مرور أربعة وعشرين عاماً على تدير كفرشوبا وأحياءً لذكرى شهدائها
برعاية
دولة رئيس مجلس الوزراء الدكتور سليم الحص
ممثلاً بالدكتور مصطفى دندشلي
عضو اللجنة التنفيذيّة في ندوة العمل الوطنيّ (1)
أيّها الحفل الكريم ،
اسمحوا لي ، في مستهل كلمتي ، أن أنقل إليكم تحية دولة رئيس مجلس الوزراء الدكتور سليم الحص ، و اعتذاره لعدم تمكّنه من أن يكون بيننا في هذا اليوم المجيد ، كما كلّفني أن أنقل ، ومن خلالكم ، تحية وفاءٍ و عرفانٍ وتقديرٍ إلى روح شهداء كفرشوبا الأبرار ، في هذه الذكرى التاريخيّة الأليمة ، ذكرى مرور أربعٍ وعشرين سنة كاملة ، على تدمير منازلها في مثل هذا اليوم بالذات ، وتهجير أهلها من قِبَل دولة العدو الإسرائيليّ الظالمة …
فالتحيةُ كلّ التحية القلبيّة ،
إلى أهلنا في كفرشوبا وعوائل شهدائها الأبرار ، ومنطقة العرقوب الصابرة الصامدة المناضلة ، وإلى جميع أهلنا في أرض الجنوب والبقاع الغربيّ المحتل ، وإلى أهلنا في الجنوب اللبنانيّ عموماً ، الذين عرفوا النضال وخبروه وتمرسوا به ، ضد دولة البغي والعدوان ، سنين طويلة وعقوداً من الزمن مديدة ، حتى أصبح النضال والكفاح من أجل تحرير الأرض ورفعة شأن المواطن والإنسان ، جزءاً من شخصيتهم وروحهم النضاليّة وثقافتهم الوطنيّة .
أيّها الحفل الكريم ،
في مطلع هذا العهد الجديد ، ثمّة قضيّتان أساسيّتان تشغلان الآن ، وبحقّ ، تفكير حكومته الأولى وعملها السياسيّ الإصلاحيّ :
القضية الأولى : و هي تعتبر ، بنظر حكومة الرئيس الحص ، التحدّي الكبير في انطلاقتها الأولى ، تتعلّق في ما يسمّى " بالملف الإداريّ " ومعه الاقتصاديّ والسياسيّ . فكلّنا يعلم ، ولا حاجة بنا إلى التذكير كثيراً والتوقّف طويلاً ، أنّ الإدارة ، وهي نقطة الانطلاق في أيّ عمليّة إصلاح جذريّة حقيقيّة ، قد شابها قدر كبير من العقم و الفساد . فالحاجة هنا ملِحّة إلى تحقيق برنامج واسع وجذريّ للإصلاح الإداريّ واتخاذ مواقف جريئة وشجاعة ، مواقف موجعة وربّما غير شعبيّة ، كما يشير الرئيس الحص ، في تصريحاته ومواقفه اليوميّة ... و لربّما الأصح القول : تثير حفيظة وغضب ومخاوف أصحاب المصالح الخاصة المشبوهة ... ذلك أنّ المواطن كان يشكو دائماً وأبداً وما زال يشكو حتى الآن ، من " عقم الإدارة وفسادها "، فيجب إذن إصلاحها حتى تنطلق مسيرة " الإنقاذ والتغيير "…
بل أكثر من ذلك ، فإنّ " التركة ثقيلة " ومثقلة ، خطيرة ومفجعة ، وعلى الصّعد كافةً، تلك التركة التي ورثتها الحكومة الحالية من العهد السابق ، ممّا نتج عنها أزمة خطيرة وخانقة ، أزمة اجتماعيّة واقتصاديّة وسياسيّة وحياتيّة ومعيشيّة ، لخصها البيان الوزاريّ في أمور يأتي في مقدّمها :
قضية المهجرين ومعضلة عجز الموازنة ، ومشكلة الدين العام المتفاقم ، ووطأة الوضع المعيشيّ والاجتماعيّ المتدهور ، وقضايا الإصلاح السياسيّ والإداريّ والقضائيّ ، وتنمية القطاعات الزراعيّة والصناعيّة ، والقطاعات الإنتاجيّة في الاقتصاد الوطنيّ ، ومن ثمّ القضاء على آفة البطالة ، إلى آخر ما هنالك من قضايا يعيشها المواطن يومياً …
أيّها الأخوة الأعزاء ،
إنّنا نمرّ الآن في مرحلة انتقاليّة صعبة ، مرحلة تاريخيّة خطيرة. وهنا لا أريد أن أزيد على ما كان يصرّح به ، مراراً وتكراراً ، رئيس ونائب رئيس المجلس النيابيّ ، وكلّنا يعرف ذلك وقد حفظناه عن ظهر قلب ، حول هيمنة " دولة المزارع " سيّئة الذكر وبسط سلطتها الواسعة في السنين الأخيرة … في حين أنّنا الآن في بداية مرحلة أخرى ، جديدة ، واعدة ، ننتقل عَبرها إلى عهد بناء دولة القانون والمؤسّسات ، الدولة القادرة والعادلة …
فلا يمكن أن تتحقّق هذه الغاية المرغوب فيها ، في ظلَ إدارة غير فاعلة ، وغير مجدية . فلا بدَ والحالة هذه من أن يكون ثمة متضرَرون . فترتفع أصواتهم ، عَبر مراكز قواهم الإعلاميّة ، وعصبياتهم الطائفيّة والمذهبيّة ، فيهددون بالويل والثبور وعظائم الأمور ، ذلك أنّ مصالحهم الخاصة، في الحقيقة ، مصالحهم السياسيّة والماليّة والاقتصاديّة قد وضعت ولربّما لأول مرة منذ زمن بعيد ، موضع المساءلة والمحاسبة والمحاكمة .
فالتحدّيات إذن أمامنا كثيرة . فعلينا أن نقبلها وأن نستجيب لها ، ونتحمل مسؤوليتنا كاملة، بجرأة وشجاعة وإقدام .
أمّا القضيّة الثانية ، القضيّة الوطنيّة اللبنانيّة الأولى ، فهي قضية الجنوب والاعتداءات الإسرائيليّة المتكررة على لبنان وشعبه في كلّ مكان ، قضية الاحتلال الإسرائيليّ لأجزاء واسعة من أرضنا… فأنظارنا وأنظار الوطنيّين اللبنانيّين الأحرار ، تتجه نحو هذه القضيّة ويعيشونها بكلَ جوارحهم يومياً .
وآخر الجرائم وليس آخرها ، ما قامت به دولة إسرائيل المحتلة ، من قصف وتدمير منازل في " أرنون "، وضرب الحصار على بلدة شبعا من قِبَل قوّة عسكرية إسرائيليّة ومتعاونين معها ، واعتقال عدد من أبنائها وإبعاد خمسة وعشرين مواطناً . إنّنا إذ نستنكر عمليات القمع والإرهاب الموصوف والاعتداءات التي تقوم بها دولة الاحتلال الإسرائيليّ وأعوانها ، فإنّنا نعتبر ذلك عملاً في "حجم جريمة إنسانيّة ، يدفع ثمنها الأطفال والنساء والشيوخ "…
أيّها الحفل الكريم ،
إنّ الرئيس لحود في خطاب القسم الدستوريّ قد أشار ، بكلّ صراحة و وضوح ، إلى موقع منطقة الجنوب في سياسة العهد الجديد ، وأكّد ذلك عندما قال :
" أكثر ما يريده اللبنانيون هو الجنوب ، وأهلَ الجنوب . نعم ، الجنوب وأهلَ الجنوب ". وهو يضيف :" فمن على هذا المنبر (أي من على منبر مجلس النواب)، أحيّي الصامدين والمقاومين، أحياءً وشهداء ، والداعمين لجيشهم في مواجهة الاحتلال الإسرائيليّ . و إليهم أقول :" ( والكلام دائماً للرئيس لحود ) إنّ القضية الكبرى هي أنتم ، أهلَ الجنوب ، وإزالة الاحتلال الإسرائيليّ عنكم ". ( انتهى قول الرئيس لحود ).
فمن ضمن هذا " الخطاب – الرؤية "، وفي إطار هذا التوجّه الوطنيّ العام ، وإنّما الواضح والصريح، فقد حدّدت حكومة الرئيس الحص في بيانها الوزاريّ ، أولوياتها الوطنيّة وأهدافها الأساسيّة في هذه المرحلة بالذات في الأمور التالية :
دعم المقاومة الناشطة ضدّ الاحتلال الإسرائيليّ ، حتى إرغام دولة العدوّ تنفيذ قرارات مجلس الأمن ، وفي مقدمتها القرار 425 دون قيد أو شرط ، ودعم صمود أبناء المناطق المحتلة بما يوفّر لهم قدرة البقاء ، والتشبث بالأرض ، ونصرة قضية المعتقلين الرهائن في السجون الإسرائيليّة ، كونها قضيّة وطنيّة وقوميّة وإنسانيّة ذات أولوية ...
إنّ مواجهة أطماع دولة إسرائيل العدوانيّة واعتداءاتها واحتلالاتها ، لا يتأتّى في الظروف الراهنة ، الداخليّة والإقليميّة والدوليّة، إلاَ عن طريق تعزيز التحالف القوميّ مع سوريا ، وذلك بتفعيل معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق معها ، وتأكيد وحدة مصالح الشعبين ، ووحدة المسارين ، ووحدة المصير المشترك بين البلدين .
هذا ما جاء في مضمون البيان الوزاريّ ، في حين كان قد شدّد قبل ذلك الرئيس لحود في هذا الصدد أيضاً على أنّ " علاقتنا بسوريا هي علاقة تاريخ وأرض وشعب . فلا يمكن أن تكون مراهنة أو مسايرة ، بل مصيراً وخياراً . إنَ تجربتي في بناء الجيش زودتني بالإيمان والبرهان بأنّ سوريا بقائدها وشعبها وجيشها تريد الخير للبنان ، وتدعم الدولة اللبنانية دون حدود . فهل عرف اللبنانيون ( أي المسؤولون ) في موقع الحكم والسلطة، أن يوظفوا هذا الدعم لبناء دولتهم ومؤسّساتهم. فيحبهم الناس ويحبون سوريا من خلالهم ، بدلاً من توظيف هذا الدعم لأنفسهم ، فيدينهم الناس ، ويساء إلى سوريا ؟!… ".
أيّها الحفل الكريم ،
لقد انبثق العهد الجديد وحكومته الأولى من أجل : الإنقاذ والتغيير والإصلاح وتحقيق الديمقراطيّة والشفافيّة وحقوق الإنسان . وقد اتخذ ذلك شعاراً ومطلباً عاماً للشعب اللبنانيّ ، بمختلف فئاته وهيئاته الاجتماعيّة ، وكان صدىً لآمال المواطنين وتطلعاتهم المستقبليّة… فذلك العنوان الكبير للعهد الجديد وحكومته الأولى :" الإنقاذ والتغيير والإصلاح "، إنّما يحمل معاني الرفض للوضع الراهن … فليس من أحد راضٍ عمّا هو فيه ، " من ضيق عيشٍ وهشاشة أمل " …
غير أن هذا الإصلاح ، أو أيّ إصلاح كان ، سياسيّ ، اقتصاديّ ، اجتماعيّ ، إداريّ ، لا يكتمل حقيقة ، ولا يمكن أن يكتمل بصورة صحيحة وسليمة وشاملة للوطن ككلّ ، طالما جرح الجنوب والبقاع الغربيّ ينزف والاحتلال الإسرائيليّ البغيض رابض على صدورنا يهدّدنا في وجودنا وحياتنا وكياننا صباح مساء …
فلا إصلاح إذن حقيقيّاً، ولا سيادة ناجزة، ولا استقلالاً بمعناه الصحيح، دون تحرير الأرض من الاحتلال الإسرائيليّ . ولا تحريراً للأرض عن طريق المفاوضات الدبلوماسيّة أو السياسية وحسب ، دون دعم مقاومة شعبنا لهذا الاحتلال ، المقاومة السياسيّة ، والمقاومة المدنيّة والمقاومة بالروح والسلاح ، ودون تقديم قوافل الشهداء الأبرار ، ودون التضحيات الجسام ، وبذل الدم الزكيّ الطاهر المدرار …
فالمقاومة في الحقيقة وواقع الأمر ، إنّما هي التي فرضت على العدو التنازلات المتتالية ، وأرغمته على التراجع التكتيكيّ المناور، وخلقت في نظامه السياسيّ وفجّرت أزماته الداخليّة، ومآزقه الحادة والعميقة .
وكما يقول الرئيس الحص مرة أخرى ، ويشير إلى أنّ جيوش الأنظمة العربيّة ، عندما خاضت معاركها العسكريّة الكلاسيكيّة التقليديّة ضد دولة إسرائيل ، قد انهزمت أمام الآلة العسكريّة الإسرائيليّة الحديثة والمتطورة تكنولوجياً … ولكن هذه الآلة العسكريّة التكنولوجيّة المتطوّرة لدولة العدو الإسرائيليّ ، قد انهزمت شرَ هزيمة في معركتين :
الأولى : قد انهزمت في معركتها أمام الانتفاضة الجماهيريّة ، أمام ثورة الحجارة في فلسطين المحتلة .
ثانيها : أمام المقاومة الباسلة في الجنوب اللبنانيّ .
* * *
من هنا وانطلاقاً من كلّ ذلك ، فقد دقّت الآن ساعة العمل الجديّ ، العمل الديمقراطيّ الحقيقيّ ، العمل الإصلاحيّ والتغييريّ : الإداريّ والسياسيّ والاقتصاديّ والاجتماعيّ .
ومن هنا أيضاً ، دورنا كبيرُ ، دور المنتـديات الثقافيّة والاجتماعيّة ، والقوى الوطنيّة والديمقراطيّة .
دورنا الآن كبير وملحّ ، وليس غداً ، لتنظيم صفوفنا ورصّها ، وتنسيق عملنا في ما بيننا من أجل تحقيق أهدافنا في عملية التغيير الديمقراطيّ والإصلاح السياسيّ والاقتصاديّ والاجتماعيّ على حدّ سواء …
وشكراً .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا1) كلمة دولة الرئيس الدكتور سليم الحص ، ألقاها الدكتور مصطفى دندشلي ، في الاحتفال بمناسبة مرور أربعة وعشرين عاماً على تدير كفرشوبا وأحياءً لذكرى شهدائها ، وذلك بتاريخ الأحد الواقع فيه 10 كانون الثاني 1999 .