يوسف زعين يفتح خزانة أسراره بعد صمت 40 عاما.. بمفاجآت مثيرة
الثلاثاء 30 ربيع الثاني 1426هـ - 07 يونيو2005م
________________________________________
تناولت عبد الناصر وحافظ الأسد وهيكل وآخرين
يوسف زعين يفتح خزانة أسراره بعد صمت 40 عاما.. بمفاجآت مثيرة
________________________________________
دبي - فراج اسماعيل
"سوريا يحكمها أطباء .... لابد أنها مريضة".. كان هذا عنوان لجريدة فرنسية في أحد أعداد عام 1968م، وكان ذلك عقب تولي الدكتور الطبيب نور الدين الأتاسي رئاسة الجمهورية، والدكتور(الطبيب ) يوسف زعين رئاسة الوزراء، والدكتور (الطبيب) إبراهيم ماخوس وزارة الخارجية. كان هؤلاء الأطباء جزء من تاريخ سوريا وتاريخ العرب الحديث، وعاشوا أكثر الفترات سخونة ومفاجآت، فكانوا جديرين بالذاكرة والتذكر، وكان لهم وعليهم الكثير مما ينبغي على الأجيال أن تعرفه.
يوسف زعين: مولود في البوكمال 1931 وهو طبيب، عمل وزيرا للإصلاح الزراعي 1963-1964، وسفيرا في بريطانيا ،وفي 1965 انتخب عضوا في القيادة القطرية، ومن فبراير (شباط ) 1966 إلى أكتوبر ( تشرين الأول ) 1968، كان رئيسا للوزراء حتى عام 1970. الدكتور يوسف زعين مناضل حقيقي، ذهب إلى الجزائر أثناء حرب التحرير، واشترك في علاج جرحى حرب التحرير الشهيرة، وارتدى الملابس البدوية وعالج الجروح والإصابات، وحمل نفسه وسلاحه وأدويته. وتنقل من صحراء ليبيا إلى تونس إلى الجزائر، وتجول داخل مخيمات لاجئي حرب التحرير ، وحين عاد إلى دمشق اندفع بقوة الطموح والشباب وحيوية المبادئ إلى قمة هرم السلطة في سوريا، فقد كان بعثياً أيديولوجياً حاداً، ويسارياً متمرداً، لكنه حين صار رئيس وزراء اصطدم بالواقع .. شاءت الأقدار أن يمضي سنوات من عمره في السجون السورية عقب انقلاب رفاق الأمس، وتولي الرئيس الراحل حافظ الأسد مقاليد الأمور في بداية السبعينات، ولم يشفع له نضاله وعطاؤه، فالسلطة لا ترحم، ولكن القدر تدخل، وأصيب الدكتور يوسف بمرض (خبيث) في رأسه فقال الأطباء أنه سيموت قريباً، هنا تحركت إنسانيات "رفاق الأمس" وأفرجوا عنه وأرسل إلى بريطانيا ثم السويد للعلاج, حيث أجريت له عملية جراحية خطيرة، تماثل على أثرها للشفاء، وانتقل إلى العاصمة المجرية "بودابست". ويقول الكاتب المصري الهامي المليجي لـ"العربية.نت" إنه تعرف عليه هناك، والتقاه كثيراً، واستمع إليه طويلاً "لم أناقشه ولم أسأله كنت أستمع إليه فقط، لم يكن يريد أن يناقشه أحد أو يسأله فهو قد تحول إلى مجرد شاهد على الأحداث، ومعلق ملييء بالتفاصيل لكنها تفاصيل خارج السياق، كأنه عائد من الماضي ليكتشف أن الحاضر مختلف لغة وأدوات ومعطيات، كان الاستماع إليه مدعاة للدهشة، مجرد أن تستمع إلى خطابه وكلماته تنتابك أحاسيس متناقضة, أقلها عدم الارتياح لممارسة السياسة في الوطن العربي".. ويضيف المليجي: تجرأت مرة وسألته: لماذا لا تنشر مذكراتك ؟.. لم يرد، في المرة الثانية كررت السؤال.. صمت.. في المرة الثالثة قال لي: هناك كثيرون طلبوا مني ذلك لكنني لست متحمساً، ثم صمت وأضاف (في إشارة للمليجي ): إذا أردت أن تلخص شيئاً افعل.. - وضحك وهو يقول: لكن لا تنشرها إلا بعد - .. قاطعته ( الله يعطيك طول العمر ).. شيء ما دفعني لممارسة نشر ما التقطته منه، شيء غامض مثل نظراته الشاردة والحالمة.. وها أنا أفعل واخص "العربية.نت" ببعض مما استمعت إليه، مع اعتذاري المسبق له لأنني لم أطلعه على ما لخصته من أحاديث معه". ويستطرد الهامي المليجي أن أحاديث الدكتور يوسف زعين معه تناولت عناوين مهمة للغاية ستجعلها مذكرات مثيرة للجدل عندما يتمكن من استكمالها ونشرها كاملة، تفيض بكثير من المعلومات التي تقال لأول مرة، ومن هذه العناوين: " نصبنا كمين للاسد في طريق المطار 1970 لقتله وأن مجيئه للحكم يأتي ضمن ترتيبات القرار 242" مشيرا إلى أنه قبل أن يتولى الحكم "قررنا عزله، ولكن تراجع أحد الأشخاص عن التصويت أوقف القرار، ثم اعتقل الأسد هذا الشخص بعد ذلك عندما وصل إلى السلطة". وفي موضع آخر ينسب إليه المليجي قوله إن "ابوجهاد كان يعطي الدولارات لحافظ الأسد الذي كان يشتري بها ذمم الضباط، وأن الأمريكان والروس ساعدوه في انقلابه، ويضيف أن " اليحياوي توسط بيني وبين حافظ الأسد"، وأن "نزار قباني أراد أن يتحصل على حقوق غير مشروعة وادعى انه اضطهد". ومن ضمن ما تناوله قصة انقلاب سليم حاطوم، وحين ينتقل بالحديث إلى حزب البعث العراقي فإنه يتهم ميشيل عفلق بأنه أفسده، ويرى أنه ليس ثوريا، وإنما إنسان حالم يجلس في "الحمام" 3 ساعات. ويقول إن "حزب البعث العراقي تأسس على قاعدة نضالية لكن تصفية مناضليه الحقيقيين حولته إلى إدارة قمع وسلطة، وتلك نتائج سيادة خط ميشيل عفلق، الذي ازحناه واعتقلنا طارق عزيز 1968". ويشير إلى أن حافظ الأسد كان يخشى من طموحات صدام حسين. ويتكلم بحزن شديد عن هزيمة يونيه "حزيران" 1967 والإنكسار النفسي الذي تسببت فيه ""بعد هذه الحرب مكثت سبعة اشهر لم اظهر في مناسبة علنية" متهما الملك حسين بأنه "وضع قشرة الموز أمام قدم عبد الناصر وورطه في حرب 1967"، مستطردا بأن "عبد الناصر قال لي في ذلك العام: لدينا جيش من الكشافة" ويوضح أن الجيش السوري انهار عندما سمع بالانهيار على الجهة المصرية، وبعد ذلك ينتقل بالحديث إلى قرار مجلس الأمن 242 الذي يطالب اسرائيل بالانسحاب إلى حدود ما قبل 5 يونيه "حزيران" قائلا إن عبد الناصر هو صاحب صيغته". ثم يتناول التعهد الإسرائيلي باستعادة الجولان ويصفها بأنها "جاءت نتيجة مفاوضات سورية إسرائيلية بدأها رفعت الأسد عندما كان نائبا للرئيس". ويكشف القصة الحقيقية للقبض على "كوهين" قائلا إن أمين الحافظ طلب منه قراءة بعض آيات القرآن فلن يستطيع فقال لمرافقيه هذا جاسوس.ويرى أن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر كان منزعجا من عبد الحكيم عامر قائد الجيش المصري في ذلك الوقت والذي كان بمثابة الرجل القوي داخل الجيش، وكذلك من مجموعة المؤسسة العسكرية وكان يريد تصفيتهم، وجاءت هزيمة 1967 فاتاحت له فرصة ازاحة مراكز القوى ووضع كل مقاليد الحكم في يده، وأنه غيّب قوى كثيرة لواقام تحالف واسع معها وديمقراطية شعبية لاختلف الوضع كثيرا . كذلك من هذه العناوين أن عبد الناصر قال ليوسف زعين: "إن هيكل وحمروش والعالم وغيرهم يأخذون مني مرتبات". ويؤيد النظرية التي تزعم أن عبد الناصر مات مسموما، قائلا: "إن هيكل يعرف الكثير لكنه صامت، وكتب عن أشياء غير حقيقية، وأنه ملغوم ويتلاعب بالمعلومات، ويجب ان تنتبه الاجيال وهي تقرأ له". ثم وضع هوامش كثيرة على كتاب "الانفجار" لهيكل، مضيفا أنه "أورد وجهة نظري محرفة ومضحكة".ويقول زعين إن "ما قاله باتريك سيل حول البروتوكول مع ديجول ليس صحيحا، هو ملفق للاحداث، كما لفق قصة اختبائي، وأن الفرنسيين في عهد ديجول كانوا أكثر تفهما".يبدأ الهامي المليجي تلك المذكرات التي التقطها من حواراته الخاصة مع يوسف زعين بالمقدمة التالية: "أنا أريد أن أموت.. لا أتشبث بالحياة..عملت عملية جراحية لمدة 6 ساعات على مرض (ورم) في رأسي، الآن أعاني من حصى في المرارة، لا أريد أن أقوم بالعملية لأنه ليس هناك داع للبقاء على قيد الحياة، انظر إلى حقبة الستينيات بل السبعينيات، وانظر إلى التسعينيات.. كل من له إحساس بالوطنية إما أنه مات أو أنه يريد الموت.أنا لم أمت.. لذلك أريد الموت. هذا ليس موقفا هروبيا، هذا، منطق جدلي.إذا لم تنحن للعاصفة فستنكسر النخلة. ياسر عرفات وطني لكنه طوعته العاصفة، من زواجه إلى اتفاقية غزة أريحا، كل ذلك بسبب أنه لم يمت، لذا فهو مسلوب الإرادة إلى أن مات. أنا أعرفه منذ أن كان صغيرا، الرجل وطني لكنه كان مسلوب الإرادة. الملك حسين غرر بعبد الناصر، عبد الناصر أدرك اللعبة حاول إدخال الروس على الخط، أبلغهم أنه لا يستطيع القيام بالحرب ولا خوضها، أرسل لهم شمس بدران.الملك حسين من خلال الانجليز وضع "قشرة الموز" أمام قدم عبد الناصر، الإنجليز قالوا للملك حسين إن الإسرائيليين لن يحتلوا شبرا واحدا من حدود مملكته، لذلك طلبوا منه أن يدفع عبد الناصر باتجاه التوتر. وعندما طار الملك حسين إلى القاهرة في بداية يونيو وأعلن اتفاقية الدفاع المشترك صعقنا في سوريا للخبر.قلت لعبد الناصر إن الموضوع مشبوه . قال إنه في انتظار معجزةلكن المعجزة لم تأت بل أتت أسراب الميراج". الإمضاء يوسف زعين قديما قال شاعر عربي بيتا صار مثلا سائرا هو قوله: كفى بك داءا أن ترى الموت شافيا وحسب المنايا أن يكن أمانيا وصاحب هذه الكلمات التي تفوح من بين سطورها رائحة الموت وتكاد تهب عواصفه، اسم قادم من الماضي بأطيافه المزركشة وأحزانه الداكنة وآماله العريضة وهزائمه الكبيرة . ودون مقدمات فقد قرر يوسف زعين أن يتكلم، بعد ما يقرب من أربعين عاما من الخروج من السلطة. فتح يوسف زعين قلبه قبل أن يفتح "خزانة أسراره"، وقد اختار أن يكون حواره مع الكاتب المصري الهامي المليجي بعد أن اعتذر لآخرين وجهوا له الدعوة للكتابة أو التحدث عبر حوار مفتوح طويل. والحوار يكتسب أهمية خاصة من أسباب عدة أولها أن المتحدث – كما يبدو من العبارة الواردة في بداية هذا الموضوع – حديث رجل يتمنى الموت ويفلسف موقفه هذا على نحوخاص قد نخالفه فيه – أوبالقطع نخالفه – لكنها تظل أمنية لها دلالاتها التي سوف تساعد حتما على وضع ما يقوله في سياقه الصحيح، على الأقل من الناحية الإنسانية. الحوار يستعيد محطات مهمة من الماضي الشخصي والوطني والقومي، ويوسف زعين يفجر الكثير من المفاجآت تتصل بصدام حسين وميشيل عفلق وحافظ الأسد ورفعت الأسد وهواري بومدين وياسر عرفات ومحمد حسنين هيكل وغيرهم. وهوبطبيعة الحال يدافع عن بعض ما تناله سهام النقد من تاريخه، لكنه في الوقت نفسه يسلط الضوء على بعض أحداث الماضي في ضوء ما استجد من تطورات دولية وإقليمية.ويقول المليجي إن هذا الحوار "الذكريات" تم خلال لقاءات متعددة تمتد بين 16 – 5 – 1994 و23 – 10 – 1999.
في العشرين من ديسمبر 1994 قبل الدكتور يوسف زعين الذي اختار الصمت لسنوات أن يودع صمته، واستهل حديثه قائلا في مرارة: "كثيرون طلبوا مني الكتابة عن فترة التوتر التي عشناها، والوطن العربي، كانت فترة تستحق الدراسة لكن طمسوها، لم يشوهوها فقط بل غيروها، سحقوها تماما. لا يراد للأجيال أن تعرف شيئا مما حصل. جورج طرابيشي طلب مني أن يقوم هوبالصياغة أوالحوار معي لكنني لم أسترح، أنا مشتت، العملية الجراحية التي قمت بها خطيرة جدا، لذلك لم أجد متسعا من الظروف يسمح لي بالتركيز. أنت (إلهامي المليجي) قم بهذه المهمة، بإمكانك تدوين ما أقوله". وفي ما يشبه المانشيتات الصحافية أطلق عبارة كانت مفتاحا للحوار: "أليكسي كوسيجين قال لي لا تقربوا النفط، النفط يعني حربا عالمية ثالثة، هذا كلام ليس فيه غموض". ثم انتقل ليروي قصة تجربته في حكم سوريا مبتدئا بقصة لها دلالاتها: "كتب شاب بعثي هو"مروان خلاص" مقالة صغيرة في مطبوعة أومجلة القوات المسلحة السورية فقامت القيامة، هوقال إن الدين يجب التعامل معه "بشكل آخر"، فقامت قيامة الجميع. كنا في مرحلة لا تسمح بذلك الطرح, هولا يمثل وجهة نظر أحد، كان المقال يخصه هو، طبعا هناك قوى تترصد. حافظ وخطه استغلوا الموضوع ودفعوا التناقضات للسطح. المهم حوكم الشاب وحكمت عليه المحكمة بثلاث سنوات سجنا". وكمن يستجمع شتات الذاكرة طاف الدكتور يوسف زعين بأشتات من الذكريات المتقاطعة: "نحن أتينا بالمفتى "محمد كفتارو" وهورجل يملك ثلث باصات الشام، كان معه شيخ متفهم ناصري هوالسيد الطويل على ما أذكر، كان المفتي يذهب إلى الخارج في زيارات، يعني المفتي كان من مؤسسة السلطة".. . "كانت هناك تنازلات، نحن حكمنا ضمن جبهة وطنية حتى لولم تعلن. لم نحكم بالطائفة أوالأقلية، بل حمكنا وفقا لتحالف كبير". وبالنسبة لتجربته في الحكم يؤكد الدكتور زعين أن "هناك طمسا لفترتنا لأن الجميع لا يريد تسليط الضوء على تلك المرحلة لأنها كانت بمثابة المادة المشعة التي يجب ردمها ودفنها: مقاومة، تأميمات، معركة نفط، قتال يومي مع العدو، جذرية في حل مشاكل المجتمع، ضرب لكل القوى غير الجذرية، مواجهة مع البورجوازية، دعوة لتثوير الوطن العربي. لذلك كله تآمرت كل القوى الداخلية والخارجية واعتبرت تلك الفترة "فترة التهور" في سوريا". وبداية الصراع داخل البعث السوري كما يروي كانت مع ميشيل عفلق: "دعونا البعث لاجتماع قومي، ميشيل عفلق أراد التخلص منا وتشكيل بدائل، لكننا انقلبنا عليه ووضعنا بدلا منه منيف الرزاز من الأمانة القومية وهومن جماعته ولكنها كانت خطوة وسيطة لابد منها. دعونا البعث لاجتماع قومي حضره بعث اليمن ولبنان وسوريا والأردن وكل فروع البعث، تغيب العراقيون لكنهم كانوا على اتصال بنا قبل ذلك. بعد تسلمهم للسلطة مجددا في 1968 أخذوا ميشيل عفلق من لبنان ثم شكلوا القيادة القومية ووضعوه على رأسها، وعندما عينوه كانوا يريدون "الشرعية البعثية"." وتلك تفاصيل القصة كما يرويها الدكتور زعين: "لم نتفاهم مع ميشيل عفلق لذا ففي 23 فبراير شباط 1966 أزحناه، لم نسئ إليه، وإنما أبعدناه إلى لبنان هووصلاح البيطار وأمين الحافظ وآخرين، وللحقيقة فأمين الحافظ كان إنسانا جيدا ولقد حاولت قبل 23 شباط أن أستميله إلى مجموعتنا لكنه رفض" ذهاب ميشيل عفلق لبغداد وكان يهدف إلى نقطتين.. الأولى: إن البعث العراقي أراد المزايدة باحتضانه القائد المؤسس. والثانية: أن ميشيل عفلق أراد النكاية بالبعث في سوريا. لذا كانت الأهداف الوطنية ليست وطنية أوعقائدية. والنتائج هي كما نرى. خط ميشيل عفلق هوالذي أوصل العراق إلى ما صارت عليه بعد ذلك. العراقيون كانوا أفضل حالا إلى أن التحق بهم ميشيل عفلق، فتحولوا إلى سلطة. حزب البعث العراقي تأسس على قاعدة نضالية، لكن بعد تصفية المناضلين الحقيقيين تحول إلى أداة قمع وسلطة. صدام حسين كان يمكن أن يكون غير هذا، لكن هذه نتائج ميشيل عفلق".وبغضب جامح يحمل الدكتور يوسف زعين عفلق المسئولية الكاملة عن إفساد الحزب معددا وسائل التخريب: "ميشيل عفلق أفسد الحزب في العراق، هوليس ثوريا، ولكنه إنسان حالم كان يمكن أن يكون شاعرا، إنسان يجلس ثلاث ساعات في الحمام ويريد أن يكون ثوريا.. هذا تناقض، نحن كنا ننتظره لساعات طويلة في بيته في سوريا. أمه كانت تعد لنا الشاي وهوفي المرحاض".
ويروي الدكتور يوسف زعين قصة الانقلاب الفاشل الذي قاده سليم حاطوم في 8 سبتمبر 1966 قائلا: "سليم حاطوم كان نقيبا في الجيش، اشترك في انقلاب 8 آذار 1963 واستولى على محطة الإذاعة وهوبعثي من الدروز، ثم عين قائدا لوحدات (الفدائية) وهي قوات خاصة مهمتها حراسة الأماكن المهمة في رئاسة الدولة والأركان والإذاعة. وقد قام بالإجهاز على أمين الحافظ واعتقال وقتل حراسه في انقلاب 23 فبراير "شباط" 1966، وكان يشعر أن النظام القائم مدين له، ولذلك حاول مرة القيام بانقلاب والاستيلاء على السلطة". "أحدثنا نحن: الدكتور نور الدين الأتاسي وصلاح جديد وزملاؤنا في القيادة القطرية تغييرات على القيادات والمواقع، وكان من بينها أننا أبعدنا ضابطا من القيادة هوسليم حاطوم لم يكن قد بلغ من العمر 27 سنة. أثناءها كانت المفاوضات على أشدها بين شركة البترول البريطانية وسوريا حول عائدات أنبوب نفط يمر عبر الأراضي السورية قادما من العراق. توقف الضخ وهددنا بتحويله إلى أنبوب لجلب مياه نهر الفرات. لم نبلغ أعضاء القيادة الآخرين بالموضوع، في البداية خوفا من التلاعب. شكلنا لجنة من عمال وفلاحين وموظفين وكل قطاعات الشعب لمتابعة المفاوضات. أردنا أن نجعل الموضوع معركة الجميع. قلت لوزير المالية هذا موضوع وطني ويجب أن يخوضه الجميع وفي بدايتهم المتخصصون. أحضرنا خبراء ليسوا حزبيين لكنهم وطنيون هم الذين قادوا المفاوضات مع الشركة البريطانية. كنت قد طلبت من لجنة خبراء تثقيف أعضاء القيادة وإطلاعهم على خلفيات المعركة، كانت معركة كبيرة تفاعلت الجماهير معها، كانوا يأتون من لبنان في وفود شعبية للمؤازرة. كان تحديا، وفي تلك الأثناء خططوا لمؤامرة ضدنا قبل أن يقدموا مبلغ الـ 50 مليون ليرة، فرتبوا لانقلاب". "اتصل بي سليم حاطوم قال إنه يريد أن يراني، جاء إلي في رئاسة الوزارة وذهبت أنا وإياه بعد تمام الدوام في سيارتي الفولكس فاجن الصغيرة، ذهبنا لوحدنا باتجاه طريق دمشق بيروت، كان هناك مطعم صغير، تناولنا الغداء وشربنا "عرق" وكان يقول لي إنه رفيق لنا وأن إبعاده وتهميش دوره حز في نفسه، وأنه يريدني أن أتدخل لدى صلاح جديد كي نعيده إلى قربنا. كانت العلاقة بيني وبينه مميزة وقوية، لكنه كان ضابطا شابا ولم أكن أدري بأنه يخطط لانقلاب، قلت له أنتم في السويداء لديكم اجتماع حزبي كبير "كان سليم حاطوم بعثيا" وسنحضر معكم الاجتماع. قال لي: الدكتور نور الدين وصلاح جديد سيحضران الاجتماع، قلت: إذا سأظل أنا في دمشق ثم عدنا إلى الشام". "في اليوم الثاني بعد الظهر اتصل بي حافظ الأسد ليبلغني أن سائق صلاح جديد هرب من السويداء وأنه يقول إن سليم حاطوم قام بانقلاب واعتقل رئيس الجمهورية والأمين العام للحزب، وأن وحدات من قوات الجبهة تتحرك باتجاه العاصمة لاحتلال القيادة والأركان والإذاعة. على الفور توجهت بسرعة إلى قيادة الحزب، قلت لحافظ ابق في قيادة الأركان وكان معه أحمد سويدان رئيس الأركان. كان الحرس جميعه من أتباع سليم حاطوم، ومن المشاركين في المؤامرة قائد الشرطة العسكرية وكانت العناصر جميعها من الشرطة العسكرية" "دخلت مقر القيادة ثم أغلقت الباب الرئيسي وبدأت في إجراء الاتصالات، اتصلت أولا بنائب قائد الشرطة العسكرية وطلبت منه تولي القيادة بصورة فورية وإرسال قوات لمقر قيادة الحزب واستبدال العناصر القائمة وتجريدهم من السلاح. وفعلا لم تمض ساعة حتى كان العسكريون الجدد قد أحاطوا بالمبنى وجرد الآخرون من سلاحهم وتحدثت معهم بهدوء، وقال بعضهم إننا مجرد مأمورين وليس لدينا علم بنيات قائد الشرطة العسكرية. على صعيد آخر أرسلت قوات على عجل لإيقاف الدبابات الزاحفة من الجبهة واعتقل قادة التحرك وتمت السيطرة على الألوية غير الموالية، ثم أرسلت نجدات عسكرية إلى السويداء لتطويق الموقف هناك. كان حافظ الأسد يجري اتصالات مع سليم حاطوم، وكان سليم يتصل بي ثم يتصل بحافظ الأسد، طلبت منه إنهاء التمرد، لم أتحدث معه بعنف أو شدة خوفا على حياة نور الدين وصلاح جديد". "كنت أرهبه ثم أرغبه، توتر كثيرا وعندما علم بوصول القوات إلى مشارف السويداء انهار وفي اتصاله الأخير قلت له: إننا نؤمنك على حياتك إذا أطلقت سراح المسئولين، لكنه عندما تأكد من فلتان الموقف وفشل الانقلاب هرب مع مجموعة من عناصره إلى الأردن، وأعطاهم الملك حسين الدعم وأنشأ لهم معسكرا على عجل". "شركة النفط البريطانية كانت على اتصال بكثير من المدنيين والعسكريين ومن بينهم سليم حاطوم، أرادوا بمماطلتهم كسب الوقت، وعندما فشل المخطط رضخوا لمطالبنا وقدموا 50 مليون ليرة. في يوم الانقلاب ذاك كان الناس على موعد مع معرض دمشق، كان الوضع متوترا ورأى بعض أعضاء القيادة القطرية إعلان منع التجول، لكن كان هناك خوف من أن يتقدم الانقلابيون إلى دمشق، كان هناك ناس كثيرون وخوف من إراقة الدماء، وعندما انحسم الموقف أذعنا بيانا كتبته الساعة الحادية عشرة وأذيع بعد ذلك يعلن إحباط الانقلاب وفرار قادته، وأعقب ذلك عملية اعتقالات ضرورية لتأمين الموقف". وإذا كان الدكتور يوسف زعين قد وضع انقلاب سليم حاطوم في هذا الإطار، فإن من الحقائق الجديرة بالذكر أن القيادة العليا للجنة العسكرية البعثية التي تأسست عام 1959 خلال الوحدة بين مصر وسوريا تكونت في البدء من خمسة ضباط من بينهم ثلاثة علويين وهم محمد عمران وصلاح جديد وحافظ الأسد وعبد الكريم الجندي وأحمد المير، وعندما توسعت فيما بعد لتشمل 15 عضواً أصبح تشكيلها كالآتي: خمسة من العلويين وهم محمد عمران من المخرم (حمص) وصلاح جديد من دوير بعبدا (اللاذقية) وحافظ الأسد من القرداحة (اللاذقية) وعثمان كنعان من منطقة( الإسكندرون ) وسليمان حداد، وإسماعيليان وهما عبد الكريم الجندي من( السلمية ) وأحمد المير من ( مصياف) ودرزيان من (جبل الدروز) وهما سليم حاطوم من (ذيبين ) وحمد عبيد وستة من السنيين منهم ثلاثة من ( حوران ) وهم موسى الزعبي ومصطفى الحاج علي وأحمد سويداني واثنان من (حلب) وهما أمين الحافظ وحسين ملحم وواحد من ( اللاذقية) وهومحمد رباح الطويل.
ويمضي الهامي المليجي قائلا: "عبر جلسات هذا الحوار الممتدة لم يتخل الدكتور يوسف زعين عن إخضاع بعض الوقائع للتحليل والمراجعة في ما استجد خلال السنوات التي تفصل الأحداث عن وقت روايتها، صحيح أنه لم يزل في الكثير من القضايا يوسف زعين المنتمي لحزب البعث غير أن مياها كثيرة جرت في النهر. كان التحالف الذي ربط ثلاثي "جديد، زعين، الأتاسي" مع السوفيبت مفتاحا من أهم مفاتيح فهم هذه الحقبة وبخاصة بالنسبة لمن يرجحون أن عبد الناصر دفع في يونيه "حزيران" 1967 ثمن هذا التحالف، ومن المفارقات المدهشة أن زعين ألقى الضوء على جانب خاف من هذا التحالف وهوسوء الفهم الذي جعل السوفييت يتعاملون بحذر مع حلفائهم السوريين "السوفييت كانوا يعتقدون أن لدينا توجهات صينية (ماوية) ممثلة في العمل الشعبي وحرب التحرير الشعبية لذلك كانوا أصحاب موقف حذر منا في سوريا، وكان ذلك مصدر قلق لهم وخسارة لنا. لم نستطع فتح قنوات جيدة معهم نتيجة تقديراتهم الخاطئة. وهذا ما أعطى الفرصة للقوى المرتبطة بالغرب للضغط علينا، لم يدرك الروس أخطاءهم إلا بعد معركة 67. عندها تأكد لهم أنه إذا خسرنا خسروا هم، لأن الغرب كان يدير المعركة باعتبارها ضد روسيا وليست ضد العرب". والمفاجأة الأكبر في حديث يوسف زعين عن هذا التحالف هوتقييمه له بعد سقوط الإمبراطورية الشيوعية، "تحالفنا مع الاتحاد السوفيتي بني على افتراض خاطئ، اعتقدنا أن تحالف الصهاينة مع الرأسمالية العالمية آيل للسقوط بحكم افتراض زوال الرأسمالية وتدمير نفسها، الأمر الذي سوف يترتب عليه سقوط الصهاينة تبعا لذلك، التقينا مع الروس في هذا التحليل. أعتقد أنه كان خطأ، ماركس يقول: لا تصدقوني بل صدقوا أحفادي، هاهم أحفاد ماركس يأكلون الهامبورجر والماكدونالدز ويحملون العلم الأمريكي على صدورهم".
"في إحدى زياراتي لموسكو دعاني أليكسي كوسيجين رئيس الوزراء السوفيتي لعرض (باليه) في موسكو، طيلة الوقت كنت أشرح لكوسيجين فوائد تمويلهم لمشروع سد على نهر "الفرات". لم ألتفت للعرض كنت طوال الحفل أتحدث معه عن أهمية السد بالنسبة لسوريا ولموقع الاتحاد السوفيتي في الوطن العربي. في الصباح كان أليكسي كوسيجين قد وقع مسودة الاتفاق. وعندما بدأ العمل في المشروع بعد ذلك بأشهر أحس الشيوعيون السوريون أنهم ما دام الروس هم ممولوالمشروع فإن لهم الحق في الاستفادة منه. في منطقة حلب بدأوا في جمع الأموال من العمال وكونوا مكتبا لهم في المشروع، وأحسست بأنهم "زودوها". ذهبت للمشروع بنفسي وجمعت كل المهندسين والعاملين وقلت لهم إن هذا المشروع هوملك للجميع، للوطن، للأجيال الحاضرة والقادمة". "وفي أحد الأيام جاءني السفير السوفيتي في دمشق وتحدثنا عن المشروع ثم قال إنه يقترح تغيير المسئول السوري عن المشروع لأنه أرمني وهناك في المنطقة أقلية أرمنية، قلت له: لا نحن ليس لدينا حساسية تجاه الأرمن، فهم مواطنون محترمون وجديرون بالثقة والتقدير ثم إنهم أقلية تحترم القوانين ولا يشكل وجود مسئول منهم بالمشروع أي ضرر. الحقيقة الروس كانوا مدركين التركيبة الاجتماعية في سوريا والوطن العربي". "وعثرت مرة أجهزة الأمن لدى زعيم الدروز السوري على خارطة تحمل مخططا إسرائيليا لإقامة دولة درزية في المشرق العربي. كان هدف إسرائيل إقامة حزام من الدويلات الدرزية والسنية والشيعية والمارونية والكردية في المنطقة، فيبدووجودها كدولة يهودية أمرا مشروعا وعادلا جدا ولا يشكل تناقضا تاريخيا للمنطق أوبؤرة صراع. أودعنا زعيم الدروز في المستشفى كإقامة جبرية، ومرة أرسل إلي كمال جنبلاط عن طريق أحد أعضاء القيادة القومية طلبا للمقابلة، قلت له إذا كان جنبلاط يريد أن يتحدث معي عن زعيم الدروز فقل له ألا يأتي، وفعلا لم يأت إلي".
أما عن الوضع في سوريا فقد كنا "نريد قطع الطريق على تفتيت وحدة سوريا وإقامة نظام طائفي على غرار النظام العلوي لحافظ الأسد ، وتكوين جبهة وطنية حقيقية". كانت "هناك قيادة جماعية بالاسم لكن هناك فرق عديدة تتجاذب القرارات، كان علينا في مجلس الرئاسة المكون من: نور الدين الأتاسي وصلاح جديد وأنا، ثقل مواجهة تحالفات داخلية معقدة، بالإضافة إلى الجيش والطوائف والفلسطينيين والمناوشات العسكرية مع إسرائيل والأطماع التركية ومزايدات بغداد". "حافظ الأسد وزير الدفاع في ذلك الوقت، كان في صراع مع أحمد سويدان رئيس الأركان، وفي جلسة طارئة لتصحيح الوضع المزدوج قررنا عزل حافظ الأسد، وفي التصويت فوجئنا بأحمد سويدان يمتدح حافظ الأسد ويقف إلى جانبه. كان الفارق في التصويت صوتا واحدا هو الذي أبقى على حافظ الأسد، وحين قام حافظ أسد بالانقلاب – بعد وفاة عبد الناصر – كان من ضمن المعتقلين ذلك الصوت الذي وقف معه. الأمريكان جاؤوا به إلى السلطة لتدمير المشروع الوطني الذي أقررناه، والذي يهدف إلى عدم تمكين الطائفة العلوية من السلطة في سوريا ويهدف إلى إقامة جبهة وطنية قادرة على مواجهة التحديات. لقد قطعوا علينا الطريق". "أرسلنا عدة كتائب دبابات إلى الأردن لمساندة الفلسطينيين في مجزرة أيلول الأسود بناء على استغاثاتهم المستمرة واستغل حافظ الأسد الموقف فقام بالانقلاب، كنا على علم بتحركاته، فقد أغرق الضباط بالدولارات والمزايا وكنا نسبح في بحر من الأحلام، أما هوفكان قد حدد هدفه". "قلت له مرة تستطيع أن تستلم السلطة لكن هناك قضية وطنية لابد من التفاهم حولها، الوحدة الوطنية، قال: ليس لي طموح للسلطة، أكثر طموحي هوأن يستمر حزب البعث فيها". قلت له: "تستطيع أن تأمر "زعرانك" باعتقال قيادة الحزب. لقد فككت شفرة تفكيره، اندهش وقال: أنا وزعراني فداء للوطن والحزب".
أما البداية الحقيقية للصراع الذي انتهى باستيلاء حافظ الأسد على السلطة فكانت له مقدمات "في سنة 1968 تركت الحكومة طواعية بسبب انتقادات القاعدة الحزبية لمراكز القوى ممثلة في الأسد وصلاح جديد وأنا. تفرغت للعمل الفدائي في منظمة الصاعقة وصلاح جديد ترك هو الآخر، أما حافظ الأسد فلم يترك السلطة، كان يريد أن يحكم. مصطفى طلاس رجل بريطانيا ورجل شركة ipc كان يد حافظ الأسد القوية هو وناجي جميل. معركة النفط ليست بعيدة عن انقلاب حافظ الأسد، لقد أخذنا حقوقنا كاملة من شركة ipc ولذلك لم تغفر لنا ذلك". "منذ سنة 1969 أصبح الخلاف "على المكشوف" كما يقال، كنا نعرف أن حافظ الأسد سوف يرتب للتخلص منا، كان يخشانا كفريق مجتمع أوفرادى. نور الدين الأتاسي كان مترددا ولكنه حسم أمره لصالحنا، وضعه حافظ في صف الأعداء، عبد الكريم الجندي أطلق الرصاص على نفسه، أصيب الجميع بحالة يأس، كان بالإمكان استخدام قوات الصاعقة لكننا لم نشأ إراقة الدماء. لقد تخاذل البعض. المهم أن حافظ كان يخشى الجميع لذلك لم يتركنا أحرارا وأودعنا السجون، صلاح جديد مات بالسجن، نور الدين كذلك. أما أنا فلولا الورم في الرأس وتقارير الأطباء التي قالت إنه ميئوس منه لما تركني أغادر السجن إلى لندن للعلاج". . . .
الفصل الأول من الصدام بدأ بعد نكسة يونيو فقد "استجلبت خبراء ألمان شرقيين لتنظيم الدولة في سوريا بعد حرب الـ 67 وأوكلت إليهم مهمة تنظيم حسابات رئاسة الوزراء والإدارة، وزارة الدفاع كانت ترفض التدقيق في الحسابات. بعث لي حافظ الأسد مرة بأمين المالية في وزارة الدفاع (جودت جورج) وعندما حاول وزير المالية التفاهم معه رفض، كانوا في أحد مكاتب رئاسة الوزراء وجاءني وزير المالية وقال لي إن الضابط جودت يرفض كذا وكذا. جئته وقلت له (يللا انقلع) أنا مش ناصر العظم (يقصد رئيس وزراء سوريا) حيث كانت الحكومة كانت قبل يوسف الزعين تحت إمرة المؤسسة العسكرية، وقد طردته وقلت له: إن المفاهيم ستختلف معك". "وبعدها اتصل حافظ الأسد وقال لي إن الضابط يشتكي إنك طردته قلت له: المسائل المالية إما أن تسوى أو أن تصبح مهزلة، قال: سآتي إليك وندرس الموضوع بدقة، وفعلا جاءني وسويت معه الموضوع، كانوا في المؤسسة العسكرية بلا رقيب لذلك اصطدمنا أنا وصلاح جديد، وتولى نور الدين المؤسسة العسكرية.كانت هناك قيادة جماعية حوالي 14 شخصا، لكن الفاعلين ربما كانوا اثنين أو ثلاثة. صلاح جديد كان يريد أن يحكم قلت له: "احكم بس نسوي جبهة وطنية وبعدين نقطع الطريق على الحكم الطائفي، الغرب اشتغل على تأسيس حكم طائفي لأنه في وجود الحكم الطائفي لن يحصل نهوض". "أثناء الاجتماع الحاسم العاشر للقيادة القطرية في 68 طرحت مشروع الجبهة الوطنية بعد هزيمة 67 .. ألقيت كلمة لمدة ساعتين، قلت إن العرب قبائل، ولكي تقاتل قبيلة قبيلة أخرى يجب أن تبني لحمتها الداخلية، القبائل والأفخاذ، هناك قوى لابد أن نستدرك ونوجدها بيننا. حافظ الأسد كان غائبا وبعث إلينا (اليحياوي) – ضابط من الجزائر واستلم رئاسة الوزارة في الجزائر فيما بعد – كوسيط. قال لي إن حافظ يريد أن يراك، كان الجو ملغوما وهناك مسلحون، وسلحنا كل المدينة وأعضاء الحزب وكذلك القوى التقدمية والقومية وجعلنا المنطقة كلها مدججة بالسلاح. كانت هناك مواجهة مؤجلة مع المؤسسة العسكرية بسبب الازدواجية، هناك حزب وحكومة وهناك مؤسسة عسكرية تحكم." "جاءني حافظ في البيت وتحدثنا عن موضوع الجبهة الوطنية وكان يناور، قال: هذا كلام جيد، إنني جئتك لوحدي، كنت أعرف أن معه أعدادا كبيرة من سرايا الدفاع، المهم قلت له: إذا أردت أن تنفرد بالسلطة فعليك أن تؤسس الجبهة الوطنية ثم احكم أنت وصلاح جديد".الفصل الأخير من الصراع مع حافظ الأسد وبدأ الفصل الأخير من الصراع ففي "أثناء اجتماع القيادة القطرية لحزب البعث أواخر سنة 1970 أردنا أن نشيل (نعزل) حافظ الأسد ومصطفى طلاس، كان الصراع على المكشوف. قبل أن يتم القبض علينا بأربعة أيام، جاءني حافظ الأسد في بيتي وقال إنه جاء بمفرده علما بأن المنطقة كلها حول بيتي طوقت، أخوه كان رفعت قبضاي. تحادثنا كثيرا، قلت له يجب أن تترك وزارة الدفاع، قال لي أنت لابد أن تترك كل المهام التي لديك، قلت له نحن أعضاء في القيادة القطرية، خذ أنت مكتبا في القيادة القطرية وتستطيع أن تشتغل، كان هناك تنسيق كبير بيننا أنا وصلاح جديد والأتاسي ومجموعة كبيرة من الأشخاص، كونا تحالفا عريضا. لم نخرج بنتيجة لقد كان يريد أن يحكم، قلت له إنني خارج الوزارة منذ 1962 لكنني أتمتع بصلاحيات تمكنني من خدمة البلد، افعل مثلنا." "بعد أربعة أيام جاءني صلاح جديد ومحمد الشامل وزير الداخلية السابق، والحقيقة أن الرجل كان قد ترك العمل الداخلي واشتغل في "الغور" مع الفدائيين. وقد تم اعتقالنا، أخذنا إلى مقر مخابرات القوات الجوية، ناجي جميل كان هناك. في المساء جاء حافظ الأسد، كنا منهكين، لم يعاملوننا بقسوة فقد كانوا مأمورين. المهم جاء حافظ الأسد وقال إنه يريد أن يتحدث معنا لنصل إلى صيغة محددة. كنا نعرف نواياه مسبقا. صلاح جديد لم يقل كلمة. أنا قلت له حكاية ملخصها أن أحد الأشخاص أراد (تفصيل) بدلة، حمل القماش للخياط، قال له اعمل بدلة بعد القياس قال له تفضل اعمل بروفة وعندما ارتداها صاحبها كانت قصيرة من جانب وطويلة من الآخر، قص الخياط الجانب الطويل فلم تستوقال له تقص الجانب الآخر قصه لم تنفع البدلة بعد ذلك. قال له صاحبها اعملها "خرج" تضع فيه العلف للحيوان. غادرنا بعدها حافظ الأسد، أما جميل ناجي فكان قريبا أو نسيبا (صهرا) لمحمد الشامل وأحضر لنا بعض الطعام، أكلنا أنا وشامل ولم يأكل صلاح جديد رحمه الله." "في ذات المساء كان العقيد معمر القذافي في مطار دمشق ينتظر، فقد وصل فجأة والحقيقة فقد كان مجيئه انفراجا لحافظ الأسد ولتثبيت سلطته عربي.
________________________________________
جميع الحقوق محفوظة لقناة العربية © 2006