كلمة المناضل - عددان - الافتتــــــــاحيــــــــة هل هناك سياسة أميركية " للشرق الأوسط "
كلمة المناضل العددان 154ـ 155 ت2 كانون1 1982
الافتتــــــــاحيــــــــة
هل هناك سياسة أميركية " للشرق الأوسط "
الدكتور . فواز الصياغ
رئيس هيئـة التحرير
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وثَّقت الصهيونية علاقاتها مع الولايات المتحدة الأميركية بدرجة كبيرة اصبح من الصعب في أحيان كثيرة التمييز بين السياسيات الأميركية والسياسيات الإسرائيلية ، وكان ذلك واضحا لحزبنا ، ويتذكر رفاقنا مقولة كانت مطروحة في وقت سابق مضمونها "أن الصهيونية أعلى مراحل الإمبريالية " وذلك للتدليل على مدى الارتباط الوثيق بين الطرفين ، ومنذ حرب عام 1967 حتى الآن تتأكد هذه الحقيقة حتى وصلت إلى التبني الأميركي الكامل للسياسة الصهيونية في المنطقة العربية حتى وصلنا إلى الاستنتاج "بأنه ليست هناك سياسة أميركية في منطقتنا بل هناك سياسة صهيونية إسرائيلية تنفذها أميركا " .
حزبنا وجماهيرنا المؤمنة بأهدافها يعرفون ذلك جيدا وفي هذا العدد من المناضل نورد وثيقة مهمة لتأكيد ما نقول وهي وثيقة وزارة الخارجية الأميركية التي وجهها وزير الخارجية الأميركي " جورج شولتز" إلى دول السوق الأوروبية المشتركة في الشهر الماضي والتي تحمل جميع أهداف السياسة الإسرائيلية بعد غزو لبنان واحتلال جزء من أرضه وإخراج المقاومة الفلسطينية من بيروت .
وفي هذه الوثيقة جملة من النقاط لا بد من الإشارة السريعة لها لنوضح للرفاق خطورة ما تحمل من أهداف ، فالوثيقة تؤكد أن القضية المركزية لعملية السلام كما تسميها " هي القضية الفلسطينية " لذا لا بد من السعي لتصفيتها حتى تتم عملية السلام هذه لذا فهم يؤكدون :
1ـ السعي المتواصل لاقناع الجميع أن الخيار الوحيد المطروح للصراع الإسرائيلي هو الخيار السياسي ساعية بذلك إلى إسقاط الخيار الأكثر أهمية في العمل وهو الخيار العسكري بقصد أضعاف أمل الجماهير بالقدرة الذاتية التي يمتلكونها وإيصالهم إلى حالة اليأس من أي عمل عسكري يردع المحتلين ويؤكدون بعد نجاح العمل العسكري الاسرايئلي في لبنان من أن " الدبلوماسية تستطيع أن تنجح في الوصول إلى حلول للمنازعات البالغة التعقيد في هذه المنطقة ".
2 ـ الاستمرار على سياسة "الولاء لكامب ديفيد" وهي السياسة التي أدانها حزبنا وجماهير الأمة العربية والتي لولاها لما استطاعت "إسرائيل" والولايات المتحدة الوصول إلى ما وصلتا إليه وقادت إلى فك الارتباط بين الأنظمة العربية وقضية فلسطين ، واحتلال بيروت وإخراج المقاومة ، ومشروعات التصفية المطروحة . وتؤكد الوثيقة أن " الرئيس الأميركي يشعر بقوة أن الاتفاقية التي هي الإطار غنية في لغتها وأنها تستطيع أن تتسع لطموحات إسرائيل من اجل السلام وطموحات الفلسطينيين من اجل هوية" هكذا ؟!!! وكأن المطلوب إعطاء جوازات سفر وهويات للفلسطينيين من آية جهة كانت في إطار " إسرائيل " أو " المملكة المتحدة في الأردن" .
3ـ تؤكد أميركا أن العرب إذا أرادوا الحصول على السلام يتطلب ذلك التنازل عن الأرض وان المفاوضات من اجل السلام هي التي ستقرر الحدود المستقبلية لدولة إسرائيل وتقول الوثيقة " يجب أن تقرر المفاوضات الحدود ، إلا أن موقفنا في هذه المفاوضات حيال مدى الانسحاب سيتأثر كثيرا بمدى وطبيعة السلام والترتيبات الأمنية التي يجري تقديمها مقابل الانسحاب ". وهل هناك شروط اكثر استسلاما من هذه الشروط في أية وثيقة في العالم ؟؟.
4ـ تؤكد الولايات المتحدة الأميركية أن المشكلة الفلسطينية "لن تحل من خلال خلق دولة فلسطينية في المناطق المحتلة ولا يوجد أساس من الدعم السياسي في الولايات المتحدة لمثل هذا الحل وإسرائيل معرضة له بصلابة وعناد ولن تريد دولة فلسطينية مستقلة " . هل هناك أوضح من هذا الموقف الرسمي الموثق وهو موقف لم يعرض فقط على العرب الواهمين بل عرض على أصدقاء أميركا في أوروبا الغربية .
5ـ إضافة إلى التأكيد السابق فان الولايات المتحدة تضيف حتى تقطع أي دابر للوهم أو التفكير باحتمالات أخرى للتفسير غير الصحيح ، تقول " لقد أصبحت عبارة (تقرير المصير) في بيئة الشرق الأوسط رمزاً يعني تشكيل دولة فلسطينية ونحن لن نؤيد هذا التعريف الوحيد لتقرير المصير" . وكما نرى انه في نظر أميركا والصهيونية غير مسموح إطلاقا لآية جهة أن تضيف إلى تفسيراتهم في القانون الدولي ومواثيق الأمم المتحدة أي شيء أو تصحيح أي غلط فهم الوحيدون الذين يحق لهم التفسير والتحليل والقرار .
6ـ إذا حدث أي انسحاب من بعض الأجزاء الفلسطينية حسب مفاوضات السلام وتقرير الحدود كما رأينا في الفقرة (3) فان ما تنوي الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل أن تقوما به هو ربط هذه الأجزاء بالأردن " وكما أشار الرئيس فان الخيار الذي ننوي أن نتابعه من خلال مفاوضات الوضع النهائي هو ارتباط الضفة الغربية وغزة مع الأردن" ولا خيار لأي طرف آخر في غير ذلك .
7ـ لقد امتدت الأطماع الصهيونية والأميركية بعد اتفاقات كامب ديفيد وغزو لبنان إلى طلب بقاء الإسرائيليين في الأراضي التي يمكن الانسحاب منها وإعطائهم كامل الحرية كمواطنين اصلاء تماما كما بقي العرب في إسرائيل . ولنتصور ماذا يعني ذلك من الاعتداء على حقوق سيادة الشعب والدولة في المجتمع العالمي وغدا سيطالبون بما هو أكثر من ذلك بكثير " ولكننا أيضا لن نؤيد جهود حرمان اليهود من فرصة العيش في الضفة الغربية وغزة تحت السلطة الحكومية الحديثة التشكيل هناك كما يعيش العرب في إسرائيل " وأية حكومة حديثة التشكيل غير الحكومة الإسرائيلية ستكون في هذه المناطق أو حكومة عميلة لها كما يحدث الآن في جنوب لبنان تحت سلطة سعد حداد .
8ـ أما وضع القدس " فإننا نؤيد تأييدا كاملا الموقف القائل بان وضع القدس يجب أن يتقرر من خلال المفاوضات" وبعد جملة الترتيبات السابقة هل بقي هناك موقف تفاوضي عربي ، وعلى أي شيء سيتفاوض العرب مع الإسرائيليين والأميركيين ؟؟.
9ـ وفيما يتعلق بالمستوطنات الإسرائيلية في الأراضي العربية المحتلة فان الولايات المتحدة"سوف تعارض تفكيك المستوطنات القائمة حاليا" " وسوف تعارض عزل الضفة الغربية وغزة عن إسرائيل " .
10ـ والشيء الواضح في الموقف الأميركي هذا هو أن هذه الشروط الاستسلامية " قد تم إبلاغها إلى كل من مصر والمملكة العربية السعودية والأردن وإسرائيل وعواصم أخرى ذوات علاقة " وسكت الجميع عليها ولم تصدر أية معارضة لها أو كشف أو إعلان عنها . لان ذلك كما هو واضح من المذكرة تملية " المصالح القومية لأميركا في الشرق الأوسط ومسؤولية أميركا تجاه الأجيال القادمة بحيث لا يتطلب منها القيام بأقل من ذلك" ومنه يمكن الاستدلال على طبيعة العلاقات القائمة بين هذه الأنظمة العربية والولايات المتحدة الأميركية وبالتأكيد فإنها ليست علاقة صداقة . فالصديق يناقش القرار وقد يعدله أو يرفضه .
مما تقدم ومن مطالعة متأنية للمذكرة المنشورة في مكان آخر من "المناضل" "1" يتبين للرفاق مدى صحة ما طرحه الحزب ممثلا بالرفيق الأمين العام حافظ الأسد وتم تأكيده في مناسبات متعددة أن هناك فقط "سياسة إسرائيلية تتبناها أميركا في المنطقة" وهذا الذي قرأناه هو انعكاس حقيقي لما هو قائم في وطننا ولما يجب أن نتوقعه في المستقبل ، ومن خلاله نعرف مدى التآمر والضغط الذي يتعرض له الحزب وثورته في القطر العربي السوري لوقوفهم ضد هذه المؤامرة الكبرى التي تستهدف وجودنا . ومنه كذلك يجب أن نعرف ما هو مطلوب منا أن نقوم به في مجالات العمل المختلفة لمواجهة ذلك .