كلمة المناضل عددان - حـــــــــول المعركـــــــة
كلمة المناضل العدد 259 ـ 260 ت1- ت2 1973
حـــــــــول المعركـــــــة
الدكتور . فواز الصياغ
رئيس هيئـة التحرير
لقد أكد حزبنا وما يزال يؤكد على الأهمية الخاصة التي تحتلها القضية الفلسطينية في مسيرة الحركة الثورية العربية ، وكانت هذه القضية المقياس الدقيق الذي تقوم بموجبه أية حركة آو سلطة سياسية في الوطن العربي .
وبرز هدف التحرير واستعادة حقوق الشعب العربي الفلسطيني في السنوات القليلة الماضية ، هدفا لا يعلو عليه هدف وفق الاستراتيجية المرحلية التي رسمتها المؤتمرات القومية للحزب وخصوصا المؤتمر القومي الحادي عشر ، فقد استطاعت قيادة الحزب بعد هذا المؤتمر أن تباشر بتحويل هذا الشعار إلى ممارسة فعلية تتفق والنهج السياسي الذي يخدم هذا الهدف ، ويحقق تحولا كبيرا لمصلحته في الأصعدة المختلفة الداخلية والعربية والدولية .
وفي السادس من تشرين الأول عام 1973 جاءت المعارك البطولية التي خاضتها قواتنا المسلحة وصمد فيها شعبنا ، قمة هذه الإنجازات والنشاطات كما برهنت في نتائجها على قدرة العرب على استخدام طاقاتهم الجبارة وإمكاناتهم الكامنة التي لم تكن لتظهر قبل المعركة .
وكان للمعركة أيضا نتائج سلبية خلقت في مجتمع العدو وفي مواقف القوى المساندة له آثارا بعيدة ومهمة ، وباعتبارنا لسنا هنا بصدد تعداد هذه النتائج التي أصبحت معروفة وجلية بالنسبة لجماهير شعبنا وللعالم ، فلا بد من التذكير بان معارك تشرين وما رافقها أعقبها ليست إلا بداية على طريق الهدف الاستراتيجي المرحلي ، هدف التحرير ، وعلينا أن ندرك أبعاد المرحلة الجديدة والمهمات الصعبة التي ترتبها المعركة السياسية علينا جميعا .
ففي الجبهة المقابلة سوف يلجأ قادة الصهيونية وإسرائيل إلى تغطية إخفاقهم ، هذه المرة، بمحاولة تعديل أساليبهم التي اعتمدت فيما مضى على التضليل والوهم والأساطير بقدر واعتمادها على العلم واستنفار مشاعر يهود العالم للدفاع عن الكيان المصطنع الدخيل الذي أقاموه في بلادنا ، هذا إلى جانب أن الجروح البليغة التي أحدثتها المعركة في نفوس القادة العسكريين والسياسيين ،قد تدفعهم إلى مغامرات شرسة لن تكون آثارها سهلة على شعبنا بما يمكن أن يتكبده من تضحيات جديدة لردع العدوان المحتمل ، كما أنها قد تهدد السلام العالمي بأفدح الأخطار .
ومن هنا تبرز أهمية اخذ جانب الحيطة واليقظة وعدم الركون إلى سياسة الولايات المتحدة الأمريكية والقوى الإمبريالية الأخرى ومناوراتها الهادفة إلى فرض الحلول التي تتعارض مع طموحات شعبنا في التحرير والتقدم وتحقيق أهدافه القومية .
وبهذا تتأكد أيضا أهمية المعركة السياسية التي تخوضها امتنا العربية باعتبارها حلقة متممة في سلسلة المعارك المرحلية الطويلة التي فرضت علينا في صراعنا المصيري مع الاحتلال الصهيوني الاستيطاني لأرضنا .
ولعل الالتزام بشعار تغليب التناقضات الرئيسية على التناقضات الثانوية في هذه المرحلة الدقيقة ، يبدو اكثر إلحاحا من أي وقت مضى .
فالتضامن العربي الذي تجلى على ارض المعركة وعمد بدماء الشهداء من مغرب الوطن العربي ومشرقة ، ينبغي له أن يدوم ويتطور ويأخذ أبعاده التي تمكن الأمة العربية من استخدام طاقاتها الجبارة وقواها الذاتية التي فجرتها المعركة .
كما أن الاهتمام العالمي الكبير بقضيتنا ، الذي حصل بسبب بسالة قواتنا العربية المسلحة ومن ورائها صمود شعبنا العظيم ونتيجة استخدام سلاح النفط في المعركة ، هذا الاهتمام العالمي ينبغي أن تسخر له القوى العربية المختلفة لتطويره لخدمة هدف التحرير .
ومن هنا تبرز أهمية مؤتمر القمة الذي انعقد في الجزائر أواخر تشرين الأول الماضي والقرارات الجيدة التي صدرت عنه والتي كان من أهمها :
اعتبار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب العربي الفلسطيني . ومواصلة اعتبار النفط سلاحا أساسيا في المعركة ، واستمرار دعم سورية ومصر عسكريا وسياسيا واقتصاديا . إضافة إلى اعتماد سياسة عربية اقتصادية فعالة تكفل انحسار النفوذ الصهيوني عن إفريقيا من جهة ، وتقدم لها المساعدات اللازمة لتحقيق تحررها وتقدم شعوبها من جهة ثانية .
لقد أكدت مقررات مؤتمر القمة العربي في الجزائر والكلمة التي ألقاها الرفيق الأمين العام للحزب في المؤتمر ، أن معارك السادس من تشرين الأول الماضي عبرت عن أيماننا اللا محدود أو غير المحدود بأمتنا العربية ، وإننا لن نتنازل عن شبر واحد من الأراضي العربية المحتلة ، ولن نساوم أبدا على حقوق شعبنا العربي الفلسطيني ، وإننا سنبقى على استعداد للتضحية بغير حدود والعطاء بغير تردد .
وسنناضل من اجل الحفاظ على وحدتنا الوطنية ووحدة الموقف السياسي العربي ، في الوقت نفسه الذي نعمل فيه لتوثيق علاقاتنا بالشعوب المناضلة والقوى العالمية التي تدعم قضيتنا العادلة ، وكذلك تطوير علاقاتنا مع الدول الأوروبية وغيرها من الدول التي يمكن أن تغير موقفها إلى جانبنا بعد أن باتت تدرك الخطر الذي يهدد مصالحها إذا استمرت تدعم قوى العدوان علينا .
إننا لن نلهث وراء مؤتمر السلام ولا خلف أي مشروع قد يراد منه فرض الاستسلام علينا ، ولكننا لن نكون هيابين في العمل وفق ما يحقق هدفنا الاستراتيجي في التحرير ، ومن اجل استمرار مسيرتنا الثورية لتحقيق أهدافنا في الوحدة والحرية والاشتراكية ..