أيّ مشروع قانون للانتخابات النيابيّة ؟... أيّ تقسيم للدوائر الانتخابيّة وكيف ؟!...
مـذكـرة
إلى دولة رئيس مجلس الوزراء
الدكتور سليم الحص
السبت ، 11 أيلول 1999 هيئة العمل الوطنيّ ، حلقة التنمية والحوار
المركز الثقافيّ للبحوث والتوثيق في صيدا
بدعوة من هيئة العمل الوطنيّ وحلقة التنمية والحوار (دار العناية _ الصالحية). والمركز والثقافيّ للبحوث والتوثيق في صيدا ، أُقيمت " ورشـة عمـل " سياسيّة ، صباح السبت الواقع فيه 4 أيلول 1999 ، في قاعة المركز الثقافيّ في صيدا ، حول موضوع :
أيّ مشروع قانون للانتخابات النيابيّة ؟...
أيّ تقسيم للدوائر الانتخابيّة وكيف ؟!...
قراءة واقعيّة وتجربة عمليّة !!...
شارك في هذه النّدوة الحواريّة نواب سابقون ورؤساء بلديات ومخاتير وممثلون عن أحزاب وقوى سياسيّة ونقابيّة وهيئات ثقافيّة وتربويّة واجتماعيّة وأصحاب مهن حرّة وأساتذة من الجامعة اللبنانيّة ، وهم ينتمون إلى تيّارات سياسيّة وفكريّة واجتماعيّة متنوّعة .
في ختام هذا اللقاء الوطنيّ الديمقراطيّ الذي استمر نحو ثلاث ساعات ، أصدر المجتمعون حصيلة المناقشات والاقتراحات والتوصيات في البيان التالي :
إنّ هـذا اللقـاء الحواريّ المنفتح الذي ضمّ ممثلين عن تيّارات سياسيّة ووطنيّة وثقافيّة متنوّعة، إنّما يهدف بداية إلى عمل دؤوب ومتواصل من أجل توسيع قاعدة الوعي الديمقراطيّ الجماعيّ في موضوع أساسيّ في حياتنا السياسيّة العامة ، وهو موضوع قانون الانتخابات النيابيّة ، وإثارة بالتالي الاهتمام الضروريّ والموضوعيّ ، الشعبيّ والوطنيّ ، هذه المسألة الوطنيّة الأساسيّة.
وكما نعلم ، فقد طُرحت أوراق عديدة من قِبَل جهات سياسيّة وحزبيّة وثقافيّة كثيرة ، تحمل كلّ واحدةٍ منها مشروعاً مختلفاً ومتمايزاً ، قد يلتقي أو يتعارض في نقاط أحياناً كثيرة ، مع مشاريع القوانين الانتخابيّة الأخرى . إلاّ أن اللافت في هذا المجال أنّ الكثيرين ممّن قدّموا مشاريعهم ، سواء كانوا من الطبقة السياسيّة التقليديّة أو من الأحزاب العديدة أو من المرجعيات الدينيّة ، جميعهم طرحوا الموضوع ،عـدا قلّة من الشخصيات السياسيّة المستقلّة أو من الباحثين الموضوعيّين ، من زاوية المصالح السياسيّة الخاصة ، أو لاعتبارات الزعامات الشخصيّة أو الفئويّة أو الطائفيّة ـ المذهبية، كلّ ذلك بهدف تحسين مواقعهم في السلطة السياسيّة أو المحافظة عليها أو الوصول إليها ، دون الأخذ بعين الاعتبار المصلحة الوطنيّة العليا أو الواقع الوطنيّ والديمقراطيّ والاجتماعيّ ـ التغييريّ في البلد .
غير أنّنا ، وانطلاقاً من معطيات سياسيّة واقعيّة وموازين قوى طائفيّة ومذهبيّة راسخة في الأذهان وفي السلوك ، لا نطمح الآن من عقد " ورشة العمل " السياسيّة هذه ، إلى طرح تغيير جذريّ في البِنية الاجتماعيّة والسياسيّة الانتخابيّة ، وإنّما إلى تبنّي مشروع قانون انتخابيّ وتقسيم للدوائر الانتخابيّة يتصف إلى حدّ كبير بالعدالة والديمقراطيّة والمساواة وصحّة التمثيل الشعبيّ وحريّة الاختيار الحقيقيّ وذلك كتعبير عن إرادة التغيير السياسيّ والاجتماعيّ العام في هذه المرحلة الانتقاليّة التي يمرّ بها المجتمع اللبنانيّ .
وإنّنا إذ نكتفي هنا بتسجيل موقف سياسيّ ووطنيّ وديمقراطيّ وثقافيّ ، فإنّما لنشير فقط إلى هذا التقصير الفادح والخرق الفاضح الذي لحق بمشروع الوفاق الوطنيّ وتجاوز وثيقة " الطائف " في الممارسة ، من جراء تفصيل الدوائر الانتخابيّة في الدورتين السابقتين لعام 1992 ولعام 1996 ، على قياس الزعماء السياسيين التقليديين والطائفيين ، والمصالح الفئويّة والمناطقيّة الضيّقة ، ممّا حرم المواطنين جميعاً ، بصورة أو بأخرى ، حقّهم الطبيعيّ في التمثيل الصحيح وحريّة التعبير الحقيقيّ عن رأيهم وحريتهم في الاختيار على قاعدة العدل والمساواة وحقوق الإنسان .
من هنا ، فقد أبدى المجتمعون رغبتهم الحقيقيّة وإرادتهم الصادقة في أن يكون هذا اللقاء الحواريّ والديمقراطيّ تعبيراً عن رفض التجربة الانتخابيّة السابقة ، وعن طموح الأكثريّة الصامتة من الشعب اللبنانيّ ، ورغبتها في الخروج من لعبة التوازنات الطائفيّة والمذهبيّة التقليديّة والمصالح الشخصيّة والمناطقيّة الضيّقة ، وصولاً إلى وضع قانون جديد للانتخابات النيابيّة يسير في اتجاه إلغاء ، تدريجاً ، الحواجز الطائفيّة والانتماءات المذهبيّة والجهويّة ويؤدّي إلى تحقيق التمثيل الصحيح والمساواة والعدل في تقسيم الدوائر الانتخابيّة دون استثناء ، وفسح المجال لبروز طاقات جديدة وطنيّة وديمقراطيّة من أجل تجديد الحياة السياسيّة في لبنان ، ويكون في نهاية المطاف تأسيساً لمرحلة سياسيّة جديدة للإصلاح والتغيير ، قوامها إلغاء الطائفيّة وإطلاق مسيرة الإصلاح والتغيير وإقامة دولة القانون والمؤسّسات وإعطاء الفرصة التاريخيّة ، وهي سانحة الآن مع مجيء هذا العهد وحكومة الرئيس الحص ، لكلّ مواطن في ممارسة حقّه الديمقراطيّ وأداء واجبه الوطنيّ غير المنقوص والتعبير عن حريته في الاختيار في مجتمع تحترم فيه حقوق المواطن والإنسان .
إلى هنا وانطلاقاً ممّا تقدّم وتأسيساً عليه ، فقد أبدى المجتمعون ملاحظات سياسيّة أساسيّة وتقدّموا باقتراحات وتوصيات يمكن إجمالها في أبرز النقاط التالية :
1 ) لقد اتخذ العهد الجديد وحكومته الأولى شعار " الإصلاح والتغيير ". غير أنّ مسألة الإصلاح إنّما هي في الواقع ورشة عمل ديمقراطيّة ووطنيّة ، دائمة ومستمرة . ولكنّها تبقى متعثرة أو مهدّدة بالفشل ما لم يسبقها ويرافقها ويتبعها عمليّة إصلاح سياسيّ . والإصلاح السياسيّ قوامه بداية تحقيق قانون انتخابيّ عادل وديمقراطيّ ومساوٍ بين المناطق وفي تقسيم الدوائر الانتخابيّة دون استثناء أو تمييز .
2 ) إنّ أيّ مشروع قانون للانتخابات النيابيّة وعلى أيّ مستوى كان، من الأهميّة بمكان في ظروفنا الراهنة أن يستلهم في منطلقاته ومبادئه وأبعاده ، وَحدة الأرض والشعب والمؤسّسات وشُرعة حقوق المواطن والإنسان ، وأن يضمن بالتالي تمثيلاً عادلاً للجماعات وللناخبين ، ممّا يعزّز حقيقة مسيرة الوفاق الوطنيّ الفعليّ والوَحدة الوطنيّة على أرض الواقع .
3 ) ثمّة شبه إجماع بين اللبنانيّين عامة وفي مختلف المناطق ، على أنّ القانون الانتخابيّ الذي طُبّق على أساس المحافظة ، باستثناء جبل لبنان ، في دورتين نيابيتين 1992 ـ 1996 ، قد أثبت من خلال التجربة والممارسة فشله الذريع وإخفاقه كلياً في تحقيق ما كان يُرفع من شعارات : فلم يتعزّز العيش المشترك ولا الانصهار الوطنيّ ولم تتحقّق صحّة التمثيل الشعبيّ . بل قد أدّى القانون الانتخابيّ السابق إلى عكس ذلك تماماً : فساهم مباشرة أو مداورة في إذكاء شُعلة الطائفيّة الكامنة ، فزادت حدّة وتحوّلت إلى مذهبيّة ظاهرة كرّست الزعامات الميليشياويّة " المحدليّة " وعصبيّة سلطة المال المستجدّة . فإذا كان الأمر كذلك ، وإذا لم يكن هناك من قانون انتخابيّ أمثل ، فلنطبّق والحالة هذه " الدائرة الانتخابيّة الوسطى " التي قد تكون أكثر ملاءمة لظروفنا السياسيّة الراهنة .
لهذا وانطلاقاً من تجربة سياسيّة مُعاشة ، يميل الرأي العام عندنا بصورة واضحة ويتجه بقواه الحيّة وقواعده الشعبيّة ومؤسّساته وهيئاته الديمقراطيّة والوطنيّة إلى المطالبة باعتماد الدائرة إمّا الصغرى وإمّا الوسطى حيث يتحقّق من خلالها صحّة التمثيل الشعبيّ وإرادة الناخب الحرّة وتقسيم عادل للدوائر الانتخابيّة في المناطق كافة ومساواة المواطنين في حقّ المشاركة : فتلك هي الأقرب إلى الواقع الاجتماعيّ الحقيقيّ ، منها إلى أيّ شيء آخر .
ذلك أنّ شعار الوحدة الوطنيّة والانصهار الوطنيّ والعيش المشترك إنّما يتحقّق من على أرض الواقع المُعاش والممارسة الديمقراطيّة . فاعتماد الدائرة المتوسطة في ظروفنا السياسيّة والوطنيّة الحالية قد تكون ، وهي فعلاً كذلك ، منطلقاً سليماً ومسيرة ديمقراطيّة نضاليّة نحو الدائرة الكبرى والتي يجب أن يُعتمد فيها التمثيل النسبيّ خلافاً للصغرى التي تستوجب النظام الأكثريّ .
4 ) إنّنا إذ نُعلن هنا رفضنا القاطع والصريح أمام " بالون اختبار جديّ ضاغط وحقيقيّ" بجعل الجنوب اللبنانيّ المكوّن دستورياً من محافظتين : محافظة النبطية ومحافظة الجنوب ، دائرة انتخابيّة واحدة ، تحت أيّ ذريعة كانت : أمنيّة أو احتلال إسرائيليّ لجزء من أرض الجنوب . ذلك أنّ أهلنا في الشريط اللبنانيّ المحتل من قِبَل العدوّ الإسرائيليّ ، من الأهميّة أن تؤمّن لهم كما في السابق تسهيلات عملانيّة لممارستهم حقّهم المشروع في انتخاب حرّ ، سواء دمجت المحافظتين كما في السابق أم لا !..
فانطلاقاً من التجارب السابقة ، فقد كان دمج المحافظتين الصيغة الأسوأ . فهي صيغة لم تؤمّن صحّة التمثيل الشعبيّ ولا عدالته ولا حريّة الناخبين في اختيار نوابهم الحقيقيين . فإنّنا نخشى أن نعود إلى ذلك القانون الانتخابيّ المشوّه والمقسّم على قياس الزعامات السياسيّة المحدليّة الجديدة ممّا أدّى في السابق ويؤدّي حالياً إلى استبعاد القوى الديمقراطيّة وتعطيل الحياة السياسيّة في المجتمع.
5 ) كما دلّت التجارب الانتخابيّة السابقة على أساس الدائرة الكبرى أنّه قد يتأتّى في حالات كثيرة ظاهرة ومعروفة نجاح نواب من لون طائفيّ معيّن ، بأصوات ناخبين من لون طائفيّ أو مذهبيّ آخر .
ومن جهة ثانية ، فقد دلّت تلك التجارب أيضاً أنّ الدائرة الكبرى ، ( المحافظة )، قد أنتجت الزعامات " الشخصانيّة " وكرّستها وأعطتها بالتالي القدرة على إقامة تحالفات فوقيّة ، قسريّة واستنسابيّة وخلق المحادل الزعاماتيّة وزعامات البوسطات والجرافات واللوائح التحالفيّة في اللحظات الأخيرة ، على حساب التمثيل الديمقراطيّ الشعبيّ الحقيقيّ .
* * *
هذا ، وتعتمد العمليّة الانتخابيّة وإجراءاتها ذات الطابع الديمقراطيّ ، على نقاط أساسيّة أهمّها :
1 ـ تأمين الحريّات السياسيّة العامة في مختلف مراحل العمليّة الانتخابيّة من بدايتها حتى نهايتها بضمانة القانون نظرياً وعملياً وذلك بحسب أبسط المعايير الديمقراطيّة الحقيقيّة ومواصفاتها الصحيحة .
2 ـ أيّ انتخابات ديمقراطيّة تنافسيّة صحيحة تكون تعبيراً عن إرادة الناخبين وتعكس توجهاتهم السياسيّة ، لا يمكن أن تتحقّق في حال عدم قدرة الناخبين والمرشحين على المشاركة بكامل الحريّة غير المقيّدة . من هنا أهميّة ضمانة حريّة العمل السياسيّ لكلّ القوى السياسيّة من مرشحين وأحزاب وتكتلات ضمن أُطر القانون .
3 ـ حريّة التعبير والاتصال بالناخبين وحريّة إجراء الحملات الانتخابيّة وعقد الاجتماعات واللقاءات الانتخابيّة . وإنّ مضمون أيّ نظام ديمقراطيّ إنّما يعتمد على أساس حريّة الانتخابات ونزاهتها وعدالتها وتحقيق المساواة بين المواطنين والمناطق ، والمعرفة الحقيقيّة بين الناخبين والمرشحين .
4 ـ إنّ أيّ نظام انتخابيّ حتى ينجح ، من الأهميّة بمكان أن يعبّر عن مصلحة القوى الشعبيّة الحقيقيّة وتيارات الرأي العام الواسعة كي يُسهم في عمليّة الإصلاح والتغيير وفي تطوير الحياة السياسيّة .
* * *
وهناك تقنيات من الأهميّة توافرها من أجل ضمانة ديمقراطيّة العمليّة الانتخابيّة ، يأتي في مقدّمها :
* حياد السلطة المطلقة في الانتخابات في مختلف مراحلها : منع ممارسات الضغط أو الترغيب أو الترهيب المباشَر على الناخبين أو المرشحين . وذلك عن طريق إجرائها تحت إشراف حكومة حياديّة موثوق بها تتمتّع بالمصداقيّة والشفافيّة وتكون هي وأعضاؤها موضع ثقة الرأي العام من ناخبين ومرشحين ، فتوفر مناخات واسعة من الحريّات المطلوبة بعيدة عن التأثيرات أو التدخلات.
* إلغاء ما ورد في قانون البلديات لعدم دستوريّته من حرمان رئيس ونائب رئيس البلديّة من الترشيح للانتخابات النيابيّة قبل استقالتهما بسنتين .
* سن تشريعات تنظّم نفقات الحملات الانتخابيّة وتحدّد سقفها ومراقبة الإعلام وتنظيمه ومساواة المرشحين في حقوقهم في استعمال الإعلام الرسميّ ، ومنع هيمنة سلطة المال ودوره في التزوير والتأثير المباشر أو غير المباشر في إجراءات العمليّة الانتخابيّة .
* تعديل سنّ الاقتراع من الواحد والعشرين سنة ( 21 ) إلى ثماني عشرة سنة (18)، وذلك من أجل فسح المجال أمام الطاقات الشابة والحيّة للانطلاق عن طريق ممارسة الديمقراطيّة إلى رحاب المستقبل والمساهمة في مسيرة الإصلاح والتغيير .
* مراقبة صحّة إجراءات الانتخابات وقانونيتها وعدالتها وديمقراطيتها ونزاهتها وذلك من قِبَل هيئة رقابة قضائيّة وهيئات منبثقة من مؤسّسات المجتمع المدنيّ .
* اعتماد المكننة والبطاقة الانتخابيّة الممغنطة وتنظيم وسائل النقل ومراقبة سريّة الاقتراع وتطبيقها بصورة مطلقة وإلزاميّة .
* وقف الحملات الإعلاميّة والإعلانيّة وتنظيم المهرجانات واللقاءات الانتخابيّة قبل بدء الاقتراع بمدة لا تقلّ عن ثماني وأربعين ساعة .
* تخفيض ضمانة الترشيح إلى حدّه الأدنى ممّا يكفل أوسع مشاركة للتيارات الديمقراطيّة والقوى الوطنيّة والكفاءات الثقافيّة والسياسيّة كافة .
* الإسراع أخيراً في إقرار قانون الانتخاب وتلك مسألة أساسيّة للإفساح في المجال أمام الناخبين والمرشحين للتحضير لمباشرة الحملات الانتخابيّة بجوّ كافٍ من الديمقراطيّة والحريّة .