هل ينجح الهجوم المعاكس في إنقاذ النظام المصري
هل ينجح الهجوم المعاكس في إنقاذ النظام المصري
في فبراير - 5 - 2011
تحدثت التقارير الإعلامية والصحفية الصادرة من العاصمة المصرية القاهرة مساء الأمس وصباح اليوم عن تطورات جديدة في الشارع السياسي المصري، تمثلت في حدوث الصدامات بين المتظاهرين المعارضين لنظام الرئيس حسني مبارك والمؤيدين له: فما هي حقيقة الصراع المصري-المصري؟ وإلى أين تمضي محصلة هذا الصراع؟
• المواجهات السياسية الجديدة: توصيف المعلومات الجارية
استمرت حركة الاحتجاجات السياسية المعارضة في الحفاظ على تكتلها السياسي الرئيسي المتمركز في ميدان التحرير الذي يقع في مركز العاصمة القاهرة مع الإصرار المتزايد على عدم مغادرة الميدان إلا بعد سقوط النظام.
ألقى الرئيس المصري حسني مبارك بياناً مساء أمس الأول أعلن فيه عن نيته عدم ترشيح نفسه لولاية رئاسية جديدة مع الالتزام بالبقاء في منصب رئيس الجمهورية إلى حين انعقاد جولة الانتخابات الرئاسية المحدد لها نهاية هذا العام، إضافة إلى الإعلان عن النظر في الطعون المقدمة في نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، بما يمكن أن يؤدي إلى إعادة الانتخابات في حوالي 100 مقعد، إضافة إلى الإعلان عن الشروع في إجراء التعديلات اللازمة في البنود الدستورية التي تحد من انفتاح التنافس على منصب رئيس الجمهورية.
نتهى خطاب الرئيس مبارك والذي أدى إلى حدوث المزيد من الخلافات حول قراءة بنود هذا الخطاب، وفي هذا الخصوص يمكن الإشارة إلى الآتي:
• الأغلبية العظمى رأت في خطاب الرئيس مبارك محاولة جديدة لخداع وتضليل الجماهير بما يتيح للرئيس مبارك تهدئة الاحتجاجات ثم العمل بعد ذلك لجهة إعادة ترتيب وترميم التصدعات التي أضعفت نظامه.
• الأقلية رأت في خطاب مبارك محاولة جديدة لحل المشكلة، وبالتالي فمن الأفضل السماح بمخرج كريم للرئيس مبارك خاصة وأنه هو قائد القوات الجوية المصرية التي خاضت حرب أكتوبر عام 1973 التي يعتد بها المصريون كثيراً.
التداعيات الجديدة المتعلقة بمحتوى خطاب الرئيس حسني مبارك أثارت المزيد من التساؤلات الجديدة المتعلقة بحقيقة وطبيعة الاحتجاجات السياسية الشعبية المصرية، وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
- المتفائلون: وتقول بإمكانية المضي قُدماً باتجاه تحقيق الهدف النهائي المتمثل في إسقاط نظام الرئيس مبارك.
- المتشائمون: وتقول بعدم إمكانية المضي قدماً باتجاه تحقيق الهدف النهائي المتمثل في إسقاط نظام حسني مبارك، وبدلاً عن ذلك، فمن الممكن الاكتفاء بالوضع الحالي طالما أن الرئيس مبارك سوف لن يكون موجوداً عملياً بعد الانتخابات الرئاسية القادمة، إضافة إلى أنه سوف يسعى خلال الأشهر المقبلة إلى تحسين صورته عن طريق توجيه الضربات لرموز نظامه السياسي والانقلاب عليهم.
حتى الآن، لا توجد خارطة واضحة لحسابات المخاطر والفرص، وبرغم أن الشراع السياسي المصري يبدو متماسكاً، فإن احتمالات صمود حركة الاحتجاجات الشعبية لفترة أطول هو أمر يبدو صعباً للأسباب الآتية:
• الأغلبية العظمى من المشاركين في الاحتجاجات هم من ذوي الدخل المحدود، وبالتالي، فإن استمرار الاحتجاجات لفترة أطول مع انعدام مصادر الدخل هو أمر غير ممكن في هذه الأحوال.
• الأغلبية العظمى من منظمات المجتمع المدني المصرية تتميز بالطابع البراجماتي المرتفع الشدة، بما أدى إلى تزايد نزعة الانفتاح لجهة القابلية للمساومات وعقد الصفقات.
• توجد العديد من القوى المتنافرة داخل تيار الاحتجاجات، فالأخوان المسلمين وبقية الفصائل الإسلامية تسيطر على مفاعيل تحريك الاحتجاجات من خلال سيطرتها على المساجد، والقوى ذات التوجهات العلمانية مثل حركة كفاية إضافة إلى القوى الاجتماعية تسعى إلى تحريك مفاعيل الاحتجاجات من خلال تجمعات الميادين العامة وبعض الصحف والمنشورات.
• القيادات السياسية المطروحة كبديل لحسني مبارك ما تزال لا تتمتع بالشعبية اللازمة، منها على سبيل المثال لا الحصر محمد البرادعي المختلف عليه مصرياً.
هذا، ومن الواضح أن نظام الرئيس حسني مبارك قد بدأ فعلاً في عملية استغلال الخلافات والتباينات داخل القوى الاحتجاجية المعارضة وتشير المعطيات والوقائع الجارية إلى أن أجهزة نظام الرئيس حسني مبارك قد بدأت في تنفيذ الهجوم الرئيس المضاد والذي يمكن أن يتيح لنظام الرئيس حسني مبارك تحقيق المزيد من النجاحات لجهة احتواء خطر الاحتجاجات الشعبية، وفي هذا الخصوص يمكن الإشارة إلى الآتي:
- الكتلة الموالية التي تستطيع أجهزة النظام تشكيلها ودفعها لتنظيم المظاهرات المؤيدة للنظام و تشير المعطيات الأولية إلى أن عناصر الأجهزة الأمنية المصرية هم في حدود مليون ونصف إلى مليونين عنصر.
- الدفع ببعض العشائر البدوية الصحراوية التي يؤيد زعماؤها نظام الرئيس حسني مبارك وحلفاءه، وذلك بسبب تورط هؤلاء الزعماء في شبكات التهريب الحدودية وعبر الصحراء الشرقية و البحر الأحمر مع السعودية، إضافة إلى الجماعات البدوية المتمركزة في صحراء سيناء والتي وإن كان البعض منها شديدي الارتباط بحركة حماس وقطاع غزة، فإن بعضها الآخر شديد الارتباط بالجماعات البدوية الموجودة داخل صحراء النقب الإسرائيلية، وتمارس هذه الجماعات تجارة التهريب في سائر أنواع الممنوعات بالتعاون مع النخبة المالية والتجارية المرتبطة بنظام حسني مبارك.
تشير المعطيات الجارية إلى أن كل طرف سوف يستمر خلال الفترة القادمة في الضغط على الطرف الآخر وفقاً للمقاربة الآتية:
• المعارضة سوف تسعى إلى المطالبة بخروج الرئيس مبارك كشرط للتفاوض مع ملاحظة أن هذه المعارضة كانت تطالب قبل بضعة أيام بخروج كامل للنظام وعدم التفاوض مع أي رموزه.
• النظام ظل يمارس قدراً من التجاهل مع مطالب المعارضة مع الحفاظ على وجوده الحيوي، و لاحقاً، لجأ النظام إلى خيار الاستجابة الجزئية لمطالب المعارضة مع التركيز على ضرورة التفاوض مع هذه المعارضة، علماً أن النظام ظل في الماضي يرفض الاعتراف بوجود أي معارضة حقيقية ضده.
إذاً، هل بدأت لحظة تقديم التنازلات، بحيث أصبح كل طرف وإن كان من جهة يبتعد خطوة عن الآخر، فإنه في نفس الوقت يتقدم خطوتين باتجاه الآخر. وفي هذا الخصوص على الأغلب أن تتضح الصورة بشكل أكثر دقة صباح يوم بعد غد السبت، وذلك لأن يوم غد الجمعة سوف يشهد قيام الجماعات الإسلامية بإعادة شحن حركة الاحتجاجات السياسية من خلال تعبئة الجماهير في المساجد والجوامع، ومن المعروف أن العاصمة القاهرة يوجد فيها وحدها حوالي 2000 مسجد، الأمر الذي يمكن أن يتيح لهذه الجماعات القيام بشن هجوم إستراتيجي جماهيري واسع النطاق في القاهرة وبعض المناطق الأخرى الموالية للإسلاميين، وعلى وجه الخصوص السويس والإسماعيلية ودمنهور، أما المناطق الأخرى ذات التوجهات الإسلامية مثل أسيوط ومناطق الصعيد المصري، فإن دخولها على الخط سو ف يترتب عليه إشعال المواجهة ضمن وتائر أكثر خطورة، وذلك لأن منطقة أسيوط تقع تحت سيطرة تنظيم الجهاد المصري وبقية الجماعات الأصولية المسلحة الإسلامية الأخرى التي انشقت عن جماعة التكفير والهجرة!