لقاء مع الدكتور مصطفى دندشلي رئيس المركز الثقافيّ للبحوث والتوثيق يجب الانطلاق من الواقع الذي نعيش فيه لمباشرة التغيير لمصلحة الإنسان أنتم شباب الغد ستستلمون زمام القيادة وهذا لا يكون إلاّ بالثقافة
لقاء مع الدكتور مصطفى دندشلي رئيس المركز الثقافيّ للبحوث والتوثيق
يجب الانطلاق من الواقع الذي نعيش فيه لمباشرة التغيير لمصلحة الإنسان
أنتم شباب الغد ستستلمون زمام القيادة وهذا لا يكون إلاّ بالثقافة .( )
عندما كنّا في مرحلة اختيار المواضيع التي سنعالجها على صفحات " مجلتي "، كان الاهتمام ينصبّ دائماً على ما يتعلق بمدينة صيدا من دراسات وندوات ومشاريع . ولا شكّ بأن المواضيع الثقافيّة والتثقيفيّة هي الأهمّ في هذا الإطار لما فيها من منفعة للطالب وللمواطن الصيداويّ. لذلك كان لا بدّ أن نلتقي برئيس المركز الثقافيّ للبحوث والتوثيق الدكتور مصطفى دندشلي للتعرّف على أعمال المركز ونشاطاته .
كان موعدنا مع الدكتور دندشلي في بيته في الساعة العاشرة صباحاً . وصلنا وكان لا يزال خارج البيت ، وفي الانتظار حدثتنا زوجته عن انشغاله وتفرغه الكامل للنشاطات الثقافيّة والتربويّة والاجتماعيّة ممّا لا يوفّر له وقتاً كبيراً لبيته .
عند الساعة الحادية عشرة حضر الدكتور دندشلي مسرعاً ، معترفاً بتأخره ، معتذراً ثمّ مرحباً وبعد ذلك داعياً إيانا إلى غرفة الطعام التي حوّلها الدكتور إلى مكتبة هائلة غنيّة بجميع الكتب المكدسة على الرفوف ، والتي لم يجد لها مكاناً ، فافترشت الأرض ، فإذا بك تتعثر في مشيتك داخل الغرفة ، وبعد مغامرة الوصول إلى مقاعدنا واسترخاء الدكتور خلف مكتبه بدأنا حديثنا .
سؤالنا الأول كان حول نشأة المركز ، فتفضل الدكتور دندشلي وقال : إنّ فكرة إنشاء مركز ثقافيّ في صيدا ولدت في أواخر الحرب الأهليّة اللبنانيّة ، أو ما جرى الاصطلاح على تسميته بحرب السنتين 1975 و 1976 . وقد أعلن عن إنشاء المركز رسمياً في العام 1978 .
غير أنّ الدكتور مصطفى استدرك هنا وقال بأنّ عمله في المجال الثقافيّ كان قبل هذا التاريخ وبالتحديد في العام 1970 أي بعد مجيئه من فرنسا ، إذ أنّه أنشأ مع مجموعة من الأصدقاء مؤسّسة علميّة ثقافيّة وتربويّة اجتماعيّة أطلق عليها اسم " لجنة الدراسات الإنمائيّة في صيدا ". وقد كان أبرز المشاركين فيها المهندس محمد راجي البساط ، الأستاذ مصطفى الزعتري ، المحامي محمد حبلي والأستاذ محمد وليد حشيشو وآخرون . وكان الهدف من تأسيس هذه اللجنة ، القيام ببعض الدراسات والأبحاث العلميّة التي لها علاقة بقضايا مجتمعنا وما يواجهه هذا المجتمع من صعوبات ومعوّقات في سبيل التقدّم والتطوّر والإنماء . وقد أشار محدثنا إلى مبدأين كانا المحور الأساسيّ لإنشاء لجنة الدراسات الإنمائيّة ، أولها : إنّه يجب الانطلاق من الواقع الذي نعيش فيه وأن نعمل على تغيير هذا الواقع لمصلحة الإنسان . وهذا التغيير لا يمكن أن يتمّ بشكل سليم وصحيح إلاّ إذا انطلقنا من معرفة هذا الواقع ، إذ أنّه من الصعوبة بمكان أن نعمل على تغيير ما نجهله ، عندها تكون عمليّة التغيير عمليّة تتصف بالعفويّة والتلقائيّة أو حتى الفوضى . فالتغيير العلميّ والصحيح برأي الدكتور دندشلي هو الذي ينطلق من الواقع ومن معرفة الواقع .
وثاني هذين المبدأين متممّ للمبدأ الأول وتابع له ذلك أنّ عدم معرفتنا لحقيقة الواقع الذي نعيش فيه معرفة علميّة شاملة وتفصيليّة أدّى إلى عدم الوضوح في رؤية المستقبل . ثمّ أنّنا يضيف دندشلي " كمجموعة من المثقّفين لا نتمتع بدعم سياسيّ أو حكوميّ أو حتى ماليّ ، كيف لنا أن نقوم بتحقيق الدراسات المختلفة حول المجتمع فكانت خطتنا آنذاك أن نطلب من عدد من الاختصاصيّين والمهتمين بمختلف الشؤون الاجتماعيّة والثقافيّة والتربويّة أن يقدّموا لنا هم أنفسهم الدراسات والأبحاث التي تهمّ مجتمعنا .
هنا أعتذر محدثنا عن الإسهاب في حديثه عن الماضي ، ولكنّه عاد وأشار إلى أهميّة تلك المرحلة وأنّ لجنة الدراسات الإنمائيّة توقف نشاطها مع بداية الحرب الأهليّة وبعد أن نظّمت أربع ندوات دراسيّة حول مدينة صيدا .
وعن الهدف من إنشاء المركز الثقافيّ للبحوث والتوثيق قال الدكتور دندشلي أنّه في البداية كان للمركز هدفان : الأول هو تقديم القروض الماليّة للطلاب وللطالبات في صيدا والجنوب من أجل متابعة دراساتهم الجامعيّة والعالية . والثاني هو إنشاء مركز ثقافيّ بكلّ ما تعني كلمة ثقافة من مضمون وأهميّة ، حيث يضمّ المركز قاعة للنّدوات والمحاضرات ، مكتبة أهليّة عامة في مدينة صيدا مفتوحة أمام الجمهور ثمّ تحقيق الدراسات والأبحاث العلميّة التي تدور حول قضايا المجتمع والإنسان، إثارة اهتمام الرأي العام وخاصة الشباب والشابات عن طريق الندوات والمحاضرات بالثقافة والعلم لما لها من أهميّة في تطوير مجتمعنا . وهنا استطرد الدكتور دندشلي ليوجّه نصيحته إلى الشباب ليقول : " أنتم طليعة المستقبل وشباب الغد وأنتم الذين ستستلمون زمام القيادة في هذا المجتمع . وهذا لا يكون إلاّ بالثقافة ، الثقافة التي تعني العقل والعلم والتنظيم ، هذا الثالوث الثقافيّ هو القادر على قيادة المجتمعات في مرحلة نموّها وتطوّرها . وأشار دندشلي إلى أنّ الثقافة بهذا المعنى تعني أن لا نعيش في برج عاجيّ بعيداً عن هموم الناس ومشاكلهم وآمالهم وتطلعاتهم المستقبليّة ، بل هي أن نعيش في صميم الواقع ، وأن نكون تعبيراً صادقاً عنه ، في ماضيه وحاضره ومستقبله .
بعد ذلك سألنا الدكتور دندشلي عن نشاطات المركز ، فأطرق قليلاً ولعله حاول أن يتذكر ويستجمع بعض الأفكار ، ثمّ قال : إنّنا منذ ابتدأنا نشاطاتنا أخذنا نتحرك في اتجاهات متعدّدة .
أولاً : التفكير بإنشاء مكتبة أهليّة عامة في مدينة صيدا ، ولكن يبدو أنّ الجهات المسؤولة لم تعر هذا الأمر الاهتمام الكافي .
ثانياً : قمنا بتنظيم سلسلة من النّدوات والمحاضرات بشكل دوريّ ، كان لها طابع تربويّ اجتماعيّ وثقافيّ .
ثالثاً : أنجزنا وبالرغم من ضعف الإمكانيات الماديّة بعض الدراسات ونشرنا بعض الكتب، وكانت أولى الدراسات حول " التعليم والتفاوت الاجتماعيّ في مدينة صيدا " وضعها لنا خصيصاً صديقنا الدكتور عدنان الأمين . وقد أشار الدكتور دندشلي إلى أنّ مجموع ما نشر من دراسات حتى الآن بلغ السبع دراسات ، وهناك قيد النشر ما يزيد على عشرة كتب تنتظر التغطية الماليّة . ثمّ أضاف دندشلي إلى أنّ أهمّ إنجاز كان إيجاد مقرّ دائم وثابت للمركز الثقافيّ ، والأهمّ من ذلك إنشاء مركز التوثيق والمعلومات المتخصّص لمدينة صيدا والجنوب . وأردف يقول : " منذ عام 1980 ونحن نملك الوثائق الصحفيّة والمعلومات التي نشرت ولها علاقة بمختلف قضايا المجتمع الذي نعيش فيه ".
وعندما سألنا الدكتور دندشلي عن الصعوبات التي تعيق أعمال ونشاطات مركزه الثقافيّ ، تنهد تنهيدة عميقة ثمّ قطب مفكراً وقال أنّ أهمّ الصعوبات التي يواجهها المركز ظروف الحرب وما رافقها من فقدان الأمن واضطراب اجتماعيّ وسياسيّ وتهجير . ثمّ الصعوبات الماديّة التي كانت تحلّ عن طريق الحفلات التبرعيّة ، وأشار هنا إلى ضرورة إقامة مشروع تجاريّ يعتمد عليه المركز في عمليّة التمويل . ثمّ أضاف إلى أنّ أهمّ الصعوبات في الوقت الحاضر هي تأمين المصدر الماليّ لتجهيز المقر الجديد وتأثيثه ، ثمّ تأمين التغطية الماليّة لنشر الدراسات المتوافرة في المركز .
وقد أفاد الدكتور دندشلي عن سبب تركيز النّدوات حول موضوع واحد وهو الاقتصاد ، فاعتبر أنّ النّدوات لا تهتمّ أبداً بموضوع واحد ، بل هي متنوّعة قدر الإمكان وحسب الظروف . وهنا استعرض بعض ما ينفذه المركز في موسمه القادم من ندوات ، فمن ندوة تتعلق بالفن لسليم سحاب إلى أخرى تبحث في مشكلات التعليم الرسميّ في صيدا ، إلى ثالثة تعني بتطوّر الرياضة والحركة الكشفيّة ورابعة تدور حول مشاكل الطبابة والدواء وغيرها حول الوفاق الوطنيّ في لبنان . هذا بالإضافة إلى سلسلة من النّدوات والمحاضرات حول موضوع اقتصاديات صيدا ومحيطها الريفيّ .
وأخيراً كان لنا سؤال عمّا إذا كان المركز قد حقّق أهدافه أم لا ؟...
فأجاب دندشلي متواضعاً بأنّه عمل بثبات وبنفس طويل من أجل تحقيق أهداف المركز ، ونتيجة ذلك فقد حقّق جانباً لا يستهان به . وأشار إلى أنّ الأهداف تتغيّر دائماً فعندما نحقّق بعضها تبرز أهداف ، جديدة نسعى لتحقيقها .
وقبل ختام حوارنا مع الدكتور دندشلي أحبّ أن يلقي علينا نصيحة الأب الذي يغار على أبنائه ، فتمنّى أن تتكرر لقاءاتنا معه لتناقش معه في شؤون تربويّة وثقافيّة . ووجّه كلمة إلى الشباب والشابات يدعوهم فيها إلى الاهتمام الكلّ والعميق بقضايا الثقافة والفكر . وهنا عاد وأطرق قليلاً وكأنّه ينتقي كلماته وانتهزنا هذه الفرصة لنمعن النظر في مكتبة الدكتور الذي ما لبث أن قطع علينا ذلك بمتابعته الحديث بالقول : " إنّنا نعلم أنّ شبابنا في الوقت الحاضر ينشغلون عن القضايا الثقافيّة والفكريّة بقضايا أنتم أدرى بها ، لذلك أعود وأكرر دعوتي للقراءة والمطالعة وتعميق الثقافة ، لأنّ مجتمعنا بحاجة إلى شباب واعٍ ومثقّف .
شكرنا الدكتور دندشلي على استقباله لنا وعلى اهتمامه بشباب وشابات المجتمع وتمنينا للمركز الثقافيّ للبحوث والتوثيق كلّ ازدهار وتقدّم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ1) أنظر ، مجلة " مجلتي "، العدد الثاني ، 88/89 ، أجرى الحوار : رينة زعتري ـ دانية دندشلي .