كلمة المناضل - عـودُ علـى بـدء .. ملوك الطوائف إلى أين ؟؟
كلمة المناضل العدد 172 أيار 1984
عـودُ علـى بـدء ..
ملوك الطوائف إلى أين ؟؟
الدكتور . فواز الصياغ
رئيس هيئـة التحرير
في الأول من أيار كل عام ، تحتفل الطبقة العاملة بعيدها وتخلد ذكرى شهدائها ، وتستعيد ذكريات نضالها ، وتشحذ همتها ، لمزيد من الكفاح على درب تحقيق العدالة والاشتراكية والمساواة . والطبقة العاملة العربية التي ناضلت وما زالت ، من أجل أهدافها النقابية والوطنية والقومية ، والتي حققت خلال نضالها هذا ، أهدافاً مهمة وإنجازات مادية كبيرة على طريق تلك الأهداف ، استطاعت كذلك أن تثبت في ذهن المواطن وتاريخه ، وبقيادة الحركات الوطنية والأحزاب القومية والاشتراكية في هذا الوطن ، وعلى رأس قائمتها حزب البعث العربي الاشتراكي ، استطاعت أن تثبت ، أن التنظيم المهني هو الشكل الأرقى لتنظيم المجتمع وهو الذي يناسب العصر والتقدم العلمي والحضاري للجنس البشري . وبنضالها مع سائر الطبقات الشعبية الكادحة في المجتمع العربي ، أسقطت الدعاوة والسياسات والمعتقدات البالية ، التي حملتها مجتمعات التخلف والانحطاط والسيطرة الإقطاعية والرأسمالية والأحزاب البرجوازية والحركات الدينية الرجعية والقوى السياسية المتخلفة والمرتبطة مع الاستعمار والإمبريالية .
إن هذا الإنجاز وحده ، كفيل بتغيير موازين القوى في الوطن ، وكفيل كذلك بالرقي بالمجتمع إلى مصاف الحضارة الحديثة الملتزمة بقضايا الإنسان ، وبعد أقل من أسبوعين على احتفالاتنا بعيد العمال ، تفاجأ الجماهير العربية الكادحة بانعقاد مؤتمر في المغرب رعاه أحد ملوك الطوائف ، الذين اندثرت ذاكرتهم من عقل المواطن العربي وعلى مدى قرون عديدة . هذا المؤتمر ـ إذا لم نغفل أهدافه السياسية المرتبطة بسياسة الاستسلام التي وضع أساسها السادات المقتول ـ هذا المؤتمر والذي يعقد في ذكرى اغتصاب فلسطين على أيدي الصهاينة ، هو تجاوز لكل قيم الحضارة العربية ، وكل منجزات حركة التحرر الوطني العربية ، وتنكر لنضال الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج ، وعلى وجه الخصوص لنضال جماهير المغرب العربي ، الذي قاوم كل أشكال الظلم والاضطهاد والتعصب ، وسعى نحو شكل أرقى من التنظيم الجماهيري ، رافضاً كل أشكال التمييز الطائفي ونغماته المقيتة المتخلفة .
في الوطن العربي تنوع حضاري فكري ديني ، قل أن نجد مثيلاً له في العالم ، ويشكل في مجموعُه وتُراثه ميزة ، أغنت الحضارة العربية على مر الزمن ، وكانت مثالاً على الوحدة القومية للأمة العربية ، في مقاومتها للغزاة المستعمرين بمختلف انتماءاتهم الدينية بدءاً من الوثنيين مروراً بالصليبيين فالأتراك العثمانيين والمستعمرين الأوربيين ، وانتهاء بالغزوة الصهيونية الإمبريالية .
هذا التاريخ الحافل للأمة العربية ، رسخته قيم النضال المشترك لمجموع الشعب ، جاء آخر ملوك الطوائف في مغرب الوطن محاولاً مسح هذا التاريخ العريق ، بعقد المؤتمر الصهيوني اليهودي على أرض المغرب ، مثيراً بذلك عاصفة من الاحتجاج والاستنكار العربي ، في جوانبها المختلفة السياسية والاجتماعية والفكرية ، لأن خطوة كهذه بأبعادها السياسية والفكرية والاجتماعية لو استمرت أو انتشرت لدى ملوك طوائف آخرين ، كيف سيصبح حال الوطن العربي ؟؟ وأين ستذهب تضحيات الملايين من الشهداء عبر القرون الماضية ؟. وأين سيصبح تراث أمتنا ؟ وإلى أي درك سيؤول تاريخها وثقافتها وحضارتها ؟، بفعل هؤلاء الحكام الذين لا ينظرون إلى أبعد من أرنبة أنوفهم ولا يكلفون أنفسهم أي جهد في بناء وطنهم وحضارة شعبهم ويبذلون كل الجهد لخدمة الإمبريالية والصهيونية وأهدافهما في تفتيت الوطن وتقسيم شعبه على أساس ديني وطائفي ، لإعطاء مسوغ لقيام الدولة الصهيونية اليهودية في فلسطين ، كي تكون الكيان الأقوى وتبقى لها دوام السيطرة والديمومة بين تلك الكيانات الهزيلة التي يقودها ملوك الطوائف .