن الولايات المتحدة ترغب باستمرار حزب العمل الإسرائيلي في الحكم ، خاصة وان هذا الحزب يمكن أن يساعدها أكثر في دفع السياسة الأميركية في المنطقة وتفهم دورها والاشتراك في إيجاد الحلول التي تخدم الطرفين على حساب العرب وحقوقهم . ويشارك الولايات المتحدة هذه الرغبة عدد من دول أوربا الغربية وأحزابها الاشتراكية الحاكمة وكذلك بعض الأنظمة العربية الموالية لأميركا و" إسرائيل " في المنطقة . في حين لا تساعد تجربة كتلة الليكود في التعامل مع الولايات المتحدة الأميركية بهذا الشأن في دفع السياسة الأميركية في ذاك الاتجاه لأنها تجربة ملأى بالتعقيد والمصاعب . والاتفاقية المعقودة بين حزب العمل الإسرائيلي وتكتل الليكود توجب أن يسلم حزب العمل إلى كتلة الليكود السلطة في الكيان الصهيوني في شهر تشرين الأول القادم ومن أجل الا يتحقق ذلك ولضمان رغبته في البقاء في السلطة ، يعتقد حزب العمل أن هذا الأمر يمكن أن يتم بواحد من طريقين ، الطريق الأول هو إجراء انتخابات نيابية مبكرة داخل فلسطين المحتلة تضمن حصوله على أغلبية برلمانية في الكنيست الصهيوني تؤهله لتشكيل حكومة جديدة يستغني فيها عن شراكة الليكود وتدخله . وهذا الاحتمال وارد ولكن مسألة ضمان حصول حزب العمل الإسرائيلي على هذه الأغلبية في الكنيست الصهيوني أمر غير مضمون بسبب عوامل كثيرة ربما كان منها المزاودات الداخلية وسياسات التعنت الصهيوني ، وتأثير سياسة المنظمات الصهيونية العالمية مما قد لا يتيح لحزب العمل الإسرائيلي تحقيق ما يأمله .
والطريق الثاني لتحقيق ذلك هو احتمال إحداث تغييرات عسكرية وسياسية في المنطقة العربية تضمن انتصاراً معينا لهذا الحزب ، وتخلق ظروفاً عسكرية وسكانية وجغرافية وسياسية جديدة على الأرض توجد المسوغ الكافي الذي يسمح ببقاء حزب العمل الإسرائيلي في السلطة ، سواء لاستكمال ما بدأه أو للخوض في غمار مفاوضات سياسية جديدة في ضوء الواقع المستجد .
ولتنفيذ ذلك يجب القيام بعمل عسكري سريع وفعال من قبل القوات الصهيونية على المنطقة العربية سواء كان على سورية الصامدة ، وهي المرشحة بالدرجة الأولى لأسباب عديدة سنأتي على ذكرها ، أو كان ذلك في جنوب لبنان مرة جديدة أو في مناطق عربية أخرى ، كأن يعد الكيان الصهيوني مع الولايات المتحدة الأميركية عدوانا مشتركا على الجماهيرية العربية الليبية مثلا . وكنتيجة لذلك يفكر العدو بتحقيق بعض المكاسب وخلق معطيات سياسية جديدة في المنطقة العربية تفرض على الأطراف المختلفة الجلوس إلى طاولة المفاوضات ، تماماً كما حدث بعد حرب تشرين التحريرية عام 1973 . وعندئذ يعاد طرح المشاريع السياسية الاستسلامية المرسومة للمنطقة وهذا يتطلب بقاء حزب العمل الإسرائيلي فترة أطول في السلطة لاستكمال ما كان قد بدأه . هنا تتكشف حقائق المشاريع الأميركية ـ الصهيونية مسفره عن وجهها في منطقتنا بوضوح تام والتي تتيح للحليفتين إنجاز اتفاق سياسي يضمن تحقيق الحلم الأميركي ـ الصهيوني بالسيطرة على الوطن العربي وتوسيع رقعة الحدود الحالية للكيان الصهيوني أو تثبيتها عند المواقع التي تصلها القوات الصهيونية ، أو بفرض شروط استسلامية أخرى على العرب تخدم ذلك التوجه الإمبريالي ، مستغلين في ذلك الوضع الاقتصادي المنهار لدول المنطقة بعد هبوط أسعار النفط العالمية ، ومستغلين انشغال كثير من الدول العربية بمشكلاتها الداخلية والاقتصادية وغيرها . وكانت الولايات المتحدة الأميركية قد ألمحت إلى ذلك عندما ادعت خشيتها حدوث تغييرات اجتماعية وسياسية داخل بلدان النفط العربية بعد هبوط أسعار نفطها ، ومستغلين في ذلك استمرار الحرب العراقية ـ الإيرانية وابتعاد العراق عن جسم الأمة العربية وإلهاءه في معركة جانبية مع إيران التي يفترض أن تكون في صف الأمة العربية وقضيتها المركزية فلسطين ، ومستغلين بذلك استمرار ابتعاد مصر عن موقعها العربي القومي .. إلى آخر هذه المسائل التي يستغلونها من أجل تهيئة ظروف انسب في المنطقة لطرح حلول استسلامية جديدة فيها ومتابعة سير مفاوضات جديدة من خلال توجيه ضربة عسكرية جديدة وخلق متغيرات ومعطيات تؤمن ذلك .
وكما ذكرت فان سورية الصامدة هي بالدرجة الأولى المرشحة لتلقي هذا العدوان على نحو أساسي ، أما لماذا .. فلأن سورية كما هو معروف باتت هي الثقل الوحيد الموجود الآن في الأمة العربية ، التي تواجه العدو الصهيوني وهي بطاقاتها وشعبها وحزبها وقيادتها ،، هي الوحيدة التي تقاوم هذه المشاريع السياسية والحلول الاستسلامية والتصفوية الأميركية ـ الصهيونية الساعية إلى فرض الاستسلام على العرب ، وسورية هي التي تبني جيشها العقائدي وقواته المسلحة ، واقتصادها وُتعدُّ بنيتها الاجتماعية والاقتصادية لمواجهة هذا العدو بكل ما يمثله . وسورية هي التي تقيم تحالفاً استراتيجياً ومتينا مع القوى القومية الوطنية العربية وفي طليعتها المقاومة الوطنية الفلسطينية الرافضة للحلول الاستسلامية وهي التي تقيم أيضاً تحالفاً وصداقة مع دول المنظومة الاشتراكية وعلى الأخص مع الاتحاد السوفييتي الصديق . وهنالك اتفاقية صداقة وتعاون معقودة معه ، موضوعة ومطبقة ومحترمة من كلا الجانبين العربي السوري والسوفييتي. وسورية هي اليوم التي تشكل مركز الثقل الأساسي في لبنان وهي التي تعمل على أن يعود لبنان إلى حالته الطبيعية ، إلى وحدته ، وإلى تماسكه ، إلى تقدمه وبقائه عضوا في جسم الأمة العربية عبر إسقاط المشاريع السياسية التي تحاول الصهيونية فرضها عليه وقطع كل علاقة أيا كان شكلها معها كما حدث بإلغاء اتفاق " 17 أيار " السيء الذكر ، أو عبر مقاومة جيش العملاء في جنوب لبنان والقوات الصهيونية هناك . و سورية هي التي تغذي المقاومة الوطنية اللبنانية ضد الوجود الإسرائيلي وضد الهيمنة الصهيونية في لبنان . وسورية هي التي تحاول أن توقظ في العرب نزعة مقاومة الصهيونية ومشاريعها ومقاومة السياسة الأميركية ومشاريعها . و سورية هي التي تحاول أن توحد الأمة العربية في سبيل وحدتها وحريتها وتحقيق حياة أفضل لجماهيرها .
و سورية هي التي تعمل جاهدة لبناء توازن استراتيجي مع العدو الصهيوني . لهذه الاعتبارات كلها ، سورية هي التي تكون دوما مستهدفة من قبل العدو الصهيوني وهدفاً لضرباته العسكرية . وكما نتابع فان ما يؤكد ذلك اليوم ، التهيئة الصهيونية النفسية للرأي العام العالمي التي تقوم بها الدوائر الصهيونية والأميركية في العالم ، والتي تدعي أن سورية هي التي ترعى الإرهاب وتشجعه .. وهي التي تقف حجر عثرة في وجه مشاريع السلام الأميركية ـ الصهيونية في المنطقة . وكما هو واضح فان العدوان يستهدف سوية أولاً ، ومن خلال ضرب سورية تستطيع الإمبريالية الأميركية ـ الصهيونية إركاع بقية العرب ثانياً ، وإخضاعهم أو إعطائهم درساً بأن هذه القوة الأساسية التي تتفاخرون بها والتي تعتزون بها استطعنا أن نلقنها الدرس المناسب ، وكما نرى الآن فان عملية تحريض الرأي العام العالمي عبر الدعاية الإمبريالية الصهيونية الأميركية متواصلة ضد سورية بدعوى امتلاكها أسلحة كيماوية ورعايتها للإرهاب وتشجيعه ويعطون أمثلة على ذلك ، كدعم سورية لعمليات المقاومة الوطنية الفلسطينية داخل فلسطين المحتلة وانتفاضة العرب السوريين في هضبة الجولان المحتلة ، ولمقاومة الشعب العربي في لبنان للوجود والهيمنة الصهيونية .. أن هذه العمليات المشروعة التي تغذيها سورية وتشجعها وتحاول الدعاية الصهيونية الأميركية إعطاءها صفة الإرهاب ، إنما يعني أنها ستستخدم كغطاء لأي عمل عسكري قادم موجه ضد سورية . و سورية الرافضة لهذا المنطق الإمبريالي تعرف تماماً أن الرد الوحيد عليه هو بالاستعداد الكامل للرد على هذا العدوان والاستمرار في مواقفها النضالية الثابتة دفاعاً عن الأمة العربية ومصالحها القومية العليا .
إن العدوان الإمبريالي الصهيوني قد دخل مرحلة العد العكسي كما يبدو ، وما يجري هناك على الحدود في لبنان والجولان من انتشار قتالي لقوات العدو واستدعاء لاحتياطه وإطلاق عنان التهديدات للقطر ، كل ذلك يذكر بأجواء الحرب التي تمت التهيئة الكاملة لها ، وفي هذه الحالة فعلى الرفاق البعثيين التنبه إلى مثل هذه السياسة الخبيثة، وان يكونوا على أتم استعداد ، كل في مجال عمله ، لتوجيه الرد المناسب دوماً، وتلقين العدو الصهيوني وسياساته العدوانية الدرس الذي يجب أن يعطى له في مثل هذه الحالات .