كلمة المناضل العددان - مع إنجاز الخامس من تموز في القطر العربي السوري
كلمة المناضل العددان 55-56 حزيران وتموز 1973
مع إنجاز الخامس من تموز في القطر العربي السوري
الدكتور . فواز الصياغ
رئيس هيئـة التحرير
احتفل القطر العربي السوري يوم الخامس من تموز 1973 ، بتحويل مجرى نهر الفرات وانتهاء المرحلة الأولي والأساسية من بناء هذا الصرح الاقتصادي العظيم الذي يعتبر أضخم إنجاز من نوعه يتحقق في ظل الثورة التي يقودها حزب البعث العربي الاشتراكي في القطر العربي السوري منذ الثامن من آذار عام 1963 .
ولقد رأينا في كلمة الرفيق الأمين العام للحزب التي ألقاها في هذه المناسبة التاريخية العظيمة من حياة شعبنا ، افضل ما يمكن أن نفتتح به هذا العدد من مجلة المناضل . قال الرفيق الأمين العام للحزب :
((في هذه البقعة نقف أمام عظمة الإنسان غابرها وحاضرها ، فقد علمنا التاريخ أن حضارات الإنسان الأولي نشأت وترعرعت وازدهرت على ضفاف الأنهر الكبرى ، وان حوض الفرات كان مهد عدد من اعرق الحضارات التي شهدت خطوات الإنسان الأولى في ميادين عديدة : ميدان التعدين واستعمال الآلة ، وميدان استخدام وسائط النقل، وميدان الكتابة )).
وقال أيضا : " على ضفاف هذا النهر عاشت أقوام أدت دورها في حركة التاريخ الدائمة، وخلفت لمن تلاها آثار جهدها الفكري والجسدي لتقتبس منه وتعمل فيه يد التطور والتحسين .
وشهد وادي الفرات أشكالا من الصراع وأنواعا من التلاحم والتمازج ، وكما انتابته الكوارث على يد الغزاة ، فقد نعم بمهود من العز والرخاء أظلته فيها رياض غناء وافرة الثمار . وفي مختلف تلك العصور والعهود ظل الفرات في تدفقه الغزير من منابعه إلى مصبه يشكل تحديا للإنسان الذي يجاوره ... كان الفرات في أوج عطائه وفي حضيضه يبعث الرعب والهلع في النفوس .
كان هذا تحدي الطبيعة الذي قام في وجه شعبنا ، والذي ازدادت حدته بازدياد عدد السكان وتزايد الحاجة إلى مضاعفة الإنتاج . وقبل شعبنا هذا التحدي وواجهه بإرادة صلبة . ولكن إلى جانب تحدي الطبيعة كان هنالك تحد آخر هو تحدي القوى المعادية التي قاومت إرادة شعبنا ، وحاولت أن تحبط هذا المشروع بأساليب تذكرنا على نحو ما بالتحدي المماثل الذي واجهه شعبنا العربي في مصر ، عندما عزم على بناء السد العالمي )).
إلى أن قال : (( ومنذ السادس عشر من تشرين الثاني عام 1970 أصبح سير العمل في المشروع يعكس الملامح الرئيسية لهذه المرحلة : عملا يرافق القول ويسبقه اكثر الأحيان : وسرعة في التنفيذ ، ووعيا شعبيا متناميا لضرورة تعبئة كل الجهود في مجالين متلازمين : مجال البناء والتنمية ، ومجال الصمود والاستعداد لمعركة تحرير الأرض المحتلة .
هذا التلازم بدأ يفرض نفسه في كل عمل وفي كل مجال ، ومن هنا كان تصميمنا اكبر وكان إصرارنا اشد على استمرار وتنامي عمليات البناء .وفي هذا الإطار كان الحرص على بناء سد الفرات بعد عدوان 1967، لأن العدوان استهدف فيما استهدف ، وان يمنعنا من البناء وأن يمنعنا من التقدم ولكن شعبنا رأى في العدوان وآثاره دافعا جديدا لبناء الوطن سياسيا واقتصاديا ودفاعيا ، وحافزا آخر لامتلاك القدرة اقتصادياً وعسكريا وفي كل المجالات الأخرى ، لحماية نفسه وأرضه والإسهام في العمل الخلاق مع أشقائه في الوطن العربي ، ومع سائر شعوب العالم المناضلة من اجل رفعة الإنسان وتقدمه وخيره أمنه )).
وقال أيضا : (( وها نحن اليوم نقهر تحدي الأعداء وتحدي الطبيعة فنحقق الأمل ، ونروض النهر ... ان الفرات يخضع لإرادة الإنسان لأول مرة في تاريخه ))..
((ان الفوائد الاقتصادية والاجتماعية لسد الفرات ، كثيرة وجليلة ، وتأخذ أهميتها العظمى من حيث أنها وسيلة فعالة إلى تغيير جذري يجب أن يتحقق في حياة الإنسان ، لان الغاية من هذا المشروع ليست فقط هذا التغيير الذي نراه على سطح الأرض ، وإنما الغاية هي التغيير الأهم في المجتمع ونمط الحياة . من أجل ذلك فإن الاهتمام بالعنصر الإنساني وبالجانب الاجتماعي في هذا العمل الكبير ، كان وسيبقى متوازيا مع الاهتمام بالجانب الاقتصادي )) .
أضاف الرفيق الأمين العام للحزب :
((لقد تأكدت في مدينة الثورة ، قدرة شعبنا على مواكبة العصر واستيعاب التقدم التكنولوجي وهذا ما يعمق إيماننا ويؤكد حقيقة أن التفاوت التكنولوجي لا يغير من حتمية انتصار الشعوب المناضلة لتحرير الأرض من المحتلين وتطهيرها من الغزاة ، بل إن متطلبات النضال وظروفه كفيلة بإرشاد الشعوب إلى الطريق المؤدي لاستدراك هذا التفاوت واللحاق بالشعوب المتقدمة في هذا المضمار ))..
إن هذا المشروع ((بالنسبة لأمتنا يعني إضافة رصيد جديد للطاقات العربية ، لأننا نعتبر طاقة كل قطر عربي مصدر قوة للأمة العربية .
وانه بالنسبة للبشرية ، يعني أن تزداد إمكانياتنا وان تزداد معها قدرتنا على المساهمة في دفع عجلة التقدم البشري إلى الإمام وتزداد قدرتنا على أن نتحمل مع بقية شعوب العالم مسؤولياتنا الإنسانية )).
((واذا كان بناء السد يرمز إلى مرحلة هامة في هذه المسيرة ، فلن يغيب عن بالنا أن طريق البناء طويل وان معركة التحرير شاقة ، وأنها تحتاج إلى كل جهد يمكن بذله لتحقيق النصر فيها .
إن هاجسنا الأول وهمنا الأكبر في هذا البلد ، هما أن نعبئ قوانا استعدادا لمعركة التحرير الحتمية ، ساعين في الوقت ذاته لتجميع القوى العربية وتوجيهها نحو هذه المعركة المصيرية ذلك أن المهمة الكبرى التي تواجهنا ، هي مهمة تحرير الأرض العربية المحتلة وإعادة حقوق شعب فلسطين العربي إليه ، هذه المهمة الرئيسية هي الموجه الأول والأساسي لكل أعمالنا ، ومن أجل تحقيقها يجب أن توجه كل إنجازاتنا وأن تزج كل طاقاتنا وطاقات الأمة العربية..
وقال الرفيق الأمين العام للحزب وطاقات الأمة العربية))...
(( أن الأمر الخطير الذي يجب أن تدركه الأمة العربية ، هو أن أطماع إسرائيل لا تقف عندما وصلت إليه حتى الآن ، وان التخاذل الآن في المواجهة معها سيجر إلى عواقب وخيمة أخرى ، لأن إسرائيل ستنتقل في مخططها إلى مراحل جديدة تصبح معها أقطار عربية أخرى واقعة أيضاً على خط المواجهة وتحت الاحتلال .
وإذا كان العبء الأكبر الآن يقع على أقطار المواجهة ، فان هذه الأقطار إنما تخوض معركة الأمة العربية وإمكاناتها الواسعة والتي بدأ بعضها يأخذ طريقه إلى الحشد في سبيل المعركة ))..
وأضاف : ((فرحنا بهذا اليوم هو فرح شعب بذل جهدا كبيرا فأثمر جهده وناضل فجنى ثمرة نضاله . ومع ذلك فإن فرحتنا بما أنجزنا لن تنسينا واجبنا الرئيسي ، واجب تحرير الأرض ، ولن تنسينا فرحة اليوم أيضاً أن هذا العمل لا يكتمل إلا بخطوات أخرى وجهد مستمر ومتعدد الجوانب..
أنني باسم الوطن أحيي مهندسينا وفنينيا وعمالنا الذين عملوا بجد وحماسة وأظهروا روحا عالية في الإخلاص لقضية الوطن .
وباسم الوطن أيضاً أوجه التحية إلى جميع أصدقائنا الخبراء السوفييت الذين بذلوا جهودا كبيرة ، وكان لخبرتهم وتعاونهم أثر هام في إنجاز هذا العمل .
وختاما فان لي ملء الثقة بأن يعطي مشروع الفرات ثماره الكاملة بجهود شعبنا ، وان يمهد الطريق لمشروعات أخرى تعزز اقتصادنا وترفد قدرتنا في صراعنا مع الغزاة المعتدين ))..
المناضل