كلمة المناضل - لكي نحبط مؤامرة لعبة الثقة بالسياسة الأميركية
كلمة المناضل العدد 64 آذار 1974
لكي نحبط مؤامرة لعبة الثقة بالسياسة الأميركية
الدكتور . فواز الصياغ
رئيس هيئـة التحرير
أن خطوة المرحلة النضالية الراهنة ، والظروف الدقيقة التي تجتازها مسيرتنا النضالية ، تحتم علينا أن نتوقف قليلا ، لنتأمل بوعي ودقة وقدرة على استقراء التاريخ القريب ، لكي نستخلص العبر ، ونستفيد من الدروس التي يمكن أن تكون لنا الدليل الذي لا يضلنا، والمنطلق الصحيح في مواصلتنا النضال من أجل تحقيق أهدافنا القريبة والبعيدة، المرحلية منها والاستراتيجية ، دون أن نضطر لتضحيات أكثر ولدفع الثمن الذي كنا قد دفعناه من قبل .
أننا سنكتفي باستقراء أهم الأحداث الكبيرة التي حفل بها التاريخ العربي بعد نكبة الاحتلال الصهيوني الاستيطاني لفلسطين عام 1948 ، وهي بالتحدي : العدواني الثلاثي على مصر عام 1956، نكسة عام 1967 وحرب تشرين التحريرية عام 1973 .
لعلنا لا نأتي بجديد إذا قلنا : أن الصراع الدامي الذي تميزت به تلك الأحداث الجسام ، إنما هو الصراع بين الجماهير العربية الطامحة ، وهي تناضل لتحقيق أهدافها في الوحدة والحرية والاشتراكية من جهة ، وبين القوى الكبرى المعادية لحركة وأهداف الجماهير العربية خاصة والشعوب كافة ، والمتمثلة بالإمبريالية العالمية والصهيونية و((إسرائيل)) .
إننا إذ نكرر هنا هذه البدهية في فهم التاريخ ، فلأننا نعلم أهمية ما يترتب على اعتبارها أو عدم اعتبارها في المقام الأول عند رسم استراتيجية أية مرحلة نضالية لأية حركة عربية ثورية ، أو بالنسبة لفصائل الثورة العربية كلها ولجميع المعنيين بقيادة السياسة العربية في هذه الفترة الحاسمة من تاريخ معاركنا العسكرية والسياسية والاقتصادية .
ففي العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 ، كان المد العربي الوحدوي قد بلغ حدا أفزع الاستعمار على مصالحه وإسرائيل على وجودها كله .
وبتأميم قناة السويس أكبر مرفق للاستعمار في مصر وصل الوعي الثوري العربي مستوى من الأهمية والجدية ، لم يترك للاستعمار إلا وسيلة العدوان المسلح السافر ، بغية وضع حد لآمال الجماهير في الوحدة وطموحها في ممارسة سيادتها بحرية على ثرواتها ، واستخدامها لتطوير الجميع ،
وكان رد الجماهير العربية المنظمة عل العدوان أعنف من العدوان نفسه وسلاحها اكثر مضاء وقدرة على إثبات الوجود .
وفي العدوان الإسرائيلي التوسعي عام 1967 والمدعم بقوى الاستعمار الجديد والمساعدات الأميركية المباشرة ، كانت حركة الثورية العربية قد رفدت بفصيل جديد ، هو المقاومة الفلسطينية التي وحدت ، بشكل أو بآخر ، مواقف فصائل الثورة العربية منها ، وكذلك الأنظمة السياسية العربية على اختلاف مشاربها ، وبالتالي وقفت الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج ، وراء هذه الثورة ، تمدها بالمال والسلاح والشباب المتحفز لأعظم التضحيات .
ولقد أدركت إسرائيل ومن وراءها ، خطر هذا الوليد الجديد ، كما وضعت أيديها على مواضع الضعف والثغرات التي تركتها عزلة القيادات السياسية عن جماهيرها التواقة إلى الخلاص ، فوجهت أفظع صفعة في تاريخها الحديث ، ووضعتها في كثير من الاعتبارات في مصاف الرجعية العربية التي خسرت معركة سنة 1948 .
لقد وقع العدوان تلو العدوان على الأمة العربية لمنعها من النضال في سبيل تحقيق أهدافها الإنسانية المشرعة ، أما أن يبلغ بهذه الأمة التحدي والواعي والقدرة في أن تستخدم ثرواتها الواقعة تحت السيطرة الاستعمارية نفسها ، وتحقق بها انتصارا وحدويا تحريريا في وقت واحد يهدد الوجود الصهيوني برمته والمصالح الاستعمارية المرتبطة به ، فذلك أمر لا يمكن أن تسلم به الإمبريالية العالمية التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية ، وليس بمقدور ((اسرائيل)) وقادة الصهيونية العالمية أن يتصوروا حدوثه .
أن الإرادة العربية كانت مكبلة بالعزلة والتشرذم عدوان 1967 ،وأثقلت بالخوف الذي صنعته النكسة والحرب النفسية المركزة التي تصاعدت ونمت وتشبعت بعد العدوان .
فجاءت حرب تشرين التحريرية لتحررها من الخوف ولترفع في سماء المعركة ، أعلام الوحدة العربية من جديد وهي ترفرف خفاقة في ضوء منارات الثورة ومشاعل النفط العربي الذي بدا سلاحا فعالا بحد ذاته ، إضافة إلى ما يمكن أن ينجم عن استخدامه من آفاق نضالية رحبة وانتصارات لا قبل لأعداء الشعب العربي بتحمل نتائجها .
أن دماء آلاف الشهداء من جنودنا البواسل ، في مشرق الوطن العربي ومغربه ، التي روت رمال سيناء وبطاح الجولان في تشرين المجيد ، أن الكتائب العربية المسلحة التي حطمت جدار الخوف ، والجماهير العربية الصامدة الطامحة إلى مستقبل مشرق ، وقد باتت تعي أهمية استخدام سلاح النفط وغيره من الثروات العربية الجبارة من أجل معركة المصير .
أن هذا كله لن يشفع للذين يتصدون لقيادة هذه الأمة ، في أخطر مرحلة من تاريخها الحديث ، أن يعودوا بها القهقرى في لعبة الخداع التي تمارسها الولايات المتحدة الأميركية على أقدس وأعظم قضية في تاريخنا ، بعد أن خبرت جماهيرنا ، بالتجربة المرة تلو التجربة ، المرامي العدوانية لسياسة الولايات المتحدة الأميركية .
إننا إذ نقدر أبعاد معركتنا السياسية مع إسرائيل المدعمة بقوى الصهيونية العالمية والإمبريالية العالمية لا يمكن أن نقبل بأن تنكس ، من جديد ، إعلام الوحدة العربية التي ارتفعت على أرض المعركة ، ومع علمنا بأن ((النفط العربي لم يستخدم ، في حقيقة الأمر سلاحا لدعم المقاتلين ، بل كان وسيلة جديدة للإثراء على حساب الشهداء ، وللأضرار بمصالح الأصدقاء وشعوب البلدان النامية)) ، فأننا لن نسمح باستخدامه ، من قبل أعدائنا مجددا ، لزعزعة التضامن العربي وللمساومة على حقوق الشعب العربي الفلسطيني ، وبالتالي لفرض الحلول الاستسلامية على شعبنا وتحقيق مطامع إسرائيل وسيطرة الولايات المتحدة الأميركية على ثرواتنا القومية .
ينبغي أن نصمد ونناضل في معركتنا السياسية ، بوعي ، لانتزاع أسلحتنا من أيدي أعدائنا وتوظيفها في خدمة المعركة ، ولكي نحبط مؤامرة لعبة الثقة بسياسة الولايات المتحدة الأميركية ، والبقاء في دوامة المرواغات من خيمة الكيلو متر 101 إلى دوران المكوك الأميركي من أجل فسح المجال أمام عدونا لكسب الوقت ، والإعداد لعدوان جديد قد لا يقتصر هذه المرة على إقامة جدران الخوف واليأس أمام طموحات جماهيرنا العربية في كفاحها المجيد من اجل الحفاظ على مكاسب تشرين ، وللمضي في تحقيق أهدافها في الوحدة والحرية والاشتراكية .