كلمة المناضل - الموقف والرد .. إيمان بالعقيدة وثقة بالمستقبل
كلمة المناضل العدد 166 تشرين ثاني 1983
الموقف والرد ..
إيمان بالعقيدة وثقة بالمستقبل
الدكتور . فواز الصياغ
رئيس هيئـة التحرير
تميزت المرحلة التي تلت توقيع اتفاقات كامب ديفيد ومعاهدة الصلح المصرية الإسرائيلية ، تميزت بتعاظم القوة الإمبريالية الصهيونية في المنطقة العربية تعاظماً كبيراً وأدت في الوقت نفسه إلى انحسار في مواقف القوى القومية والتقدمية العربية في وجه هذه القوة المتزايدة ، بدأ الاستقطاب في مواقف القوى العربية والأنظمة كذلك ، يأخذ مجراه بين منحاز للإمبريالية والصهيونية وإفرازاتهما في كامب ديفيد وبين الموقف القومي التقدمي الذي يضع مصلحة الوطن والجماهير في المكان الأول من اهتماماته ونضاله .
وتمثل تعاظم المد الإمبريالي الصهيوني في وطننا بعد ذلك باجتياح جنوب لبنان واحتلاله ، وتوقيع اتفاق التعاون الاستراتيجي بين العدو الصهيوني والولايات المتحدة الأميركية ، وكذلك إخراج الاتفاق الإسرائيلي الأميركي الكتائبي . وأخيراً بانحياز ياسر عرفات ومجموعته إلى معسكر كامب ديفيد وزيارته حاكم مصر والاتفاق على الخطوط العامة للعمل على تصفية القضية الفلسطينية عبر مخططات كامب ديفيد ومشروع الرئيس الأميركي رونالد ريغان .
في خضم تلك الأحداث وتتابعها وتسارعها ، كان حزب البعث العربي الاشتراكي وقاعدته الثورية في سورية العربية ، يقف بصلابة وبوعي في وجه تلك المؤامرة ، وزج بكل ثقله وثقل سورية لمواجهة النتائج الخطيرة التي تترتب على السير في هذا الطريق الانهزامي ، وقد رتب وقوف الحزب وسورية الثورة ذلك الموقف ، رتب أعباءً ثقيلة واجهاها برجولة وبسالة قلما يتسنى لشعب أو قيادة أن تفعل مثلهما في هذا الجو العربي والدولي ، الشائك والمعقد . ولم تبخل الجماهير العربية وقواها التقدمية الأصيلة وحركاتها الثورية المجربة ، بالدعم ، فوقفت إلى جانب الحزب والثورة وأمدتهما بالروح المكافحة والدعم المعنوي اللازم في مثل هذه المواقف الصعبة ، وكذلك وقفت قوى التحرر والتقدم والاشتراكية وفي طليعتها الأصدقاء السوفييت إلى جانب سورية وحزبها وقائدها .
لقد عجزت القوى الإمبريالية والصهيونية والرجعية عن اختراق جدار الصمود البعثي العربي وقاعدته المادية في سورية الثورة ، عجزت عن ذلك بالوسائل المادية ، العسكرية والاقتصادية وغيرها من الوسائل ، لأن لذلك الصمود مقومات رسخت في فكر الجماهير وفي قلوبها ، كانت قاعدتها المادية حزبنا وتراثه ومواقفه ونضاله ، ممثلة بقيادة الرفيق حافظ الأسد الأمين العام للحزب ، الذي أعطى معنى متميزاً لهذا الصمود عبر عقد من الزمن ، استلهمت فيه الجماهير تراثاً تليداً وتاريخياً مجيداً وأملا زاخراً بكل معاني التراث المشرق لهذه الأمة العظيمة دعمته بالحقائق المادية ، في بناء سورية الحديثة ما بعد 16 تشرين عام 1970 وحتى الآن .
ولما كان اختراق ذلك الجدار من الأمور العسيرة على أعداء العرب لجؤوا إلى محاولة أخرى عندما ألمت بالرفيق الأمين العام وعكة صحية طارئة ، حاولوا اختراق الجدار النفسي الذي يحصن جماهيرنا ، بإثارة الإشاعات حول صحة الرفيق الأمين العام، علهم يحققون هدفاً ، عجزوا عن تحقيقه بوسائل عسكرية ، وهو إركاع سورية وجيشها كي يتسنى لهم تسوية القضية على الطريقة الأميركية الصهيونية الاستسلامية .
لكن جماهير الحزب والشعب المتلاحم معها ، وخلف قيادة الأمين العام ، أعطت لهذه القوى السوداء وأساليبها الرخيصة والمبتذلة جداً ، حتى في التعامل مع حقائق الحياة التي يحياها الناس ، وما يحيط بهذه الحياة من فرح وحزن ، وسعادة وألم ، وعافية ومرض وغير ذلك ، هذه الحقائق التي لم يعش كائن حي دون أن تمر به حالة من حالاتها في أو قات مختلفة أعطت تلك القوى السوداء درساً يجب أن لا تنساه أبداً وذلك عندما عبّرت وفي عفوية تامة ليلة الأحد 27/11/1983 بخروجها للشارع في أنحاء سورية وبعد ظهور الرفيق الأمين العام على شاشات الأجهزة الإعلامية المرئية بتظاهرات ، عبّرت عن كل معاني الوفاء ، قلما يحدث مثلها . وفي الوقت نفسه كانت رداً مناسباً على الإشاعات السوداء التي بثتها أجهزة إعلام تلك القوى الإمبريالية والصهيونية والرجعية .
إن هذا الموقف يدل بشكل قاطع على مدى الأهمية التي تعلقها تلك القوى على اختراق الجدار السوري ، وتهشيمه في سبيل إنجاز مخططاتها لإخضاع ما تبقى من القوى العربية ، للمشيئة الصهيونية .
و نحن عندما نحمل همَّ الجماهير بصمودنا ، فلأن ذلك قدرنا وحياتنا وعزتنا وكرامتنا ، نحمله عن إيمان بالعقيدة ، وتمثل لتاريخ هذه الأمة ، وأمل بالمستقبل ، ونعيشه كل لحظة في حياتنا ، ندافع عنه حتى آخر لحظة من العمر .