كلمة المناضل - مع الذكرى الثانية لحركة 16 تشرين الثاني التصحيحية
كلمة المناضل العدد 48 تشرين 1972
مع الذكرى الثانية لحركة 16 تشرين الثاني التصحيحية
الدكتور . فواز الصياغ
رئيس هيئـة التحرير
ورد في بيان القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي الذي أعلن في الذكرى الثانية للسادس عشر من تشرين الثاني 1970 ،((أن حركة السادس عشر من تشرين الثاني التصحيحية لعام 1970 جاءت لتحسم التناقض الذي بات يهدد وجود الحزب ، وبالتالي وجود الثورة ومكاسب الجماهير . ولتعيد للحزب قوته وتماسكه وتكسر طوق العزلة بينه وبين الجماهير ، ولتؤكد من جديد هويته الشعبية الجماهيرية والتزامه العملي الصادق بالقضايا المصيرية لامتنا العربية )).
ان هذا الكلام يلخص للرفاق الحزبيين جملة من المسلمات والمعايير النضالية التي ينبغي إدراكها والعمل على ترسيخها وتطويرها بما يخدم مسيرة الجماهير العربية الكادحة التي وجد حزبنا وقامت الحركة التصحيحية فيه ، من اجلها ، ولدعم وحماية كفاحها في سبيل تحقيق أهدافها القومية الإنسانية في الوحدة والحرية والاشتراكية .
ان التناقض الذي جاءت الحركة التصحيحية لتحسمه ، إنما هو التناقض بين الشعارات وبين التطبيق ، أي بين القول والفعل ، وبالتالي بين الحقيقة وبين التزييف ، بين الممارسة الثورية التي تهدف إلى تحويل شعارات الجماهير إلى واقع حي ملموس يتطور مع استمرار مسيرة الثورة ، وبين التبجح الثوري الذي يخفي الحقيقة على القواعد الحزبية والجماهير الشعبية المناضلة ، ويسخر نضالها وإمكاناتها لخدمة أغراض انتهازية ومكاسب شخصية رخيصة ، على حساب كدح الكادحين ودماء الشهداء المناضلين .
أن حسم ذلك التناقض كان مطلبا حزبيا وشعبيا في وقت واحد ، لان الهوة السحيقه التي يوجدها مثل هذا التناقض بين قيادات الحزب وقواعده وبالتالي بين الحزب والجماهير ، من شأنها أن تحطم القلاع والحصون التي يشكلها التفاف الجماهير حول الثورة ، بفعل مؤامرة العزل التي تدبر لخلخلة صفوف الحزب وانتزاع ثقة الشعب به ، والانقضاض على الثورة وإسقاطها .
وعندما يقول بيان القيادة القومية أن الحركة جاءت لتؤكد من جديد هوية حزبنا الشعبية الجماهيرية ، والتزامه العملي الصادق بالقضايا المصيرية لامتنا العربية ، فذلك يعني أن الحزب بلغ ، قبل الحركة ، الحد الذي مهددا بانسلاخه عن الشعب الذي وجد الحزب في صميمه ومن اجل قيادته إلى آفاق مستقبل مشرق ، في الوقت الذي يقتضي بالضرورة أن يبقى الحزب فيه ملتصقا بالشعب يتفاعل مع قواه الخلاقة التي تكتشف بصدق الممارسة والالتزام الثوري ، ليس بالقضايا المصيرية للجماهير فقط ، وإنما بمشكلات حياتهم اليومية ومسائل معاشهم .
أن حزب البعث العربي الاشتراكي الذي انبثق قبل ثلاثين عاما في قلب الوطن العربي ومن خلال المجتمع المتخلف إنما جاء ثورة على ذلك الواقع الفاسد ومن اجل تغييره بالشعب ، ولمصلحة الأكثرية الساحقة المستغلة من أبناء الشعب العربي . ولقد استطاع حزبنا فعلا أن يحقق انتصارات عظيمة سوف يذكرها له التاريخ ولن تنساها الأجيال العربية المتعاقبة ، وذلك انه بلور أهداف الأمة العربية بشعاراته الثلاثية ( الوحدة والحرية والاشتراكية) ،
فصاغ بهذا ، لفصائل الثورة العربية ، عقيدة ثورية مازالت الأيام تؤكد صوابها وإجماع الجماهير العربية المناضلة ،عليها والالتفاف حولها بصيغ تنظيمية مختلفة تناضل اليوم لتصبح صيغة واحدة في سبيل أهداف واحدة محددة .
ولم يقف البعث ، كحزب ، طليعي ، عند هذه الحدود بالطبع ، ولكنه جسد بنضاله الدائم، شعاراته تلك ، واقعا حيا عرفته وتعرفه الجماهير في الدور الأساسي الذي قام به الحزب في مكافحة الاحتلال الفرنسي ومقاومة الدكتاتوريات العسكرية وإقامة وحدة 1958 وتفجير ثورة 14 تموز عام 1958 في العراق ومن ثم بناء المجتمع الجديد في سورية السائر في طريق التحويل الاشتراكي ، فيما يقف حزبنا بحزم ضد المشاريع التصفوية للقضية الفلسطينية ويدعم حركة المقاومة بلا حدود .
وباعتبار حزبنا وجد لأكثر من هذا كله ، ومن اجل الأمة العربية كلها وليس لسورية وحدها ، وفي سبيل ترسيخ التقاليد الثورية في المجتمع العربي المتحرر من عوامل التخلف والتجزئة وجيوش الاحتلال الصهيوني ومن التحكم الامبريالي بثروات الوطن العربي ، ولان ذلك كله بات مهددا بسبب الأزمة التي عصفت بالحزب قبل سنتين مضتا. فقد كان على الرفاق الحريصين على الحزب والثورة وقضايا الشعب والوطن ، أن يبادروا إلى حسم الأمور والخلاص من الأزمة ومتابعة الطريق الصحيحة التي رسمتها المسيرة النضالية للحزب خلال الثلاثين عاما الماضية .
ان ما تحقق في العامين المنصرمين ينبغي أن يؤكد للرفاق الحزبيين والمواطنين المناضلين على السواء ، أن الحركة التصحيحية قامت بالحزب ومن اجل الحزب والشعب ، وليس غير ذلك أبدا ، قامت بعد أن أدرك الرفاق المناضلون وفي طليعتهم الرفيق الأمين العام للحزب ، أن بناء المجتمع العربي الاشتراكي الموحد ، لا يقوم بدون بناء حزب ينتفي فيه الخوف والإرهاب ، وتترسخ فيه التقاليد الديمقراطية التي تجعل التفاعل بين القيادات والقواعد وبالتالي بين الحزب والشعب ، اكثر إيجابية وقدرة على مواصلة النضال ، وتخلق المناخ الملائم للتلاحم المبدع الخلاق بين الجماهير وقياداتها الثورية . ولقد اصبح واضحا بعد الحركة ، صحة مقررات المؤتمرات القومية والقطرية للحزب التي رسمت بوضوح الطريق الصحيحة لتمكين الشعب من حشد طاقاته في سبيل كنس الاحتلال الصهيوني وتطوير النضال الوحدوي الاشتراكي ، فيما كانت بعض العقليات المناورة المتسلطة تحول دون تحقيق تلك المقررات ، فتعرقل بذلك مسيرة الثورة وتزيد من خطورة وتفاقم التناقضات الثانوية على حساب التناقض الرئيسي بيننا من جهة ، وبين الامبريالية العالمية بقيادة الولايات المتحدة الاميركية والصهيونية العالمية وذريعتها إسرائيل من جهة ثانية .
واصبح من المؤكد أيضا أن هذه المشكلات الكبرى في المجالات المختلفة الداخلية والعربية والدولية ، إنما تخص القوى العربية الوطنية والتقدمية كلها ، وعليها جميعها أن تناضل معا وتتحمل المسؤوليات في سبيل تحرير الأراضي المحتلة وبناء وحماية الثورة داخل القطر ، والعمل الجاد في المجالين العربي والدولي لنصرة الحق العربي .
وجاءت الخطوات الجدية التي حققها الحزب بعد الحركة التصحيحية في هذه المجالات لتؤكد صحة الاتجاه وتقدم الدليل القاطع على صحة ما قاله الرفيق الأمين العام للحزب بهذا الصدد من ((أن وحدتنا الوطنية تتعزز وان قدرتنا على المواجهة تتعزز ، بقدر ما يعبر شعبنا عن رأيه ، وبقدر ما يمارس شعبنا من الحرية ، فنحن أقوياء بقدر ما نملك من الحرية ، وأحرار بمقدار ما نملك من القوة )) .
ان عمليات الردع المشرفة التي قامت بها قواتنا المسلحة ضد غارات إسرائيل واعتداءاتها الوحشية في تشرين الثاني الحالي وفي أيلول الماضي ، والإنجازات الديمقراطية والوحدوية والمكاسب الشعبية التي تحققت خلال العامين الماضيين ، تجعلنا على يقين ثابت من أن سياسة تعتمد على المؤمنين بمبادئ وأهداف الحزب والثورة ، وتضع حدا للانتهازيين المتمسحين 0على الأعتاب ، فتبني استراتيجيتها على أساس الثقة الواعية والإيمان بقواعد الحزب والشعب والإخلاص لقضاياه ، سياسة لابد أن تنتصر .
المناضل .