كلمة المناضل - في ذكرى التأسيس الحزب : وحـدة في الفكر والتنظيم
كلمة المناضل العدد 183 نيسان 1985
في ذكرى التأسيس الحزب : وحـدة في الفكر والتنظيم
الدكتور . فواز الصياغ
رئيس هيئـة التحرير
في السادس من نيسان عام 1947 ، انتهى المؤتمر الأول لحركة البعث العربي الاشتراكي ، الذي سمي بعد ذلك " بالمؤتمر التأسيسي" أو " المؤتمر القومي الأول" ، وصدر أثر ذلك في السابع من نيسان 1947 ، البيان الختامي عن ذلك المؤتمر الذي تضمن الإعلان عن إقرار دستور " حركة البعث العربي" التي أصبحت بعد ذلك حزباً سياسياً ، وتم كذلك إقرار النظام الداخلي وانتخاب "الهيئة التنفيذية" كما أعلن البيان عن أن المؤتمر استمع إلى تقرير سياسي وآخر عقائدي .
لقد كانت حركة البعث العربي قبل ذلك المؤتمر عبارة عن تجمع من الشباب الوطنيين القوميين المؤمنين بقضية الوحدة العربية ، والتحرر من الاستعمار ، والمناضلين في سبيل مبادئ سامية أخرى غلب عليها الطابع العاطفي ، من دون وجود ضوابط محددة لذلك التجمع أو التنظيم ، وكان معظم أعضاء حركة البعث من الشباب الجامعيين والمثقفين والمدرسين من أبناء الطبقات المتوسطة أو الفقيرة .
وعلى الرغم من أن الطابع العام المميز لتلك الحركة هو افتقادها لأسس التنظيم الدقيق ، أو الضوابط الموضوعية والعلمية التي تتسم بها أية حركة نضالية ثورية (انقلابية) ، إلا أن تأثيرها السياسي والفكري في سورية آنذاك كان كبيراً ، آخذين بعين الاعتبار وجود حركات وأحزاب سياسية قديمة كانت تمثل مصالح الطبقات البورجوازية والإقطاعية والسياسية الحاكمة والمتعاونة مع الاستعمار ، والتي كانت تمتلك كل الإمكانات المادية والسياسية في ذلك الوقت .
منذ إعلان السابع من نيسان عام 1947 تحولت حركة البعث العربي إلى حزب سياسي عقائدي يجمع في صفوفه الطلبة من أبناء الطبقات الشعبية ذوي المصلحة الحقيقية في أي تغيير جذري في المجتمع العربي .
أن ذلك التحول قد أعطى حركة البعث العربي صفات الحزب الثوري ، فكما هو معروف أن الحزب أي حزب هو التنظيم الذي يعبر عن مجموع مصالح أعضائه السياسية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية .
وعندما وضع الحزب أهدافه ومبادئه ، وكان معظم أعضائه وأنصاره من أبناء الطبقات الشعبية المحرومة ومن الكسبة والحرفيين والمثقفين الثوريين ، ومنذ ذلك الوقت أخذت بنيته التنظيمية تتوافق وتترافق مع الهدف السياسي العام الذي يطمح إليه وهو تحقيق الوحدة العربية ، وبناء حرية المواطن ، والسير في طريق الاشتراكية هدفاً اقتصادياً للمجتمع العربي الموحد .
ولقد توضحت تلك الأهداف والمبادئ التنظيمية في النظام الداخلي الأول الذي أقره مؤتمر الحزب التأسيسي حيث كان مفهوم الوحدة العربية أساساً في بنية الحزب التنظيمية "التنظيم القومي للحزب" وكان اختيار الأعضاء وتدرج مراحل عضويتهم وحقوقهم وواجباتهم تمثل الهدف الذي يسعى الحزب من خلاله لبناء التنظيم الطليعي الذي يقود جماهير الكادحين في سبيل تحقيق أهدافها .
أن تلك السمات التي اتصف بها تنظيم حزب البعث العربي الاشتراكي كانت العامل الأساسي والهام في مرحلة التأسيس التي ساعدت على انتشار الحزب في أقطار الوطن العربي خصوصاً في كل من لبنان والأردن وفلسطين والعراق وغيرها من الأقطار العربية الأخرى ، ذلك لأن الجماهير الشعبية وجدت في الحزب استجابة حقيقية حية لمعالجة مشكلات الحياة الفكرية والسياسية والتنظيمية لهذه الجماهير ، ووجدت فيه كذلك تلبية لكل ما تطمح للوصول إليه سواء في أفكارها أو في الوطن الكبير ..
إننا وبمناسبة الذكرى الثامنة والثلاثين لتأسيس الحزب نؤكد أن أحسن ما يقدمه المناضلون لجماهيرهم التي يمثل الحزب أوسع مصالحها ، هو الحفاظ على هذا التراث الوطني والقومي ورعايته وتطويره والتمسك التام به ، لأن الجماهير برعايتها له قد أوصلته إلى ما هو عليه الآن حزباً طليعياً متيناً ، صلباً ، رائداً ، لحركة الثورة العربية، مقاتلاً في سبيل الأهداف التي وجد من أجلها واستمر ، قائداً للمجتمع والدولة في القطر العربي السوري خندق الصدام الأول في وجه الإمبريالية والصهيونية وعملائهما ، راسخاً في ضمير الأمة العربية ووجدانها .
و التنظيم القومي للحزب هو الدرة التي يجب على المناضلين صونها ورعايتها، لأنه التعبير الحقيقي عن أرقى أشكال الوحدة الفكرية والتنظيمية والسياسية للأمة العربية التي نطمح ونناضل في سبيل تحقيقها . انه الجوهرة الأساس في هذا التاج الذي نضعه فوق رؤوسنا ونحفظه في قلوبنا وعقولنا ، حزب البعث العربي الاشتراكي .